الديناصور
رواية للأطفال
بقلم: طلال حسن
1
ــــــــــ
عادت الديناصورة العشبية إلى وكرها ، عند
غروب الشمس ، بعد أن تجولت طوال النهار ، في المروج المحيطة بالبحيرة ، وأكلت من
عشبها الريان حتى شبعت .
وخلال هذه الفترة ،
صادفت الكثير من الديناصورات من نوعها ، وكذلك من الأنواع الأخرى ، آكلة الأعشاب ،
وحاذرت الديناصورات المتوحشة ، المفترسة ، التي تأكل اللحوم ، وخاصة لحوم
الديناصورات ، التي تقتات على الأعشاب فقط .
وحوالي منتصف ذلك النهار
، وعلى مقربة من حافة البحيرة ، حين همت أن تشرب الماء ، وتروي عطشها ، رأت جارتها
الديناصورة ، فحيتها قائلة : طاب صباحكِ ، يا جارتي العزيزة .
وردت الجارة قائلة :
وصباحك ، يا جارتي العزيزة ، أرجو لك دوام الصحة والعافية والأمان .
وبعد أن شربت كفايتها
من ماء البحيرة ، وهي تنصت حذرة إلى ما يدور حولها ، سألتها قائلة : كيف حال بيضك
، يا عزيزتي ؟
وردت الجارة فرحة ،
وهي تتلفت حولها : بخير ، أشكرك ، أظنها ستفقس قريباً .
وارتفع صياح بشع من
بين الأشجار البعيدة ، فرفعت الجارة رأسها ، وقالت : حذار ، يا عزيزتي ، هذا
الديناصور تي ـ ركس ، وهو ديناصور شرس ، متوحش ، مفترس لاحم .
فتراجعت الديناصورة
خائفة ، وقالت : انتبهي إليه ، يا عزيزتي ، فأنت عندك بيض يوشك أن يفقس .
وأطل القمر من أعلى
الأشجار ، فتنهدت الديناصورة ، فقد تذكرت صغيرتها التي كانت تحب القمر ، والتي فتك
بها الديناصور تي ـ ركس ، كما فتك بغيرها من صغار الديناصورات العشبية .
2
ـــــــــ
فزت الديناصورة قبيل شروق الشمس ، على صرخات متوجعة ، مستغيثة
، تصاحبها أصوات متوحشة قاتلة ، يا للويل ، كم تخشى أن يكون الديناصور تي ـ ركس
يهاجم الديناصورة جارتها .
وهبت من وكرها ،
وقلبها يخفق بشدة خوفا ، وقلقا ، إنها جارتها فعلا ، وفعلاً كان الديناصور تي ـ
ركس يهاجمها في وكرها ، فما كان منها إلا أن تطلق سيقانها للريح ، وتلوذ بالفرار .
وتأكدت من أكثر من
ديناصور وديناصورة ، خلال الساعات التالية ، بأن الديناصور تي ـ ركس ، فتك ببجارتها
، وجرها بعيدا عن وكرها ، وافترسها .
وطافت حزينة ، قلقة ،
خائفة ، بين الأشجار المحيطة بالبحيرة ، دون أن تغيب جارتها وبيضها ، الذي كانت
تنتظره أن يفقس ، عن بالها.
وحوالي منتصف النهار
، اتجهت بخطوات مضطربة إلى وكرها ، وهي في الحقيقة تريد أن تعرف ما جرى لبيضات
جارتها المسكينة ، التي فتك بها الديناصور المفترس تي ـ ركس .
وحين اقتربت من وكرها
، تطلعت إلى وكر جارتها الديناصورة ، وحتى من بعيد ، لاحظت الدمار الذي أصابه ،
وآثار المعركة الشرسة التي دارت فيه ، ولم يمنعها خوفها من دخول الوكر ، وإذا
بالبيض ، وكما توقعت ، محطم ومبعثر على الأرض .
وعاينت البيض جيداً ،
ولاحظت أن إحدى البيضات ، لم تصب بأذى ، فانحنت عليها ، وأخذتها إلى صدرها ،
وأسرعت بها مبتعدة عن الوكر المدمر .
3
ــــــــــ
اتخذت الديناصورة وكرا جديدا لها ، وسط أجمة كثيفة الأشجار ،
بعيدا بعض الشيء عن البحيرة ، ووضعت بيضة جارتها الراحلة في مكان آمن فيه .
وكما لو أن البيضة ،
هي بيضتها وليس بيضة جارتها الراحلة ، فقد
حدبت عليها ، وراحت تراقبها ، وترعاها ليل نهار ، فهي ، على ما قالت أمها ، قبل أن
يفتك بها الديناصور تي ـ ركس ، توشك أن تفقس ، ويخرج منها ديناصور صغير .
وذات ليلة ، رقدت في
وكرها مبكرة ، فقد كانت متعبة ، وقلقة ، على حياتها من جهة ، وعلى بيضة جارتها
الراحلة من جهة أخرى ، وفي ساعة متأخرة من الليل ، أفاقت على حركة ، خفيفة ،
متخبطة ، و شاكية و .. وفتحت عينيها ،
ونظرت حيث وضعت البيضة ، وإذا ديناصور صغير ، يخرج من البيضة ، ضعيفا ، مبللا ،
جميلا ، وينظر إليها ، وكأنه يغمغم : ماما .
وبحنان الأم ، أسرعت
إليه ، وأخذته بين كفيها ، وتندت عيناها بالدموع ، حين تذكرت صغيرتها ، وكذلك أم
الديناصور الصغير ، اللتين فتك بهما الديناصور اللاحم المتوحش تي ـ ركس .
وظلت الديناصورة
مستيقظة حتى شروق الشمس ، والديناصور الصغير بين كفيها ، كأنها تدفئه من برد الليل
، وتحميه من أي خطر يمكن أن يواجهه ، ولم لا ، أليس هو الآن صغيرها ؟
4
ــــــــــ
خلال الأيام ، والأسابيع ، والأشهر التالية ،
راح الديناصور الصغير ينمو ، ويكبر ، ويشتد عوده ، وكل ذلك بفضل الديناصورة ، التي
وفرت له ، كل ما يمكن أن يحتاجه ديناصور
في عمره .
ويوما بعد يوم ، راح
يزحف إلى الأشجار ، القريبة من الوكر ، ويتجول فيها راكضا ، ضاحكا ، مسرعا ، ويتم ذلك دائماً بمرافقة الديناصورة ، التي لم
يكن يغيب عن نظرها لحظة واحدة .
وكانت كلما ابتعدت عن
الوكر ، بين حين وآخر ، لسبب قاهر ما ، كانت توصيه قائلة : بنيّ ، ابقَ في الوكر ،
ولا تغادره حتى أعود .
ويمتليء قلبها فرحا ،
حين يرد قائلا : نعم ، ماما .
صحيح إنه لا ينفذ
توصيتها تماما ، إذ يخرج من الوكر ، ويتجول بين الأشجار ، لكنه لا يبتعد ، وما إن
يسمع ما يريبه ، يعود مسرعا إلى الوكر ، ويبقى فيه ، حتى تعود الديناصورة من
الغابة .
وسواء شعر بالعطش ،
أو لم يشعر ، فكان ينظر إلى الديناصورة ، ويقول لها : ماما ، عطشان .
ورغم أن الديناصورة
تعرف مكره ، إلا أنها تأخذه إلى بركة صغيرة قريبا ، ويشرب منها الماء ، ولم تحاول
مرة واحدة ـ خوفا عليه طبعا ـ أن تأخذه إلى البحيرة ، وهي ليست بعيدة كثيرا عن
الوكر .
وذات يوم ، وكان
وحيدا في الوكر ، سمع وقع أقدام خفيفة ، فأنصت مليا ، أهي الديناصورة ، أم كائن
عدو ، أم .. وهنا أطلت عليه ديناصورة في عمره ، وكادت تلوذ بالفرار ، حين رأته ،
لكنه ناداها مطمئنا : تعالي ، لا تخافي ، أنا مثلك ديناصور صغير .
ووقفت الديناصورة
الصغيرة ، وراحت تنظر إليه صامتة ، فقال الديناصور : إنني هنا أعيش مع أمي ، لقد
خرجت منذ الصباح وستعود بعد قليل .
فقالت الديناصورة الصغيرة
: أنا أعيش مع أمي في وكر بين الأشجار ، وقد خرجت وحدي ، بعد أن ذهبت منذ الصباح
إلى البحيرة .
وتساءل الديناصور :
البحيرة !
فقالت الديناصورة
الصغيرة : نعم ، إنها بحيرة كبيرة وجميلة ، وهي ليست بعيدة ، وقد أخذتني ماما
إليها أكثر من مرة ، ألم تذهب أنت إليها ؟
فرد الديناصور الصغير
: كلا ، بل لم أسمع حتى بوجود مثل هذه البحيرة .
وقالت الديناصورة
الصغيرة : سآتي إليك ، خلال أيام ، ونذهب إليها معا .
ولاذ الديناصور
الصغير بالصمت ، فقالت الديناصورة الصغيرة : لابد أن أذهب الآن ، أخشى أن تعود
ماما ، ولا تراني في الوكر .
5
ـــــــــ
لم يخبر الديناصور
الصغير ، الديناصورة ، بأنه التقى بالديناصورة الصغيرة ، التي في عمره تقريبا ،
ولم يقل لها طبعا ، بأنها وعدته أن تزوره ، وتأخذه معها إلى البحيرة ، التي لم
يسمع حتى بها .
ورغم ذلك ، شعرت
الديناصورة ربما كأم بأن أمرا ما ، لم
تستطع أن تحدده ، قد حدث ، ما هو ؟ متى حدث ؟ ومن كان وراءه ؟ هذا ما لم تعرفه .
وأوت الديناصورة إلى مكانها ، لتنام ، وترتاح من عناء اليوم ،
لكنها سمعت الديناصور الصغير يتململ في مكانه فقالت له : أراك لم تنم .
وبدل أن يرد
الديناصور الصغير عليها ، تساءل : ماما ، أخبريني ، ما البحيرة ؟
لم تتمالك الديناصورة
نفسها ، فالتفتت إليه ، وقالت مندهشة : البحيرة !
وهز الديناصور الصغير
رأسه ، فقالت الديناصورة : البحيرة بركة ،
لكنها كبيرة .
فقال الديناصور
الصغير : لم تأخذيني يوما إليها ، لأراها وأتذوق ماءها .
ونظرت الديناصورة
إليه ، ثم قالت : ماء البحيرة لا يختلف عن ماء البركة ، التي نشرب أنا وأنت منه .
وتمدد الديناصور
الصغير ، وقال كأنما يحدث نفسه : ليتني أتذوق هذا الماء .
وأغمضت
الديناصورة عينيها ، لكنها لم تنم ، فقد
شغلها ، وأقلقها ، و أطار النوم من عينيها ، حديثه عن البحيرة ، ترى كيف عرف بأمر
البحيرة ؟ لا بد أن أحدا حدثه عنها ، ترى من هو ؟ هذا ما تريد أن تعرفه .
6
ـــــــــ
على أحرّ من الجمر ، انتظر الديناصور الصغير
، أن توافيه الديناصورة الصغيرة ، ليذهبا معاً إلى البحيرة ، ولعله أحس في داخله ،
أنه مشتاق لرؤيتها ، بقدر تشوقه إلى رؤية البحيرة ، إن لم يكن أكثر .
وطال انتظاره ، هذا
ما شعر به ، حتى خشي أن لا تأتي ، لكنها أتت في صباح اليوم الثالث ، أتت متحمسة ،
فرحة ، فأسرع لاستقبالها باشاً ، وقال : ماذا جرى ؟ لقد تأخرتِ ، حتى خفت أن لا
تأتي .
وضحكت الديناصورة
الصغيرة ، حتى خيل إليه أن بلبلاً يغرد ، وقالت : أمي لم تخرج من الوكر إلا اليوم
، هيا نذهب إلى البحيرة .
وانطلقت الديناصورة
مهرولة ، فانطلق الديناصور الصغير في أثرها قائلاً : هيا .. هيا .
وخلال هرولتهما جنباً
إلى جنب ، قالت الديناصورة الصغيرة : ماما لا تعرف حتى الآن ، أنني أرتاد البحيرة
بين حين وآخر .
وقال الديناصور
الصغير : أما أنا ، فإن ماما لا تعرف حتى بزياراتكِ لي .
وقالت الديناصورة
الصغيرة فرحة : سنرى البحيرة ، وسنفرح باللهو على شوطئها .
فقال الديناصور
الصغير : سألتُ ماما عن البحيرة ، فقالت ، إن البحيرة بركة كبيرة .
وضحكت الديناصورة
الصغيرة ، وقالت وهي تركض ، وتشير بيدها إلى ما وراء الأشجار : انظر ، تلك هي
البركة الكبيرة ، تعال ، أسرع .
وطوال ساعات ، تمتع
الديناصور الصغير بمباهج البحيرة ، ألتي أسمتها أمه البركة الكبيرة ، ولكن ما
أبهجه أكثر ، وأنساه مرور الساعات ، هو صحبة الديناصورة الصغيرة ، التي حولت رؤيته
للبحيرة ، للمرة الأولى ، ذكرى لا يمكن نسيانها .
7
ـــــــــ
فوجىء الديناصور الصغير ، عند عودته من
البحيرة ، قبيل العصر ، بالديناصورة تقف في مدخل الوكر ، فتوقف أمامها ، وآثار
أشعة الشمس والبهجة على وجهه ، وقال : ماما ذهبنا إلى البحيرة .
وحاولت الديناصورة أن
تظهر فرحتها بالأمر ، وقبل أن تقول شيئاً ، قال الديناصور الصغير : لم أكن وحدي ،
كانت معي ديناصورة في عمري .
وقالت الديناصورة :
تعال ادخل ، جئتك بطعام .
ودخل الديناصور
الصغير إلى الوكر ، مع الديناصورة ، وهو
يقول : إنني شبع ، لقد أكلت مع الديناصورة الصغيرة مما يوجد قرب البحيرة .
ووضعت الديناصورة
الأم الطعام جانباً ، وقالت : لابد أنك تمتعت به ، أكثر مما تتمتع بالطعام الذي
أجلبه لك من أعماق الغابة .
وتنهد الديناصور
الصغير : آه .
فقالت الديناصورة
الأم : طبعاً آه مادامت الديناصورة ، التي في عمرك ، كانت معك طوال الوقت .
وعلى غير عادته ، أوى
الديناصور الصغير إلى مكانه ، بعد غروب الشمس مباشرة ، ولم تفارقه الساعات التي
قضاها مع الديناصورة الصغيرة ، حتى بعد أن استغرق في نوم عميق ، ففي منامه ، رأى الديناصورة
الصغيرة ، تركض إلى جانبه ، فرحة ، ضاحكة ، على شوطىء البحيرة ، الرملية ، الدافئة
.
8
ـــــــــــ
مثلما تكبر العصافير ، وتكبر الأشجار ، كبر
الديناصور الصغير ، وصار فتى ، وكذلك كبرت الديناصورة الصغيرة ، وصارت فتية ، وككل
الفتيان صار العالم ، وكأنه كله ملكاً لهما ، يلهوان فيه ، ويتمتعان ، ويرسمان
معاً آفاقاً واسعة للمستقبل .
ويوماً بعد يوم ،
صارا حرين في الخروج من الوكر ، ويعودان إليه دون وصاية من الأم ، ولماذا لا ، وقد
امتدا عرضاً وارتفاعاً حتى ضاهيا الديناصورات الأخرى ، أما قوتهما ـ في رأيهما
طبعاً ـ فلا حدود لها .
ومع تقدمهما في النضج
، يوماً بعد يوم ، توثقت العلاقة بينهما ، أكثر وأكثر ، ولم يكن يعكرها إلا
ديناصور في عمرهما تقريباً ، يراقبهما من بعيد أحياناً ، أو بالأحرى يراقب
الديناصورة الفتية .
والحقيقة أن هذا كان
يضايق الديناصور الفتيّ ، أكثر مما يضايق الديناصورة الفتية ، فهذا الديناصور معجب
بها ، وربما يحسد الديناصور الفتيّ على علاقته بها ، وعبثاً حاولت الديناصورة
الفتية ، أن تهون الأمر على الديناصور الفتيّ .
وأكثر من مرة ، تعرض
هذا الديناصور للديناصورة الفتية ، والحق أنه أراد أن يتقرب منها ، لكنها كانت
دائماً تصده ، وطالما قالت له صراحة : أرجوك لا تقترب مني .
وذات مرة ، قال لها
الديناصور الغريب : لكن ذلك الديناصور ليس بأفضل مني .
لكنها ابتعدت عنه ،
دون أن تردّ عليه ، وظل هذا الديناصور على عادته ، يراقبهما من بعيد ، أو يتقرب
منها ، إذا كانت وحدها ، ويسلم عليها ، فكانت تبتعد عنه ، دون أن توجه له كلمة
واحدة .
وطالما حذرته أمه ،
من بعض الديناصورات المتوحشة ، القاتلة ، وخاصة الديناصور تي ـ ركس ، وفوجئا ذات
يوم ، وهما يسيران بين الأشجار ، مستغرقين في الحديث ، بالديناصور تي ـ ركس ، يلوح
من بعيد ، وكأنه يبحث عن فريسة ، يفتك بها ، ويلتهمها .
وتسمرت الديناصورة
مرعوبة في مكانها ، وتمتمت : يا ويلي ، انظر ، إنه تي ـ ركس .
ومدّ الديناصور
الفتيّ يده القوية ، وأمسك يدها المرتعشة ، وقال لها : لا تخافي .
فقالت الديناصورة
الفتية : كيف لا أخاف ، إنه الديناصور متوحش ، قاتل .
ونظر الديناصور
الفتيّ إليه ، ورآه يتجه نحوهما ، دون أن ينتبه إلى وجودهما ، فسحب الديناصورة
الفتية برفق ، وقال : تعالي نبتعد ، إنه لم يرنا .
وابتعد الديناصور
الفتيّ ، بالديناصورة الفتية ، عن الديناصور القاتل تي ـ ركس ، ومضيا حتى صارا في
مأمن ، فتوقفا لاهثين ، وقال الديناصور الفتيّ : لنرتح هنا قليلاً ، إنه بعيد الآن
.
وحاولت الديناصورة
الفتية أن تتمالك نفسها ، وقالت : من الأفضل أن نبتعد عن هذا المكان ، فأنا أخشى
أن تي ـ ركس مازال في الجوار .
9
ـــــــــ
تواعد الديناصور
الفتيّ ، والديناصورة الفتية ، أن يلتقيا ، عند منتصف النهار ، على مرتفع معشب يطل
على البحيرة ، وغالباً ما كان الديناصور الفتي ، يسبقها في الحضور إلى مكان الموعد
، وقد قررت هذا اليوم بالذات ، أن تسبقه ، فتحضر إلى المرتفع ، حيث تواعدا ، قبل
أن يحضر هو إليه .
وحضر الديناصور الفتي
، في الوقت المحدد ، على عادته ، وفوجئ بان الديناصورة الفتية ، لم تكن وحدها ،
وإنما كان يقف إلى جانبها الديناصور الغريب ، ولاحظ وهو يقترب منهما ، إنها منفعلة ، وسمعها تصيح
فيه : قلت لك ألف مرة أن تبتعد عني .
وحين وصل إليها ، لم
ينسحب الديناصور الغريب ، كما يحدث كل مرة ، وإنما وقف في مكانه ، كأنما يتحداه ،
فانقض الديناصور الفتي عليه ، وضربه على وجهه عدة مرات ، حتى ألقاه على الأرض ،
وهم أن يستمر في ضربه ، لكن الديناصورة الفتية ، اعترضته قائلة : توقف ، توقف أرجوك
.
فقال الديناصور الفتي
، وهو ما يزال يريد ضربه : دعيني أؤدبه ، كي لا يتعرض لك ثانية .
وتحامل الديناصور
الغريب على نفسه ، ونهض مترنحاً ، فصاح به الديناصور الفتي : اذهب بعيداً ، سأقتلك
إذا رأيتك هنا ثانية .
وتراجع الديناصور
الغريب قليلاً ، ثم وقف محدقاً فيه ، وقال : أنت ديناصور جبان ..
وهم أن ينقض عليه ،
فأعترضته الديناصورة وقالت : دعه يكفيه ما
أنزلته به .
وقال الديناصور
الغريب : ما دمت بهذه الحماسة ، فلماذا لا تواجه قاتل أمك ؟
وقطب الديناصور الفتي
، وقال : قاتل أمي ! أيها المجنون ، أنا أمي مازالت موجودة .
فقال الديناصور
الغريب : هذه ليست أمك ، أمك الحقيقية قتلها الديناصور تي ـ ركس .
10
ــــــــــ
في طريق العودة إلى البيت ، لم ينبس
الديناصور الفتي بكلمة واحدة ، وحتى حين افترقا ، وعلى غير العادة ، لم يتفقا على
موعد جديد .
ووصل إلى الوكر ،
كانت الديناصورة موجودة ، فنظرت إليه ، وقالت : يا للعجب ، جئت اليوم مبكراً ، هذه
ليست عادتك .
وانزوى الديناصور
الفتي في مكانه ، وقال بصوت مختنق : إنني متعب اليوم .
وحدقت الديناصورة فيه
، ثم قالت : لا يبدو أنّ هذا هو الأمر الحقيقي .
ولاذ الديناصور الفتي
بالصمت ، دون أن ينظر إليها ، فأعدت سفرة الطعام ، وقالت : لدينا اليوم طعام لذيذ
، تعال نأكل معاً .
ورد الديناصور الفتي
، دون أن يرفع عينيه الغائمتين إليها : إنني شبعان .
ونحت الديناصورة الطعام ، دون أن تأكل منه لقمة واحدة ، فترك
الديناصور الفتي مكانه ، وجلس في مدخل الوكر ، وعيناه ثابتتان في البعيد .
ونهضت الديناصورة ،
وجلست إلى جانبه ، ثم قالت : إنني أمك ، صارحني ، ما الأمر ؟
والتفت الديناصور
الفتي إليها ، وحدق فيها ملياً ، ثم قال : من هي أمي ؟
وخفق قلبها بشدة ،
وقالت : أنا ، أنا أمك ، يا بني . وتساءل ثانية : أمي الحقيقية ؟ من هي ؟
وتندت عيناها بالدموع
، وقالت : أنا أرعاك منذ أن كنت بيضة ، حتى صرت ما أنت عليه ألان .
وصمت لحظة ، ثم قال :
أصدقيني ، يُقال أنّ أمي قتلها الديناصور تي ـ ركس .
ونهضت
الديناصورة ، ومضت إلى الداخل والدموع تسيل من عينيها ، فنهض
الديناصور الفتي ، ولحق بها ، وقال : هذه هي الحقيقة إذن .
وهزت رأسها باكية ،
وقالت : وقتل مثلها صغيرتي ، كنزي ، الذي لم يعوضني عنه احد غيرك .
واحتضنها الديناصور
الفتي ، وقال من بين أسنانه : هذا اللعين ، سيدفع الثمن .
وصاحت ملتاعة : لا ،
انه وحش مفترس .
فقال : فليكن ما يكون
، لابد أن يدفع الثمن ، وسيدفع الثمن غالياً ، مهما كان الأمر .
11
ــــــــــــ
منذ أن علم الديناصور الفتي ، أن الديناصور
تي ـ ركس هو قاتل أمه الحقيقية ، صار شغله الشاغل ، التفكير فيه ، وطوال ساعات
النهار ، راح يبحث عنه ، لينزل فيه العقاب الذي يستحقه .
وحاولت أمه
الديناصورة ، أن تثنيه عما عزم عليه ، لكن دون جدوى ، ودون جدوى ، حاولت
الديناصورة الفتية ثنيه ، فلم يكن يشغله غير ديناصور واحد هو تي ـ ركس ، الذي يسعى وراءه من مكان إلى مكان ، وما إن
يسمع بوجوده في مكان ، حتى يسعى إليه .
وذات ليلة مقمرة ،
شعرت الديناصورة ، بأن النوم قد جفا الديناصور الفتي ، وطالما جفاه منذ معركته
الأخيرة مع الديناصور الغريب ، فنهضت من مكانها وجلست على مقربة منه .
وأحس بالديناصورة
الحنونة ، تمسد رأسه ، وسمع صوتها تهمس له : بني ..
لم يرد عليها ، فمالت
نحوه ، وقالت : من أمك ؟
انتظرت أن يجيبها ،
لكنه ظل صامتاً ، فقالت : نعم ، من وضعت البيضة ، لها نصيب كبير فيك ، لكن أنا من
حمى تلك البيضة حتى فقست ، وأنا من رعى ذلك الصغير الحبيب ، حتى صار أنت .
وصمتت لحظة ، ثم قالت
: وأنت كل شيء الآن في حياتي ، وكما عشت لك ، أريد أن تترك ملاحقة الديناصور
القاتل تي ـ ركس ، وتسلم لي .
لم يجبها ، فنهضت من
جانبه ، ورقدت في مكانها ، والدموع تسيل من عينيها ، لكنها لم تر الدموع التي سالت
من عيني الديناصور الفتي .
21
ــــــــــــ
مرارا تحدثت إليه الديناصورة الفتية ، كما
تحدثت إليه أمه ، في الساعات القليلة ، التي تراه فيها ، سواء في الغابة ، أو على
شاطئ البحيرة ، وهو في سعيه الدائم ، وراء الديناصور تي ـ ركس .
وخلال بحثه هذا ،
لاحظ أكثر من مرة ، الديناصور الغريب يحوم حول الديناصورة الفتية ، وكم همّ أن
ينقض عليه ، ويبرحه ضربا ، إلا أن تي ـ ركس كان شغله الشاغل ، فيمضي للبحث عنه .
وذات أمسية ، جلس في
المكان الذي كان يلتقي فيه كثيرا بالديناصورة الفتية ، بعد أن هدّه التعب في البحث
عن الديناصور تي ـ ركس ، وإذا بالديناصورة الفتية تجلس إلى جانبه ، دون أن تنبس
بكلمة .
وبعد حين ، بدأت
الشمس تغطس في البحيرة ، فقال الديناصور الفتي : الشمس تغيب .
تنهدت الديناصورة الفتية ، وقالت وكأنها تحدث
نفسها : طالما تمنيت ، أن نبني وكرا ، واسعا بعض الشيء ، بين أشجار كثيفة ، يطل
على البحيرة ، لكن هذا الحلم ، يبدو أنه سيغيب كما تغيب هذه الشمس .
ونهض الديناصور الفتي
من مكانه ، وقال : ذلك الديناصور القاتل ، لابد أن أقتص منه .
ونهضت الديناصورة
الفتية بدورها ، وقالت : إذا أردت أن تقتلني ، فاستمر بالبحث عنه ، وحاول قتله .
ولم تنتظر أن يرد
الديناصور الفتي عليها ، فسارت مبتعدة حتى غابت بين الأشجار ، ومعها غابت الشمس في
أعماق البحيرة ، وهبط الظلام كستارة سوداء .
13
ـــــــــــ
أخيرا عثر عليه ، في وكر خرب ، محشور في
زاوية بعيدة ، موحشة ، من الغابة ، فدخل عليه الوكر ، وإذا هو يضطجع ، هزيلا ،
مهدماً ، كأنه شبح ذلك الديناصور القاتل ، المفترس تي ـ ركس ، وليس هو تي ـ ركس
حقيقة .
وتوقف على مقربة منه
، فرفع الديناصور تي ـ ركس عينيه المنطفئتين إليه ، وحدق فيه مليا ، ثم قال بصوت
يحتضر : إنني .. جائع .
فقال الديناصور الفتي
، وهو يكتم غضبه : تعال كلني ، إنني موجود أمامك .
وهز الديناصور تي ـ
ركس رأسه الضخم ، البشع ، وقال : ليتني .. أستطيع .
ومال عليه ، كأنه
يريد أن يغرس فيه أسنانه ، وقال : أيها اللعين ، لقد أكلت أمي .
وتراجع الديناصور تي
ـ ركس إلى الوراء قليلا ، وقال : أكلت من نوعك الكثير من الآباء والأمهات والصغار
، أنتم لذيذون ، لذيذون جدا .
وقال الديناصور الفتي
، من بين أسنانه : لقد بحثتُ عنكَ طويلاً ، وآن أن تدفع الثمن .
ونظر الديناصور تي ـ
ركس إليه ، بعينيه المنطفئتين ، وقال : هذه فرصتك ، إنني ـ كما ترى ـ ديناصور مريض
جدا ، وعاجز ، اقتلني .
وهمّ أن ينقض عليه ،
ويكتم ما تبقى من أنفاسه ، لكنه توقف ، ثم تراجع ، حين تراءت له الديناصورة الفتية
، واستدار ببطء ، ثم غادر الوكر .
14
ـــــــــــ
منذ يومين و الديناصور الفتي ، منهمك في بناء
الوكر ، وهو كما أراده ، واسعاً بعض الشيء ، بين أشجار عالية ، على مرتفع يطل على
البحيرة .
وفوجئ في اليوم
التالي ، بعد منتصف النهار ، بالديناصورة الفتية تطل عليه من مدخل الوكر ، وهي
تهتف : نحن هنا .
وتوقف عن العمل
مبتسما ، وقال : جئت بعد أن أوشكت على إكمال الوكر .
ودخلت الوكر ، وراحت
تطوف فيه مهمهمة ، ثم قالت : إنه وكر واسع ، يتسع لأكثر من واحد .
ولاذ بالصمت ، وهو
يتطلع إليها ، فقالت : لا أظن أنك ستعيش فيه وحدك.
فقال : طبعا لا .
وصمتت هي الأخرى ،
ونظرت إليه بعينيها الفتيتين اللتين طالما قال أنهما تشبهان ماء البحيرة ، فقال :
تي ـ ركس ، لم أقتله .
اقتربت منه ، وقالت :
عرفت بذلك .
فقال : إن جراحه
عميقة ، ومتقدم في السن ، وصار شبه عاجز ، فتركته لمصيره .
قالت : هذا أفضل .
نظر إليها ، وقال :
قبل أن أتركه ، وأغادر وكره الخرب ، تذكرتكِ ، وتذكرت ماما ، نعم ، وكما قلت ،
الأفضل أن نعيش بسلام .
ابتسمت ، وأشارت
بيدها إلى الوكر ، وقالت : لقد كمل تقريبا ، هل ستكمله غدا .
قال : كلا .
ونظرت إليه متسائلة ،
فقال : بل أكمله اليوم ، وأنت ستكملينه معي طبعا.
ملاحظات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1. امفيسيلياس : ديناصور
هو الأضخم ، والأطول ، والأكثر وزنا ، يتراوح طوله بين 40 إلى 60 مترا ، ويصل وزنه
22 طنا .
2. تي – ركس : ملك
الدينصورات ، وأكثرها شراسة ، واثارة للرعب ، وزنه 7 أطنان وطوله 12 مترا ، وهو
صياد ، وآكل للجيف .
3. كامار اصوراس : ديناصور
عملاق آكل للعشب ، طوله " 23 " مترا ، ووزنه " 50 " طنا .
4. الديناصور : حيوان
منقرض ، عاش قبل سبعين مليون سنة ، بعضه نباتي ، والبعض الآخر لاحم ، والبعض لاحم
وعشبي في نفس الوقت .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق