الأربعاء، 21 نوفمبر 2018

" لن يعود الجبل" قصة للأطفال بقلم: أحمد زغلول


لنْ يَعُودَ الجَبَلُ
أحمد زغلول
        كَانَ هنَاكَ لأبي  قِردَان  صَدِيقٌ اسْمُهُ ناصِرٌ ، وَكَانَ أبُو قِردَان اسُمَهُ  " قــَرقــُور " ،  بَعْدَ أنْ أنَهَى أبُو قردان عَمَلهُ فِي أحَدِ حُقُولِ الأرْزِ فِي بِلادِ الصَّعِيدِ ، قرَّرَ زِيَارةَ ناصِرا .
       كانَ ناصر يَعيِشُ فَي وَسْطِ المَدِينةِ مَعَ أسْرةِ مُتوَسِطةَ الحَالِ بِإحْدى قـُرَى مُحَافَظةِ الجِيزةِ ، وكــَان تِلمِيذا فِي الصَّفِ الخَامِسِ الابْتِدَائِي  ، لهُ شَعْرٌ نـَاعِمٌ ، وَوَجْهٌ أسْمَرٌ ونحِيفٌ ، عِندمَا يتكلمُ تشْعرُ بأنَّ فمَهُ مُبْتسمٌ.
     بـَدَتْ القِريَةُ التِي يَسْكنُ فِيها ناصر في الظهُورِ ، البيوتُ مُتلاصِقة  ، والشَّوارِع ضَيّقة .
     وعَلـَى أطْرافِ القريةِ  أبْصَرَ " قرقور " جَبلاً يَرتفِعُ إلى السَّمَاء ، فقالَ :
مَا هَذا الجَبل؟ وكيْفَ ظَهر فَجأة لم يكن مَوجُودا منذُ شَهرين ؟
اقترب " قرقور " من الجَبل ، فانتشرتْ رائِحَة عَفِنة ، فطارَ عَاليا ، لم يُطِق رائِحة ذلك الجَبلَ ، فقالَ مُتألمِا :
 إنَّه جَبَلٌ من القـُمَامَة .
     هبَّت عَاصِفة  قويِّة فطَارت أكـَياسُ الحَلـَوى والبَطاطِسِ والأتربةِ وقشرِ البُرتقالِ
كادت أن تصدم " قرقور "  فقال " قرقور "  منزعجا :
ابتعدي عنى أيتها الأشياء القبيحة ..
ابتسمت  أكـَياسُ الحَلـَوى والبَطاطِسِ وقشرِ البُرتقالِ وقالت :
ومَا ذنِبنا نحنُ ، الذنبُ ذنبُ ابنُ آدم ؟
وقالت أكـَياسُ الحَلـَوى لأكياس  البطاطس  فى سُخريّة :
سَمِعتُ مرَّة اثـْنين من  أبَناءِ  آدم يَقول أحدُهما للآخر :
إذا وَجدتَ الأرضَ قبيحَة لا تقلـَقْ وانـْظرْ إلى السَّماءِ ستجدُها صَافِية ..
انفجَرَ كيسُ البطاطس  وقال ضَاحِكا  :
مِسكينٌ ابْنُ آدمَ ، لم تـَعُد السَّماءُ زرْقاءَ  ، ولو نظر إلى أعْلى  سيَرى ذلك الجبَل َ القـَذر الذي يتمَددُ يَوْما بَعد يَوْم عَاليا..
    سَمِع " قرقور "  هذا الحِوار وقـَال فى حَسْرَة :
 ومَاذا نفعَلُ مَع ذلك الجَبلِ الذي يَعُلو يَوْما بَعد يَوْما ؟
     وصَلَ " قرقور " إلى بيتِ ناصر  حَزينا وكـَئيبا ، وعِندَه مِئات من الأسْئلة حَول هذا الجَبل القبيحِ ، قال لنفسِهِ :
سَيَتبددَ حُزني  فَور لقَائي بصَديقِي.
     طَار " قرقور " إلى السُّورِ المُطِلِ على النَّافذِةِ ، ومِن النَّافذِةِ رَأى ناصر مُنهمِكا فى المُذاكرَة ِ، لفتَ انتباهَه بعضُ اللافتاتِ أمِامه ،فقد كانت  ذاتَ ألوان  مُختلفة حَمْراءَ وصَفراءَ وخَضَراء وزرقاء ..
    دقَّ " قرقور " زُجَاجَ  النَّافذِة بمُنقاره وقال مُداعِبا  :
ألا ترحمُ عَينيكَ ، المُذاكرةُ لا تنتهِي ؟
فتح ناصر النَّافذِة َ بـِسرعة وقال بلهَفة :
حَمدا على سَلامتك .
ابتسم " قرقور "   وارتمى فى حُضن صَديقه  ناصر وقال:
كان موْسمَ عَمَل صَعَب بالنسبة لي  ، لم أرْك مُنذُ شَهرين .
     دَارت سَاعة من الحَديثِ حَكَى " قرقور " لِصِديقه مَتاعبه فى العمل وأخبره  أنه اصْطاد َ فى هذا الموسمِ آلافَ  من الحَشراتِ والديدان ، وأنه  هَربَ من آلاف الأحْجار التي صوَّبها عليه  الأولاد الأشْقيَاء ..
قال " ناصر " مُبتسما :
أنت صديقٌ رائِع ، وعامِلٌ ممتازٌ ..
قال " قرقور "  :
وأنا  أول مرَّة أكونُ صَديقا لغير فلاح ..
ضَحِكَ ناصر وقال  :
ومن أدْراك أنني لستُ فلاحا  ؟!
فى الغد  سأكونُ مهندسِا زراعيَّا  .

نظر" قرقور "  على حُجرةِ ناصر ، فوجدَ خريطة كبيرة عن مصرَ وألوانا بُنيِّة على الخريطَة فقَال:
 ما هَذه الأشياء البُنيَّة التي على الخَرِيطة ؟
قال ناصر وقد أشَار إليهَا:
إنها جِبالٌ مِصريةٌ  : جَبل مُوسَى وجبل السُّكرِي وجَبل العُويْنات ِ..
طـَار " قرقور "    فى الغـُرفة وقال وكأنـَّه يُدَارِي حُزنا :
حَسنا ، ولكني رأيتُ جَبلا آخر رأيتُه على أطـْرافِ القرية
لم يُجِب ناصر وسكت قليلا ، فأدركَ " قرقور " أن ناصر حِزينٌ ومتألمٌ .
سَكتَ ناصر لـَحظـَات ثـمَّ قال  :
يا صديقي ، يجب نـَسْفُ هذا الجبلِ يا صديقي .
توَّجَهَ ناصر إلى المَكتب وأمَسك اللافتاتِ قائلا :
تَعالَ وانظـُرْ مَاذا كتبتُ ؟
عرَض " ناصر اللافتات الحَمَراء والصَّفراء والخَضْراء والزَّرقَاء  ، ثم قال بِسعَادة :
غدا سَوْف نـَنْسفُ هذا الجَبلَ الذي ظَهر فَجأة .
عرَض اللافتة بالعَرضِ وقرَأ بصَوَت عَال :
" احْترسُوا من خَطَر قادم أولَ المدينة " ..
 وعلى البِطاقةِ الصَّفراء :
" الإنذارُ الأخير وإلا سَيندَمُ  الجميع "
 ثم قرأ ما كَتبه على اللافتة الزَّرقَاء :
" هل ننتظر أن تسُوء صحتنا ونكون "كالزُّومْبي " زُرْقَ الوجوهِ ..
 وعلى الخَضْراء:
 " النظـَّافة ُ من الإيمان ِ "
وعلى لوْحَة بيضَاء :
 " غدا سيكون العَمل ُ"..
قال " قرقور "   وماذا تفعل بهذه اللافتات يا ناصر ؟
رد بحزم:
سَنعلقها غدا ، وندعُو سُكانَ القرية ومن حَوْلها  إلى تدْمِير ذلك الجبل ..
ثم أشار إلى صُندوق  فى نهَاية الغُرفة وقال :
هل تساعِدني ؟
قال " قرقور "   مُتلهفا :
طبعا ، يسرني أن أرى المكان بلا قمامة ..
عليك أن  توزع  هذه البطاقات الصغيرة على  سكان القرية والقرى  المجاورة فى الغد بعد الواحد ظهرا .
     كانت الشَّمس تسْتمع إلى ذلك الحديث من النَّافذة ،  وأخذت خيوطَها الصَّفراء وغربت وهى سَعيدة وهى تقول :
ما أجمل الصَّديقين !
    صَعد " قرقور "   إلى الشَّجرة المُجاورة لبيت ناصر وقضى الليل منتظرا الصَّباح الجميل .
     فى الصَّباح أسْرع " قرقور "   إلى أحْد حُقول الذرةِ ، و بدأ يَلتقط الديدان بمُنقاره البُرتقالي بمَهارة فائقة ..
احمر قرص الشمس وقال :
هيا يا " قرقور " كادت السَّاعة تقترب من الواحدة .
ابتسم " قرقور "    وطار بيت  ناصر ، وما إن دخَل القرية َ حتَّى وجد ناصِرا يقِف وسْط زملائه ..
     رأى آلة قوية تهدِم الجبلَ بذراع حديدي ، وذراع الآلة الآخر  يَضعَ القـُمامة َ فى عَربة  ، أسرع عمال الحيِّ يضعُون القـُمامة والنـُّفـَايات  فى  أكـْياس واسِعة سودَاء .
   طار " قرقور "   إلى بيت ناصر وألقـَى  البـِطاقاتِ الحَمراء والزَّرقَاء والصَّفراء فى الهواء ، تسابق الناس إلى التقاطها وقرءُوا :
" الإنْذارُ الأخيرُ "
سَمَعَ  " قرقور "  طِفلين ، يقول أحدُهما بيأس :
سَوف يعُود جبلُ القـُمامة ثانية فلمَاذا يتعبُ النـَّاس أنفسهم ؟
ولكن رد عليه الطـِّفل الآخر بأمل:
لن يعود الجَبلُ يا صَديقي .
    استمرت " قرقور "   فى توزيع البـِطاقات بصبر وجلد ، وفى كلِّ مرَّة كان يلقي نظرة على الجَبلِ من فوق وهو يَنخـَفـِضُ ..
                                           يَنخـَفـِضُ ...
                                                    يَنخـَفـِضُ ..
 حتَّى  اخْتفى تماما  ، وظَهر المَكان كما كان ، كانت  أرْصِفة ُ الطَّريق ِ تعَانقُ نهر الشارع فى ابتسِام وتقول :
َُ نـُسِفَ الجبلُ ..
    نزل" قرقور "    ووقف على كَتف ناصر  ، شَكر ناصر صَديقه " قرقور "    وقال :
لقد أدَّيتَ المُهمة بنِجاح .
قال   " قرقور " بانْبهَار وقد رأى الأشجارَ  تزيِّنُ المكان  :
ما أجَملَ المكانَ !
ابتسم ناصر قائلا :
غدا سيأتي  مُهندسو الحي و يَبنون نَافورة  ، و لن يَعود الجبلُ ثانية
تذَّكر" قرقور "  كلمة الطـِّفلِ وهو يقولُ :
" لنَ يعُودَ الجبلُ "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق