الثلاثاء، 18 فبراير 2014

"مصنع من الفراغ" قصة للأطفال بقلم: صبحي سليمان



مصنع من الفراغ
صبحي سليمان

لملم الليل أستاره السوداء؛ ومكانه حل الضياء؛ واستيقظ حمدان علي مُداعبة شُعاع شمس لجفونه المُغمضة؛ فأفاق بهدوء علي صباح المزرعة الجميل؛ فإنه اليوم الأول له بالمزرعة؛ فخرج مُتجهاً ناحية جده الذي قبله وسأله حمدان : ـ
ـ هل لي من عمل أقوم به بالمزرعة لمساعدتك يا جدي ... ؟!
ابتسم الجد وهو يقول : ـ العمل بالمزرعة كثير يا صغير فاختر ما تشاء.
فكر حمدان قليلاً ثُم قال : ـ ما رأيك يا جدي في أن أرعي الغنم ؟!
ابتسم الجد وهو يقول : ـ حسناً يا صغيري؛ لك ما تشاء؛ وسأصطحبك في أول يوم لأريك كيف سترعاها ... هيا بنا.
قبل حمدان وجه جده وهو في قمة سعادته؛ ولكن بعد عدة أيام من الرعي شعر حمدان بالضيق؛ وقال في صباح أحد الأيام وهو يجلس علي صخرة مُرتفعة ليرتاح من عناء المشي : ـ
ـ ها قد أتيت إلى صمت المرعى؛ وسيستمر هذا الفراغ إلي نهاية اليوم.
سرح حمدان بخياله فترة من الوقت؛ وبعد فترة من التفكير صاح بسعادة : ـ
ـ لقد واتتني فكرة جميلة؛ وها هو المقص؛ وسأبدأ الآن في تنفيذها.
أمسك حمدان بالمقص واقترب من أحد الخراف قائلاً : ـ
ـ سأجز صوف هذه الخراف؛ وسأبيعه في السوق.
وبعد فترة قليلة انتهي حمدان من جز صوف الخروف الأول؛ وجمع الصوف في كيس كان معه؛ وهُنا لاحظ أن الشمس قد أوشكت علي الغروب؛ فجمع خرافه؛ ورجع لمزرعة جده في موعده؛ وفي صباح اليوم التالي وقبل أن يصطحب خرافه للرعي ذهب للسوق لبيع الصوف ورجع ومعه كمية بسيطة من النقود؛ ولكنها كانت نافعة في شراء سُترة جميلة لجده الذي سُر كثيراً بهذه الهدية الرائعة.
وجز حمدان صوف جميع الخراف وذهب للسوق ليبيعها؛ ورجع بمبلغ كبير من المال واشتري به مغزلاً صغيراً لغزل الصوف وتحويله إلي خيوط؛ وتبقي معه قليل من المال اشتري به فاكهة لذيذة للجد.
وهكذا استمر حمدان في جز الصوف وغزله حتى تكونت لديه كمية كبيرة من خيوط الصوف التي باعها بمبلغ كبير ذهب به وأعطاه لجده وهو يقول : ـ
ـ خُذ هذا المبلغ يا جدي؛ فلقد صنعته من بيع صوف الخراف التي أعطيتني إياها.
ابتسم الجد؛ وأخذ النقود وهو يقول : ـ
ـ أنت حقاً عبقري يا صغيري؛ فلقد استغليت وقت فراغك؛ ونبهتني لشيء عظيم.
وفي أجازة الصيف التالي ذهب حمدان باشتياق لمزرعة جده بالقرية الذي اصطحبه لمبني كان قد بناه حديثاً بأحد أركان المزرعة؛ وتفاجأ حمدان عندما وجد يافطة مكتوب عليها مصنع حمدان لصناعة الملابس؛ وابتسم الجد وهو يقول : ـ
ـ إنها ثمرة فكرتك يا حمدان؛ فمن فكرتك الصغيرة خرج هذا المصنع الكبير؛ والحمد الله؛ فلقد اتفقت مع أصدقائي بالقرية؛ وكونا هذا المصنع الذي يعمل به كُل شباب القرية وأطفالها في أوقات فراغهم فقط؛ كما إنهم يأخذون راتبهم مُنتجات من مصنعنا؛ فهم يصنعون ما يلبسونه بأيديهم؛ فإنه مصنع من الفراغ يا بُني؛ هل رأيت كم كانت فكرتك رائعة ... ؟!
شعر حمدان بالسعادة عندما شاهد هذا المصنع الكبير؛ وسأل جده بسعادة : ـ
ـ هل لي مكان للعمل في هذا المصنع يا جدي ... ؟
أمسك الجد بيد حمدان واتجها للمصنع وهو يقول : ـ
ـ بالطبع يا صغيري ... هيا بنا لنصنع شيئاً جديداً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق