سماح أبوبكر عزت
«بالرغم من سعادتى بصداقة عبدالرحمن وأحمد وهشام، كنت أتألم
وأتعجب من أشجار البستان، كل شجرة لا ترى إلا نفسها وتشعر أنها الأجمل
وتريد أن تلون الكون بلون ثمارها!»
امرأة عجوز ترتدى ثوباً أسود تمسك بيدها مكنسة وتطير، تلك هى صورة
الساحرة الشريرة التى سكنت كتب الحواديت، أما الساحرة المدهشة فهى ترتدى
ثوباً زاهياً تسكنه أجمل الألوان، تطير وتقفز وتذهب إلى أى مكان، يحبها كل
الأطفال ولا يخافون منها، تتطور اللُّعب عاماً بعد عام، ووحدها تقام لها
المباريات فى كل القارات، ويتجمع الملايين لمشاهدتها والاستمتاع بها مهما
اختلفت لغاتهم وأعمارهم.
الساحرة المدهشة هى أنا.. الكرة.
فى كل بيت وفى كل نادٍ وبستان تجدنى أقفز هنا وهناك.واليوم أحكى لكم حكايتى مع عبدالرحمن وأشجار البستان
فى عيد ميلاد عبدالرحمن، كنت أنا الهدية التى اختارها واشتراها له
والده، ومن يومها لم أفارقه، نذهب معاً إلى كل مكان، أحياناً تغضب منى
والدته عندما يصر أن نلعب فى المنزل، فأندفع ومن دون قصد أحطم النوافذ
وأحواض الزهور والأوانى، تعاقبنى والدته، وكم من ليالٍ قضيتها تحت السرير
أو وراء الأرائك فى الوحدة والظلام!
يبكى عبدالرحمن ويعد والدته بألا نلعب معاً إلا فى النادى أو
البستان فتسامحه، ويحملنى بيديه الصغيرتين ويضمنى، وأرى ابتسامته الجميلة
فأقفز بسعادة ويجرى ورائى ونبدأ رحلتنا فى كل مكان.
كما وعد والدته، ذهبنا معاً إلى بستان أمام منزل عبدالرحمن، وهناك
تعرفت على صديقيه أحمد وهشام، ألقانى أحمد فتعلقت بشجرة البرتقال، فرحت
الشجرة وتأملت ألوانى الأحمر والأصفر والأخضر، وقالت: لو كان لونك
برتقالياً لون ثمارى الرائعة، لكان مكانك بين أغصانى، فأنا لا أحب الألوان
التى تذكرنى بجيرانى أشجار البستان. بعنف دفعتنى شجرة البرتقال فوقعت
وتناثرت حولى ثمارها، بسرعة جمعها هشام وألقانى بقوة فوجدتنى بين أغصان
عالية تحيط بى ثمار حمراء تغنى بصوت عذب وتقول:
أنا العالى أنا العالى وسعرى ليس بالغالى، طيور الروض تأتينى فى
بيتى كى تحيينى، وجلدى لونه أحمر إذا ما شئت أو أصفر، وكل الناس تهوانى
وتعشق كل ألوانى..
غنيت مع ثمار البلح الحمراء الشقية، فهزت النخلة جريدها وقالت: ما
أجمل لونك الأحمر الزاهى! لو كنت كرة حمراء لسكنت بين ثمارى. وألقتنى
النخلة بقوة فاصطدمت بالأرض وتألمت. سمعت صوت بكاء عبدالرحمن، بسرعة جريت
نحوه، رآنى واحتضننى وكانت ثمار البلح تتبعنى فجمعها. ومن جديد قفزت
واستقبلتنى شجرة الموز بأوراقها الخضراء الكبيرة، حملتنى بحنان وقالت: ما
أجمل لونك الأصفر يا كرتى الرائعة! أنا لا أحب بقية الأشجار، وثمارى ليست
مستديرة كالبرتقال ولا قصيرة كالبلح، أنا أجمل الأشجار، ثمارى لذيذة رشيقة
يحبها الصغار والكبار. ألقتنى شجرة الموز فى ضيق واندفعت ورائى ثمارها
فجمعها أحمد بفرحة. أوشكت الشمس على الرحيل، ورجعت مع أصدقائى إلى منزل
عبدالرحمن بعد يوم جميل قضيناه فى الطبيعة الرائعة، وبالرغم من سعادتى
بصداقتهم كنت أتألم وأتعجب من أشجار البستان، كل شجرة لا ترى إلا نفسها
وتشعر أنها الأجمل، وتريد أن تلون الكون بلون ثمارها!
ليتهم أصدقاء مثل عبدالرحمن وأحمد وهشام. شعر بى عبدالرحمن فضحك
وقال: لا تحزنى صديقتى، الآن ستصبح كل الأشجار وثمارها أصدقاء. وبعد دقائق
جاءت والدته تحمل أكواب العصير، ضحك أحمد وقال: عصير الأصدقاء ما أحلاه!
قال هشام: اشتركنا فى جمع فواكهه من البستان، رد عبدالرحمن: الله، ما
أطيبه! هنا البرتقال والبلح والتفاح يمرحون بسعادة على الرغم من أنهم أعداء
فى البستان.
نظرت إلى الأشجار وإلى أكواب العصير، كانت كل الثمار بالرغم من ضيق
المكان ترقص وتغنى لحناً واحداً، تنتشر رائحة الموز الجميلة مع رائحة
البرتقال المنعشة، وبينهما تقفز ثمار البلح فى بهجة وجمال، فالصداقة إحساس
بالحب والأمان، فرقهم بستان واسع كبير ووحدهم كوب عصير صغير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق