الأربعاء، 19 أكتوبر 2016

"الحِمَارُ صَاحِبُ الجَلالَةِ " قصة للأطفال بقلم: محمود عقاب



الحِمَارُ صَاحِبُ الجَلالَةِ
 تأليف : محمود عقاب
      القصة الحائزة علي المركز الأول بإقليم غرب ووسط الدلتا الثقافي أدب طفل عام 2016

  حكايات علي المقامات

  يُحكي عَـن ِ الثعلـبِ  أنَّهُ تقـلـَّدَ منـصـبَ الوزير , وقـد عيَّنـهُ الأسـدُ مـلكُ الـغـابةِ ذو

المقام الكبير ، ومَكـَثَ الثعلبُ في الـوزارةِ أياماً , لكنـَّهُ طمعَ أن يكـونَ ملـكـاً همامـاً.

  وقال لنفسـهِ : لـن أحـقـِّقُ في غابتي الـرسالـة , إلا إذا كـنتُ أنـا صَاحِـبَ الجـلالـة ,

فـإنَّ قـوَّةَ ذكائي في التخطيطِ والحـسـم ، تعادلُ قـوةَ الأسـدِ فـي العَـضَـلاتِ والجسـم ،

فلابدَّ أن تقـودَ قـوةُ عقلي الفـَطِـن ِ، قوَّتـَهُ التي تتمثلُ في البدن ِ .
  
                                        *****
  بعدَ حيرةٍ وتفكير ، ذهَبَ الثعلبُ الـوزير ، إلي قاضي الغابـةِ دبدوب الشهـير، ولمَّـا

أقبلَ عليهِ قال : السلامُ عليكم يا جَنـَابَ القاضي دبدوب .

ردَّ دبدوب : وعليكم السلام يا وزيرُ , ما المطلوب ؟

  قال الثعلبُ : جـئتُ أستشـيرُكَ وأنتَ تحكـمُ بالـعـدل ِ لا بالهـوى ، ولا تـخـافُ قـويَّـاً

مهما اشـتدَّ أو قوي ؟

   قال دبدوب : سَلْ ما شئتَ وسأوافيكَ حُسْنَ الإجابة ؟

   قال الثعلب : ماذا ينصُّ قانونُ من يحكمُ الغابة ؟

   قال دبدوب : القانون ينـصُّ أنَّ الغـابـةَ امتلاك ، يحكمُهـا القـوىُّ صَـاحِبُ الأمـلاك

   قال الثعلب : القوَّة بالجسم أم بالعقل ؟

   قال دبدوب : أيَّـة قـوةٍ تؤدِّي لنفـس الفعل ، تستحقُّ أن تحـكـمَ الغابة ، فمن استطاعَ

أن يجعلَ لنفسِهِ مهابة، وأن يمتلك الفرائسَ والزروع ، وأن يغني رعيَّتَهُ عن الجوع ؛

أصبحَ عَنْ جدارةٍ ملكاً علي الحيوانات ؛ لأنـَّه أقوي وأغني الكائنات .
                                            - 1 -
  قال الثعلبُ في سرور : إذن ليس الحكمُ حِـكـراً علي الأسد ؟!

  قال دبدوب : نعم , فإنْ كانَ هـنـاكَ مـن هـوَ أقـوي فـي الجـسـد ، وأغني فـي الـزَّادِ

والمَدَدِ؛ استطاعَ أن يحكـُمَ للأبدِ .

                                            *****

  خـَرَجَ الثعلبُ مـن عـند القاضي وهـو فـي تفكـيرٍ عميـق , وشعـرَ أنَّ نـصَّ القانـون

سيمهِّـدُ لهُ الطريـق ؛ لـيـكونَ ملـكـاً عـلـي الغـابَة ؛ لـذلكَ قـرَّرَ أن يقـابـلَ أصـحـابَه ؛

ليعاونوه فيما يفـكـِّر ، وينفـذوا له كـلَّ ما يدَبِّر .

 اجتمعَ الثعلبُ بالقردِ والزرافةِ والفيل ، أقربُ الحيواناتِ التي تعاونه في كلِّ سبيل ،

وقال للثلاثةِ : ما رأيكم لو أصبحتُ ملكاً عـلي الغابةِ بقوةِ الذكاء ، وكانت هديَّتي لكـم

أن تكونوا من حولي وزراء ؟

  قال القردُ متعجباً : كيف ذلك وهناكَ الأسدُ ملك الغابة ؟!

  قالت الزرافة مذهولة : كيف تدحرج صخرة فيها من القوة والصلابة ؟!

  قال الفيل : وكيـفَ تحكم بقـوة الـذكاءِ ، الـذي لا يعـترفُ بها كـثـيرٌ مـن العـقـلاءِ ؟!

الحيواناتُ  تحكمُهـا قـوةٌ مجسـدةٌ بالعـيون ِ تراهـا ، ليـسـت قـوة وهـمـيـة تسـمعُ عـن

صداها !

  قال الثعلب : سأجعلُ من ذكائي قوةً حقيقية ًتراها العيون .

  قال القرد : وكيف تحقـِّق هذا الحُلـْمَ المجنون ؟!

                                            - 2 -

  قال الثعـلـب موضِّحـاً حيلـتـَهُ : أن يـزولَ مُـلـْـكُ الأسـدِ فـيـصـيرَ فـقــيراً ، ولا يجـد

أملاكـاً تجعلـُهُ أميراً ، ونمنعَ عنه الصيدَ والفرائِسَ قليلا ؛ حتى يصيرَ جسْمُـهُ ضعيفـاً

هـزيلاً ، فتجوعَ الغابةُ في حُكمهِ وتطلب ملكاً بـديـلاً ، بعـدَ أن نكونَ حـوَّلنـا خـيراتِ

الغابةِ إلي المـزرعةِ المهجـورةِ المجاورة ؛ لأعلِـنَ عَـنْ أملاكي الجديدةِ عـندمـا تأتـي

المناظرة ، حينئـذٍ أفـوز بعرشي في العـرين ، وأنتـم تصبـحـون وزرائي المطيعـين .

  قالت الزرافة : يا لها من فكرةٍ رائعةٍ من ثعلبٍ أستاذ !!

  قال الفيل : لا تعلنوها لأحد وهيا بنا للعمل والنفاذ ؟!

                                               *****

  بَـدأ القردُ في زراعـةِ المـزرعةِ بالنباتاتِ والأشجـار، بعدما كـانَ يـزرعُ الغابةَ لـيـلَ

نهـار، والـزرافـةُ تقطفُ الثمارَ بفـمِهَـا العالي ، ثـمَّ ترميـهـا فـي المـزرعَـةِ في ظـلام

الليالي ، والفـيـلُ يحطـِّم الأشجـارَ التي يملكها الأسـد ، مستغـلاً لديه ضخامة الجسد ،

والثعلبُ يخطـفُ الأفراخَ وكـلَّ الفرائِس ِ والطيور ، ثـم يرميها في المزرعـةِ كلَّ يومٍ

من أعلي السـور.

                                               *****

  قد أصَابَ حيواناتِ الغابةِ الجوعُ  والفقر ، ولـم تستـطـعْ النمـورُ والذئابُ  والكـلابُ

 الصـبر ، فـذهـبَ الجميعُ إلي الثعلبِ الـوزير .

  قال لـه أحـد النمـور في غـضب : يـا وزير أين ذهَـبَ الطعامُ والخيرُ الوفـير ؟!

                                            - 3 -

  قال الثعلب : أنا لستُ مسئولاً لأنني لستُ ملك الغابةْ  !!

  قال النمر ثائراً : الجُـوعُ قد تملـَّكنا وأظهرَ أنيابَهْ ، فلن نفرِّقَ بين ملكٍ أو صُعلوك .

  قال الثعلـبُ في حكمـة : لا يـصـحُّ أن تنتهكـوا عـرينَ الملـوك ، فأنا الثعـلـبُ حكـيمُ

الزمان، سأحلُّ لكم المشكـلة في أمان .        

                                               *****    
  شعَرَ الأسدُ بنقص ٍ في الفرائس والثمرات ، وفقدان القوة والممتلكات ، وقـد أصـابَهُ

الجوع ، وبدأ يسألُ عـن الموضوع ، والثعلبُ ينصـت إليهِ في خشـوع : أيُّهـا الثعلـبُ

الوزير ، ماذا جَرَي من أمرٍ خطير ؟!

   قـال الثعلب : مولاي قـد حـلَّ في الغابةِ القـحـطُ والجفـاف ، والطاعـونُ أهـلكَ كـلَّ

الفـرائـسَ مـن أفـراخ وخِراف ، والرياحُ حطمـت الأشجـار ، والـديدان أكلـت الثمار،

والسُّوسُ أكلَ الحبوبَ والغلال ، وأصبَحَت الغابة كالصحراءِ أحجارٌ ورمال .

قال الأسدُ مذهولاً : هذا كلامٌ غيرُ معقول ؟!!

  قال الثعلب : بل الغابة تقولُ أنـَّكَ المسـئـول ، وعزَمَت النمـورُ و الذئابُ  والضِّباعُ

 وحـتى الكلاب ، علي التهامِكَ لأنكَ -  كما يزعمون -  أوَّلُ الأسباب .

  قال الأسد : لستُ مسئـولاً عن القضَـاءِ والقـدر ونـزولِ الـبلاءِ ، وكـلنا في الهـمِّ بلا

 استثناء .

                                            - 4 -
  قال الثعلب : أهـلُ الغابةِ يـزعـمـون أنـَّكَ وراءَ ما أصـابَـهـم من جُـوع ٍ ، لأنـَّكَ في

اعتقـادهِـم  إلهٌ مسموع ، ومسئولٌ عن كلَّ شيءٍ وأنتَ جالسٌ في العرين ، تـُطاعُ مِن

أجـل ِ أن تـُطعِمَ الجوعي والمساكين .

  قال الأسد : أنـِّي مظلومٌ وبرئٌ من هـذه الاتهاماتِ والشكوك !

  قال الثعلب : عشتَ يا مولايَ تظلمُهُمْ ألا يحقُّ لهمْ أن يظلموك ؟!

  قال الأسد منكسراً : أتتركهم يأكلونَ ملكاً عاشَ في عزٍّ ومهابة ؟!!
   
  قال الثعلبُ : لنذهب إلي القاضي دبدوب ليحكمَ بينـَكَ وبينَ الغابة .
                                          *****
  حَضَرَ الثعلبُ الوزيرُ ومعه الأسد ، فاقدُ الأملاكِ وقـوِّةِ الجسد ، ومِن خلفِهِ أصحابُهُ
 
القـرد والزرافة والفيل ، أمـامَ منصـةِ دبدوب القاضـي الجليـل ، وقـد أرسـلَ الثعـلـبُ

إلي الحيواناتِ فجاءت مسرعة ، وجلسَ الجميعُ أمامَ المنصة بـين الغابة والمزرعـة .

   قال الثعـلـبُ للقاضي : الحـيواناتُ يا مـولاي  تصرخُ مِـنَ الفـقـر والجوع ، وتتهـمُ

الأسـدَ أنـَّهُ وراءَ ذلكَ الموضوع ، فالغابـةُ أصابَهَا البلاءُ والذل ، والأسـدُ غـير قـادر ٍ

علي الحل ، بعـدما فـقـدَ قـوَّتهُ وأملاكَهُ ، فاحكمْ باستقالتِهِ حتى لا يلقي هلاكَهُ .

   قال القاضي دبدوب : هل هناكَ من يستطيعُ حكـمَ الغـابةِ في بـراعـة ، ولـديه القـوةُ

والأملاكُ لسدِ الاحتياجاتِ ومنع المجاعة ؟

                                            - 5 -

   صمتَ الجمـيعُ ، ونطـقَ الثعلـبُ الوديعُ : أنا يـا جـنـابَ القاضـي ، أمتـلكُ الأطيـانَ

والأراضي ، وأمتـلكُ هذه المزرعـةَ العامرةَ بالخـيراتِ ، وأنـا من أمـلكُ إطعـامَ وسـدِّ

احتياجاتِ الحيوانات .


  فرحَت الحيواناتُ فرحةً عارمة ، وأرادَ دبدوبُ أن ينهيَ المحاكمة ، ويصدرَ حُكمَـهُ

بالملكِ الجديد ، واستعدَّ الثعلبُ فرحـاً للمنصـبِ السعـيدِ ، وقبلَ نطـق القاضي بالحكـم ِ

السـديد ، سمعَ صوتاً من داخل المزرعة يهزُّ الأسوار ، إذا به صوتاً لنهـيـقِ حِمار !!

وقد تصاعـدَ شيئاً فشيئاً صوتُ النهيق ، والحِمـارُ يقـتربُ نحوهـمْ فـي الطريق ، وقـد

خـيَّـمَ علي كـلِّ الحاضرينَ الذهول ، والحمارُ اقــتربَ منهـم وهـو يقـول : من أنتم ؟!

قـد أقـلقـتـم منامي ، وأفسدتـُم عليَّ أحلامي .

  قال القاضي دبدوب : ماذا تفعلُ داخلَ المزرعةِ أيُّها الحِمار؟!!

  قال الحِمار : أنـا صـاحـبُ المـزرعـةِ وصـاحـبُ تـلكَ الثـمـار ، وقـد أنعـمَ اللهُ عـلي

المزرعـةِ بالازدهار ، زروعٌ وثـمـارٌ وطيـورٌ ودجـاج ، وأصـبـحـتُ مــنذ فــترةٍ بـلا

احتياج ؛ رغـمَ الـراحـةِ والاسترخاء ، بلا مجهودٍ أو عناء .

  نظر القاضي دبدوب إلي كل الحيـواناتِ سلالـةٍ بعد سلالة ، وفجأةً قـد أعلـَنَ حكمَـهُ

فـي اختـصــارٍ وعجالة ( أيتها الحيـوانات :  بنـصِّ قـانـون الغـابـة الحـمـارُ صاحِـبُ

الجلالة !! )
                                            - 6 -
  حمـلَ القـردُ والفـيـلُ والزرافة الحمارَ علي الأكـتاف ، وملئوا الغـابة بهذا الهـتاف :

يعـيشُ الحِمَارُ صاحبُ الجلالة !

  وكـلُّ حيوانـاتِ الغابـةِ تمشـي خلفـَهـم ، وتـردِّدُ هتافـَهـم : يعيـشُ الحِـمَـارُ صَاحِـبُ

  الجلالة ..

  والحمارُ سعيدٌ بمنصبٍ جاءَه إلي باب الدار ..

  لم يكن يتوقعْ أن يكونَ ملك الغابةِ حمار ..

  والأسدُ يضحك شامتاً ..

  والثعلب يموتُ في غيظِهِ صامتاً ..
                                             *****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق