الأحد، 9 يوليو 2017

"ليلى والأسماك الطائرة" قصة للأطفال بقلم: طلال حسن



ليلى والأسماك الطائرة
  طلال حسن

     " 1 "
ــــــــــــــــــــ
    حين عدتُ إلى غرفتنا ، في الباخرة ، التي كانت تمخر بنا عباب مياه البحر ، رأيتُ جدي يقف قرب الكوة ، بعيداً عن فراشه ، رغم تعبه الشديد .
والتفت إليّ ، وقال لي بنبرته الهادئة : تأخرتَ .
ورفعتُ عينيّ الحائرتين إليه ، دون أن أردّ بكلمة ، فابتسم ، وقال : ليلى هي السبب .
لم أبتسم ، وإنما قلتُ : اسمها ليس ليلى .
وصمتُ لحظة ، ثم قلتُ : كانت أمها معها ، وجلسنا نتحدث ، على سطح الباخرة .
وتقدم جدي من فراشه ، وتمدد فيه ، وقال : لابد أنها تحدثت عن فلسطين ..
وهززتُ رأسي أن نعم ، فأضاف جدي قائلاً : إن الفلسطيني ، يحمل فلسطين معه ، حيثما يذهب .
وجلستُ على سريري ، وقلتُ : لم تتحدث عن فلسطين ، وإنما تحدثت عن عالم البحار ، و . .
وانتبهتُ إلى جدي ، كان يغط في النوم ، فنهضت من على سريري ، ورددتُ الغطاء فوقه ، ثم أطفأت مصباح الغرفة ، وعدتُ إلى فراشي .

     " 2 "
ـــــــــــــــــــ 
    أفقتُ قبل شروق الشمس ، وخمنتُ أن من أسماها جدي " ليلى " ، قد تكون وحدها على السطح ، فقد قالت لي البارحة ، إنها تحب أن ترى الشمس ، وهي تصعد من أعماق البحر .
لم أرَ " ليلى " على السطح ، رغم أن الشمس توشك أن تشرق ، لكني رأيتُ ـ ويا للعجب ـ عدداً من الأسماك ، الغريبة الشكل ، التي لم أرَ مثلها من قبل ، تنتثر على امتداد سطح الباخرة .
وقفلتُ عائداً إلى الغرفة ، وإذا جدي مستيقظ ، وقبل أن يبادرني بالحديث ، قلتُ له : جدي ، رأيتُ عدداً من الأسماك الغريبة ، متناثرة على السطح .
واعتدل جدي في فراشه ، وقال : هذه أسماك الرنجة الطائرة ، يا بنيّ .
وحدقتُ في جدي ملياً ، ثم قلتُ في نفسي حزيناً آسفاً : " آه .. لقد خرف جدي " .
واستأنف جدي حديثه قائلاً : هذا النوع من الأسماك ، تقفز وتطير في الفضاء ، إلى ارتفاع مائة قدم ، وخاصة حين يهاجمها أحد أعدائها ، وتطير بقوة إلى مسافة تتراوح بين الخمسين والمائة متراً ، وأشهر هذه الأسماك ، السمكة الحمراء النارية .
وصمت جدي مرة أخرى ، ثم قال : تصور إن بعض هذه الأسماك الطائرة ، تتسلق الأشجار بزعانفها ، تاركة ماء البحر وراءها .
وأطرقتُ رأسي دون أن أتفوه بكلمة ، وقد ازداد شعوري بالحزن والأسف ، سمكة تطير ، وتتسلق الأشجار ؟ حقاً لقد خرف جدي .

     " 3 "
ـــــــــــــــــــ
    قبيل منتصف النهار ، خرجتُ من الغرفة وحدي ، ومضيتُ مباشرة إلى سطح الباخرة ، على أمل أن أرى " ليلى " وأمها هناك .
وقبل أن أرى " ليلى " رأتني ، وكانت وحدها على السطح ، فأقبلت عليّ مسرعة ، وقالت : تأخرت اليوم ، ففاتك أمر مثير للدهشة .
وتوقفتُ قبالتها مبتسماً ، وقلتُ بلهجة مازحة : لابد أنها الشمس ، وهي تخرج ضاحكة من أعماق البحر ، والماء يقطر منها .
وضحكت " ليلى " للهجة ، التي تكلمتُ بها ، وقالت : لا ، ليس الشمس ، بل أسماك عجيبة ، كانت مبعثرة على سطح الباخرة .
ونظرتُ إليها ، وقلتُ مازحاً : لابد أنها أسماك طائرة ، انطلقت من البحر ، وحطت لسبب من الأسباب ، على سطح باخرتنا ، في ساعات الفجر الأولى .
ورفعت " ليلى " عينيها إليّ مندهشة ، ثم قالت : هذا ما قالته ماما بالضبط ، بل وقالت أيضاً ، إن بعض هذه الأسماك تتسق الأشجار .
ولذت بالصمت ، وقد داخلني شعور غامر بالفرح ، إن جدي الحبيب ، لم يصب بالخرف إذن ، وإن كلّ ما قاله عن السمكة الطائرة ، كان صحيحاً .

السمكة الطائرة : من أسرع الأسماك في العوم ، وهي تقفز وتطير في
                        الفضاء إلى ارتفاع مائة قدم ، وبعض هذه الأسماك تتسلق
                        الأشجار بزعانفها ، تاركة الماء وراءها .

                                   

                                   25 / 9 / 2016
  



هناك 4 تعليقات: