الجد الطائر
قصة للأطفال
بقلم: طلال حسن
" 1 "
ــــــــــــــ
عادت الأم ثعلبة ، مع الفجر ، من
جولتها الليلية ، وكالعادة ، استقبلها ثعلوب بفرح ، وأخذ يتواثب حولها ، وهو يصيح
: " أنا جائع ، يا ماما ، جائع ، جائع "
وتمددت الأم ثعلبة ضاحكة ، وقالت : " أعرف ، يا بني ، أعرف ، تعال
ارضع "
واندفع ثعلوب نحو أمه ، وأطبق بشفتيه على أحد أثدائها ، وأخذ يرضع ، وحين
شبع ، وضع رأسه ، على صدر أمه ، وقال :" ماما ، سمعت اليوم الأسد .. يزأر
"
وتثاءبت الأم ثعلبة ، وقالت " جدك لم يسمع الزئير فقط ، وإنما أيضاً
واجه .. الأسد
ورفع ثعلوب رأسه متسائلاً : الأسد !
وهزت الأم ثعلبة رأسها ، وهي تتثاءب ، وتغمض عينيها ، فقال ثعلوب : ماما ،
أرجوك ، حدثيني عن هذه المواجهة ، بين جدي
.. والأسد .
وقالت الأم ثعلبة بشيء من التذمر : أوه ، إنني متعبة ، يا ثعلوب ، دعني أنم
، سأحدثك عن هذا فيما بعد .
لكن ثعلوب لم يدعها ، وأخذ يصيح بإلحاح : كلا ، الآن ، الآن .
وتثاءبت الأم ثعلبة ، مرة أخرى ، وهي تقول : آه منك ، حسن ، أصغِ .
وتململ ثعلوب متشوقاً ، وقال : هيا ، يا ماما ، هيا .
وقالت الأم بصوت يغلب عليه النعاس : صادف جدك .. ذات ليلة .. الأسد .
واتسعت عينا ثعلوب : وتلاحقت أنفاسه ، فتابعت الأم ثعلبة قائلة : وهجم
الأسد على .. جدك .. وقد كشر عن مخالبه .. "
وصاح ثعلوب محتجاً : ماما .
فأستدركت الأم ثعلبة : أعني .. كشر عن .. أنيابه .. و ..
وارتفع غطيط الأم ثعلبة ، فصاح ثعلوب : وجدي ، ماذا فعل ؟
فهمهمت الأم ثعلبة : طار .
ورفع ثعلوب رأسه ، عن صدر أمه ، وصاح : طار !
وتنهدت الأم ثعلبة ، وهي تغوص في نوم عميق : طار .. صار خفاشاً .. وطار ..
طار .. طار .
" 2 "
ـــــــــــــــ
حلّ الليل ، وخرجت الأم ثعلبة ، تبحث عما تصطاده ، وبعد قليل ، خرج ثعلوب ،
لا ليبحث ، هو الآخر ، عما يصطاده ، وإنما ليبحث عن جده الطائر .
وتناهى إليه ، من بين الأشجار ، خفق أجنحة ، وخمن أنها أجنحة خفاش ، فخفق
أجنحة البومة ، حسبما تقول أمه ، لا تكاد تسمع .
وعلى ضوء القمر ، لمح خفاشاً ، يطارد حشرة ، ويلتهمها بلمح البصر ، وهي
تطير في الجو ، واستدار الخفاش ، وحام حول شجرة قريبة ، متباطئاً في طيرانه ، ثم
تعلق بقدميه ، في أحد الأغصان .
واقترب ثعلوب منه ، وقال : من فضلك ، هل رأيت جدي ؟
وحدق فيه الخفاش متسائلاً " جدك !
فأجاب ثعلوب : نعم ، جدي ، فأمي تقول ، إنه صار خفاشاً ، وطار .
وكتم الخفاش ضحكته ، وأشار إلى شجرة بعيدة ، وقال : جدك هناك ، يأكل ثماراً
، اذهب إليه .
وأسرع ثعلوب إلى الشجرة ، التي أشار إليها الخفاش ، فرأى خفاشاً ضخماً ،
يأكل ثمرة طازجة ، فناداه قائلاً : جدي .
والتفت الخفاش ، برأسه الشبيه برأس الثعلب ، وحدق فيه ، ثم قال : أيها
الأحمق ، ألا ترى ؟ إنني خفاش .
فقال ثعلوب : أرى ، يا جدي ، أنت الآن خفاش ، لكن قبل أن يحاصرك الأسد
المفترس ، ويهجم عليك ، كنت مثلنا ثعلباً.
وضاق الخفاش ، ذو الرأس الشبيه برأس الثعلب ، ذرعاً بثعلوب ، ففتح جناحيه
الكبيرين ، وانطلق مبتعداً ، وهو يصيح : كلا ، إنني خفاش .. خفاش .. خفاش .
" 3 "
ـــــــــــــــ
عادت الأم ثعلبة ، من جولتها
الليلية مع الفجر ، وعلى غير عادته ، لم يستقبلها ثعلوب بفرح ، بل ظل جالساً ،
مقطب الوجه ، حزيناً ، تكاد الدموع تطفر ، من عينيه .
وتظاهرت الأم ثعلبة ، بأنها لم تلاحظ
ما اعتراه من تغير ، فتمددت متضاحكة ، وقالت : بني ، أعرف أنك جائع ، تعال
، تعال ارضع .
فرد ثعلوب ، دون أن يتحرك : لا أريد أن أرضع .
فتطلعت الأم ثعلبة إليه ، وقالت : عجباً ، ما الأمر ؟
فرفع ثعلوب عينيه الغارقتين بالدموع إليها ، وقال : رأيت الليلة .. جدي .
واعتدلت الأم ثعلبة متسائلة : جدك !
وهزّ ثعلوب رأسه ، مغالباً دموعه ، وقال : ذهبت إلى الغابة ، بعد أن خرجتِ
، ورأيته برأسه الشبيه برؤوسنا ، يأكل ثمرة ، جدي المسكين ، لم يعد حتى يذكر أنه
.. كان ذات يوم .. ثعلباً ..
وصمت لحظة ، ثم أجهش بالبكاء قائلاً : هذا الأسد اللعين .. لن يفلت مني ..
سأقتله .. حينما أكبر .
ونهضت الأم ثعلبة ، وأخذته بين ذراعيها ، وقالت : ما رأيته ، يا بني ، خفاش
، اسمه ، الثعلب الطائر .
وتطلع ثعلوب مندهشاً إلى أمه ، فقالت : هذه هي الحقيقة ، يا بني .
وتساءل ثعلوب ، مغالباً دموعه : وجدي ، يا ماما ، ماذا جرى بينه وبين الأسد
؟
فاحتضنته أمه ، وهي تقول : دعنا من هذا ، يا بني ، أنت متعب ، والأفضل أن
تنام .
الثعلب الطائر : خفاش كبير ، يعيش في البلدان المدارية ، له رأس يشبه رأس
الثعلب ، وهو يأكل الثمار .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق