ظل الشجرة
أحمد طوسون
كانت أيام الصيف طويلة وحارة.
وإذا أراد الأرنب الخروج من جحره لسعته الشمس بأشعتها الحارة، فيعود سريعا إلى جحره ليحتمي به من أشعة الشمس الساخنة.
لكن جحره الذي لا يدخله الهواء جيدا كان يجعله وصغاره يتصببون عرقا، فيتحرك الأرنب متثاقلا من التعب ويخرج ليتنفس بعض الهواء ويعود مسرعا ليحتمي من أشعة الشمس.
ويقول لنفسه: (لو كانت حولنا أشجار كثيفة لحمتنا بظلها من حرارة الشمس)
لكن ما العمل وجحره بعيد عن السهل حيث الأشجار الوارفة و نبع الماء الصافي والطعام الوفير والطيور المغردة التي تستمتع بجمال الطبيعة.
لذا كان كل يوم يقطع الطريق الطويل من جحره إلى السهل في البكور قبل أن تحمي أشعة الشمس ليحضر الطعام والشراب لصغاره، ثم يعود إلى جحره.
طريق واحد يقطعه كل يوم ذهابا وأيابا من أجل الطعام والشراب، ثم يظل حبيس جحره متعبا وحزينا.
فلا جيران حوله يشاركهم اللعب..
ولا أصدقاء يأنس لحديثهم..
ولا شجرة ظليلة يتنسم تحت ظلها نسمة هواء باردة في حر الصيف.
وفي أحد الأيام خرج كعادته ليحضر الطعام والشراب، لكنه توقف أمام باب الجحر ونظر خلفه إلى الجهة المقابلة للطريق الذي اعتاد السير فيه وسأل نفسه عما يمكن أن يجده هناك؟
وتردد أن يخوض غمار تجربة اكتشاف طريق جديد، قد لا يجد فيه ما يحتاجه من طعام وشراب لصغاره، لكنه عاد وقال لنفسه: ( لا مشكلة).
فقد اعتاد أن يحتفظ ببعض الطعام والشراب الذي يكفيه وصغاره في حالة حدوث ظرف قاهر كالمرض يمنعه من الذهاب للسهل ليوم أو لأيام.
إن لم يجد شيئا سيخرج بعض الطعام من مخزنه الصغير، ولن تحدث مشكلة.
لكن عليه أن يجرب.. فقد يكتشف شيئا يغير حياته وحياة صغاره.. وإن لم يجد فيكفيه شرف المحاولة والاستمتاع بشعور المغامر..
ولا بد أنه سيرى جديدا على كل حال!
غيَّر الأرنب وجهته واتجه إلى الجهة المقابلة للطريق الذي اعتاد السير فيه كل يوم.. وإن هي إلا خطوات قليلة قطعها الأرنب صعودا نحو السفح حتى رأى من بعيد شجرة قريبة.
دعك الأرنب عينيه غير مصدق وعاد لينظر من جديد ويقول لنفسه مؤكدا:
- نعم .. هي شجرة!
وعاد ليسأل نفسه مؤنبا:
- كيف تكون بالقرب مني شجرة جميلة كهذه ولا أعرف عنها شيئا؟
- كم كنت مخطئا عندما لم أحاول أن أكتشف ما حولي؟!
وهرع الأرنب مسرعا ناحية الشجرة.. ألقى التحية عليها وسألها إن كانا بإمكانهما أن يتعرفا.. قالت الشجرة مرحبة:
- بالطبع.. يسعدني ذلك
قال الأرنب:
- أنا أرنوب..
أسكن بالقرب منك هناك أسفل السفح.
وقالت الشجرة:
- وأنا.. شجرة الموز
غمرت السعادة قلب الأرنب، كما غمرت قلب شجرة الموز.. فكلاهما كان يحتاج إلى صديق يأنس بالحديث معه ويشاركه اللعب والمرح ويقدم له يد العون وقت الحاجة.
استأذن الأرنب صديقته شجرة الموز أن يذهب إلى جحره ويحضر صغاره ليستمتعوا باللعب والمرح تحت ظل أوراقها العريضة التي ستحميهم من أشعة الشمس الحامية.
الأرانب الصغيرة نطت إلى رقبته سعيدة وركضت صوب شجرة الموز وهزتها برفق كأنها تصافحها.. مالت شجرة الموز بأوراقها الخضراء اليانعة سعيدة، تحتضن الأرانب الصغيرة وتحميها من أشعة الشمس.
ظلت الأرانب تمرح وتلعب وتغني حتى شعرت بالجوع والعطش، فعادوا إلى جحرهم ليتناولوا طعامهم وشرابهم.. بينما ودعتهم شجرة الموز وقالت أنها ستنتظرهم في الغد ليلعبوا معا من جديد.
ظلت تلوح لهم بأوراقها سعيدة.. فأخيرا أصبح لها جيران وأصدقاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق