محمد سمير
كان الغرابُ كما هو معلومٌ عنهُ يُحِبُ سرقةَ الأشياءِ الثمينةِ البَرَّاقَةِ
فيَجْمَعُهَا مِن هنا وهُناك , وفي يومٍ من الأيامِ كان واقفاً على غُصْنِ شَجَرَةِ
السِنديَانِ يُراقِب الوضع ليرى أيَّ شَيءٍ يَلْفِتُ نَظَرَهُ ليسرِقَهُ , و فجاءً
رأى إمرأةً عجوزاً طاعنةً في السِنِّ , تتلفتُ يميناً وشمالاً كأنها لا تريدُ أن
يراها أحد .
إنتبهَ إليها , نَظَرَ فإذا بِهَا تَحْفِرُ حُفْرَةً بعدَ أن أيقنت
أنهُ لا يوجدُ أحدٌ يُراقِبُهَا , فَدَفَنَت شيئاً بَرَّاقاً يَعْكِسُ ضَوءَ الشَّمْسِ
بِقوَةٍ , ثُمَّ فَرَّتْ من المكانِ كان هناكَ شخصاً يُطارِدُها , أسرعَ الغُرَابُ
إلى المَكَانِ , وأخذَ ينبِشُ التُرَابَ بِقَدَمَيْه ومنقارهِ الكَبيرِ , نَظَرَ و
قال :
- ما هذا إنَّها مرآةٌ جميلةٌ
أزالَ عنها التُرابَ ونَظَرَ بِداخِلِهَا ليرى
صُورتَهُ , فرأى وجههُ على شَكْلِ طائِرٍ بارعِ الجَمَال , كثيرُ الألوانِ .
هَرَعَ
ممَّا رآهُ وَفَرَّ هَارِباً , ثُمَّ رَجِعَ إلى هذهِ المرآة العجيبةِ , نَظَرَ
وتأكدَ وقال :
- نعم إنَّهُ أنا ولكِنَّني صِرْتُ جميلاً جداً
فَرِحَ الغُرَابُ
بالمرآةِ العَجِيبةِ . ومنْ كثرتِ نَظَرِهِ بالمرآةِ بدأ يُصَدِّقُ نفسَهُ أنَّهُ
جَميلٌ حتى أصبحَ مغْرُوْراً مُتكبرِاً يتبَاهى أمامَ الطُيُورِ والحيواناتِ وهُم
يَسخرُونَ منهُ ويضحكونَ من تَبخْتُرِهِ وغُرُورِهِ وهو بهذا الشكلِ القبيحِ , إقتربت
منهُ البومة الحَكيمة وقالت لهُ لماذا تتبخترُ وأنتَ قبيحُ الشكلِ , فأجابها وقال
:
- أنا جميلٌ جداً أُنْظُرْ إلى صُورتي في هذه المرآة
ضَحِكَتْ وقالت :
- إذهبْ وانظرْ
إلى وجْهِكَ في البُحيرةِ لتتأكَدَ من حقيقةِ المرآةِ
ذهبَ إلى البحيرةِ ونَظَرَ
على انعكاسِ وجههِ في الماءِ ورأى حقيقةَ وجْههِ القبيحِ , وقال :
- إذنْ لماذا هذهِ
المرآةُ تُظْهِرُنِي جميلاً
فقرَّر إن يبحثَ على المرأةِ العجُوزِ ليسألهَا عن سِرِّ
هذه المرآة , وفعلاً وَجَدَ المرأة العجوز على كُرْسيها الهزَاز في شُرفَةِ منزلها
.
إقْتَربَ منها وسألهَا عن المرآةِ التي دَفنتْهَا ولماذا تخلصتْ منها ؟
ضحكت بسُخْرِيةٍ , وقالت :
- إنَّها مرآةٌ ملْعُونِةٌ
كاذبةٌ
قال :
- وكيفَ ذلكَ
قالتْ: إنَّها
تُرِيْكَ ما تُحِبْ أن تَرَاهَ أنتَ بِنفْسِكَ , لا ما يراهُ الآخرون من حقِيْقَتِكَ
, أيْ إنَّهَا كالصديقِ المُنافقِ فهو يكذبُ عليكَ ويدَّعي أنَّهُ يُحِبُكَ ويُظْهِرُ
لَكَ الحقيقة وهو في الحقيقةِ يخدعك ولا يُرِيْكَ إلا كذباً حتى تُصدقَ نفسَكَ وتَكْثُرَ
عُيْوبكَ , يبدأ من حَوْلَكَ بِبُغْضِكَ والسُخْريةِ منك وتعيشُ تعيساً منبوذاً وحيداً
وأنت لا تدري , وهذه المرآة جعلتني أُصدقُ أنِّي شابةٌ جميلة فاتنة , حتى صِرْتُ
مغرورةً مُتكبرةً , فنفضَّ النَّاسُ من حولي وهُم يسخرونَ منِّي , فقرَّرتُ أنا أعيش
مع الحقيقيةِ وأنا عجوز , والنَّاس من حولي يحبونَنِي , أفضلُ من أن أعيشَ مع الكَذِبَ
وأنا شابةٌ .
هز الغراب راسه وقال :
-
صدقتَ
وقَرَّرَ أن يعود الى المرآةِ الملعُونةِ ويُحَطِمَهَا كي لا ينخدِعَ بها أحدٌ بعد الآن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق