تأليف: الأخوين غريم
ترجمة: ياسين سليماني
كان هناك فلاح يملك كلبا وفيا ينادونه “سلطان”، لكن سلطان أصبح عجوزا مسكينا، حتى أنه فقد كل أسنانه ولم تعد له القدرة على العض أو الأكل، إلى أن جاء يوم كان جالسا أمام الباب وسمعَ الفلاحَ يقولُ لزوجتِهِ:
- غداً طلقةٌ واحدةٌ من بندُقيتِي ستُريحُني من سلطانٍ، لأنَّ المسكينَ لم يَعُدْ قادراً على تقديمِ أيَّةِ خدمةٍ ولو صغيرةٍ لنا.
شعرت الفلاحةُ بالشفقةِ على الحيوانِ المسكينِ وقالت:
- أعتقدُ أنَّ سلطانَ كانَ مهمّاً بالنسبةِ لنا طوالَ سنواتٍ، وكانَ دائماً كلباً وفيّاً، ويستحقُّ الآنَ بعدَ تقدُّمهِ في السنِّ أن يجدَ عندناَ الرعايةَ اللازمةَ.
أجابَ الفلاّحُ: أنا لا أفهمكِ ، فأنتِ تحسبينَ حساباً خاطئاً، ألاَ تعرفينَ أنَّهُ لا يملكُ أسناناً في فمه؟ لن يكونَ أبداً محلَّ خوفٍ من اللصوص… حان الوقتُ إذن للتخلُّصِ منهُ… كما أنّي أعتقد أنّه إذا كان قد قدّمَ لنا خدماتٍ جليلةً فنحنُ أيضاً غذّيناهُ جيّداً طوالَ الفترةِ الماضيةِ، لذلكَ فقد حان وقت التخلُّصِ منه.
كان الحيوانُ المسكينُ يتدفّأُ تحت الشمس قريباً منهما، فسمعَ هذا الحوار الذي أخافهُ كثيراً.
غداً سيكون اليوم الأخير للكلب، لذلك فكّرَ أن يذهبَ إلى صديقهِ المخلصِ الذي صادقه منذ سنواتٍ.
عندئذٍ أسرعَ إلى صديقهِ الذئبِ وحكى لهُ المصيرَ السيئ الذي ينتظرهُ.
قال له الذئبُ: لا تفقد الأملَ هكذا، أعِدُكَ أنّي سأجنّبكَ هذهِ الورطةَ… خطرت لي فكرةٌ جديدةٌ: في الغدِ عند الصباحِ الباكرِ، يذهبُ سيِّدُكَ وزوجتُهُ لجمعِ التبنِ، وبما أنّهُ ليسَ لديهماَ أحدٌ يبقى في منزلِهما فإنَّهما سيصطَحِبان ابنهما الصغيرَ معهما، لقد لاحظتُ أنّهما في كلِّ مرَّةٍ يذهبانِ فيها إلى الحقلِ يضعانِ الطفلَ خلفَ شجرةِ العنبِ ، انظرْ ماذا ستفعلُ: ستنامُ في الحشيشِ بالقربِ منَ الصغيرِ كأنَّكَ تحرُسُهُ، عندما يكونانِ منشغليْنِ بتبْنِهما سأخرُجُ منَ الغابةِ وآتي لسرقةِ الطفلِ خلسةً، وعندئذٍ تندَفِعُ أنتَ بسرعةٍ لتلحقَ بي وتأخذَ منّي الفريسةَ ، وقبلَ أنْ تجرِيَ أكثرَ ممّاَ يستطيعُ كلبٌ في سنِّكَ، أترُكُ لكَ غَنيمَتي، فتأخُذُها إلى الأبوينِ الخائفينِ. ستكونُ في نظرِهِما منقذَ ولدِهِما، واعترافاً منهُما بدفاعِكَ عنهُ سيمتَنِعانِ عنِ الإساءةِ في معاملَتِكَ، وابتداءً منْ هذا الوقتِ، وعلى عكسِ ما كانَ يريدُ الفلاَّحُ، ستزيدُ قيمَتُكَ عندَهُما ثمَّ لنْ ينْقُصَكَ شيءٌ.
أُعجِبَ الكلبُ بالفكرةِ، ومرَّ كُلُّ شيءٍ كما خطّطَ له الذئبُ، وكم كانَ في غايةِ الفرحِ حينَ أعادَ سلطانُ الوفيُّ فلذةَ كبدهِ.
رَبَتَ على ظهرِهِ بحنانٍ شديدٍ ، وقبَّلَهُ منْ جبينِهِ، واعترافاً بجميلِهِ صرخَ:
- تبّاً لمنْ يمسُّ شعرةً واحدةً منْ سلطان العزيزِ… سيجدُ عندي هذا الوفيُّ الرعايةَ التي يستحقُّها طوالَ حياتهِ.
ثمَّ توجَّهَ بالكلامِ لزوجتِهِ:
- اذهبي بسرعةٍ إلى المنزلِ، وحضّْري له فطيرةً طيِّبةً، لأنَّهُ لا يملكُ أسناناً، يجبُ أنْ تعطيهِ اللُّقمَ الرطبةَ، ثمَّ ضعي لهُ مضجعاً ملائماً بجانبِ سريري ، فلن يكونَ لهُ منذُ اليومِ مضجعٌ آخرُ بعيداً عنِّي.
بهذهِ الطريقةِ أصبحَ سلطانُ أوفرُ حظّاً منْ جميعِ الكلابِ.
أمّا المغزى منْ هذهِ القصّةِ أنَّهُ حتّى الذئبَ يمكنُ أحياناً أنْ يُعطيَ نصيحةً مُفيدةً، ولكنْ لا أنصحُ جميعَ الكلابِ أنْ يذهبوا للذئبِ لطلبِ النصحِ، خاصّةً إذا لم تكنْ لديهمْ أسنانٌ.
http://difaf.net/main/?p=3145
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق