الفرّاء
قصة للأطفال
بقلم: طلال حسن
كان السنجاب الصغير يتقافز حول أمه ، أمام باب الجحر ، حين رأى الثعلب ،
فصاح :
ـ ماما ، الثعلب .
تطلعت الأم إلى الثعلب بدهشة ، ثم قالت :
ـ ترى أين كان ؟
لكن الثعلب كان مشغول الذهن ، فمضى في طريقه ، دون أن يلتفت إليهما .
طقطق اللقلق بمنقاره ، وهو ينظر
بكره إلى الثعلب ، ثم تطلع إلى صديقته الحمامة ، وكانت ترقد في عشها الخاوي ،
والدموع تبلل عينيها ، وقال في نفسه : " مسكينة ، لن ترى فرخيها الجميلين مرة
أخرى " .
وعندئذ ، تمنى أن ينقض على الثعلب ، ويحمله بمنقاره ، ويحلق به عالياً ..
عالياً .. عالياً ، ثم يرميه .
× × ×
ثغت النعاج ، وابتسمت بشماتة ،
حين رأت الثعلب يتجه نحو عرين الأسد ، وقالت إحداهن في نفسها ، وهي تتفقد حملها :
ـ " سيكون الثعلب اليوم
فطوراً شهياً لملك الغابة " .
فتح الذئب عينيه على سعتيهما ،
وقال للفهد ، وكانا يقفان بباب العرين :
ـ " أترى من القادم " .
وقبل أن يرفع الفهد رأسه ، دنا الثعلب منهما ، وقال دون أن يحييهما :
ـ أريد أن أقابل الملك .
ابتسم الفهد ، وقال :
ـ حالاً .
دخل الفهد على الملك ، فابتسم الذئب ، وقال للثعلب :
ـ لقد سأل الملك عنك ، سيمزقك .
تطلع الثعلب إلى الذئب ، ولم يقل شيئاً ، وبعد هنيهنة ، عاد الفهد ، وقال
للثعلب وهو يبتسم بشماتة :
ـ تفضل ، الملك ينتظرك .
انحنى الثعلب أمام الملك ، وقال
:
ـ مولاي .
حدق فيه الملك بغضب ، وقال :
ـ حسبتُ أنك لن تأتي .
ـ عفواً لأني تأخرت .
ـ أين كنتَ ؟
ـ لقد دعاني ملك غابة القرود .
ـ لماذا ؟ يبدو أنه يريد أن يزوجك
ابنته .
ـ كلا ، يا مولاي .
ـ بل أراد أن أخيط له فروة .
حدق الملك في الثعلب ، وقال بدهشة : فروة! لم أسمع إلا الآن أنك فرّاء .
ـ الخطأ خطأي ، يا مولاي ، فأنا
لا أتحدث كثيراً عن نفسي .
ـ ولكن ما حاجته للفروة ؟ ألم تعد
لبدته تكفيه ؟
ـ لقد مرض منذ فترة لأنه نام مثلك
في العراء .. إن الجو بارد .. مولاي من الأفضل أن تحافظ على نفسك .
ـ لستُ عجوزاً كملك غابة القرود ،
إنني ما زلتُ شاباً .
ـ نعم يا مولاي ، ولكنك كأي أسد
شاب مرضت ، وأوشكت على الهلاك ، إن البرد يضر الجميع .
هرش الملك لبدته ، وقال في نفسه : " الملعون ، إنه لا يعتقد أنني شاب
، حسناً ، إن الفروة قد تفيدني في الشتاء " .
وحدق في الثعلب ، ثم قال :
ـ أخبرني ممَ تصنع الفِراء ؟
غصّ الثعلب بالفرح ، لكنه قال في هدوء :
ـ الفراء الجيدة ؟
ـ طبعاً .
ـ من جلود الحملان ، مولاي .
ـ والفروة الواحدة ، كم جلداً
تتطلب ؟
ـ الجيدة ؟
ـ طبعاً الجيدة .
ـ خمسة أو ستة جلود .
ـ حسناً ، سأرسل لك غداً ستة جلود
.
ـ مولاي ، أتريد فروة .. ؟
ـ جيدة .
ـ لا ترسل لي جلوداً يا مولاي .
ـ ماذا أرسل لك إذن ؟
ـ حملاناً ، حملاناً يا مولاي ،
فسلخ الجلود التي تصنع منها الفراء الجيدة ، يتطلب خبرة وبراعة .
ـ حسناً ، سأرسل لك إذن ستة حملان
.
ـ كلا يا مولاي ، أرجو أن ترسل لي
حملاً كل يوم ، ومن الأفضل أن ترسلوا لي الحمل في الصباح الباكر ، فالحمل طيب ..
أعني .. العمل طيب في الصباح ، وثق أن زوجتي وجرائي سيفرحون كثيراً بهذا العمل ،
والآن أستودعك الله ، وأتمنى لك الشفاء العاجل .
انحنى الثعلب للملك ، ومضى إلى وكره ، فابتسم الملك ، وقال في نفسه :
" سيكون شتاء هذا العام دافئاً بفضل الثعلب ، آه .. من كان يصدق أن الثعلب
فرّاء ماهر ؟ "
في صباح اليوم التالي ، أخذ
الفهد حملاً ، وسار به إلى وكر الثعلب ، فسأله الذئب :
ـ أتصدق يا صاحبي ، أن الثعلب
فرّاء ؟
أجاب الفهد :
ـ طبعاً ، فمن يجرؤ على المزاح مع
ملك الغابة ؟
سأل السنجاب الصغير أمه :
ـ ماما ما هي الفروة ؟
أجابت الأم :
ـ ما ترتديه أنت .
ـ إنني لا أرتدي غير جلدي المكسو
بالشعر .
ـ هذه هي فروتنا ، والآن إلزم
الصمت ، قبل أن يسمعنا الملك ، ويطلب من الثعلب أن يخيط له قميصاً من فرائنا.
وجم السنجاب الصغير برهة ، ثم اندس بخوف بين إخوته .
قال اللقلق للحمامة :
ـ لا يهمني ما يقوله الآخرون ،
لكني لن أصدق قصة الفروة هذه .
قالت الحمامة :
ـ الثعلب ماكر ، وقد أكل فرخيّ
الجميلين ، لكني لا أعتقد أنه يجرؤ على العبث بالملك .
قال اللقلق :
ـ إنه جائع ، وقد يفعل كلّ شيء .
حزنت النعاج ، واحتارت ماذا تفعل
، فهذا هو الحمل السادس الذي يأخذه الفهد إلى الثعلب ، وضربت إحداهن الأرض بقدمها ،
وقالت في نفسها "
ـ " آه ، الثعلب اللعين ، لو
يقع مرة في يدي ، سأنطحه ، وأبقر بطنه .. "
في اليوم السابع ، استدعى ملك
الغابة الفهد ، وطلب منه أن يمضي إلى الثعلب ، ويأتي به في الحال ، لكن الثعلب رفض
أن يرافق الفهد ، وقال له :
ـ قل لمولاك ، إنني مشغول الآن ،
وسأزوره اليوم .
زأر الأسد بغضب ، وصاح بالثعلب
حين دخل عليه مساء :
ـ أيها اللعين ، لماذا لم تأتِ
عندما أرسلتُ الفهد في طلبك ؟
انحنى الثعلب بإجلال ، وقال للملك :
ـ عفواً مولاي ، لم أستطع أن أترك
الفروة من يدي ، فالشتاء يدق الأبواب ، وقد يسقط الثلج في الأسبوع القادم .
ـ أين الفروة ؟
ـ لم يبقَ منها سوى الأردان .
ـ وكم يستغرق عملهما ؟
ـ مولاي ، اسألني كم حملاً أحتاج
؟
ـ لقد أرسلتُ لك ستة حملان ، مع
أنك قلت ، إن خمسة حملان تكفي .
ـ مولاي ، فاتني أنك أسد شاب ،
قوي ، ضخم ، قد لا تصدقني يا مولاي إذا قلتُ ، إن فروة ملك غابة القرود لم تتطلب
سوى أربعة حملان ونصف حمل ..
ـ لماذا ؟ أليس هو أسداً مثلي ؟
ـ نعم يا مولاي ، إنه أسد ، لكنه
ليس مثلك ، فهو أسد عجوز .
تفتحت أسارير الملك ، وقال :
ـ حسناً ، كم حملاً تريد ؟
ـ يكفي حملين ونصف حمل ..
ـ كلا ، سأرسل لك ثلاثة حملان .
ـ كما تشاء ، يا مولاي ، ولكن
أرجو أن ترسل الحمل الأول في الفجر ، وليكن سميناً ، فزوجتي وجرائي متلهفون كثيراً
لإتمام الفروة .
ثم انحنى الثعلب للملك ، وقال :
ـ أستودعك الله ، يا مولاي .
ثم مضى مسرعاً إلى وكره .
أطل السنجاب الصغير من باب الجحر ، ورأى الفهد
يقود حملاً جميلاً إلى وكر الثعلب ، فصاح :
ـ ماما .
فتحت الأم عينيها ، أوه .. الملعون .. إن الشمس لم تشرق بعد ، قالت :
ـ عد إلى فراشك .
قال السنجاب الصغير بحزن :
ـ هذا هو الحمل السابع .
تطلعت الأم إلى الحمل بأسى ، وقالت في نفسها :
ـ " مسكينة أمه ، لو كنتُ
مكانها لقاتلتُ حتى الموت ، قبل أن أقدم ابني ليُسلخ جلده ، وتصنع منه فروة لملك
مغرور " .
وفرحت الأم لأنا سنجابة وليست نعجة .
قالت الحمامة بحزن ، وهي تنظر
إلى الحمل الذي يقوده الفهد :
ـ إنه الحمل السابع .
قال اللقلق :
ـ سيدفع الثعلب الثمن غالياً .
ـ اللعين ، لن أنسى أبداً فرخيّ
الجميلين اللذين أكلهما .
ـ آه لو يقع في يدي ، سأحلق
عالياً .. عالياً .. عالياً .. ثم أرميه .
× ×
×
استدعى الملك الفهد ، وطلب منه أن
يذهب إلى الثعلب ، ويأتي بالفروة . مضى الفهد إلى جحر الثعلب ، وطرق الباب ، فلم
يرد عليه أحد ، فطرقه ثانية ، وثالثة ، ورابعة ، لكن أحداً لم يرد عليه ..
ـ " أين الثعلب ؟ "
ودفع الفهد الباب ، كان الوكر خاوياً ..
ـ " اللعين ، لقد هرب "
.
وهرع الفهد إلى الملك ، وأخبره أن الثعلب قد ولى هارباً ، فزمجر الملك ،
وصاح بغضب :
ـ كان يخدعني إذن ، لن يفلت من
يدي ، وسيدفع الثمن ، أيها الفهد ، خذ خمسة ذئاب شابة ، وأتوني بالثعلب قبل المساء
.
انحنى الفهد للملك ، وقال :
ـ أمر مولاي .
عاد الفهد والذئاب الخمسة بالثعلب
وزوجته وجرائه قبل المساء ، وقادوهم إلى الملك الذي تحلقت حوله جميع الحيوانات ،
فحدق الملك في الثعلب ، وقال بغضب :
ـ أين الفروة ؟
ارتمى الثعلب بين يدي الملك ، وقال بصوت باك :
ـ صدقني يا مولاي ، لقد خطت لك
فروة عظيمة ، لكن زوجتي وجرائي الجياع أكلوها .
ـ لن تخدعني مرتين .
ـ مولاي ، أعطني فرصة أخرى ،
وسأخيط لكَ ..
لم يصغ ِ الملك إلى الثعلب ، بل صاح :
ـ أين اللقلق ؟
صاح الثعلب :
ـ لكن اللقلق لا يجيد الخياطة .
ـ سنخيط الفروة من جلدك هذه المرة
.
صرخ الثعلب برعب :
ـ مولاي ، ارحمني .
تقدم اللقلق ، وانحنى للملك ، وقال :
ـ مولاي .
قال الملك :
ـ سمعتُ أنك تستطيع أن ترتفع في
الجو عالياً .
ـ نعم يا مولاي ، أستطيع أن أرتفع
بحيث أرى الأرض بحجم رغيف الخبز .
ـ حسناً ، إن الثعلب الفرّاء جائع
، فاحمله ، وأره رغيف الخبز ، ثم القه من هناك .
ارتمى الثعلب على قدمي الملك ، وقال وهو يبكي :
ـ لا ، أرجوك يا مولاي ، ارحمني ،
وارحم زوجتي وجرائي .
لكن الملك صاح :
ـ هيا ، احمله .
فتح اللقلق منقاره ، وحمل الثعلب ، وحلق به عالياً .. عالياً .. عالياً ..
ثم سأله :
ـ أترى الأرض ؟
أجاب الثعلب بصوت خائف :
ـ نعم .
ـ ماذا تشبه .
ـ صينية كبيرة .
ـ لم نصل بعد .
وحلق اللقلق عالياً .. عالياً .. عالياً .. ثم قال للثعلب :
ـ أترى الأرض ؟
ـ نعم .
ـ ماذا تشبه ؟
ـ صينية صغيرة .
ـ حسناً ، لم نصل بعد .
وحلق اللقلق عالياً .. عالياً .. عالياً .. ثم سأل الثعلب :
ـ والآن ، أترى الأرض ؟
ـ نعم .
ـ ماذا تشبه ؟ ـ يا لله ..
ـ ماذا تشبه ؟ أخبرني .
ـ رغيفاً من الخبز .
ـ لقد وصلنا إذن .
صاح الثعلب بصوت متوسل :
ـ صديقي العزيز ..
ـ يبدو أنك جائع .
ـ ارحمني .
ـ ألست جائعاً ؟
ـ أكاد أموت من الجوع .
ـ ما رأيك برغيف من الخبز ؟
ـ اللحم أفضل ، لكن الجائع يأكل
أي شيء .
ـ حسناً .. امضِ ، وكل هذا الرغيف
.
ـ لا ، أرجوك ، لا ، لا ..
ـ لن تجد فيه شيئاً من اللحم ،
فهو مصنوع من الصخر ، وداعاً ..
ـ ارحمني أرجوك ، ستتكسر أضلعي .
وفتح اللقلق منقاره ، وترك الثعلب يتهاوى ، ها هو رغيف الخبز يكبر ، ويصبح
صينية صغيرة ، وها هي الصينية الصغيرة تكبر .. وتكبر .. وتصبح صينية كبيرة .. وها
هي الصينية الكبيرة تكبر .. وتكبر .. وتصبح .. يا إلهي .. إنها الأرض .. ستتحطم
أضلعي .. ستتحطم .. أوووه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق