الاثنين، 29 أغسطس 2016

"الحمامة البيضاء" قصة للأطفال بقلم: زكريا تامر



الحمامة البيضاء
 زكريا تامر 

حطت الحمامة على ضفة نهر من الأنهار، وبكت فأطلت سمكة، وقالت للحمامة: (لماذا تبكين؟ هل أنت مريضة؟).
قالت الحمامة: (أنا أبكي لأني قد عدت إلى عشي فلم أجد فيه ابنتي، ولا بد أنها ضاعت).
قالت السمكة: (يحق لك أن تبكي، فأنا أيضاً أم مثلك وأعرف جيداً ما تشعر به الأمهات يوم يمس الأذى أولادهن).
قالت الحمامة: (ما يضاعف ألمي أن ابنتي ما زالت صغيرة، ولم تتعلم كيف تدافع عن نفسها).
قالت السمكة: (سأعاونك وسأبحث عن ابنتك في النهر كله).
قالت الحمامة: (لا فائدة من بحثك، فلن تجدي ابنتي المسكينة في النهر، فمن يملك جناحين لا يحيا في الماء).
قالت السمكة: (إذن تابعي البحث عنها فالبكاء لا ينفع ولن يعيد إليك ابنتك).
طارت الحمامة، واستأنفت بحثها عن ابنتها الصغيرة الضائعة، ولكنها بعد أمد قصير تعبت، فحطت على أرض حقل أخضر، وهُناك تخيلت ابنتها الحمامة الصغيرة الضعيفة الجناحين، حائرة مضطربة مذعورة، يتصاعد هديلها مستغيثاً منادياً أمها، عندئذ بكت الحمامة الأم فقال لها أحد الأرانب متسائلاً: (لماذا تبكين؟ إذا كان الجوع هو الذي يبكيك فسأرشدك إلى بستان مليء بأفضل أنواع الجزر)!
قالت الحمامة: (ما يبكيني ليس الجوع، إني أبكي لأني قد أضعت ابنتي الصغيرة، وبحثت عنها في كل مكان، ولم أنجح في العثور عليها).
قال الأرنب: (أنا سريع الركض وسأعاونك في بحثك).
شكرت الحمامة للأرنب رغبته في مساعدتها، ولكنها قالت له: (الحمامات الصغيرة متشابهات، وإذا شاهدت ابنتي فلن تعرفها، ولا أحد غيري أنا أمها يستطيع التعرف إليها).
وطارت الحمامة من جديد لتعاود بحثها عن ابنتها المفقودة، شاهدت الحمامة حماراً كان منهمكاً في أكل كومة من العشب، فقالت له متسائلة: (هل شاهدت حمامة صغيرة بيضاء)؟
قال الحمار مدهوشاً: (ما هذا السؤال الغريب العجيب؟ هل سبق لأحد أن أبصر حماراً يحدق إلى السماء؟ الحمار ينظر دائماً إلى الأرض التي سيطأها بحوافره خشية الوقوع في حفرة).
في تلك اللحظة اقتربت قطة سوداء اللون من الحمار والحمامة، وسألتها بفضول: (عم تتحدثان)؟!
قالت الحمامة للقطة: (هل رأيت حمامة صغيرة بيضاء)؟
قالت القطة: (ليتني شاهدتها! فلو شاهدتها لكانت الآن مستقرة في بطني).
قالت الحمامة للقطة: (يا لك من قطة سيئة الأخلاق! هل هذا كلام يُوجه إلى أم تتألم)؟!
قالت القطة: (اسمحي لي بأن آكلك فتتخلصي من آلامك وأحزانك كلها).
غضب الحمار، وقال للقطة: (إذا لم تبتعدي فوراً فسأرفسك رفسة ترمي بك وسط مئة كلب).
فسارعت القطة إلى الهرب بينما قالت الحمامة: (ماذا أفعل؟ الليل موشك على القدوم، وشمس النهار ستغيب قريباً).
قال الحمار : (هيا، هيا تابعي البحث عن ابنتك ولا تضيعي الوقت في التكلم مع حمار).
طارت الحمامة، واستأنفت تفتيشها عن ابنتها بينما كان الظلام يقبل رويداً رويداً، وعندما أمست الحقول مظلمة عادت الحمامة إلى عشها حزينة باكية، ولكنها فوجئت بابنتها الحمامة الصغيرة في العش، فصاحت فرحة:
(أَهذهِ أنتِ؟ أين كنتِ؟ هل ضعتِ؟).
قالت الحمامة الصغيرة: (لقد هربت من العش).
قالت الأم: (ماذا تقولين؟ أَتهربين من أمك التي تحبك أعظم الحب)؟!
قالت الحمامة الصغيرة: (هربت لأتفرج على الدنيا خارج العش ثم ضعت).
قالت الأم : (وكيف عدت)؟
قالت الحمامة الصغيرة: (لا أدري).
فتذكرت الأم كيف ضاعت هي يوم كانت صغيرة السن، وأرشدها إلى العش حبها للمكان الذي ولدت فيه، ثم قالت لابنتها الصغيرة، (كل الذين يبتعدون ضائعين عن بيوتهم سيرشدهم حبهم لبيوتهم إلى طريق العودة إليها).

هناك تعليقان (2):