السبت، 3 يونيو 2017

"سمكة السلمون الفتية " قصة للأطفال بقلم: طلال حسن



سمكة السلمون الفتية
 بقلم: طلال حسن
     " 1 "
ـــــــــــــــــــ
    وصلت سمكة السلمون الفتية مياه المحيط ، بعد رحلة شاقة ، استمرت فترة طويلة ، من أعلى النهر ، حيث ولدت ، إلى المحيط .
ومهما كانت معاناتها  ، في رحلتها هذه ، إلا أن معاناة أمها ، في رحلتها من المحيط ، إلى أعلى النهر ، كانت أشدّ بكثير .
فقد مضت الأم ، مع مئات بل آلاف أسماك السلمون ، بعد أن وصلت إلى مصب النهر ، تشق الطريق الصاعد إلى أعلى النهر ، سابحة عكس التيار ، قافزة المساقط المائية المرتفعة ، فتموت أعداد هائلة من التعب ، أو تقع فرائس للدببة والطيور المائية ، والصيادين من البشر .
وحين وصلت الأم ، إلى أعلى النهر ، كانت قد أصيبت بتعب شديد ، فتهبط إلى القاع ، حيث تضع البيض ، وتغطيه بالرمال ، وهذا ما فعلته مئات بل آلاف أسماك السلمون .
وما أن تضع الأسماك البيض ، وقد أصابها التعب الشديد ، حتى تتهاوى أغلبها إلى قاع النهر ، وسرعان ما تفارق الحياة .
أما الباقي ، وهي قليلة جداً ، فإنها تنحدر متعبة مع تيار النهر، وتتعرض مرة أخرى للهلاك ، على أيدي الطيور والصيادين ، والدببة التي تكاد لا تشبع .

     " 2 "
ــــــــــــــــــــ
    على امتداد الجدار المرجاني ، سبحت سمكة السلمون الفتية ، يقظة ، حذرة ، فالغفلة هنا ، حتى للحظة واحدة ، قد تكلف السمكة حياتها .
وفي مكان من الجدار ، لمحت افعوان البحر ، يبرز رأسه من مكمنه بين الصخور ، فتباطأت قليلاً ، وانحرفت عن مكمنه ، رغم أنها تعرف ، أن الافعوان لا يأكل غير الديدان والقواقع والحشرات .
وتوقفت خائفة ، فقد لمحت أنثى اخطبوط ، تربض على مقربة من بيضها ، وسبحت مبتعدة عنها ، مع أن أنثى الاخطبوط ، لا تأكل ، ولا تهاجم فريسة ، مادامت تحرس بيضها ، وستبقى هكذا ، حتى يفقس البيض ، ويخرج الصغار إلى البحر ، بينما تتهاوى هي إلى القاع ، وقد فارقت الحياة  .
وعلى مسافة غير بعيدة ، انتبهت إلى وجود اخطبوط ذكر ، يتربص بدون حراك ، على رمال القاع ، واقتربت منه سمكة ، فمدّ أذرعه الثمان إليها ، وأمسك بها ، وسرعان ما دفعها إلى جوفه .
وتوقفت سمكة السلمون الفتية خائفة ، ثم استدارت بسرعة ، وانطلقت مبتعدة عن الاخطبوط ، لا تلوي على شيء .

     " 3 "
ــــــــــــــــــــ 
    سارت السلحفاة العجوز ببطء ، على رمال القاع ، ورأتها سمكة السلمون الفتية ، فاقتربت منها على حذر ، وقالت : طاب يومكِ .
وتوقف السلحفاة العجوز ، ورفعت رأسها إليها ، وردت قائلة : طاب يوكِ ، يا عزيزتي .
وصمتت لحظة ، ثم قالت : كوني حذرة ، يا بنيتي ، فأنت سمكة سلمون فتية ، والمكان هنا فيه من الأعداء ، أكثر مما فيه من أصدقاء .
وابتسمت سمكة السلمون الفتية ، وقالت : أنتِ على ما يبدو تعرفينني .
واستأنفت السلحفاة العجوز سيرها البطيء ، وقالت : إنني لم اقضِ سنوات عمري الطويلة بالعبث ، صحيح إنني تمتعت ، لكني حاولت أيضاً أن أتعلم ، وهذا ما أتمنى أنت أن تفعليه  ؟
وتوقفت السلحفة العجوز ، ناظرة إلى ما يشبه الدودة ، تتلوى يميناً ويساراً ، فوق رمال القاع ، وقالت : أيتها السمكة ، انظري هناك .
ونظرت سمكة السلمون الفتية ، إلى حيث أشارت السلحفاة العجوز ، وقالت : تبدو هذه ، للوهلة الأولى ، وكأنها دودة تبرز من الرمال .
فقالت السلحفاة العجوز : نعم ، هذا ما تبدو عليه ، لكن الحقيقة ..
وهنا اندفعت سمكة ، في حجم سمكة السلمون ، نحو ما ظنته دودة ، فهزت السلحفاة العجوز رأسها ، وقالت : هذه السمكة ستدفع ثمن تسرعها .
وما إن اقتربت السمكة مما ظنته دودة ، وفتحت فمها لتلتهمها ، حتى برزت من تحت الرمال سلحفاة شرسة بشعة ، وبسرعة البرق ، انقضت على السمكة ، وابتلعتها في الحال .
وجمدت سمكة السلمون الفتية في مكانها ، فالتفتت السلحفاة العجوز إليها ، وقالت : تلك هي السلحفاة النهاشة ، وهي تكمن تحت رمال القاع ، تاركة هذه الزائدة الشبيهة بالدودة فوق الرمال ، لتخدع بها الحمقاوات من الأسماك .   
عندئذ استأنفت السلحفاة العجوز سيرها البطيء ، وهي تقول : وداعاً يا عزيزتي ، كوني حذرة ، لتعيشي وتتعلمي ، وتتمتعي في حياتكِ .

    " 4 "
ـــــــــــــــــــ
    نعم ، لقد تعلمت سمكة السلمون الفتية اليوم ، أن السلاحف ليست كلها طيبة ، ومسالمة ، تقتات على النباتات والديدان ، فهناك سلاحف أخرى ، مثل بعض الأسماك المفترسة ، تأكل العديد من أحياء البحر ، ومن بينها الأسماك .
وتوقفت سمكة السلمون الفتية ، حين رأت سمكتين في حجمها تقريباً ، وتأملتهما ملياً ، إنهما ليستا من أسماك السلمون ، ترى أهما من الأسماك المتوحشة ، المفترسة ، أم .. ؟
والتفتت إليها إحدى السمكتين ، وتطلعت إليها متفحصة اياها ، ثم خاطبتها قائلة : تعالي ، يا عزيزتي ، إذا كنتِ تشكين من شيء .
ارتاحت سمكة السلمون الفتية من كلماتها ، فاقتربت منهما ، وقالت : طاب يومكما .
فردتا معاً : طاب يومكِ ، اقتربي .
وتلفتت سمكة السلمون الفتية بحذر ، وقالت : المكان هنا مكشوف ، وخطر ، وأخشى أن تكون هناك سمكة قرش في الجوار .
وابتسمت السمكتان ، وقالت إحداهما : أنت محقة ، فها هي سمكة القرش مقبلة .
وهمت سمكة السلمون الفتية ، أن تلوذ بالفرار ، فقالت لها السمكة الثانية : إذا هربتِ سيراك ، ومن يدري فقد يطاردكِ ، ابقي هنا ، وراقبينا .
وجمدت سمكة السلمون الفتية في مكانها ، وهي ترى بأم عينيها ، السمكتين تتجهان بدون تردد إلى سمكة القرش ، وما إن رأتهما سمكة القرش ، حتى توقفت ، وفتحت فمها على سعته .
وخفق قلب سمكة السلمون الفتية رعباً ، وقد تراءى لها أن سمكة القرش ، ستلتهم هاتين السمكتين المجنونتين ، لكن بدل ذلك ، دخلت إحدى السمكتين فم سمكة القرش ، المدجج بأسنان كالخناجر ، ودخلت الأخرى خياشيمها ، ترى ماذا تفعل هاتان السمكتان المجنونتان ، في فم سمكة القرش وخياشيمها ؟
وبعد حين ، فوجئت سمكة السلمون الفتية ، بالسمكة الأولى تخرج سالمة ، من فم سمكة القرش ، وتخرج السمكة الثانية سالمة أيضاً من خياشيمها ، فاستدارت سمكة القرش بهدوء ، ومضت حتى غابت .
وعادت السمكتان إلى سمكة السلمون الفتية ، فقالت لهما بصوت جففه الرعب : لم تأكلكما سمكة القرش تلك ، يبدو أنها سمكة قرش طيبة ، سأجرب أن أفعل ما فعلتماه ، إذا رأيت سمكة القرش  ..
وحذرتها السمكتان ، فقالت الأولى : حذار ..
وقالت الثانية : ستأكلك سمكة القرش في الحال .
وحدقت سمكة السلمون الفتية فيهما ، ثم قالت : لكنها لم تأكلكما ، حينما دخلتما فمها وخياشيمها .
فقالت السمكة الثانية : نحن سمكتان منظفتان ، وقد نظفنا فمه وخياشيمه ..
وقالت الأولى     : ولهذا فإنه لا يأكلنا .
ولاذت سمكة السلمون الفتية بالصمت لحظة ، ثم استدارت ، ومضت مبتعدة عن السمكتين المنظفتين ، دون أن تتفوه بكلمة واحدة .

     " 5 "
ـــــــــــــــــــــ
    سبحت سمكة السلمون الفتية ، بشيء من السرعة ، لعلها تلتقي بجماعتها ، حتى شعرت بالتعب ، دون جدوى ،  وتتوقف ، حين رأت سمكة سلمون كبيرة ، تسبح ببطء وحدها .
وحانت من سمكة السلمون الكبيرة التفاتة ، ورأت سمكة السلمون الفتية ، فتوقفت هي الأخرى ، وقالت مرحبة : أهلاً بنيتي ، تعالي هنا .
واقتربت سمكة السلمون الفتية منها ، وقالت : أنتِ أول سمكة سلمون أراها منذ فترة طويلة .
فردت سمكة السلمون الكبيرة قائلة : لابد أنكِ ابتعدت عن جماعتك ، فتهت .
وهزت سمكة السلمون الفتية رأسها ، أن نعم ، دون أن تتفوه بكلمة ، فقالت سمكة السلمون الكبيرة : هذا خطأ ، يا بنيتي ، فنحن نكون أكثر أمان ، حين نكون جزء من مجموعتنا الكبيرة .
وتلفتت سمكة السلمون الكبيرة حولها ، وبدا عليها شيء من القلق ، فقالت : تلك سمكة سفاحة ، تعالي نختبىء ، في مكان آمن ، قبل أن ترانا .
وهبطت سمكة السلمون الكبيرة قليلاً إلى الأسفل ، فلحقت بها سمكة السلمون الفتية ، وتوقفتا جامدتين بين الأعشاب البحرية ، ومن بعيد ، لاحت سمكة طولها حوالي " 15 " سنتمتراً ، تتميز بأسنان قاطعة قاتلة ، إنها حقاً سمكة متوحشة مفترسة .
ومالت سمكة السلمون الكبيرة ، على سمكة السلمون الفتية ، وقالت : من حسن حظنا أن هذه السمكة المفترسة وحيدة الآن ، فهي تتنقل عادة في أسراب تتكون من حوالي " 1000 " سمكة .
وصمتت لحظة ، ثم قالت : وهنا تتجلى الخطورة ، التي يتعرض لها ، انسان يهاجمه سرب من هذه الأسماك المفترسة ، وهي رغم كلّ شيء ، أقل وحشية وفتكاً من أسماك البيرانيا .
وتساءلت سمكة السلمون الفتية : البيرانيا  !
فردت سمكة السلمون الكبيرة قائلة : اطمئني ، فهذه الأسماك لا تعيش في البحار ، وإنما في الأنهار ، وخاصة نهر الأمزون ، وهي أكبر بقليل من السمكة المفترسة ، لكنها أشد افتراساً منها ، ويكفي أن تعرفي ، إنها إذا هاجمت دباً يعبر النهر ، تحوله إلى هيكل عظميّ في دقائق .
ولاذت سمكة السلمون الفتية بالصمت ، وقد بدا عليها الخوف ، فتلفتت سمكة السلمون الكبيرة ، وقالت : لنخرج من هنا ، لقد ابتعدت السمكة المفترسة .


     " 6 "
ـــــــــــــــــــــ
    اختض الماء بشدة ، وتدافعت أمواج مرتفعة مزبدة ، وتطايرت الأسماك خائفة ، مبتعدة في شتى الاتجاهات ، فتلفتت سمكة السلمون الفتية حولها ، وتساءلت بشيء من الخوف : ما الأمر ؟ ماذا يجري ؟
فردت سمكة السلمون الكبيرة قئلة ، بصوت يشي بقلقها : أخشى أن يكن الحوت القاتل في الجوار ، وهو أخطر كائن في البحار .
وتمتمت سمكة السلمون الفتية بصوت خافت مرتعش : الحوت القاتل ! لابد أنه أخطر من القرش الأبيض ، مفترس الانسان .   
ومن بعيد ، لاح ما يشبه الجبل ، يمخر أمواج البحر ، وينفث نافورة ماء من وسط رأسه الضخم ، فنظرت سمكة السلمون الكبيرة إليه ، وقالت : هذا ليس الحوت القاتل ، وإنما حوت العنبر .
وفغرت سمكة السلمون الفتية فاها مذهولة ، وقالت : هذه أول مرة أرى فيها حوت العنبر ، ولم أكن أعرف أنه بهذا الحجم الهائل .
فقالت سمكة السلمون الكبيرة : حوت العنبر ، يا بنيتي ، هو أضخم كائن حيّ ، في البر والبحر .
وانتبهت سمكة السلمون الفتية ، إلى سمكة صغيرة الحجم ، تسبح بهدووء ، غير مبالية بحوت العنبر الضخم ، فقالت مندهشة : انظري إلى هذه السمكة الصغيرة ، التي تسبح على مقربة من حوت العنبر ، دون أن يبدو عليها أي اهتمام أو خوف ، وكأن هذه المجنونة لم تره .  
فردت سمكة السلمون الكبيرة قائلة : بل رأته ، لكنها بالفعل لا تخاف منه ، وعليه هو أن يخاف منها ، فهي السمكة المثقاب . 
وتمتمت سمكة السلمون الفتية مذهولة : ماذا ؟ السمكة المثقاب  !
فردت سمكة السلمون الكبيرة قائلة : هذه أغرب سمكة في كلّ بحار ومحيطات العالم ، فهي تستطيع أن تخرج من جوف الحوت ، إذا أخطأ وبلعها ، وذلك بأن تقرض جدران معدته ، ثم تشق طريقها إلى الخارج سالمة تماماً .
ونظرت سمكة السلمون الفتية ، إلى سمكة السلمون الكبيرة ، وقالت : لو كنت سمكة مثقاب ، وليس سمكة سلمون ، لما خفت الحوت القاتل نفسه .

     " 7 "
ــــــــــــــــــــ
    سبحت سمكتا السلمون الفتية والكبيرة ، جنباً إلى جنب ، ساعات عديدة ، وهما تبحثان دون جدوى عن مجموعتهما ، سرب أسماك السلمون .
وتوقفتا للراحة فترة ، فقد تعبتا من التجوال والبحث ، وقالت سمكة السلمون الكبيرة : يبدو إننا سنفترق ، إذا التقينا بمجموعتنا ، في وقت قريب .
وتعكرت ملامح سمكة السلمون الفتية ، وقالت : لا ، لا تقولي هذا ، أرجوكِ ، أنا لا أريد أن أفترق عنك ، فلم أعرف معنى الاطمئنان ، منذ أن تهت عن السرب ، إلا بعد أن التقيتُبكِ .
فقالت سمكة السلمون الكبيرة تطمئنها : ستكونين مطمئنة أكثر ، حين نعثر على السرب ، وسنعثر عليه عاجلاً أو آجلاً .
وقالت سمكة السلمون الفتية : إذا كنتِ معنا في السرب ، سأكون مطمئنة أكثر .
واستأنفت سمكة السلمون سباحته ، ولكن ببطء ، وقالت : هذا العام ، سيحين أوان وضع البيض ، ولابد أن أمضي مع رفيقاتي إلى أعلى النهر .
ولحقت بها سمكة السلمون الفتية ، وقالت : يُقال أن الطريق عبر النهر شاق جداً .
فردت سمكة السلمون الكبيرة قائلة : مهما يكن ، فعليّ ورفيقاتي ، أن نجتازه  إلى أعلى النهر ، فنحن لا  نضع البيض إلا هناك ، حيث ولدنا .
وهنا مرّ طائر بحري ، كبير الجناحين ، يبدو أنه جاء مهاجراً من بعيد ، متجهاً إلى البعيد ، فنظرت سمكة السلمون الفتية إليه ، وقالت : ليتنا نحن الأسماك ، نستطيع الطيران مثل هذا الطائر .
واهتز ماء البحر ، وكأنه ماء يغلي ، فتساءلت سمكة السلمون الفتية قلقة : ماذا يجري ؟
وضحكت سمكة السلمون الكبيرة ، وقالت : تمنيتِ ، يا عزيزتي ، لو أن الأسماك تطير مثل الطيور ، وها هي أسماك تطير .
وفغرت سمكة السلمون الفتية فاها مذهولة ، حين رأت عشرات ، بل مئات من الأسماك ، تشبه زعانفها الأجنحة ، تثب من الماء ، وتطير على ارتفاع مئة قدم ، فصاحت قائلة : انظري ، هذا السمك يطير .
وابتسمت سمكة السلمون الكبيرة ، وقالت : يبدو أن أحد أعدائها يهاجمها ، فهربت منه بسرعة ، وطارت كما ترينها ، لكن طيرانها لا يزيد عن المئة متر .
وبعد قليل ، اختفت الأسماك الطائرة ، من الفضاء ، ومن سطح البحر ، فقد عادت إلى البحر ، وغاصت محتمية بالأعماق .
وقبيل نهايةالنهار ، لاح سرب ضخم من الأسماك ، يشق ماء البحر ، في أفواج متراصة ، فتطلعت سمكتا السلمون إليه ، وقالت الفتية : انظري ، سرب أسماك .
فقالت سمكة السلمون الكبيرة فرحة : ابشري ، هذا سربنا ، هيا نمضي ، ونلحق به بسرعة .
وأسرعت سمكة السلمون الكبيرة ، تشق ماء البحر نحو السرب الضخم ، وعل الفور ، وبكل ما تملك من قوة ، انطلقت سمكة السلمون الفتية في أثرها .


                                    

 

هناك تعليق واحد: