النصيحة الضائعة
تأليف: د. ملكة أبيض، سليمان العيسى
جَمَعَتِ السُّلحْفَاةُ يَوْماً كُلَّ البَهَائِم والطُّيُورِ والأسْماكِ، وقالتْ لَهُمْ بِلهْجةِ تَحذْيرٍ وخَوْفٍ:
يا أَصدْقائي! أَقُولُ لَكُمْ بإيجازٍ: يَنْمُو في هذِهِ الغَابَةِ نَباتُ يَجِبُ عَليْنا إِتْلافُهُ، وإلاَّ أَتْلفَنَا.
فُوجِئَتِ الحَيَواناتُ بَعْضَ الشيء بِهذِهِ الكَلمَاتِ، وطَلَبتْ إِلى السُّلحْفَاة أَنْ تُرِيَها النَّبَاتَ.
قادَتِ
السُّلحْفَاةُ الْحَيَواناتِ إِلى طَرفِ الغابَةِ، حَيْثُ كانَتِ
الأَشْجارُ قدْ قُطعَتْ، وانْتُزِعَتْ جُذُورُها، وزَرَعَ النّاسُ مَكانَها
القنَّبِ.
قاَلتِ السُّلحْفَاةِ: ها هُوَ ذَا النَّبَاتُ!
تَذَوَّقتِ
الْحَيَوَاناتُ الأَوْراقَ الصَّغيرةَ، ووَجَدتْها أَكْثَرَ حُمُوضَةً
مِنَ الْخَشَبِ الْمَنْخُورِ، فَعافَتْها، وأَهْمَلتْ نَصِيحَةَ
السُّلَحْفَاةِ الْحَكيمةِ، مُكْتَفَيِةً بِمُغَادَرِة حَقْلِ القِنَّب
بَدلاً مِنْ إِتْلافِه.
حينَ بَلَغَ القِنَّبُ القَدْرَ الْمُناسِبَ مِنَ الطُّولِ جاءَ الرَّجالُ فاقْتَلعُوهُ، وصَنَعُوا مِنْهُ الحِبالَ.
ثُمَّ
أَخَذُوا حَبْلاً، وشَدُّوهُ إلَى طَرَفَيْ قَوْسٍ، وصَنَعوا سِهَاماَ
مِنْ أَشْجارِ النَّخيلِ، وأَطلْقُوا واحِداً مِنْها في الهَوَاءِ،
فَقَتَلَتْ عُصْفُوراً.
كانَ العُصْفُورُ مُمَدَّداً عَلَى الأَرْضِ، يُنازِعُ، حينَ اقْتَرَبَتْ مِنْهُ السُّلَحُفَاةُ بِهُدُوءٍ، وقالَتْ:
لو
كُنْتَ سَمِعْتَ نَصيحَتي، وشارَكْتَ في إِتْلافِ النَّبَاتِ الَّذي
زُرِعَ في الغابَةِ لَكُنْتَ الآنَ تَطِيرُ فَرِحاًَ سَعيداً في السَّماءِ.
أَخَذَ
الرَّجالُ حَبْلاً آخر، وعَقَدُوهُ إِلَى عَصاً مَصْنُوعَةٍ مِنْ سَعَفِ
النَّخيلِ، وعلَّقُوا شَصّاً في الطَّرفِ الآخَرِ مِنْهُ، وغَطَّسُوهُ في
الماءِ، وما هِيَ إِلاَّ فَتْرَةٌ وَجيزَةٌ حَتَّى علِقَتْ بِهِ سَمَكَةٌ،
فَرَفَعُوها وأَلْقوها إِلَى جانِبِهِم.
دَنَتِ السُّلحْفَاةُ مِنَ السَّمَكَةِ بِحَذَرٍ، وقالَتْ:
أَرأَيْتِ ما حَلَّ بِكِ ؟
كانَ
مِنَ الْمُمْكِنِ أَن تَكُوني الآنَ في البُحَيْرَةِ، تَسْبَحينَ
بِحُرَّيَّةٍ، لو سَمِعْتِ نَصائِحي، وأَتْلَفْتِ النَّبَاتَ الَّذي زُرِعَ
في الغابَةِ.
أَخَذَ الرَّجالَ
حَبلاً آخَرَ.. وعَمِلُوا مِنْهُ شَرَكاً. وثَبَّتُوهُ إلى وتَدٍ في
الغابَةِ. وما هِيَ إلاَّ دقائِقُ حتَّى كانَ وَعْلٌ قد سَقَطَ في
الشَّرَكِ وَهُوَ يَعْدُو مُسْرِعاً.
قالَتِ السُّلحْفَاةُ وهِيَ تقَتْرِبُ مِنَ الوَعْلِ:
لَوْ أَطَعْتَني وأَتْلفتَ ذلِكَ النَّبَاتَ في الغابَةِ لَكُنْتَ الآنَ تقفِزُ مَرِحاً في الفُسْحَةِ الَّتي تَتَوَسَّطُها.
ثُمَّ مَضَتِ السُّلحْفَاةُ الْحَكِيمةُ في طَريِقها، وهِيَ تُرَدَّدُ في حُزْنٍ وأَلَمٍ عَميقٍ:
وهكَذَا ... ضاعَتْ
نَصِيحَتِي في الرَّيحْ
لَمْ يَبْقَ مِنُ قَوْلـي
غَيْرُ الصَّدَى والرَّيحْ
كانُوا قِصَارَ النَّظَـرْ
فَطُوَّقٌـوا بِالْخَطَـرْ
إِنَّـي لأَرْثِي لَهُـمْ
هُمْ إِخْوَتِي يا رِيحْ!
هناك تعليق واحد:
اتحداك يشيخ نار القصة صاير حيسكوي نيسكوي بيسوي
إرسال تعليق