التاء المربوطة..
قصة ورسوم: عبير حسن
(إهداء إلى شهداء الكرامة والحرية.. أشرف من أنجبت أرض مصر الطيبة.. شهداء ثورة 25 يناير المجيدة ).
فى بلاد بعيدة بعيدة، عاشت مملكة الحروف المجيدة أوقات جد عصيبة. بعد أن عم البؤس البلاد، وطغى السلطان فى حكمه، وعاث فى الأرض فساد. فاتبع سياسة القسوة والعناد، والبطش بالعباد، ومن كل سوء زاد. فتوارت الألوان، وتوالت الأحزان، ولم يعد للفرح مكان. كما كثرت المظالم، وكثر الدعاء على السلطان الظالم. وتساءل الناس: ألم يعد لديه ذرة إحساس ؟
إلى متى سنصبر ؟
ومتى سنقاوم ؟
وعلى ربوة عالية، خضراء زاهية، عاش السلطان فى قصر منيع فسيح وسيع عيشة لاهية، يحسب أن دنياه باقية. فأحاط نفسه بالخبثاء والماكرين، وعلى رأسهم الوزير الأول زنان.
وفى يوم من الأيام جاء زنان، بحديث يتخابث به على السلطان، ودار بينهما هذا الكلام :
: أخشى أن أعكر صفو عظمتك يا مولاى، لكنك تعلم أنه ما من أحد فى المملكة حريص عليك سواى.
: يا زنان، هاتِ ما عندك دونما لف أو دوران.
اقترب الوزير الأول زنان من أذن السلطان متقمصاً دور الناصح الأمين، مطلقاً لنفسه العنان وقال: أراك يا مولاى كريماً جداً مع شعبك، وهم للأسف حاقدون عليك ولا يستحقون عطفك. ولقد وصلتنى أخبار عما يحاك لك من شر خارج قصرك.
انتفض السلطان من مكانه مذعوراً. فأكمل زنان ..
: لاداعى للخوف يا مولاى وكن صبوراً. لقد تركتهم يتسمون بكل الحروف دونما حذر أوخوف.
: هل هناك ما يستحق الخوف؟
: يا لطيبتك المعهودة ! الخوف هنا يا مولاى، وأشار إلى ورقة فى يده وهو يكرر ..
: الخوف هنا يا مولاى.. ما نخشاه هو هذا الحرف!
: إنها التاء المربوطة، مجرد حرف.. وهى بين الحروف دوماً موجودة.
: مولااااااااااى، الزمان غير الزمان، والأوان غير الأوان .
: أريد أن أفهم، زِدنى يا زنان.
فقال زنان فيما يشبه الهمس..
: لقد راقبنا نشاط هذا الحرف فى الآونة الأخيرة، ولدينا توقعات أمنية مُرعبة وخطيرة. إنه حرف جبار ذو قدرات خارقة وميول مارقة. فهو حرف أعجوبة، له مع كل الحروف معنى وشخصية، وبإمكانه أن يجعل الأحلام حقيقة مرئية. كما أنه يجعل الكلمات المستحيلة، جائزة ومعقولة. ثم تلفت يميناً ويساراً وقال..
: لقد رصدت عيوننا كلمات محظورة.
عند هذه النقطة أدرك السلطان خطورة ما يقوله زنان وقال ..
: إن ذلك لم يكن أبداً فى الحسبان، وهو خطر لايستهان.
: فلنوقف التسمى بهذا الحرف يامولاى، ولنكن فى عقابنا رادعين، حتى نبقى سالمين.
: فلنفعل ذلك الآن.
مضى منادى السلطان ينادى فى كل مكان:
أيها الناس، أصدر مولانا السلطان هذا الفرمان. تحذف التاء المربوطة من قاموس المملكة، لم يعد لها وجود الآن، يجب أن تمحى من الذاكرة والأذهان. ومن تسول له نفسه بتحدى هذا البيان، فإن يد السلطان ستبطش به أينما كان.
أيها الناس:
احذروا غضب السلطان..
احذروا غضب السلطان..
واستمر المنادى ينادى فى كل ركن وشارع ووادى. لكن ما غاب عن السلطان وزنان وحتى المنادى، أن التاء المربوطة قد أصبحت بالفعل موجودة. وأنها بالفعل قد صاغت الكلمات. وأن الناس قد عرفوا مما يخاف السلطان. لذلك لم يهتم أحد بهذا التهديد. ورغم تكرار الوعيد، أطلق الناس على كل مولود جديد اسم.. التاء المربوطة.
وفى غفلة من السلطان الذى اطمئن..
ولم يعد يسمع صوت شعبه وهو يئن..
كبرت التاء المربوطة !
كبرت..
وفهمت..
وثارت.
جمعت كل الحروف حولها وسارت..
.. نحو قصر السلطان العالى البنيان.
التفت الأحرف بالأحرف..
وتشكلت الكلمات المنتظرة..
فهتف الناس بقوة:
حرية.. حرية..
ورفرفت الحرية.
الله.. الله.. الله..
حرية.. حرية..
عدالة إجتماعية..
كرامة انسانية ..
والتف الناس بالناس..عرفوا أنهم أقوياء ولن يكونوا بعد اليوم عبيداً أو ضحية. عندئذ.. تلاشى السلطان، العز والجاه والصولجان. حتى الألعوبان زنان هرب، واختفى من المكان!
الله.. الله.. الله..
فتقدمت جموع الشعب الثائرة كالبركان، تمحوا بهديرها آثار الظلم والطغيان. فلم يصمد أمامها أحد. وتندر الناس على السلطان بعد أن رأوه يهرب، وعرفوا أنه جبان!
لقد غيرت التاء المربوطة وجه المكان، وفتحت باب الحرية والكرامة للإنسان. واستحقت لقب عروس الحروف، بعد أن أصبحت الحرية سيدة كلمات هذا الزمان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق