|
ذكروا أنَّ..
قائداً شجاعاً خاضَ حروباً كثيرة فانتصرَ بها، وظنَّ أنَّ النَّصر حليفُهُ
دوماً.. فاستهانَ بعدوه الَّذي كان يُهيِّئُ نفسَهُ لقتالِ قائدٍ محنَّكٍ
عُرِفَ بالشَّجاعةِ، واشتُهرَ بالنَّصر.
وفي إحدى المرَّات خاض معركةً قاسيةً، فأبطأَ النَّصرُ عليه وتأخَّر،
وقُتِل من جنودِهِ أعدادٌ كثيرةٌ، وانسحبَ من المعركةِ يفكِّرُ بتنظيم
صفوفِه ثانيةً.
|
|
|
وفي أثناءِ الهدنةِ، فكَّرَ طويلاً،
ووازنَ بينَ موقفِهِ وموقفِ عدوِّه، فدخلَ إلى نفسِهِ الخوفُ والاضطرابُ،
ثم دبَّ اليأسُ القاتِلُ إلى قلبِه..
|
|
|
وقالَ: لقد جاءت النِّهايةُ، وخيرٌ لي
ألا أحاولَ مجابَهةَ عدوِّي ثانيةً، لئلا أَرجعَ خائباً مطأطِئ الرَّأسِ
إلى بلدي، وقد مَحَتِ الهزيمةُ النَّكراء انتصاراتي القديمةَ، وتاريخيَ
المجيد.
وبينما هو كذلكَ في يأسهِ وبؤسهِ، وكأنَّ الهموم كلَّها نزلت عليهِ دفعةً
واحدةً، استلقى على سريرهِ يريد أن يستريحَ قليلاً، وإذا بهِ يرى نملةً
صغيرةً تحملُ حبَّة قمحٍ تصعدُ بها على
الجدارِ، تريدُ أن توصِلَها إلى السَّطح، وكانتِ النَّملةُ كلَّما قطعت
مسافةً هوت إلى الأرضِ لثقلِ الحبَّة، وضعفِ قوائِمِها، فتأخذُ الحبَّة
مرَّةً أخرى، وتحاول الصُّعودَ ثانيةً.. حتَّى تكرَّر منها ذلك.
|
|
|
|
لفتتِ النَّملةُ انتباهَ القائدِ،
وأنسَتْهُ نفسَه، فكانَ يراقِبُها باهتمامٍ بالغٍ، ويَعُدُّ عليها
محاولاتِها
المتكرِّرةَ ويعجبُ من إصرارِها غير المحدودِ من أجلِ الوصولِ إلى هدفِها
البسيطِ الحقيرِ.. حتى وصلتْ أخيراً – وبعدَ جهدٍ ومشقَّةٍ – إلى
السَّطح، وكانَ القائدُ يَعُدُّ عليها محاولاتِها، فبلغتْ أكثرَ من عشرينَ
محاولَةً دونَ أن يعرفَ اليأسُ إلى نفسِها سبيلاً.
|
|
تعاطفَ القائدُ مع هذه النَّملة، ودهِش
من صنيعِها.. لقد تغلَّبت على المصاعبِ في سبيلِ شيءٍ هيَّنٍ.. وانتبهَ
لنفسِه وقال: لقد علَّمتني هذه النَّملة درساً عظيماً.. في الجدِّ
والمثابرةِ واجتنابِ اليأسِ، فحزمَ أمرَهُ، ووضعَ خطَّةً جديدةً متناسياً
أمجادَه الماضيةَ، مفكِّراً في حاضرهِ ومستقبلِه.
جمعَ جنودَه وبثَّ فيهم روحَ العزيمةِ وذكَّرهم بمستقبل وطنِهِم وأهلِهِم،
وقصَّ عليهَم حكايةَ النَّملةِ الضَّعيفةِ المجدَّةِ، فسرتْ روحُ العزيمةِ
والوطنيَّةِ في قلوبِهم، وخاضوا معركةً مظفَّرة.
|
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق