تنمية القدرات الإبداعية لدى الأطفال
دراسة من إعداد : يعقوب
الشارونى
المقصود بالإبداع :
تُستخدم
كلمة " الإبداع " فى مجالات علم النفس ، لتحديد بعض الملامح والخصائص
والمميزات الشخصية ، مثل التلقائية
والأصالة والذكاء الحاد ، وتشير الكتابات الأدبية إلى ما هو أصيل ومبتكر ، وإلى
حَدّ ماَ مُثْمِر .
* * *
والاهتمام
الجاد بدراسة الإبداع وبطريقة علمية منظمة ، لم يبدأ إلا فى أواخر القرن التاسع
عشر ، عن طريق ملاحظات قام بها العلماء حول العباقرة والنوابغ ، فبدأ الحديث عن
قدرات وإمكانيات تتمثل فى التلقائية والسيولة غير العادية فى طرح الأفكار والصور .
فالعقل المبدع الخلاق يَزْخَرُ دائمًا بالأفكار والتصورات الجديدة ، بالإضافة إلى
قدرة ذلك العقل على تقبل الجديد والاستجابة له ، ثم الحَدْس ونَفَاذ البَصيرة .
* * *
ويرى
كثير من علماء النفس وعلماء التربية ، أن العبقرية لا تورث ، وإنما تُصنع ، فعوامل
البيئة والتربية والإعداد والمران ، كل هذه عناصر أساسية ، حتى بالنسبة لمن منحتهم
الطبيعة العديد من المواهب ، أما الوراثة ، فإنها لا تقدم سوى " البذرة
" ، التى يجب أن تُغرس فى التربة الملائمة ، ثم نتولاها بالرعاية والتهذيب
قبل أن تنضج وتتفتح .
إن
الإبداع هو حصيلة توافق عدد من العناصر الذاتية الداخلية ، مع عوامل أخرى خارجية
أو بيئية .
وتكشف
الدراسات أن كل شخص يمتلك قدرًا ما من تلك المقدرة الخاصة ، التى نسميها "
الإبداع " ، وأنه يمكن تعهد هذه المقدرة وتنميتها بالتدريب والمران . ذلك أن
السلوك الإبداعى يتضمن كثيرًا من عناصر : حب الاستطلاع ، والرغبة فى الكشف
والارتياد ، وإثارة التساؤلات ، وتقديم إجابات غير تقليدية وغير مألوفة على هذه
التساؤلات ، وظهور كثير من علامات الاستقلال والتمايز فى التفكير والتجربة .
إن
الإبداع هو القدرة على التعامل - بطريقة متميزة - مع المشكلات الغامضة أو غير
المحددة ، والعثور على افتراضات جديدة وأصيلة ، وتجريب أساليب وتطبيقات جديدة
تمامًا .
والتفكير
الإبداعى تفكير غير تقليدى أو غير مألوف ، لذلك فإن الإبداع يجب أن تُتاح له
الفرصة لإثبات أهميته وفائدته . لكن هذا ليس معناه أن النشاط الإبداعى يجب أن يدور
دائمًا حول الأمور النافعة أو المجدية .
إن معظم العلماء يعطون أولوية لعنصر
" الجِدَّة " ، التى تشير إلى الأصالة والابتكار . وأن تكون هذه الجدة
قادرة على التكيف مع الواقع ، بحيث يكون العمل الإبداعى استجابة لمشكلة معينة ، أو
تقديم حَلّ لمشكلة ، ويشترط بعض الباحثين فى العمل الإبداعى أن يكون جديدًا
ومفيدًا نافعًا . وهناك باحثون يكتفون بكون العمل الإبداعى مقبولاً من الناحية الجمالية .
ولابد من التمييز بين الإبداع والذكاء ،
فلا توجد بالضرورة علاقة تطابق بين الاثنين . فمقاييس الذكاء المعروفة ليست
معيارًا صحيحًا لقياس مستوى الأصالة والإبداع .
فهناك عدد كبير من العلماء يميلون إلى
التمييز بين نوعين مختلفين من القدرات
العقلية :
الأولى : هى القدرات التى يمكن قياسها
باختبارات الذكاء المعروفة ، بينما الثانية : هى قدرات استثنائية ، يُطلق عليها
اسم " القدرات الإبداعية " .
إن مستوى الذكاء المطلوب للإبداع يختلف
من مجال لآخر ، بحيث إنه قد يكون منخفضًا فى بعض الأحيان إلى درجة تثير الدهشة .
فالمهم فى الإبداع ، هو مدى قدرة الشخص المبدع على استخدام ذلك القدر من الذكاء
الذى يتمتع به فى إنتاج أعمال إبداعية وفى قدرته على أن يُوَجِّه هذا القدر من
الذكاء لهذا الغرض بفاعلية واقتدار .
* * *
والإبداع ظاهرة عامة ، يمكن أن نجدها فى
كل المجتمعات الإنسانية ، وفى مختلف مراحل التطور الاجتماعى والثقافى .
* *
*
كذلك لا يقتصر الإبداع على سن دون أخرى
، وإنما يمكن أن نجد إبداعًا فكريًّا أو فنيًّا لدى الأفراد من مختلف الأعمار ،
فهناك الكثير من الإنجازات الكبرى فى مجالات العلوم والفنون ، قد قام بها أشخاص
مبدعون فى مراحل متأخرة من العمر .
* * *
وكثير
من الأعمال قد تُدْخِل على التجربة الإنسانية العادية كثيرًا من عناصر التحوير
والتعديل ، التى قد تؤدى فى النهاية إلى تغييرها تغييرًا شاملاً بحيث تتعارض مع
الأوضاع التقليدية ، مما قد يمثل تحديًا لها .
القدرات
المميزة للتفكير الإبداعى :
وهناك مظاهر أساسية تكاد تكون مشتركة
لدى أغلب المبدعين ، منها ما يذكرونه هم أنفسهم " المبدعون " من أن
الشقاء والتعاسة التى لازمت طفولتهم ، كانت من أهم العوامل التى فجرت ينابيع
الإبداع الكامنة فى أعماقهم . ولكن ليس معنى هذا أن شقاء الطفولة شرط ضرورى لتنمية
المواهب الإبداعية ، فالطفولة السعيدة لا تتعارض مع الموهبة ولا تقتل المقدرة
الإبداعية .
ولعل أهم المظاهر المشتركة بين المبدعين
، هو مدى ما تتيحه العلاقة بين الوالدين والطفل من فرصة لتحرر الطفل وانطلاقه ،
وبالتالى استقلال شخصيته . بالإضافة إلى كثرة الفرص المتاحة للاحتكاك بالثقافات
الأخرى المختلفة والاتصال بالآخرين ، وغير ذلك من العوامل التى تساهم فى تعميق
التجربة الذاتية وتنوعها ، وزيادة الخبرة وشمولها .
إن الإبداع يحتاج إلى الشعور والإحساس
بالحرية والانطلاق ، وعدم الكبت أو الرضوخ لأى نوع من أنواع القهر .
* * *
عوامل
القدرة الإبداعية :
1 - الطلاقة :
وقُصد بها القدرة على إنتاج أكبر عدد
من الأفكار الإبداعية . فالشخص المبدع شخص متفوق من حيث رصيد الأفكار التى يقترحها
حول موضوع معين ، وفى وحُدة زمنية ثابتة
، مقارنة بغيره ... أى أنه على درجة مرتفعة من القدرة على سيولة الأفكار ، وسيولة
توليدها .
وللتدريب على هذه القدرة ، هناك تدريبات
لسرعة التفكير ، وذلك بأن نطلب من الطفل إعطاء كلمات فى نسق محدد ، تبدأ مثلاً
بحرف معين أو مقطع معين ، أو تنتهى بحرف معين
أو مقطع معين ، أو تصنيف الأفكار
أو الكلمات حسب متطلبات معينة ، مثل القدرة على سرعة ذكر أكبر عدد من أسماء الجمع
أو الأشياء الصلبة أو البيضاء ، أو إعطاء أكبر عدد من العناوين لقصة ، أو القدرة على
وضع كلمة معينة فى أكبر قدر ممكن من الجمل والعبارات ذات المعنى .
2 - المرونة :
ويُقصد بها القدرة على أن يغير الشخص
وجهته الذهنية عندما يتغير الموقف ، أى قدرته على التحرر من الأفكار النمطية ، ومن
الانغلاق داخل معتقداته الذاتية ، وهى بهذا المعنى عكس التصلب العقلى . إن الوقوف
عند أسلوب واحد تقليدى ، يقضى على كثير من مظاهر الثراء والتنوع الإبداعى ، خاصة
فى ميدان الفنون .
3 - الحساسية للمشكلات :
فالشخص المبدع يكتشف الأخطاء بسرعة ، كما يتبين
نواحى النقص والقصور والضعف الكامنة فى الأشياء أوضح وأسرع من غيره ، ويحس
بالمشكلات إحساسًا مرهفًا ، كما تكون لديه القدرة على اقتراح حلول إبداعية لإكمال النقص والضعف ، فهذه القدرة ، تزيد احتمالات وصول المبدع إلى الخلق
والابتكار ، لأنه من الحساسية للمشكلات ، تنطلق الإمكانيات نحو سد الثغرات ، أو
فهم الغموض وإزالته . فالمبدع يتنبه للأشياء التى لا يلحظها غيره ، ويراقبها ، وهو
بهذا أكثر تفتحًا على بيئته .
4 - الأصالة :
فالشخص المبدع
لا يقتبس أو يردد أفكار المحيطين به . ويمكن الحكم على الفكرة بالأصالة فى ضوء عدم
خضوعها للأفكار الشائعة . والشخص صاحب التفكير الأصيل ، هو الشخص الذى ينفر من
تكرار أفكار الآخرين ، ومن حلولهم التقليدية للمشكلات .
5 - الاحتفاظ بالاتجاه ومواصلته :
فالشخص المبدع
يتميز بقدرته على التركيز لفترات طويلة جدًّا فى مجال اهتمامه . فالإبداع ليس
شيئًا عابرًا أو سريعًا ، وليس أمرًا يقوم به الإنسان عفو الخاطر أو بشكل لا إرادى
، بل إن المبدع يجب أن يكون صاحب قدرة على التركيز المصحوب بالانتباه طويل الأمد
تجاه هدف معين بالرغم من المشتتات والمعوقات ، فهو يستطيع أن يتخطى العقبات ويلتف
حولها ، ولا يتركها تقف على سبيله .
6 - القدرة على تكوين ترابطات واكتشاف
علاقات :
فكل فكر إبداعى
يقوم فى حقيقته على خلق نظام جديد من العلاقات بين الأشياء بعضها والبعض الآخر ،
أو بربطها بعالم الخبرة الذاتية والوجدانية ، والقدرة على القيام بتكوينات كبيرة
من فكرة أو أفكار قليلة .
7 - النفاذ :
وقد يسمى "
الاستشفاف " . وهذه القدرة تعنى تمكن المبدع من النظر البعيد . إنها تعنى
قدرة العقل المبدع على اختراق حواجز الزمان والمكان ، ورؤية ما يكمن خلفهما .
فهناك مناطق مجهولة من المعرفة الإنسانية ، تخفيها المظاهر السطحية للأشياء .
والقدرة على الذهاب إلى تلك المناطق البعيدة ، بشكل يتجاوز الحواجز والقيود ، هو ما
يقصده العلماء باسم " النفاذ " .
8 - قدرة المبدع على القيام بعمليات التحليل والتركيب :
وتمكنه من أن يتحرك ذهنيًّا من البسيط إلى
المركب ، ومن المألوف إلى غير المألوف ، ومن المحسوس إلى المجرد ، ومن الماضى إلى
الحاضر ثم إلى المستقبل بقدرات الخيال .
9 - القدرة على تنظيم الأفكار :
وتلك من خصائص الطفل الابتكارى المبدع ، وإعادة
تنظيمها مستخدمًا المهارات الإبداعية ، حتى يتهيأ له أن يرى بوضوح قيمة ما جمعه من
أفكار ، وما توصل إليه من حقائق ، ليستطيع أن ينطلق إلى أفكار أصيلة أو حقائق
جديدة .
* *
*
وفى
ضوء هذه القدرات للإنسان المبدع ، نستطيع أن نفسر السبب فى المقاومة العنيفة التى
يواجهها المبدعون على مر التاريخ . فقد أثبت علماء السلوك الاجتماعى ، وجود مقاومة
اجتماعية مستمرة للأفكار الجديدة . فالناس ينزعجون لإلغاء أو نقد أو تغيير ما استقروا
عليه من نظام ثابت من الأفكار . وبذلك يكون على المبدع أن ينمى قدرته على تكوين
ترابطات جديدة ، وعلى تحرير نفسه من الارتباط بما هو تقليدى ، وعليه أيضًا أن
يتفنن فى التغلب على المقاومة الاجتماعية التى تواجه آراءه واكتشافاته .
كيفية تنمية القدرات الإبداعية :
لقد
أكد العلماء على أننا نستطيع زيادة قدراتنا وطاقاتنا على الخلق والإبداع ، إما من
خلال التدريب ، أو من خلال أساليب التربية التى تساعد على احتضان الشخصية
الإبداعية وإثارة مناخ اجتماعى يحمى التفكير الإبداعى ويرعاه ويشجعه .
إن
التشجيع على إعطاء إستجابات مبتكرة ومتنوعة ، يؤدى بلا شك إلى زيادة فى شيوع
الاستجابات الأصيلة فى سلوك الفرد .
* * *
كما
أن تهنئة الشخص على الفكرة الجديدة التى ينتجها ، تساعد كثيرًا على نمو القدرة
على إمكانية تقديم استجابات أصيلة .
كذلك
فإن إتاحة الفرصة للاستخدام العملى للأفكار الإبداعية ، يعزز من الأصالة ويزيد من
تواترها .
* * *
ولا
شك أن اهتمام المجتمع أو الأشخاص المحيطين بالمبدع - بأن يؤكدوا له دائمًا أن
استجاباته جديدة وطريفة ومناسبة - سيؤدى إلى أن تزداد ثقة المبدع بنفسه ، كما ستنمـى قدرته على المبادأة وعلى القيادة .
* * *
كما
أن الحرص على أن يكتسب الفرد ثروة من الأفكار خلال مراحل الخبرة - يعد مقدمة
ضرورية لكى يجد المبدع المادة التى يستطيع أن يصوغها صياغة جديدة ، أو يضعها فى
تركيب جديد . ومن هنا تظهر أهمية إعطاء الفرصة للأطفال فى اكتساب خبرات جديدة ،
منها زيارات الحقول والمتاحف والمصانع ، والقراءة وإجراء التجارب ، ومشاهدة
الآخرين وهم يعملون . فكما يحوِّل الفنان خبرته المكتسبة إلى رواية أو مسرحية أو
قصيدة ، فإن العالم يحول خبرته التى تدور حول المعلومات والوقائع والنظريات والبيانات
التى عرفها واكتسبها ، إلى صياغة نظريات جديدة .
* * *
كذلك فإن تشجيع الطفل على الربط بين
العناصر المتعارضة ، أو التى تبدو متعارضة ، من أهم أساليب تنمية وتدريب القدرة
الإبداعية .
* * *
دور
البيئة التى تحيط بالطفل :
ومما يساعد على تنمية الإبداع وتدريبه
، أن يوجد الطفل فى وسط جماعة تتسامح مع الأخطاء ، وتشجع على الاختلاف ، ولا تكثر
من النقد ، وتأخذ موقفًا تشجيعيًّا لأفكار أفرادها .
بينما يقضى على الإبداع ، وجود الطفل فى
وسط جماعه تسلطية ، تكثر من النقد ، ولا تتسامح إزاء الأخطاء ، وتنبذ من يخرج عن
المألوف ، وتسخر من الجديد ، وتتسم بالصلابة وضيق حرية الحركة المسموح بها ،
وممارسة أنواع من الضبط والعدوان والإحباط .
إن الإسراف فى الانتقاد واللوم وإظهار
السلبيات ، خاصة عند بداية ظهور الأفكار الجديدة ، يؤدى عادة إلى خوف الشخص ،
وعندئذ يتراجع معيار تفكيره ، وتنخفض بالتالى الأفكار المبدعة لديه .
إن كثيرًا من أفكار العلماء العميقة ،
بدأت من ظواهر كانت تبدو للبعض تافهة أو لا تستحق الإلتفات . وقد كتب ابن "
داروين " عن أبيه يقول : " كثير من الناس عندما تصادفهم نقطة تبدو أنها
تافهة ولا صلة لها بما بين أيديهم من أعمال ، يمرون عليها دون أن يحسوا بها
تقريبًا . وقد كانت هذه بعينها هى الأمور التى يقف عندها داروين ليبدأ منها "
.
إن الآباء والأمهات الذين يمكن أن
يساعدوا على نمو قدرات أطفالهم الابتكارية والإبداعية ، هم الذين يتميزون بتفتح
الذهن ، والمرونة العقلية ، والقدرة على التكيف ، والبعد عن التزمت ، وعدم التسلط
، والقدرة على تناول وجهات نظر متعددة ، والقدرة على منح الطفل قدرًا من
الاستقلالية ، مع توفير جو من التشجيع والأمان ، والثناء على النجاح ، حتى يكتسب
الطفل نوعًا من الثقة والتفاؤل والرضا ، ونسبةمرتفعة من توقع النجاح ، واختيارًا
لمستوى أعلى من المُخاطرة .
إن ارتفاع مستوى الطموح - وبمعنى آخر :
" قوة جاذبية المستويات الأصعب من
الأداء "- إنما يحدده قوة توقع النجاح . ومن المؤكد أن جو الأمان
والتشجيع على النجاح ، يساهم بدرجة كبيرة فى نسبة توقع النجاح ، والإقبال على
المخاطرة .
فلابد أن يسود الأسرة إطار من
التَقـبُّل للأبناء ، وشعورهم بالأمان من العقاب كجزاء على التجديد أو الاستقلال ،
لكى تنمو عادات التفكير والسلوك الإبداعى لديهم .
* * *
احترام
خيال الأطفال :
كما يجب أن نحترم خيال الأطفال ، وأن
نتجنب تعطيله وتعويقه ، وأن يكف الكبار عن الاعتقاد الراسخ لديهم بأن ما يفكر فيه
البالغون هو الصحيح والحقيقى فقط .
فالوالدان عندما يحاولان باستمرار توجيه
ابنهما إلى الواقع ، وإلى ما يعتقدان أنه مفيد وعملى - كلما وجدا ابنهما
مُحَلِّقًا فى سماء الخيال - إنما يعوقان نمو خيال ابنهما بدرجة كبيرة ، أى إننا حينما نستهين بخيال الطفل ، نوصد أمامه هذا الباب السحرى إلى الأبد
.
وهناك الكثير من الآباء يتملكهم القلق
إزاء تخيلات الطفل فى سن الثالثة معتقدين أنها قد تتحول فى ذاكرته إلى أكاذيب
وأوهام ، وأنه لن يتعلم التمييز بين الواقع والخيال . أما الحقيقة ، فهى أنه من
الصعب أن يفرق الطفل فى هذه السن بين الواقع والخيال ، وعلى الكبار أن يُظهروا
اهتمامهم بتصورات الأطفال الخيالية وأن يشاركوهم فيها ، بتأليف قصة مثلاً تدور حول
تصورات الطفل الخيالية ، فيحس الطفل أن الحاضن يشاركه خياله ويتخيل معه . وكلما شب
الطفل وترعرع ، كلما اتضح له ، طبيعيًّا ، الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال .
احترام
قدرات الطفل الموهوب :
ولتنمية قدرات الطفل الموهوب ومواهبه
الإبداعية ، فإن علينا احترام رأيه ، والإجابة عن أسئلته بحسن تصرف ، وأن ندرس معه
أى مشكلة يبحث لها عن حل ، مع تشجيعه ومناقشته فى المسائل المختلفة ، مع مراعاة
مستواه العقلى ، واحترام قدرته على التفكير . كذلك فإن علينا أن نتوقع من الطفل
العمل الذى يتناسب مع قدراته ، وألا نطلب منه ما لا يتناسب إلا مع من هم أكبر منه
سنـًّـا .
الاهتمام
بالميول الإبداعية للأطفال :
كذلك فإن علينا - لتنمية قدرات الطفل
الإبداعية - أن نهيىء له بيئة تقدم له فرصًا لمواجهة مختلف الميول ، كما نقدم ما
يمكن أن يتحدى قدرات الطفل فى الحدود المعقولة ، ليكون هذا حافزًا على نموها
وتطورها . وعلينا أن نعطى الطفل حرية العمل فى شتى مجالات ميوله ، وأن نساعده على
استخدام مواهبه من حيث القدرة على الخلق والابتكار .
كذلك
يجب أن نتجنب أن نطلب من الطفل الموهوب تحقيق مستويات مرتفعة من التحصيل فى كل
المواد الدراسية . إن الطفل الموهوب لا يميل عادة إلى جميع هذه المواد بدرجة واحدة
، وبالتالى لا يكون مستوى تفوقه فيها واحدًا .
حرية الأطفال فى الرسم :
كذلك
يجب أن نمتنع عن أن نقدم للطفل كراسات التلوين ذات الرسوم الجاهزة ، أو أن نطلب منه نقل الرسوم من الكتب
والنماذج ، بل لابد أن نترك للطفل حرية اختيار موضوعات رسومه ، يعبر فيها عن نفسه
بخياله المنطلق ، وبالألوان التى يحبها ، وبالأسلوب الذى يروق له ، غير مقيد لا
بنسب ولا بمنظور ، ولا بتطابق مع الطبيعة لا فى الشكل ولا فى الألوان ، فهذا هو
السبيل الأمثل لكى يكون التعبير الفنى مستجيبًا ومفجرًا لطاقات الإبداع عند الطفل
.
العمل على زيادة خبرات الأطفال :
كما
أن حجرة الطفل فى البيت أو المدرسة ، التى تستثير أعلى مستوى من التعبير الخلاق
عند الأطفال ، هى التى تزودهم بشتى الفرص التى يختارون من بينها ما يناسبهم .
فالأشياء والأنشطة والمواقف التى تؤدى بطفل ما إلى التعبير عن تفكيره الإبداعى ،
ليست هى ذاتها دائمًا التى تكون دافعًا لغيره فى نفس الاتجاه .
إن
الأنشطة التى تتطلب البحث عن المعلومات ، وعن المعانى ، وتوسع أفق الفهم والمعرفة
، والتى تفتح آفاقًا جديدة للإدراك ، تؤدى إلى أن يستعمل الطفل قدرًا متزايدًا من
المهارات الناضجة ، التى تؤدى إلى زيادة قدراته الابتكارية والإبداعية .
الإجابة عن أسئلة الأطفال :
والطفل
يواجه مواقف لا يفهمها ، لا لشىء إلا لأنه لم يجد جوابًا عنها . ولابد أن نوفر
المثيرات اليومية التى تشجع الأطفال على الإقبال على التساؤل ، وتحملهم على إلقاء
الأسئلة التى تبدأ بأدوات الاستفهام : لماذا ، وكيف ، ومتى ، وأين ؟
ويجب
أن يكسب الطفل القدرة والثقة بالنفس فى بحثه عن الإجابات ، حتى يكون مستعدًا
لمواجهة المجهول ، والتفكير الخلاق ، بثقة واطمئنان .
علينا
أن نوجه الطفل ، ليس فقط ليلقى مزيدًا من الأسئلة ، بل أيضًا ليبحث بنفسه عن
الإجابات ، سواء فى الكتب أو عن طريق سؤال المربين ، أو عن طريق الملاحظة ، أو
باختبار الاحتمالات المختلفة . وليس هناك سن يكون الطفل فيه أصغر من أن يتعلم عن
طريق التفكير فى المشكلات التى تثير اهتمامه بها .
إنشاء النوادى للهوايات :
كذلك
يمكن تكوين نوادٍ خاصة للأطفال والتلاميذ ، الذين يهوون الرسم ، أو التصوير ، أو
الموسيقى ، أو العلوم ، أو الأشغــال اليدويــة ، أو جمــع طوابــع البريــد ، وغيرهــا من الميــول
والهوايات . إن مثل هذه النوادى والأماكن
المخصصة لممارسة الهوايات - والتى تنمى
الإبداع ، والتى تقوم على أساس ميول الأطفال - تزيد من حماس التلاميذ
ورغبتهم فى العلم
، وتساعد على الكشف عن الموهوبين منهم ، كما تعمل على تنمية قدراتهم على الخلق
والإبداع . كما يجب توفير أماكن وأدوات ممارسة مثل هذه الهوايات فى المدارس
والأحياء لتنمية الإبداع وتشجيع المبدعين ، وإشعارهم بتقدير المجتمع لهم ، تشجيعًا
لهم على مواصلة الجهود ، واستمرارهم فى البحث والاستقصاء .
اللعب
الدرامى والإبداعى :
كذلك فإنه عندما يضع الطفل على رأسه
وعاء طبخ صغير متخيلاً أنه الخوذة التى يلبسها رجل المطافئ ، أو عندما يريد الطفل
أن يمثل دور هذا الرجل فى لعبة من ألعابه التخيلية ، أو عندما يعمل الطفل من أحد أكياس
النايلون ما يتصور أنه بالون يصعد به إلى الفضاء ، أو عندما يأخذ قطعة كبيرة من
البلاستيك ويربط حوافها بقطع الدوبارة لكى يصنع منها مظلة هبوط ، متصورًا أنه يقفز
من طائرة ، أو عندما يأخذ بعض حبات البازلاء فى الطبق ويصفها على شكل زخرفى قبل أن
يأكلها .. فى كل هذه الأحوال أو ما يماثلها ، يعيد الطفل تنظيم أشياء أو مواد مألوفة ، لكى يستخدمها فى مواقف أو
أغراض غير مألوفة .
إن تشجيع الطفل على استحداث استخدامات
جديدة لأشياء أو لمواد مألوفة ، هو شكل من أبرز أشكال تنمية التفكير الإبداعى عند
الأطفال . إن الأطفال يبحثون دائمًا عن مواد مألوفة حولهم لاستخدامها فى لعبهم
الإيهامى ، وهم يفعلون ذلك عندما لا يجدون المواد الحقيقية ، وذلك لكى يتخذ الدور الذى
يلعبونه الشكل الأقرب إلى الواقع . وكلما كان نشاط الطفل فى لعب الأدوار الإيهامية
أو التمثيلية حافزًا على البحث والوصول إلى أفكار جديدة وبعيدة عن المألوف ، كلما
يكون قد حقق عنصرًا أساسيًا من عناصر الابتكار والتفكير الإبداعى .
* * *
خاتمة
إن علينا أن نعامل أطفالنا كلهم ، على
أنهم جميعًا لديهم شرارة النبوغ . والآباء يستطيعون أن يلهبوا هذه الشرارة من
النبوغ ، أو يضعفوها أو يخمدوها . والواجب علينا تنمية هذه الميزة الرئيسية فى
أطفالنا ، حتى يصبح لدينا جيل كامل من المبدعين والعباقرة .
أهم
مراجع البحث
- " الحضانة
: نفسية الطفل فى السنوات الخمس الأولى " - تأليف
سوزان إيزكس - ترجمة
وتقديم د .
سمية أحمد فهمى - نشر
مكتبة الأنجلو المصرية 1968 .
- " النشاط
التلقائى والتعلم الخلاق " - تأليف
: هيلين وارد وآخر - ترجمة
: د . مصطفى فهمى وآخر - نشر دار
النهضة العربية 1963 .
- " كيف
يلعب الأطفال : للمتعة والتعلم " - تأليف جان شك جروسمان - ترجمة : محمد عبد
الحميد أبو العزم - نشر
مكتبة النهضة المصرية .
- " تربية
الطفل قبل المدرسة " - تأليف
: د .
سعد مرسى أحمد وكوثر كوجك - نشر
عالم الكتب 1983 .
- " الأطفال
مرآة المجتمع : النمو النفسى الاجتماعى للطفل فى سنواته التكوينية " - تأليف
د .
محمد عماد الدين إسماعيل - سلسلة
عالم المعرفة - يصدرها المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب - الكويت العدد 99 -
مارس 1986 .
- " التقرير
الختامى لحلقة النهوض بالتعليم قبل المدرسى فى جمهورية مصر العربية " - نشر
المركز القومى للبحوث التربوية ، بالتعاون مع مكتب اليونسكو الإقليمى للتربية فى
البلاد العربية - يونيو
1981 .
- " دراسة
حول خدمات الجمعية العامة لتدريب العاملين فى ميادين الأسرة والطفولة لإنتاج لعب
الأطفال " - بقلم
عبد المحسن عفيفى محمد .
- " الطفل
يمكن أن يتعلم منذ نعومة أظفاره " - بقلم بوريس ينكتين - مجلة رسالة
اليونسكو العدد 204 .
- " كيف
يلعب الأطفال لكى يتعلموا " - بقلم
: كيمخامازوكا - مجلة
رسالة اليونسكو العدد 204 .
- " مجلة
العلم والمجتمع - العدد 50 سند 13 - مارس / مايو 1983 " - عدد
خاص عن العلم والألعاب - التعلم عن طريق اللعب المنظم - صادرة عن
اليونسكو .
- " سيكولوجية
اللعب " - تأليف
سوزانا ميلر - ترجمة
رمزى حليم يسى - نشر
الهيئة العامة للكتاب 1972 .
- " تكوين
مدركات الأطفال العلمية " - تأليف
مارى شكلن - ترجمة
د .
محمد صابر سليم - سلسلة التعليم
فى ضوء التجارب رقم 19 - مكتبة
النهضة العربية 1966 .
- " التنشئة
العلمية " - تأليف
: ماريان بيسر - ترجمة
: أحمد محمود سليمان - الناشر
: الدار المصرية للتأليف والترجمة 1966 .
- " نمو
الذكاء عند الطفل " - تأليف
: برنار فوازو - ترجمة
: منير العصر - نشر : مكتبة
النهضة المصرية 1976 .
- " تنمية
الإبداع كهدف من أهداف عقد حماية الطفل المصرى " - إعداد
: يعقوب الشارونى -
دراسة قُدمت إلى الحلقة الدراسية عن وثيقة الرئيس مبارك حول عقد حماية الطفل
المصرى ورعايته - نوفمبر 1989 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق