الحلم والمستقبل
لينا كيلاني
على قمة تلة خضراء عالية في بلاد بعيدة كان يعيش صبي صغير مع جده العجوز الذي يرعاه ويحبه كثيرا.
وإذ كان الجد يخرج كل يوم إلى حقله ليعمل فيه طوال النهار، كان الصبي يخرج كل صباح مع شروق الشمس ليقف على قمة التلة العالية ينظر إلى الأفق ويفتح رئتيه لهواء الصباح النقي.
فما تلبث الشمس أن تغمره بنورها، وتغمره معها سعادة كبيرة عندما يشعر بقوة أشعتها تتغلغل في جسمه.
كان يحب الشمس فهي تسكب ضياءها في بريق عينيه، وفي تألق خصلات شعره الذهبية، وفي لون بشرته المسمر، وهي التي تسكب في جسده قوة خارقة تمنح الحياة لكل ماحولها من الأشياء.
وكان ينظر من قمة التلة إلى البعيد فيرى بحرا واسعا أزرق اللون يتماوج على سطحه انعكاس أشعة الشمس كأنه ماس متدفق.
كان ذلك يسحره ويشده لمغامرة جديدة فقد اعتاد أن يرافق جده في مغامرات كثيرة يكتشف فيها العالم من حوله.
ولكن الجد الآن أصبح طاعنا في السن وها هو يقول له:
ـ لقد تقدمت بي السنون يابني... ولابد لي من أن أرحل عنك قريبا. عليك أن تتسلح بالمعرفة والعمل الدؤوب.
وكان الجد وهو رجل حكيم متواضع وبسيط يعرف أن حفيده ليس صبيا عاديا ويعرف أن الشمس تمنحه كل يوم قوتها الخارقة فيصبح قادرا على أن يعيد الحياة إلى ما حوله ما أن يمسك به بيديه القويتين.
ولكن الشمس عندما كانت تغيب تغيب معها قوة الصبي.
لقد سمعه ذات مرة يقول لوردة الصباح الذابلة:
لاتحزني يا نبتتي العزيزة سأسكب في عروقك قوتي فتسري الحياة في نسغك.
ويقول لكلبه الأسمر وهو يمسح على جسمه الصغير:
لقد أصبحت هرما يارفيقي وكنت معي دوماً لم تفارقني يوما ... لن أدعك تموت .. سأعيد الحياة إلى جسمك الهزيل هذا.
ولكن الصبي لم يكن ليدرك أن جده عندما كان يأخذه معه إلى الحقل ويطلب منه أن يزرع الزرع ويعتني به ويحصد ثماره بعد مدة يريده أن يعتمد على قوة الحياة الحقيقية وهي العمل.
وذات يوم تأخر الصبي عند قمة التلة الخضراء على غير عادته حتى أوشكت الشمس على المغيب.
وقبل أن يعود إلى البيت أسرع يجمع أغصان الشجرة الكبيرة التي كسرتهاالعاصفة وأخذ يغرسها في الأرض من جديد وضوء الشمس يملأ عينيه والأمل يملأ صدره بأنها ستصبح أشجارا قوية كأمها الشجرة الكبيرة.
وعندما وصل إلى بيته وجد جده وقد فارق الحياة، فأسرع نحوه وهو يظن أن قوته الخارقة ستجعل جده يعيش من جديد، ولكنه عندما التفت نحو السماء ناظرا إلى الشمس وجدها قد غابت ولم تخلف وراءها في الأفق سوى شعاع أحمر ضعيف، وعندما أمسك بالعجوز بيديه القويتين لم تعد إليه الحياة.
لقد عجزت قوته الخارقة عن أن تمنح الحياة حتى لأحب الناس إلى قلبه.
فأطرق والحزن يملأ عينيه وفكر طويلا.
وأدرك أنه يمكن للحياة أن تستمر فقط من خلال الجد والعمل، وأن عليه أن يعتمد على نفسه وعلى دأبه لا على ما منحته إياه الطبيعة.
http://misrelmahrosa.gov.eg/NewsD.aspx?id=6198
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق