أَيْنَ اخْتَفى الليمور؟
مهند العاقوص
رسوم: سحر عبدالله
لو سَألتَ جَميعَ حيواناتِ الغابة , لقالوا
أنَّ قردان هو أبشعُ حيوانٍ فيها , لكنَّ أمَّهُ لفَّتْ عُنُقَهُ بعِقْدٍ مِنَ الخَرَزِ
الأزرق , فهي تراهُ منْ أجملِ حيواناتِ الغابة , وتخشى عليهِ منْ نظراتِ الحاسدين
!
ذاتَ صباحٍ استيقظَ الليمور , وراحَ يقفزُ
بمرحٍ وسرور , ولمَّا رآهُ الغرابُ قال " أهلاً بقردان النعسان "
أجابَ الليمورُ عاتباً " أنا لستُ قرداً
! أنا حيوانُ الليمور ولا أحبُّ أنْ تناديني بقردان "
ضحِكَ الغرابُ وصاح : حسناً لا تغضبْ يا
قردان النعسان !
اتَّجهَ الليمورُ صوبَ أشجارِ الفاكهةِ
ليتناولَ فطورَهُ , وهُناكَ التقى بالسنجاب , فراحَ السنجابُ يقلِّد الليمورَ في
قفزاتهِ , ويقولُ ضاحكاً " أنا قردان الجوعان "
انزعجَ الليمورُ مِن تصرُّفِ السنجابِ ,فاتجهَ
حزيناً إلى البحيرةِ ليرتاح , لكنَّ البطةَ نظرتْ إلى أولادِها وقالتْ "
انظروا ! هذا هو قردان الكسلان "
كانَ الجميعُ يسخرونَ منهُ , يضحكونَ على جسدهِ
الهزيل , وذيلهِ المُلتفِّ الطويل .
وذاتَ يومٍ قرأ الطَّائرُ الثرثارُ كلماتٍ
كتبتْ على ساقِ شجرة ...
" يا أصدقائي الحيوانات ... أنا أحبُّكمْ
وأحبُّ هذهِ الغابةَ التي تربَّينا فيها معاً .... لكنَّني لمْ أعدْ قادراً على
تحمُّل تعليقاتكمْ الساخرة... أنا راحلٌ عنْ هذه الغابة... سلامي إلى أمّي الغالية
"
طارَ الطائرُ الثرثارُ وراحَ يصيحُ " يا
أمَّ قردان ...لقد رحلَ قردانُ عن الغابةِ "
تجمَّعَ الحيواناتُ أمامَ الشجرة , كانتْ أمُّه
تعانقُ كلماتهِ وتبكي , امتلأتْ عيونُ الجميعِ بالدموع , وكلُّ واحدٍ منهمْ شعرَ
بالذنب , فلو عاملوا الليمورَ بشكلٍ جيِّدٍ لما فكَّرَ بالرحيلِ .
نظرتْ أمُّ قردان إليهمْ وقالتْ : لقدْ كسرتمْ
قلبي... بسببكمْ رحلَ ابني الوحيد... كيفَ أعيشُ من دونهِ ؟؟؟؟؟؟؟
أخفضَ الجميعُ رؤوسهم خَجَلاً , ثمَّ ذهبوا
جميعاً للبحثِ عنهُ , بحثوا في كلِّ مكانٍ منَ الغابة , وتوزعتْ الطيورُ على جميعِ
الغاباتِ المجاورة , لكنَّ أحداً منهمْ لمْ يعثرْ على الليمور !
في الصباحِ التالي ... بدتْ الغابةُ كئيبةً
حزينةً , فقدْ افتقدتْ الحيواناتُ صيحاتِ الليمورِ , واشتاقتْ الأشجارُ لقفزاتهِ
الرشيقة , وأدركَ الجميعُ أنَّ الليمور كانَ مصدراً للسعادةِ والسرور .
كانتْ أمُّهُ تخرجُ كلَّ صباحٍ للبحثِ عنهُ ,
فتسأل " هلْ شاهدتمْ ابني الليمور ؟ إنهُ جميلٌ وجذَّابٌ وحضورهُ يجلبُ
البهجةَ للقلوبِ , لقدْ صارت الغابةُ عجوزاً بعدَ غيابهِ " لكنها لم تتمكن من
العثورِ عليه !
وذاتَ يومٍ عادتْ الأفعى الملونةُ إلى الغابةِ
, فاجتمعتْ الحيواناتُ للترحيبِ بها ...
سألتْ الحِرباءُ " أينَ كنتِ كلَّ هذهِ
المُدَّة ؟ لقد اعتقدنا أنَّكِ رحلتِ إلى الصحراءِ "
أجابتْ الأفعى العجوز : لم أرحلْ ... لكنني
وقعتُ في فخِّ الصيادِ... فنزعَ أنيابي وضمَّني إلى فريقِ السرك... نجوبُ المدنَ
والقرى ... ونقدمُ عروضاً للأطفالِ "
اندفعتْ أمُّ الليمورِ من وراءِ الجميعِ
لتسألَ " هلْ ابني الليمورُ معكم في السيركِ ؟ فهو وسيمٌ ومضحكٌ ".
أجابتْ الأفعى : لا لمْ يكنْ معنا ... لكنْ
ربَّما يكونُ في فريقٍ آخر...
أرسلَ الأسدُ عدَّةَ طيورٍ للبحثِ عن الليمورِ
في المدنِ والقرى , لكنهم فَشِلوا في العثورِ عليه , وصارَ اختفاءُ الليمورِ لُغْزاً
يحيِّرُ العقولَ ويحزنُ القلوبَ .
إلى أنْ جاءَ اليومُ الذي انتظرَتْهُ أمُّ
الليمور طويلاً ! فقدْ صاحَ العصفورُ الدوريُّ " لقدْ وجدتُ قردان... وجدتُ
قردااااااااااااان "
جنَّ جنونُ أمِّهِ وهي تسألُ بلهفةٍ "
أينَ حبيبي الليمور أينَ هو قردان ؟؟؟ "
قالَ العصفورُ بعدَ أنْ التفَّ حولهُ الجميعُ
: إنَّهُ في حديقةِ الحيواناتِ القريبة ... مسجونٌ في قفصٍ معدنيٍّ وسقفهُ خشبيٌّ
.
أرادتْ أمُّ الليمورِ أنْ تسرعَ إلى ابنها ,
قبلَ أنْ تسمعَ البومة تقول " لا تستعجلي يا أمَّ قردان... نحتاجُ إلى حكمةٍ
وهدوءٍ لتحريرِ ابنك "
كانَ الليمورُ حزيناً في قفصهِ , نادِماً على
مغادرَتهِ الغابةَ , مشتاقاً لأصدقاءهِ وأمِّهِ , يقفزُ في القفصِ الصغيرِ ويصيحُ
" أعيدوني إلى أمِّي... أنا مثلكم لي أمٌّ أحبُّها وتحبُّني "
لكنَّ الأطفالَ المحيطينَ بالقفصِ , ظنُّوا
بأنهُ يلعبُ ويمرحُ , فراحوا يرمونَ لهُ الطعامَ ويضحكون !
عقدت الحيوانات مؤتمرا عاجلا , ووضعوا خطة
لتحرير الليمور من سجنه .
تعاون كل من العنكبوت ودودة القز والنملة
الخياطة والطائر الخياط , وصنعوا حبلا طويلا متينا ...
عندَ المساءِ تجمَّعت الحيواناتُ عندَ طرفِ
الغابةِ , بينما كانَ الغرابُ واقفاً على سورِ حديقةِ الحيوانات , ولمَّا نامَ
حارسُ الحديقةِ , طارَ الغرابُ وأخبرَ الحيوانات .
تقدَّم جيشُ النملِ الأبيض , يرافقهم نقَّارُ
الخشب والفأرُ والسنجاب , تسلَّقوا السورَ وراحوا يثقبونَ سقفَ السجنِِ الخشبي ,
وعندما انتهوا , تقدَّمت الزرافةُ ورمتْ الحبلَ إلى الليمورِ , وقامتْ الحيواناتُ
القويَّةُ بسحبِ الحبلِ , حتى تمكنَ الليمورُ من الخروجِ وراحَ يقفزُ بعيداً .
عانقتهُ أمُّهُ بينما كانَ الجميعُ فرحينَ
بعودتهِ .
صاحَ الحمارُ " علينا أنْ ننقذَ الجميع
... فكلهم مثلُ الليمورِ لهم أم ٌّتنتظرُ عودتهُ "
أنقذَ الأبطالُ جميعَ الحيواناتِ , وانطلقوا
منتصرينَ نحوَ غابتهم الجميلة , عادتْ الفرحةُ لتملأَ الغابةَ منْ جدبد ... أدركَ
الليمورُ كم هو محبوبٌ , وأدركَ الجميعُ أنَّ الليمورَ حيوانٌ جميلٌ بروحهِ المرحة
.
قالَ
الأسدُ " منَ اليومِ تنادونَ الليمورَ باسمهِ الحقيقي"
هتفَ الحصانُ " واسمهُ الحقيقيُّ هو قردان البهلوان هاها "
ضحكَ الليمورُ كثيراً وضحكَ الجميع ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق