الاثنين، 17 أكتوبر 2016

"الرسالة " قصة لليافعة بقلم: هدى أحمد مشالي

الرسالة
 هدى أحمد مشالي

 فى ضاحيه من ضواحى احدى القرى ، كانت تسير فى خطى واثقة تحمل على رأسها حفنه كبيرة مثقلة بالخضرة والفواكه ، تدور على بيوت القرية فهى بائعة متجولة ..
 كانت ذات قامه فارعه وجسم مكتنز باللحم ووجه تملأه تعبيرات الطبيعه البريئه ترتسم عليه أخاديد عميقة وعينان تحمل بداخلهما خضار الحقول ونضارتها..
 اعتادت كل صباح ان تنهض مبكرا تعلف الدجاج وتجمع البيض ، تسمع هديل الحمام فتهرول اليه لتضع له الماء والطعام ، تمسك بالصغار لأطعامهم وتحمل الحب بين كفيها فيزدحم الجميع على الطعام من كفها الابيض الذى يحمل بعض التشققات التى تشبه الارض بعد عزقها ، بعدها توقظ ولديها ، تطرق ابوابهما المتجاوره فى الدار القديمه المتهالكه ذات الطابع الريفى الاصيل ففى أركانه تشم رائحة الخير وعبق الماضى الجميل تحضر لهما الافطار ويساعداها فى ذلك ، تخطو وسط الدار وكأنها الشمس الحانيه فتنشر فى جناباته الدفء والحنان ، بعدها يخرج الجميع للعمل ، وعند العوده يتناول الجميع الطعام وتأتى هى تحمل صنية الشاى ويبدأ الجميع فى التسامر وتبادل النكات والاحاديث على المصطبه الموجوده بجوار الدار.
 وفى ذات ليله قام ابنها الصغير الذى اخضر شاربه قريبا وقبل يدها وقال : ألم يحن الوقت يا أمى ان اتزوج فأن الفرق بينى وبين أخى عامان وميعاد زواجه اقترب 
 أضاءت ثغرها ابتسامه عريضه وقالت : صبرا ايها الصبى لقد تركت الطفوله فى العهد القريب وتريد اليوم ان تلحق بركب الرجال
 رد عليها قائلا : انت دائما ترى اننى رجلا فى كل شىء وبدل الفرحه تبقى أثنين
 قامت من مجلسها وكأنما لمستها روائح الصبا ووقفت تنظر اليهما فى اعجاب وكأنها تضمهما بعينيها وقالت : على اذن اختيار عروسك .. 
 قام الولدان وقبلا يدها وعندما نظرت الى السماء وجدت خطا الليل تزحف لتمحو بقايا خيوط النهار ، فأتجهت الى الفرن المتهالك الموجود فى وسط الدار وأشعلت النار بداخله وبدأت فى أعداد فطائر للعشاء ، وبدأ وهج النار يزحف على وجهها الشاحب ، وبدأ يتسرب دفء ينبعث من بطن الفرن مع رائحة الخبز الشهيه .. تسمرت حدقة عينيها على نيران الفرن التى اشعلت بداخلها ذكريات الصبا والشباب ومر امام عينيها شريط من الذكريات ، اول شىء منه هو بداية زواجها والايام الجميله التى عاشتها مع زوجها ، لقد كان يحملها فى قلبه ، واعطاها بلا حدود من ينابيع الحب والحنان وكيف كانت النهايه سريعه بعد ان اسدل الستار على زواج استمر اربع سنوات ان كلماته الاخيرة مازالت تسكن اذنيها حتى الان التى نطق بها مع اخر ظفره بين ضلوعه ((الولدان ـ اكملى المشوار اتمى الرساله )) وبعد رحيله تملكتها قوة لم تكن تعلم انها بداخلها لم يثنيها الحزن بل اثقل من ارادتها لمجابهة القادم ، واستطاعت بارادة فولاذيه ان تحافظ على قطعة الارض الصغيرة وتفلحها وتبيع ثمارها من اجل الانفاق على ولديها التى اخذتهما تحت جناحيها وسافرت عبر الايام والسنين ، اعطت لهما زهرة الشباب وافنت اجمل ايام العمر فى العمل على راحتهما ، حبست مشاعرها كأمرأه حتى لا تطلق العنان للنفس فى التفكير الذاتى ، تركزت حياتها فى شيئين لا ثالث لهما العمل وتربية الاولاد ليصبحا رجلين يملأن عينيها وقلبها ، وفجأة تنبهت من رحلة الذكريات على رائحة نضج الفطير وضعته فى الصينيه واتجهت الى ولديها ولكن وجدتهما قد ناما جالسين فى مكانهما وضعت الصينيه وأخذت تحملق فيهما وقلبها يحلق من السعاده والفرحه لقد قرب ميعاد زواجهما وبعدها يستريح قلبها ، وبدأت تستحضر فى ذهنها متطلبات الزواج وقررت ان يسكن كل منهما حجرة وتنام هى فى الصيف على السطح وفى الشتاء فى حجرة صغيرة أستطاعت ان تبنيها لتضع فيها دجاجاتها والشاه الوحيدة التى تملكها وفجأة . شعرت برعشة تملء جسدها وبهزال شديد قد سكن بدنها وألم شديد يعتصرها ورؤيه ضبابيه غير واضحة فى عينيها ، ودخلت الى الفراش بعد ان شعرت بشىء من التحسن ، وفى الصباح ذهبت الى طبيب القريه الذى طمأنها وامرها بالراحه واخبرها ان تقوم ببعض التحاليل للتأكد من سلامتها ،ولكنها لاحظت ثمة شيئا لم ينطق به الطبيب ان عينيه زائغة تهرب من ملاقتها انه يخفى شيئا .. الكلمات تخرج من شفتيه ثقيلة مرتبكه ،وخرجت من عنده بعد ان قررت عدم العوده اليه مره اخرى ، وفى طريق العودة رفعت وجهها الى السماء وكانت رقعة السماء صافية ، اخذت تبتهل الى الله ان يعطيها القدره على استكمال اخر خطوة فى مشوارها الطويل المرهق وبعد ايام قليله كان يوم الزفاف ، وفى هذا اليوم لم تذق طعما للراحه ، فتحت صدرها لتستقبل السعادة التى انتظرتها طويلا ، ووقفت من بعيد تلاحظهما فى سعادة من وسط الزحام الذى كان يملأ الدار ، وهنا عاودها الالم من جديد واخذت تعض على الانامل من شدته ، ولكن حبها لولديها اشد .. حاربت الالم بالصبر وظلت تنظر اليهما وكأنها تودعهما ، وبعد انتهاء العرس دخلت الى غرفتها ووقفت فى الشرفه تستنشق الهواء بنهم ونظرت الى السماء ، وهنا رأت وجه زوجها يشق ظلام الليل ضاحكا مستبشرا ضحكت فى وسط انهار الدموع ، استلقت على الفراش بهدوء ، انها تقيم عرسا من نوع خاص وشعرت انها العروس ترتدى ثوب الرضا ، ووجدت دجاجاتها تتجمع حولها وكأنها تودعها نظرت اليهم فى حب وأغمضت عينيها وهى تتمتم لقد اكملت الرساله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق