صبحي سليمان
استبد
الظُلم
والظلام في كُل
شيء،
وغير الظُلم
معاني كُل
شيء؛ حتى
الشمس أصبحت لا تفعل شيء سوى
الغروب …
لا أدري هل هو غروب حقيقي أم هي خيالات مُرعبة صورها لي عقلي المريض المُتعب من كثرة التفكير …
إن
جميع أفراد أُسرتى من السناجب أصبحوا يتحركون كالأشباح
الميتة خِشية
أن يُغضبوا
الثعلب الشرس الرابض أمام جُحرنا
مُنذ
البارحة، وفي كُل
وقت يفترس إما صديق لي أو قريب … فالكُل مُهدد بالموت؛ بل قُل إننا جميعاً ميتون ولكننا لا
نعرف الوقت الذي سيختاره الثعلب الشرس.
كم
أكرهه ...
إنه
آلة للقتل مُتجسدة
في شكل ثعلب …
إنه جسد بلا قلب …
فمُ سفاحُ بلا عقل ... يقتل بمُجرد أن يرى فريسته … لا أدري ما فائدة ما أكتبه
الآن إلا أنني قررت الكتابة حتى إن جاء دوري وسرقني قطار الموت بقيت تلك الورقة حية
حتى إذا جاء مَنْ بعدي فإنه سيعلم أننا عانينا كثيراً من
الثعلب؛
وكم نحن ضُعفاء معشر السناجب …
وقبل
أن يستكمل السنجاب الصغير حكايته ...
امتدت يد الثعلب الشرس داخل جُحر الفئران لتختار ضحيتها
التالية دونما تمييز؛
فالكُل
عنده سواء …
وظهر جُزء
صغير أسفل إبطه تكفي لمرور سنجاب صغير ليهرب من تلك المذبحة التي نصبها الثعلب …
وهُنا كانت أقدام السنجاب أسرع من
تفكيره، فما أن ظهرت
تلك الثغرة حتى هرول بكُل
ما أوتي من قُوة،
وأنطلق كالقذيفة
مُخلفاً
مخالب الثعلب وأنيابه خلفه ...
انطلق
السنجاب من جُحره الصغير إلى العالم الكبير … ظل يجري ويجري حتى وصل أطراف
الغابة البعيدة ...
وهُناك انتقل السنجاب الصغير من
قسوة الثعلب الشرس إلى جحيم الغابة المُرعب ... فالأشجار العالية تبدو
كالعمالقة التي تحرس عالم مجهول غريب ملئ بالأسرار … فعلم من اللحظة الأولى أنه قد يُقتل أو يُؤكل في أي وقتِ؛ ولكنه فكر ملياً ثُم قال : ـ
ـ لماذا
تأكلنا الثعالب
... ؟!
ثُم حدث نفسه بصوتٍ أعلى قائلاً : ـ كيف أتقي شرها وشر جميع
أعدائي ... ؟!
ثُم جلس تحت شجرة عالية يستريح ويُفكر فيما هو فيه ... فنظر نظرة يائسة للسماء مُستعطفاً خالقه كي يُنقذه من النار المُحيطة به … فسالت دمعة حزينة من مُقليته عَبرت عن الحُزن الدفين المُستوطن قلبه …
وفجأة
شاهد عُصفور
جميل يُرفرف
في السماء …
هُنا تمنى أن يُصبح عصفور له جناحان قويان
يستطيع أن يطير بهما عندما تقترب منه الثعالب …
ونام السنجاب الصغير ودموعه تُبلل وجهه الصغير …
وفي
الصباح إستيقظ على وهج الشمس الذي لفح وجهه؛ فتثاءب
وهو يقف على قوائمه الأربعة؛
إلا أنه فوجئ بوجود شئ غريب في يديه؛
فإنهما قد أصبحتا
جناحان؛
ولكنهما ليسا جناحان من الريش مثل أجنحة
العصافير؛
ولكنهما جناحان رقيقان من الجلد؛ ففرح السنجاب لهذا؛ وشعر بسعادة غامرة؛ وأخذ يشكر ربه على تلك الهِبة التي وهبها الله له ...
فجرى السنجاب الصغير وأخذ يُرفرف بجناحاه بقوة؛ وما هي إلا لحظات حتى أرتفع
الصغير عن الأرض؛
وأخذ يرتفع ويرتفع إلى أن صعد إلى عنان السماء؛ وأصبح في نشوة لم يشعر بها من قبل ... إنه سعيد جداً؛ فهو في قِمة السماء بعيداً عن مخالب الثعلب
وأنيابه …
إنه الآن سيعيش حياه هانئة سعيدة لن يُكدر
صفوها شيء ...
وبينما
هو كذلك إذ
بصقر قوي يقترب منه بقوة كي ينقض عليه بمخالبه ويلتهمه بمنقاره؛ وما أن رأي السنجاب الصغير هذا الصقر
القوي حتى رفرف بقوة كي يهرب منه؛
ولكن أين يختفي أو أين يذهب؛
فهذا الصقر قوي جداً؛
وله جناحان قويان؛
أما جناحاه
الضعيفان فلا جدوى منهما …
فالفضاء الواسع لا يُوجد
به أي جُحر
أو بيت كي يختبئ
فيه؛ فأيقن أن هذه هي النهاية …
وبالفعل
انقض الصقر القوي على السنجاب الضعيف؛
ورفرف بجناحاه مُتجهاً
إلى عُشه؛ وألقي به لأولاده الصغار … وعندما سقط السنجاب
في العُش
ندم على الأُمنية
التي تمناها؛
وعلم أن المُشكلة
الحقيقية تكمن في التغلب على الخوف نفسه؛
فإن تغلبت على خوفك إستطعت أن تفعل كُل
شئ وأي شئ ...
فتحت
الصقور الصغيرة مناقيرها الحادة وإقتربت من السنجاب
الصغير الذي صرخ صرخة قوية مُدوية استيقظ على أثرها من نومه … وأخذ يتحسس جسده وهو مُعتقداً أن الطيور قد مزقته؛ ولكنه ما إن فتح عينيه حتى
تأكد من أنه كان يحلم … فابتسم
ونظر للسماء وشكر ربه، وعلم في قراره نفسه أن الله قد أعطاه درساً كي يعلم أنه
مهما كان شكله؛ أو مهما تغيرت هيئته؛ فالأخطار ستُحيط به في كُل مكان؛ والأجدر به أن يُواجه خوفه ويُحاول التغلب عليه …
هكذا
تعلم السنجاب الدرس؛ واستدار
على عقبيه؛
وأتجه إلى جُحره كي يُواجه الثعلب الشرس مع أصدقائه؛ فإنه لو فكر جيداً بالتأكيد سيتغلب عليه … فإنه لابد للظُلم أن ينتهي يوماً.
هناك تعليق واحد:
جميل جدا
إرسال تعليق