فى عمر ثلاث سنوات أمسك بالقلم، شعر منذ طفولته أنه سلاحه وصديقه، والمصباح السحرى الذى يستطيع أن يحقق كل أحلامه..
نشأ بمدينة بورسعيد، مدينة النضال والأبطال، دائماً كانت هدفاً لكل
الغزاة وكل عدوان، تعرضت على مرّ تاريخها للكثير من المحن، وشعبها بكل
بسالة قاوم الاستعمار، رجال ونساء وشباب وشيوخ وأطفال.. وكان الطفل مسعد
خضير أحد هؤلاء الأطفال.
قاوم الاستعمار والعدوان بطريقته الخاصة، أمسك سلاحه، قلمه الصغير،
وانطلق يطلق رصاص المقاومة حروفاً وشعارات يكتبها بخطه الرائع على الجدران،
قاوم الطفل الصغير الاحتلال بالفن والخط.. «من يتعاون مع الاستعمار له
الموت»، كلمات تتفجر بالوطنية التى تسرى فى دماء شعب بورسعيد الرائع كتبها
الطفل العبقرى الذى شبّ على الوطنية، فرسم فى طفولته لوحات لرموز الوطن من
الزعماء الذين غيّروا وجه التاريخ ، الزعيم أحمد عرابى زعيم الفلاحين،
والزعيم مصطفى كامل الذى قال: «لو لم أكن مصرياً، لوددت أن أكون مصرياً»،
جسدت ريشته ملامح زعيم الأمة سعد باشا زغلول الذى قاوم الاحتلال بثورة
1919، وغيرهم من الزعماء. ومنذ سنواته الأولى صار الخط هدف الطفل الصغير
مسعد خضير ليخطط حياته ويرسم ملامحها ليكون ناجحاً متفرداً.
عشق تراب مصر وكل حبة رمل على شاطئ القناة، كل نسمة هواء وترنيمة
طائر فى سماء مدينته الجميلة بورسعيد، فأطلق على نفسه لقب «البورسعيدى»
ليصبح اسمه «خضير البورسعيدى»..
وبذلك يكون سفيراً لمدينته فى كل مكان، وكان اسم بورسعيد حافزاً له
طوال مشوار حياته، فى أيام العدوان الثلاثى كان عمره 14 عاماً، كتب على كل
جدار «بورسعيد مقبرة الغزاة»، وتحققت كلمته على مرّ الزمان، ومرت حرب 1956،
وبعدها بسنوات كان نصر أكتوبر العظيم وعبرت مصر كلها ومعها شعب بورسعيد
الهزيمة، وأشرقت شمس النصر بعد سنوات الكفاح والنضال.
وما زلنا، أصدقائى، نتجول بين شوارع مدينة بورسعيد لتبوح لنا
بحكايات عن أطفالها الأبطال.. وتتذكر مدرسة القناة الإعدادية للبنين فى
بورسعيد أحد أبنائها؛ الطفل البطل الشهيد حسن حمود كان تلميذاً فى الثانية
عشرة من عمره، وبعد انتهاء كل يوم دراسى لم يكن يعود إلى منزله كبقية
الأطفال، وإنما كان يذهب إلى مطبعة معروفة لأهل بورسعيد تخصصت فى طبع
المنشورات المعادية للمحتلين هى مطبعة «مخلوف» فيأخذ كمية منها ويقوم
بلصقها على جدران المنازل وعلى عربات العدو ودباباته.
وفى يوم جمع الطفل الشهيد مجموعة من أطفال المدرسة ولحق بهم بعض
أطفال بورسعيد وساروا فى مسيرة بريئة أمام الجنود الإنجليز فى شوارع
بورسعيد، كان الطفل البطل حسن حمود ابن الثانية عشرة محمولاً على أعناق
الأطفال يهتف بحياة مصر ويطالب بانسحاب المعتدين، وهم من خلفه يرددون
هتافاته.. وفجأة أطلق الجنود البريطانيون الجبناء النار على مسيرة الأطفال،
فكان أول الشهداء هو الطفل البطل «حسن حمود» الذى تلقى دفعة من الطلقات
مزقت صدره الرقيق وفجرت قلبه الصغير، فسقط شهيداً فى بحر من الدماء الطاهرة
الزكية، وانفطر قلب «بورسعيد» بأسرها على طفلها الحبيب، ولم تنسَ ذاكرة
بورسعيد أحد أبنائها من الأطفال الأبطال الذين دافعوا عنها وقدموا أرواحهم
فداء للوطن الغالى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق