الاثنين، 5 يونيو 2017

"البيرانيا" قصة للأطفال بقلم: طلال حسن



البيرانيا
 بقلم: طلال حسن

     " 1 "
ـــــــــــــــــــــ
    منذ أيام ، وذكر السمكة يتسلل متجولاً خلسة ، على مقربة من قاع النهر ، بين النباتات المائية الكثيفة ، متحيناً الفرصة للانقضاض على بيض سمك البيرانيا ، الذي وضعته الاناث فوق النباتات المائية ، لالتهامه أو القضاء عليه نهائياً .
ولكن أنى له ذلك ، وذكور البيرانيا ، بعيونها المدورة الكبيرة ، ذوات اللون الأحمر كلون الدماء ، التي تسفكها على الدوام ، تتجول يقظة في محيط النباتات المائية ، المثقلة ببيض البرانيا .
وذات ليلة ، هبط الذكر متعباً إلى القاع ، واستلقى على الرمال ، لعله يغفو قليلاً ، ويرتاح ، وتراءت له انثاه ، تسبح إلى جانبه وسط النهر ، وحانت منه نظرة ، وإذا هو يلمح سرباً من أسماك البيرانيا ، فانسل بين النباتات المائية ، وهو يقول : لنبتعد ، تلك هي أسماك البيرانيا المتوحشة .
وبدل أن تلحق به الأنثى ، وقفت تتطلع مذهولة إلى أسماك البيرانيا ، التي ما إن لمحتها ، حتى انطلقت تشق الماء نحوها كالعاصفة ، وأحاطت بها من جميع الجهات ، دون أن تتيح لها فرصة للهرب .
ومن مكانه ، بين النباتات المائية الكثيفة ، رأى بعض اسماك البيرانيا ، تطبق بفكوكها الفولاذية على ذيل الأنثى ، وتشل حركتها ، وعلى الفور ، انقضت جميع الأسماك على الأنثى ، وافترسنها بسرعة مذهلة .

     " 2 "
ـــــــــــــــــــ
    فقس البيض بعد أيام ، دون أن يتمكن الذكر من التهام بيضة واحدة ، ولو حاول ذلك ، لافترسه ذكور البيرانا كما افترسوا الأنثى من قبل .
وأمام أنظاره الغاضبة ، التي لم تخمد ولن تخمد نيرانها ، خرج الصغار من البيض ، لكنهم لم يبتعدوا عن النباتات المائية ، وظلوا متصلين بها ، يحرسهم الذكور ، دون أن يغفلوا عنهم لحظة واحدة .
وحين أصبح صغار البيرانيا قادرين على السباحة الحرة ، انفصوا عن النباتات المائية ، وراحوا يتجولون بحثاً عن الغذاء ، وعندئذ فقط انسحب الذكور ، ومضوا يبحثون في مجموعات ، وقد عضهم الجوع ، وأصابهم ما يشبه الجنون ، عن ضحية يسفكون دمها ، ويفترسونها في دقائق معدودات .
وتابعهم الذكر عن بعد ، وكأنه مشدود إليهم بوثاق لا فكاك منه ، يجب أن ينتقم للأنثى ، مهما كلف الأمر ، فهو يعاني من الشعور بالذنب ، لأنه رآهم يمزقونها أمام عينيه ، ويفترسونها ، دون أن يفعل شيئاً .
ومن بعيد ، فوق سطح النهر ، رأى بطتين ، لعلهما ذكر وأنثى ، يسبحان جنباً إلى جنب ، كما كان هو يسبح مع الأنثى دائماً ، وهمّ أن ينطلق إليهما ، ليحذرهما من البيرانيا ، لكن الأوان كان قد فات .
وجمد في مكانه ، حين رأى أسماك البيرانيا ، تندفع كالعاصفة نحو البطتين ، وتسحبهما نحو الأعماق ، وتفترسهما بسرعة فائقة ، حتى لم يبقَ منهما غير بضعة عظام دامية ، تهبط ببطء نحو قاع النهر .


     " 3 "
ــــــــــــــــــــ
    فكر الذكر للحظات ، أنه ربما من الأفضل ، أن يبعد عنه فكرة الانتقام من سمك البيرانيا ، وينصرف إلى حياته الطبيعية ، مع بقية الأسماك .
وعلى الفور ، تراءت له الأنثى ، وهي تتمزق بأسنان البيرانا المثلثة الشكل ، الحادة كالموسى ، فهزّ رأسه ، وقال : كلا ، لن أنسى ، لابد من الانتقام من هذه الاسماك المتوحشة ، مهما كلف الأمر .
وتسلل عبر النباتات المائية ، إلى أماكن تجمع أسماك البيرانيا ، ذكوراً واناثاً ، وتوقف كاتماً أنفاسه ، حين رآها تسبح أفواجاً في المياه الضحلة ، وبدت متوترة منفعلة ، إنها أشهر الصيف الحارة ، وقد شح الغذاء ، فأصابها الجوع بما يشبه الجنون .
وفي منطقة كثيفة النباتات من النهر ، لمح من بعيد حصاناً ضخماً ، يخوض قلقاً في الماء ، وعلى صهوته رجل يحمل سوطاً ، وفجأة اختض الماء ، وبدا وكأنه يغلي ، فقد لمحت البيرانيا الحصان ، وهو في منتصف النهر ، فاندفعت نحوه كالعاصفة ، وجنّ الحصان ، حين هاجمته البيرانيا ، وأسقط الرجل عن صهوته ، لكن كلّ ذلك لم يجده نفعاً .
ونهض الرجل ، وخاض متعثراً في المياه الضحلة ، حتى وصل الشاطىء ، والدماء تسيل من يديه ، وقد فقد ثلاثة أصابع من أصابعه العشرة .
وحانت منه نظرة إلى حصانه الضخم ، وإذا أسماك البيرانيا تمزقه وتزدرده ، ولم يبقّ منه بعد دقائق ، سوى هيكله العظمي ، يلمع تحت أشعة شمس الصيف الساطعة الحارة .

     " 4 "
ـــــــــــــــــــ
    تراجع الذكر ، عند حلول الليل ، إلى نباتات قاع النهر ، واختبأ بين فروعها الكثيفة ، وهو يشعر بالتعب الشديد ، وأغمض عينيه لعله يغفو .
وأغفى قليلاً ، وخلال ذلك ، تراءت له الأنثى ، تقف عن بعد ، وتنظر إليه صامتة ، فأشار لها قائلاً : تعالي .. تعالي . .
وقالت الأنثى ، دون أن تتحرك من مكانها : لم اصغِ إليكَ ، حين حذرتني من سمك البيرانيا ..
وسكتت لحظة ، ثم قالت : فاصغ أنتَ إليّ ، وابتعد عنها ، وعش حياتك ، فلا حياة مع البيرانيا .
وفزّ الذكر مضطرباً ، ما العمل ؟
هل يترك جريمة البيرانيا تمر دون عقاب ؟
هل يواصل محاولاته ، التي لم تثمر حتى الآن ، فيخسر نفسه ، كما خسر الأنثى ؟
نعم ، ما العمل ؟
وقبيل الفجر ، تحرك الذكر من قاع النهر ، ومضى يشق طريقه بحذر بين النباتات المائية ، لن ينسى الأنثى ، وسيحاول إن استطاع ، أن ينتقم من البيرانيا ، ولكن عليه أن يذهب الآن ، ويبحث عن جماعته ، ويحذرهم على الأقل ، من .. سمك البيرانيا المتوحش .

                                      4 / 4 / 2016





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق