رسالة الجزمة الهاربة
خالد جمعة
صديقي العزيز جابر :
هل تتذكرني ؟
لعلك مندهشٌ الآن من هذه الرسالة، وعندي إحساسٌ أنك لم تتعرف بعد على من أرسلها إليك، لا تجهد نفسك كثيراً فسوف أخبرك بذلك لو لم تكتشفه حتى آخر الرسالة، كم كان يعزُّ عليَّ أن أفارقك، لكنني لم أستطع التحمل، والشيء الذي لا تعرفه أنت ولا يعرفه معظم أصحابك هو أنني كنت في ذات يوم أعيش في دلالٍ على ظهر بقرة جميلة، ولما باعها صاحبها للجزار [ وباعني معها أيضا ] وجدت نفسي بدون بقرتي التي أعيش على ظهرها، وحين اشتراني تاجر من الجزار عرفت أنني لن أرى بقرتي الجميلة ثانية .. وبكيت .
أظنك لم تعرفني بعد، ومع ذلك سأكمل :
بعد ذلك أخذني التاجر وباعني مع دموعي لرجل يعمل في مكان يطلقون عليه اسم - المدبغة ـ وقام هذا الرجل بوضعي في الشمس لمدة طويلة وأخذ يقلّبني كل يوم ويضع فوقي سوائل لا أعرفها، وهذا لم يكن يحزنني بقدر ما أحزنني أنهم حلقوا شعري الأسود الجميل .
هل عرفتني يا جابر ؟
بعد عدة أيام لم أستطع حسابها [ لأننا لا نعرف العدَّ مثلكم ] أخذني هذا الرجل وقصّني وأحسست بعدها أن جسمي أصبح طريا ويتلوى بسهولة، وكنت حينها قد أخذت أتعود على المكان وأحس بألفة مع الجلود الأخرى، وقبل مرور وقت قصير باعني الرجل صاحب المدبغة إلى رجل آخر عنده مكان يسمى ـ مصنع ـ وأخذ الرجل الجديد يدقدق أطرافي بشاكوش خشبي، ويغرز في إبراً وخيوطاً كثيرة ووضع داخلي قالباً من الخشب وأبقاني هكذا عدة أيام إلى أن ألصقني وباعني هو الأخر لصاحب مكان يسمى ـ محل ـ وهناك انتظرت طويلاً وكان الناس يتفرجون عليّ وأحياناً يضعونني في أقدامهم لفترة بسيطة ثم يقولون لصاحب المحل نريد أصغر .. نريد أكبر .. لونه غير مناسب ..
إلى أن جئت أنت يا جابر، هل تذكرتَ شيئاً ؟؟
منذ أن رأيتك في المحل مع والدتك لا أعرف لماذا سررت بذلك وتمنيت أن تأخذني معك، وحدث ما تمنيته وعرفت يومها فقط أن إسمي أصبح جزمة بدلاً من جلــد.. ولكن.. هل سألت نفسك لماذا هربت منك..؟؟
كنت أحس بالسعادة وأنت تجرى وأنا أرافقك، وكنت أتحمل عنك الأشواك وقطع الزجاج المكسور كي لا تدخل في قدمك وتجرحك، وعندما كنت تحرز هدفاً في لعبة مع أصحابك كنت أشعر بالفخر لأنني السبب في ذلك .
ولكن هل تذكر ذلك الشتاء الذي قفزت من فوق البركة الموحلة التي أمام منزلك، يومها اتسخت أنا وأبقيتني على حالي ولم تنظفني خصوصاً وأنك اشتريت جزمة جديدة وصرت تهتم بها ونسيتني وأكثر من ذلك أنك حين غضبت من صاحبك شبهته لي، هل أنا رخيصة عندك لهذا الحد ..؟
لذلك قررت الهرب منك إلى صديق جديد، وهو على كل حال يعاملني معاملة حسنة ويمسحني كل يوم ويضع على جلدي الدهان الأسود الجميل، وأنا سعيدة معه، وأتمنى لك كل سعادة مع جزمتك الجديدة .
ملاحظة : إذا بقيت على معاملتك للجزمات هكذا، فسوف تهرب منك جميع الجزمات التي اشتريتها والتي ستشتريها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق