الاثنين، 16 يناير 2017

استخدام الفصيح من ألفاظ الحديث اليومى فى الكتابة للأطفال دراسة بقلم: يعقوب الشارونى

استخدام الفصيح من ألفاظ الحديث اليومى فى الكتابة للأطفال 
بقلم: يعقوب الشارونى


* الطفل يعرف " الشباك " ولا يعرف " النافذة " :
ويعرف النور ولا يعرف الضوء ، ويعرف كلمة قَعَدَ ولم يسمع كلمة جلس ، ويعرف معنى يجرى لكنه لا يعرف معنى يعدو ، ويعرف أنه يمشى ولا يعرف أنه " يسير " ، ويعرف العتمة ولا يعرف الظلام .
 ومع ذلك فإنه مع بداية تعلم الطفل القراءة ، يجد أمامه كلمات مثل النافذة والجلوس والعدو والسير والظلام ومئات غيرها من الكلمات غير المتداولة فى الحديث اليومى ، مع أنه من السهل أن يجد الكاتب مقابلاً لها فى المفردات السليمة لغويًّا والتى يعرفها الطفل - وبهذا نجد أنفسنا نعلّم الطفل    القراءة ، ونعلّمه أيضًا فى نفس الوقت ما يعتبره الطفل  " لغة جديدة " .
* الطفل وثنائية اللغة :
لهذا يواجه من يكتبون للأطفال باللغة العربية ، " مُشكلة ثنائية اللغة " التى يتعيّن على الطفل أن يواجهها أول ما تبدأ علاقته بالكُتب .
فالطفل لا يعرف فى بداية حياته إلا لُغة الحديث اليومى التى يستمع إليها ممن يوجدون حوله، وهى ما اصطلحنا على تسميتها " باللهجة العامية " ( الدَّارجة ) ، يفهمها ويتفاهم بها فى البيت والطريق والمدرسة . فإذا ما بدأ حياته المدرسية ، أخذ فى تعلّم العربية الفُصحى ، التى توحى الكُتب المدرسية أنها " لُغة  جديدة " غريبة عن الطفل . وإذا حاول استخدام بعض ألفاظها فى البيت أو الطريق ، قابلتــه ضحكات السخرية أو أمارات الدهشة ، وما يُصاحب هذا من شعوره بأنها صعبة وغامضة وغير مُحدّدة ، ولا تُـثير لديه صورًا من خبراته السابقة ، فتنقطع الصلة الوجدانية والفكرية بينه وبينها .
هذا فى حين أن القواعد التربوية السليمة توجب ألا نُعلّم الطفل ، فى الوقت الواحد ، إلا أمرًا واحدًا ، فإذا أتقنه انتقلنا منه إلى غيره . أما إذا أردنا أن نُعلّمه أشياء مُتعدّدة فى وقت واحد [ القراءة + التعرف على مفردات جديدة ] ، فالمهمة تصبح شديدة الصعوبة والتعقيد بالنسبة إليه ، وتكون النتيجة الحتمية لذلك أن نخفق فى تعليمه إياها           جميعًا .
* تجربة تؤكّد عدم مُلاءمة ألفاظ الكُتب المدرسية لأطفالنا :
- وقد قام الأستاذ محمد محمود رضوان خبير لغة الأطفال ، بتجربة كشفـت عن عجــز كثير من الأطفال عن فهم مُعظم الكلمات التى تحتوى عليها الكُتب المُستخدمة فى المدارس ، فقــد جمــع عيّنة تتألّف من مائة كلمة بطريقة عشوائية ، من ستـّـة كُتب كان استخدامها شائعًا فى رياض الأطفال ، وأجرى اختبارًا على مائة طفل بسبــع مدارس مـن ريــاض الأطفــال بالقاهرة ( 50 ولدًا و 50 بنتــًـا)، فاتضح من هذه التجربة ما يأتى :
1 - أن عدد الأطفال الذين فهموا أكثر من 50 % من الكلمات ، يبلغ 62 طفلاً ، على حين أن 38 منهم فهموا نصف الكلمات أو أقل .
2 - أن عدد الكلمات التى فهمها أكثر من نصف الأطفال يبلغ 53 كلمة ، على حين أن 47 كلمة فهمها نصف الأطفال أو أقل .
3 - أن الطفل المُتوسط عرف 53.7 % من الكلمات ، وهذه نسبة ضئيلة جدًّا ، خاصة وأن الاختبار أُجرِىَ فى شهر مايو ، أى بعد ثمانية أشهر من الدراسة التى كانت تعتمد على تلك الكُتب .
4 - أن 10 % فقط من الكلمات كانت مفهومة لجميع الأطفال ، على حين أن 6 % منها لم يفهمها أى طفل على الإطلاق .
ويقول الأستاذ محمد محمود رضوان فى كتاب " الطفل يستعد للقراءة " تعليقـًـا على هذه النتيجة الأخيرة : " ومن الطريف أن نــُـلاحظ أن  الــ 10% التى فهمها جميع الأطفال كانت من الكلمات التى وردت بنسبة عالية من الشيوع فى قوائم أحاديث الأطفال، وأن الــ 6 % التى لم يفهمها أحد لم ترد كلمة منها فى تلك   القوائم". 
فأما الكلمات العشر التى فهمها جميع الأطفال فهى :
" يأكل - يشرب - أحمر - بطيخ - ضحك - أرنب - خضراء - يلعب - قرش - حزام " .
فأما الكلمات الست التى لم يفهمها أى طفل على الإطلاق فهى :
" كيف ؟ - خجل - إذن - يهين - تثاءب - تأسّف " .
وينتهى صاحب التجربة إلى ما عَـبَّر عنه " بالنتيجة المحتومة " وهى " أهمية اتفاق كلمات كُتب الأطفال الصغار مع قاموسهم الكلامى " .
لهذا فإنه إذا أردنا التأكيد على تنمية عادة القراءة عند الأطفال ( والقضاء على الأمية ) ، فلا بد من معالجة موضوع الازدواج اللغوى بين مفردات الكتابة التى لا يعرفها الطفل ( ولا الأمىّ ) ، ومفردات الحديث اليومى الذى يعرفه الطفل ، ويعرفه من لا يجيد القراءة والكتابة ( الأمىّ ) .
* الطفل لن يفهم إلا الألفاظ التى يعرفها :
لذلك فإن لُغة الطفل التى يتحدّث بها ويعرفها ويفهمها ، ينبغى أن يُبنـَـى عليها مــا يُقــدم له مــن كُتــب وأدب ، ذلك أن علينـا أن نستغـل خبـرات الأطفال اليومية المُباشرة ، لنصل إليهم ، وهذا يقتضى أن نستخدم - بقدر الإمكان - لُغتهم التى يستخدمونها فى أحاديثهم ، متى كانت سليمة من الناحية اللغوية .
إن كاتب الأطفال يُريد أن يصل ، لا إلى عدد محدود من الأطفال الذين تــُـهيئ لهم بيئاتهم الاستماع المُستمر لتعبيرات اللُّغة الفــُـصحى واستخداماتها ، بل إلى جمهور الأطفال المُنتشر فى كل  مكان ، والذين لا تُصافح أسماعهم                " اللُّغة الفــُـصحى " إلا نادرًا .
إننا ، إذا قَصَرْنا لُغة الكتابة على ألفاظ بعينها يُدرك معناها قوم قليلون ويجهل مرماها الآخرون ، فإننا نعمل على إيجاد هوة فاصلة بين الخاصة وهم قلّة والعامة وهم كثرة ، ونضع عائقــًـا أمام الكثرة الغالبة من الأطفال يحول بينهم وبين فهم وتذوّق وحُب الكُتب الموجّهة إليهم .
* فلنُعلّم الطفل شيئًا واحدًا فى الوقت الحالى :
 إن مُعظم تلاميذ المدارس ، فى عدد كبير من البلاد العربية ، يأتون فى الوقت الحالى من قطاعات تعتبر من أكثر القطاعات الاجتماعية تعرّضــًـا للحرمان ، ولم تألف هذه القطاعات الفقيرة الكلمة المكتوبة أيًّا كان نوعها .
وتدل الدراسات التربوية على أن الأطفال الذين ينشـؤون فى بيــوت تــُـتيح لهــم فُرصة الاطلاع على الكُتـب المُلائمة ، والاستماع إلــى الراديو ، وتبادل الحديث ، والإنصات إلى الحكايات والقصص ، وغير ذلك من أنواع التدريب اللغوى ، يكونون أقدر على تعلّم القراءة من الأطفال الذين ينشؤون فى بيوت حرمتهم من تلك الوسائل التعليمية المُختلفة .
يقول الدكتور صالح الشماع فى كتابه " ارتقاء اللغة عند الطفل " : " إننا نرى الإشارة إلى هذه الحقيقة فى كتاب روسو " إميل والتربية " مُنذ أكثر من قرنين " .
فإذا كُـنـّـا نستقبل طفل هذه البيئات الفقيرة بأن نــُـقدّم له ، فى أول ما يقرأ من كُتب ،  لُغة فُصحى ، تختلف عن لُغته اليومية فى الألفاظ والتراكيب ، فإننا نكون قد جعلناه يواجه حاجتين كبيرتين معًا وفى نفس الوقت : الأولى : حاجته إلى أن يتعلّم القراءة ويُحبّها . والثانية : حاجته إلى أن يتعلّم فى نفس الوقت لُغة نتركه يحس أنها جديدة عليه .
ونحن لا نقول باستخدام العامية ، بل بالفصيح من ألفاظ الحديث اليومى .
إننا ننادى باستخدام ألفاظ العامية المنحدرة من أصل عربى ، شريطة أن تخضع فى ضبطها لقواعد العربية ، لكن لابد من اتفاق كلمات كتب الأطفال الصغار مع " السليم " من قاموسهم الكلامى .
* لكل عُمر حصيلته اللغوية ( قاموسه اللغوى ) :
لذلك فإنه على الرغم من ظهور أعداد كبيرة من كُتب الأطفال وقصصهم باللغة العربية ، فإن عددًا كبيرًا من مُفردات لُغتها نجدها فوق مُستوى مَنْ كُـتِبت لهم من الأطفال . ونتيجة لهذا الخطأ الفنى مَلّ الأطفال قراءة تلك القصص .
والسبب الرئيسى فى هذه الظاهرة ، أنَّ مَنْ يكتبون للأطفال لا يجدون أمامهم  ما يرشدهم إلى المُفردات والتراكيب التى يجب أن يُخاطبوا بها العُمر الذى يوجّهون إليه كتاباتهم .
أما فى اللغات الأجنبية ، فقد قام كثير من الباحثين بجمع قوائم المُفردات والتراكيب التى تدخل فى المحصول اللغوى للأطفال فى الأعمار المُختلفة ، ونشروا هذه القوائم ليستعين بها المؤلّف لكُتب الأطفال ، وليستعين بها غيرهم ممن يتعاملون مع الأطفال .
* أدب الأطفال وكُتب تعلّم اللغة ، والفرق بينهما :
وفى هذا لا يجب أن نلقى مُهمّة رعاية النمو اللغوى للطفل على عاتق أدب الأطفال ، فهناك مجالات خاصة بذلك فى مواد الدراسة تشمل كُتب القراءة والتعبير والنصوص وغيرها من المواد التى تهدف إلى تعليم اللغة للأطفال .
أما أدب الأطفال فإنه يهدف أساسًا إلى الإمتاع ، وتكوين العواطف وتنشيــط الخيــال ، وتعويد الصغار بطريق غير مُباشـر على المُعايشـة السليمـة للأحـداث والأشخـاص ، والسلوك الإنسانى المتحضر ، وحفزهم على الخَلق والابتكار ، والتجديد ، وتحمّل المسئولية ، واكتشاف مواطن الصواب والخطأ فى المُجتمع . فإذا تعلّم الطفل ، بجوار هذا ، لفظـًا جديدًا ، فإنما يتعلّمه عَـرضًا دون عمد أو قصد من الكاتب .
وكاتب الأطفال الموهوب ، هو الذى لا يواجه الطفل بألفاظ تُوقِعهُ فى حيرة من أمره لأنه  لا يفهمها ، أو تقطع عليه سلسلة خيالاته وتجاوُبه مع موضوع القصة وشخصياتها ومُعايشته لأحداثها ، لكى يبحث عن معنى اللفظ الذى لا يعرفه .
* كيفية الاختيار من ألفاظ الحديث اليومى :
ومن ناحية أخرى ، فإنه لابد من إعداد الطفل ليُجيد فى مُستقبل حياته فهم الفــُـصحى وقراءتها إذا أُريدَ له أن يمضى قدمًا بنجاح فى برنامجه التعليمى كمواطن عربى . لكن مواجهة الطفل باللغة ( اللهجة ) الفُصحى الغريبة عنه بمجرد دخوله المدرسة أمر خطير غاية الخطورة من الناحية التربوية والنفسية جميعًا .
لذلك قــُـلنا إن مُفردات الطفل وتراكيبه التى يستخدمها فى حديثه ، ينبغى أن تكون المادة الأولى فى أول الكُتب التى نضعها بين يديه .
- لكن ليس معنى هذا أن نترك العامية تـُسيطر على تعبير أطفالنا ، بل نحن نقول فقط إنه يجب أن نلتزم فى اللُّغة التى " نكتب بها " للأطفال بالألفاظ  والكلمات التى يعرفها الطفل ويفهمها ، وهى المُتداولة عادة فى حديثه اليومى.
- وليس معنى هذا أن نستخدم فيما نكتبه للطفل من أدب " كل " الألفاظ والتراكيب التى يستخدمهــا الطفــل فى حديثـه اليومى ، بل الأمر يقتضى أن نختار من حصيلة الطفل " الكلامية " ، تلك المفردات والتراكيب التى تشترك فى سلامتها اللغوية مع اللهجة الفُصحى ، فنؤلّف منها بقدر الإمكان مادة القراءة والكتابة ، خاصة فى المرحلة الأولى التى يتصل فيها الطفل بالكتاب .
*         *          *
* رجال التعليم يقرّون ضرورة الاستفادة بلُغة الحديث :
وهذا هو الرأى الذى انتهت إليه اللجنة الدائمة لترقية اللُّغة العربية فى مصر ، فى سنة 1948 ، إذ جاء فى محضر إحدى جلساتها :
" فى تعليم "القراءة والكتابة " " للمُبتدئين "، تُستعمَـل الكلمات التى هى عربية وعامية ،  مع تسكين الآخر ".
كما جاء فى التقرير الذى قدّمه المُستشار الفنى لوزارة المعارف ( مصر ) ، فى إبريل  سنة 1948 ، إلى وزير المعارف ، عن المُقترحات الواردة فى تقرير لجنة ترقية اللغة العربية بالمدارس ، والتى نوقشت فى مؤتمر مُفتشى اللُّغة العربية ومُدرسيها فى فبراير 1948 ما يلى :
" أن تتخــذ لُغــة الأطفــال وسيلــة للتعليــم فــى أول الأمــر فــى مرحلــة الــريــاض والمدارس الأولية ، وتبذل بعض العناية لتهذيب هذه اللغة العامية ، مع مُلاحظة أن تكون قريبة فى شكلها من عامية الطفل ، ويُراعَى فى تصحيح  نـُـطق الأطفال ألا يكون إلا بالقدر الذى لا يحول بينهم وبين الانطلاق فى التعبير " .
* المسافة ليست كبيرة بين الفصحى والعامية :
وإذا تتبعنا لُغة التخاطب الآن ، لنعلم نسبها من العربية ، وجدناها نفس العربية لكن طرأ عليها التحريف بنقص أحوال الإعراب ، أو تغيير حروف بعض الكلمات ( الحركة أو السكون أو التخفيف أو التشديد أو الحذف أو الزيادة أو القلب أو الإبدال ) . وقد يَرِد الخطأ عليها من ناحية الاشتقاق مثل " مبروك " فإن الصحيح " مُبارك " . وهناك كلمات دخيلة اقتضتها سُنـَّة المُخاطبة .
والكثرة الكُبرى من الألفاظ العربية ، إما عربية قــُـرشِيَّة صحيحة وإما مُحرّفة عنها تحريفــًـا قليلاً ، وإما عربية من لهجات قبائل أخرى غير قــُـريش أو مُحرّفة عنها تحريفــًـا قليلاً . ومن هذه الألفاظ ما يستخدمه الصغار فى تعبيراتهم اليومية ، ويُـقْـبَل منهم فى لُغة الحديث والمُناقشة حتى أثناء الدرس ، فإذا ما كتبوها فى موضوعات التعبير التحريرى ، يستنكرها أساتذتهم باعتبارها نابية ، مع أنها من ألفاظ الفــُـصحى وتحتل أماكن فى معاجمنا .
وزيادة على ذلك فهى حيّة يتداولها الناس .
إن بُـعْد الألفاظ العامية عن العربية مُبالغ فيه ، ومن اليسير تدارك الأمر إذا نحن عنينا بجمع المُفردات   العامية ، وعنينا بإعادة الاعتبار إلى كل ما يُمكن رد الاعتبار إليه ، وصحّحنا كل ما يُمكن تصحيحه منها ، بغير إبعادها عن صورتها الأولى كُــلّما أمكن ذلك .
كما أن الدراسات الحديثة التى تناولت اللهجة العامية ، تؤكّد ضرورة الاعتراف بصحة كل  ما جرى على قياس كلام العرب ، أو على خصائص لهجة عربية ، أو على كلام مروى عن شاعر أو لغوى  ثقة ، أو أمكن تخريجه على وجه صحيح .
كما تؤكّد هذه الدراسات على ضرورة تطبيق القواعد التى انتهى إليها مجمع اللغة العربية وغيره من المجامع العربية ، فى أقيسة اللُّغة وأوضاعها العامة ، كالقياس ، والسماع ، والمولد ، والمعرب ، والدخيل ، والاشتقاق ، والنحت ، وما إليها . ثم تطبيق القواعد السليمة التى انتهى إليها اللغويون القــُـدَماء والمحدثون للتطوّر اللُّغوى فى الأصوات ، والدلالة ، والصياغة .
( يُراجَع كتاب " لحن العامة فى ضوء الدراسات اللُّغوية الحديثة " للدكتور عبد العزيز مطر ) .
* والخُلاصة أن أهم الوسائل التى تجعل اللُّغة مقبولة ومُتداولة ، أن تكون لألفاظها مُدركات يستوعبها العامة والخاصة بسهولة وبغير جُهد أو عناء . وأهم السُّبل إلى ذلك ، ألا يحتقر الكاتب   " الصحيح من مُفردات العامية " ،    فيهجره ، بل يجب أن نأخذ الألفاظ الصحيحة ، ونأخذ الألفاظ المريضة بعد أن نُصحّحها ، ونجعل كل ذلك يجرى بأقلامنا كل يوم ، فيأنس الأطفال والصغار بلُغتنا ، لأنهم يقرءون كلمات يردّدونها فى حياتهم اليومية ، ثم يأخذون ، من حيث لا يشعرون ، كثيرًا من الألفاظ الأخرى التى نكتبها ، والتى ليست مُستخدمة فى الحديث اليومى .
لذلك يجب أن تتطوّر ألفاظ كُتب الأطفال بما يتــّـفق ومصالح الكثرة من أطفالنا ، الذين نــُـريد أن نـُـحبّب إليهم الكُتب والقراءة ، بشرط أن يُساير تطوّر ألفاظنا الأسلوب العربى فى الصياغة والتعبير .
* لا نقول باستخدام العامية ، بل بالفصيح من ألفاظ الحديث اليومى :
فإذا أردنا أن نُقدّم للطفل مادة قراءة صحيحة من وجهة النظر اللُّغوية ، وهى فى الوقت نفسه مما يستخدمه الطفل فى حديثه اليومى ، فعلينا أن نرجع إلـى قاموس الطفل الكلامى ( أو حصيلته اللغوية ) ، وندرس مُحتوياته ، لنتبيّن فيه ما يلى :
( أ ) الكلمات المُشتركة بين العامية والفُصحى ، ولها فى الوقت نفسه نسبة عالية من الشيوع فى أحاديث الأطفال .
( ب ) الكلمات العامية ذات النسبة العالية من الشيوع فى لُغة الطفل ، وبينها وبين نظائرها فى الفُصحى تقارب كبير فى النُّطق . ولا بأس أن نُقدّم هذه إلى الأطفال بعد تهذيبها - بل إنها إذا قــُـدّمت فى صياغتها الفــُـصحى فلن يجد الطفل مُشكلة فى فهمها ، مثل " حصان " و " منديل " .
* حاجتنا إلى الجهود العلمية المنظمة لوضع قاموس للحصيلة اللغوية لألفاظ الأطفال وكلمات  كُتبهم :
- إننا فى حاجة إلى دراسات شاملة ، لتسجيل قاموس الأطفال الكلامى والفهمى ، أى الألفاظ التى ينطقونها ، والتى يفهمونها فى الأعمار المُختلفة .
- كما أننا فى حاجة إلى وضع معاجم تحتوى على الألفاظ الفُصحى ، أو القريبة من الفُصحى ، التى نتداولها فى حديثنا اليومى ، لنختار من بينها ما يُناسب الأطفال لنستخدمه فى كتاباتنا لهم خاصة صغار السن منهم . فهذه الكُتب الأولى هى التى تقوم بالدور الأساسى والحاسم فى التقريب بين الطفل والكُتب ، وفى تنمية وعى القراءة ، وفى تنمية حُب الكتاب لدى الأطفال ، وتعميق ارتباطهم الدائم به .
* قوائم بالفصيح من ألفاظ الحديث اليومى :
وقد قُمنا بإعداد قوائم تشتمل على حوالى خمسة آلاف كلمة من ألفاظ الحديث اليومى ، راجعناها على المُعجم الوسيط الذى أصدره مجمع اللغة العربية فى مصر ، وكُـلّها ألفاظ مُشتركة بين العامية والفـُـصحى ، أو بينها وبين نظائرها الفـُـصحى تقارب كبير فقـُـمنا بردّها إلى أصلها الفصيح .
ونقدم هنا نموذجًا لبعض ألفاظ هذه القوائم من حرفى ( أ ) و (ب) و (ت) .
وقد قُمنا بإعداد هذه القوائم حتى نستفيد بها ونحن نكتب للأطفال ، ونرجو أن ننشرها كاملة ليستفيد بها الزُّملاء الذين يكتبون للأطفال ، فتجىء كتاباتهم أكثر قــُـربًا لفهم وإدراك الغالبية العُظمى من أطفالنا .
* مُلاحظات على قوائم الألفاظ :
1 - بقدر الإمكان أوردنا الألفاظ  بترتيب ورودها فى المُعجم الوسيط ، حتى يسهل الوصول إليها فيـه .
2- تُستخدم ألفاظ القوائم عند الكتابة للأطفال بمعناها المُتداول الذى يفهمه الأطفال إذا كان مُتّفقًا مع أحد معانى الكلمة فى الفُصحى - مع استبعاد استخدام اللفظ إذا أُريدَ به الدلالة على معانٍ أخرى غير المعنى المُتداول لدى الأطفال .
    فكلمة " أصل " ، يستخدمها الأطفال بمعنى " الأساس الذى يقوم عليه الشىء " ، فيقولون : أصل الحكاية - فلا تـُـستخدَم فى الكتابة للأطفال بمعنى " النسخة الأولى المُعتمدة " أو " قَط " أو " كرم النسب " .
    وكلمة " بُرْج " ، يعرفها الأطفال عندما تـُـستخدَم لدلالة على " البناء الخاص الذى يأوى إليه الحمام " أى " برج الحمام " - فلا تـُـستخدَم بمعنى " بروج السماء " ، ولا بمعنى " البيت الذى يُبنـَــى على سور المدينة ليُقيم فيه الحُـرّاس " .
وكلمة " البَرْقُ " ، يعرفها الأطفال بمعنى " الضوء الذى يلمع فى السماء على أثر انفجار                كهربائى "-  فلا تـُـستخدَم عند الكتابة للأطفال بمعنى " التلغراف " .
 3 - تُستخدَم الألفاظ الواردة فى القوائم بنفس رسمها الوارد فى  القوائم . أما إذا تغيّر رسمها ، بإضافة حروف إليها أو حذف حرف أو حروف منها ، فقد يبتعد اللفظ عن محصول الأطفال اللغوى .
    فالأطفال يعرفون لفظ " البساط " بمعنى " نوع من الفرش يُنسَج من الصوف ونحوه " - فإذا استخدمنا عند الكتابة للأطفال صيغة الجمع " بُسُط " ، فلن يفهموها .
    وكلمة " تـَـبَسَّم " قريبة من اللفظ المُتداول " ابتسم " - لكن إذا كتبنا للطفل لفظ " باسم " فقد يكون بعيدًا عن فهم الأطفال الصغار .
4 - عند نطق الكلمات الواردة فى القوائم ، خاصة لصغار الأطفال ، تُنطَق بتسكين آخرها ، لأن هذه هى الصورة المُعتادة لنطق كافة كلمات القوائم فى الحديث اليومى .
5 - لم نــُـضــَـمِّن القوائم إلا الألفاظ التى رأينا - طبقــًـا لخبرتنا - أنه يُمكن أن يستوعبها الأطفال حتى سن 12 سنة . ونرجو أن تُقدِّم لنا الدراسات حصرًا عمليًّا للألفاظ المُتداولة بين الأطفال فى كل مرحلة من مراحل عُمرهم حتى عُمر 12 سنة .     
6- أثبت المُعجم بعض الكلمات بأكثر من نطق ، مثل : البَكْرَة والبَكَرَة . ( الأولى بسكون الكاف والثانية بفتحها )، وقد أثبتنا فى القوائم الرسم القريب من الحديث اليومى ( وهو هنا بفتح الكاف ) . 
7 - بعض الألفاظ تُنطَق فى الحديث اليومى على أكثر من وجه ، وقد أوردنا هـذه الأوجه المُتعدّدة فى القوائم متى كان المُعجم قد أقرّها : مثل إسطبـل وإصطبل . ومثل : البدروم والبدرون .








مراجع البحث

- محمد محمود رضوان : " الطفل يستعد للقراءة " - دار المعارف مصر .     
- د . على الحديدى : " فى أدب الأطفال " - مكتبة الأنجلو المصرية .
- د . صالح الشماع : " ارتقاء اللغة عند الطفل " - دار المعارف مصر .
- أحمد نجيب : " فن الكتابة للأطفال " - دار الكاتب العربى للطباعة والنشر - ( 1968 ) .
- د . هادى نعمان الهيتى : " أدب الأطفال " - نشر وزارة الاعلام بالعراق .
- د . عبد العزيز مطر : " لحن العامة فى ضوء الدراسات اللغوية الحديثة " - دار الكتاب العربى للطباعة والنشر .
- يعقوب الشارونى : " دور المكتبة فى تنمية عادة القراءة عند الأطفال " - دراسة مُقدّمة إلى الحلقة الدراسية الإقليمية لعام 1980 التى عقدتها الهيئة المصرية العامة للكتاب .
- يعقوب الشارونى : " الطفل والقراءة " دراسة مُقدّمة إلى الحلقة الدراسية الإقليمية                     لعام 1979 التى عقدتها الهيئة المصرية العامة للكتاب حول " كُتب الأطفال " .
- مجمع اللغة العربية : المُعجم الوسيط .
- محمد قدرى لطفى : " القراءة الوظيفية " - مكتبة مصر  .

   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق