هَديةٌ لِبابا
نُويلْ
قصة: كريستوف لو ماسن
ترجمة: عاطف محمد عبدالمجيد
صباحاً..تدْخلُ أمُّ
ألكسْ بهدوء حجرةَ ابنها الصغير الذي ينامُ نوْماً عميقاً، تجلس على سريره هامسةً
في أذنهِ :
ــ حانَ وقتُ
الاستيقاظ.
فتحَ ألكس إحدى
عينيْهِ، ثم أغْمضها في الحالِ مرةً أخرى.إنه ما زال يريد أنْ ينامْ...
ــ تُواصلُ أمهُ
كلامها وهي تسحبُ الستائر، قائلة له: لو رأيتَ ما أرى لانْدهشْتَ كثيراً. مُتكاسلاً ينهضُ ألكسْ، يذهبُ إلى
النافذة، وينظرُ إلى الخارج.
ــ أوه ! لقد اكتستْ
كلُّ الأشياء باللونِ الأبيض !
يصيحُ ألكس
مَذهولاً.لقد ظلَّ الثلجُ يتساقطُ طوالَ الليلِ !
حقيقةً، أشْجار
الحديقةِ، مَدخل البيتِ، وحتَّى العرباتِ في الشارعِ، غطَّاها معْطفٌ أبيضُ سميكٌ،
معطفٌ ناصعُ البياضِ، حيثما لمْ يتركْ أحدٌ أيَّ أثَرٍ.وحْدهُ أبو الحِنَّاءِ الذي
يحْجُلُ يتركُ آثارَ أقدامهِ الصغيرةْ فوقَ الثلجِ.
ــ يتساقطُ الثلجُ
لأنَّ عيدَ الميلادِ قد اقتربْ..
تقولُ لهُ أمهُ هذا، وهي تُلْبسهُ ملابسَهُ
بحماسٍ.
وسيأْتي بابا نويلْ
إلى هنا راكباً زلاجتهُ، لكي يُحْضرَ لكَ كلَّ هداياكْ.
يحْلمُ ألكسْ ببابا
نويل، يتخيّلُ ملامحه، وهو يُعدُّ أيائله استعداداً لرحلته.وهو في طريقهِ إلى
المدرسةِ، يمْشي ألكسْ صانعاً في كل خُطوةٍ يخْطوها ثقْباً في الثلجِ.إنه مازال يُفكّرُ
في بابا نويلْ...
[إنهُ لطيفٌ جداً، يقولها
لنفسهِ.طوالَ الوقتِ يُحْضرُ هدايا لأطفالِ العالمِ كلهِ، ولا ينْسى أحداً منهمْ!
ألمْ يفكّرْ أحدٌ
في أنْ يُقدِّمَ إليهِ هديةً ؟ لا، ليْسَ هذا مُمْكناً !
أنا سأقدمُ إليهِ
هديةً ! ]
في الفِناءِ وقتَ
الفسحةِ، هرولَ ألكسْ إلى نينا وأنطوانْ، كي يخْبرهما بما نَوى أنْ يفْعلهُ.
هديةٌ لبابا نويلْ ؟..ردَّا
عليهِ وهما يُقهقهانِ.يا لها منْ فكرةٍ عجيبةْ !
[يا للأسفِ إنْ لمْ
يفْهما !..يقولُ ألكسْ الذي تساءلَ منْ قبْل عنْ الهدية التي يمكنُ أنْ يقدمها
لبابا نويل.
بايب؟..ربما يكونُ
بابا نويل لا يدخنُ.
أيُهدي إليه
مُوسَى؟..شكله بلحيتهِ أفضلْ.
أيُهدي إليه نظارةً
؟
إنه يتمتعُ ببصرٍ
حادٍ كي يحددَ موقعَ كلَّ منازلِ الأطفالِ.يا لهُ منْ أمْرٍ صعْبٍ أنْ نعْثرَ على
فكرةٍ مُناسبةْ !
ــ صباح الخير، ألكس
!..يقولها سيمون الذي يتناقش مع كانتان.
ــ صباحُ الخيرِ، يردُّ
ألكسْ.ثم يُبيّنُ لهما أنهُ يريدُ أنْ يُقدّمَ هديةً لبابا نويلْ.
ــ ليسَ بإمكانكَ
إلا أنْ تشتري له دراجةً بخاريةْ ! يقولُ كانتانْ.وهكذا سيُحْضرُ لنا الهدايا
بأقصى سرعة !
ــ لكنْ لا، يُضيفُ
سيمونْ، قَدِّمْ إليهِ جهازَ كمبيوتر، حتَّى لا ينْسى أحداً !
بعيداً عنهما بقليلٍ
يُقابلُ ألكسْ أنيتا ويسألها عمَّا يمكنُ له أنْ يقدّمهُ لبابا نويلْ.راحتْ أنيتا
تفكرُ بجديةٍ، ثمَّ تقتربُ وتهمسُ بكلمةٍ في أذنه.في الحالِ يُضيء وجهُ ألكسْ: فكرةُ
أنيتا هي أفضل ما يمكنُ أنْ يفعلهُ شخصٌ.
داخل الفصلِ، ينْشغلُ
بعض الأطفالٌ بتزيينِ شجرةِ عيد الميلادِ، آخرونَ يُعلّقونَ أشْرطةً مُزخْرفةً في
زجاجِ النوافذْ.وفي يَدهِ نجمةٌ، يُفكرُ ألكسْ في هديتهِ.
ــ أين أنتَ يا
ألكسْ؟ تسألُ فاني، المُعلمة.أمَا زلْتَ فوقَ القمر؟
بعْدَ انتهاءِ
اليومِ الدراسي، راحَ ألكسْ يجْري إلى بائعةِ الخردوات، كي يشتري كُبَبَاً من
الصوفِ.
ــ مِنْ أي لونٍ
تريد الكُبب ؟..تسأله البائعةْ.
ــ أُريدها حمراء، يَردُّ
ألكسْ.لا، خضراءْ، يسْتدركْ.
إيه، الأفضلُ أنْ
تكونَ صفراءْ...أخيراً، لا، أنا أُفضّلها بنفسجيةً...
ماذا أصنعُ لاخْتيارِ
اللونِ المناسبْ ؟
[الحلُّ، يقولُ
لنفسهِ، أنْ أشتري كُبَّةً من كلِّ لونٍ...]
في حُجْرته راح
ألكسْ يُفكرُ بعمقٍ في إبرِ الغزْل.زَرْدةٌ في الأمامِ، أخرى في الخلفِ...
حاولَ صديقنا أنْ
يتذكَّرَ كيف تفعلُ أمهُ هذا، لكنهُ لمْ يُوفَّقْ في التوصلِ إلى شيءْ.بلْ تعرقلَ
في الخيوطِ التي انتشرتْ فيما حولهُ.
ــ ماذا تصنعُ يا
حبيبي؟..تسأله أمهُ.
ــ أنتِ تعلمين يا
أمي، يردُّ ألكسْ، أنهُ لنْ يكونَ مُسلياً جداً بالنسبة إلى بابا نويل أنْ يغزلَ
هذا على زلاجته حين يكونُ الطقسُ بارداً.
إذنْ، قررتُ أنْ
أغزلَ له إيشارباً جميلاً يحْمي أنفهُ ويرفرفُ خلفهُ في الريحِ.
في الليلِ وهو في فِراشهِ
لمْ يستطعْ ألكسْ أنْ يُغْمضَ عينيه.إنهُ ينتظرُ بفارغِ الصبرِ الإيشاربَ الجميلَ
الذي وعدتْه أمهُ أنْ تغْزلهُ لهُ، مُتّبعةً بدقةٍ إرشاداتهِ فيما يخصُّ اختيار
الألوانْ.
وفي الصباحِ يكتشفُ
الإيشاربَ الجميلَ.بالضبطِ كما كانَ يحلمُ به !
[ شكْراً لك يا أمي
! ]
إنه لطيفٌ جداً !..إنَّ
صُوفهُ الجديد تماماً يفوحُ بالعِطرِ.كان ألكسْ يريدُ أنْ يقدمهُ في لحظتها لبابا
نويل...
هذا هو اليوم
الأخيرُ في الدراسةِ قبيلَ الأجازة.في الفِناء أَرَى الإيشاربَ، في الخَفاءِ، لكلٍّ
مِنْ نينا وأنيتا.
ــ كمْ هو رائعْ !
هل أستطيعُ أنْ أَقيسهُ ؟..تسألُ أنيتا.
ــ نعمْ، لكن
انتبهي ! يردُّ ألكسْ.
ــ أعتقدُ أنَّ
بابا نويلْ هو مَنْ سيرتديهِ قريباً، تهمسُ نينا.إنه محظوظٌ...
ألكسْ فخورٌ جداً.
الآنَ، عليهِ أنْ
يُعدَّ علبةً جميلةْ.انْتقى ألكسْ ورقةً حمراءَ زاهيةَ اللون.باهتمامٍ شديدٍ، رسم
بطاقةً رائعةً كتبَ عليْها: [ مِنْ أجلكَ أنتَ، يا بابا نويل.صديقك ألكسْ.]
تمَّ الأمرُ، وصلَ
مساءُ عيدِ الميلادْ.ألكسْ لا يرغبُ في النومِ مطلقاً، إنهُ متلهفٌ لتقديمِ هديتهِ
التي نسيها كلُّ مَنْ يستعدُ لاستقبالهمْ.وضعَ ألكسْ عُلْبتهُ أسفلَ شجرةَ عيد
الميلادِ، وراحَ ليختبيءَ خلفَ الأريكةِ، راجياً أنْ يَرى بابا نويلْ.
إنهُ ينتظرُ...ينتظرُ...ينتظرُ،
لكنَّ عينيهِ راحتا تغْمضانِ رويداً رويداً.ما كادَ ألكسْ يستيقظُ إلا وأسرعَ
ناحيةَ الصالونْ.لمْ تكنْ هناكَ هديته لبابا نويلْ.لكنْ هناكَ، في مكان هديتهِ،
ووسط العُلبِ الكثيرةِ، إيشاربٌ آخرُ له الألوانِ نفسها، لكنْ على مقاسهِ !
وهو مسرورٌ جداً، خرجَ
ألكسْ إلى الحديقةِ كي يُطيّرهُ في الريحِ. [هذا شيءٌ مُدهشٌ،
يقولُ لنفسهِ، لقدْ فكَّرَ بابا نويلْ في الفكرةِ ذاتها التي فكرتُ فيها !] [هذا أجملُ عيدٍ من أعيادِ الميلادِ
بالنسبةِ إلي !..لكنْ، سأقدمُ إليه أيْضاً في العامِ القادمِ هديةً جميلةً جداً.وسَنرى
إذا ما كان سَيُفكرُ بابا نويلْ، أيضاً في الفكرةِ ذاتها، التي سَأُفكّرُ فيها أم
لا...]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق