الاثنين، 13 يناير 2014

"يوميات ايبى "قصة للناشئة بقلم: محمود مرعى.



"يوميات ايبى "
   محمود مرعى.

التحيات لك أيها الرب العظيم، رب العدل المطلق،
جئتك سيدي وجيء بى لمشاهدة كمالك،
أنا أعرفك وأعرف الآلهة الاثنين والأربعين
الذين معك في ساحة العدل المطلق،
الذين يتعيشون على أصحاب السوء ويتغذون على دمائهم
في اليوم الذي فيه يقام الحساب أمام الكائن الجميل (أوزير)،
جئتك أشاهد جمالك ويداي مرفوعتان (ابتهالا) لأسمك "العدل".
يا من عيناه بنتاه والعدل المطلق هو اسمه،
جئتك بالعدل وزهقت لك الباطل.

القـــــــــــــربان
" لم أتقاعس في تقديم الهبات للمعابد."
خرج ايبى على عجلة من أمره، حاملاً قربانه السنوى لتقديمه إلى الإله آمون، كان قد مر على الحصاد عدة أيام، وقد تأخر عن الموعد المحدد لتقديم القرابين، وعند وصوله إلى بوابة المعبد اعترضه حراس المعبد ولم يسمحوا له بالدخول، جلس ايبى على مقربة من المعبد، وكاد "رع" أن يقوم برحلته اليومية على قاربه المقدس ناحية الغرب، وكان كل يوم يمر وهو لم يقدم القربان يزيد من همه وخوفه على محصوله الذى قام بتخزينه والذى لن يباركه الإله أمون رع ويمنحه البركة كى يعيش عليه هو وأبنائه، ليس هذا كل شئ ولكن سوف تطارده اللعنة حتى العام التالى فلن يسمح الإله للأرض أن تعطيه من خيرها وسوف تفسد كل المحاصيل التى قد يحاول أن يزرعها وسوف تموت ماشيته ويجوع أبنائه ويصبح مشرداً، وكلما مرت هذه الأفكار السيئة فى رأسه كلما ازداد خوفاً ورعباً من غضب الإله، فيعاود المحاولة مرة أخرى ولكن الحراس يمنعونه من المرور وفى إحدى محاولاته رأى أحد الكهنة وهو متوجه إلى احد أركان المعبد فصرخ بكل ما أوتى من قوة على الكاهن ولكنه مر ولم يعيره أى انتباه و ما كان من الحارس إلا أن قام بضربه ضربة شديدة على رأسه عقاباً على فعلته الحمقاء وقام بجره من ثيابه وألقى به بعيداً عن بوابة المعبد، جلس ايبى على مقربة من أحدى أشجار النخيل التى كانت مثمرة فوجد بجوارها بعض حبات التمر فتناول حبات منها وقام إلى جدول ماء قريب وقام بغسل هذه الحبات ووضع إحداها فى فمه ولكنه فى هذه اللحظة تذكر جوع أبنائه و ماشيته فى المستقبل فلم يستطع ابتلاع ما مضغه فأخرجه من فمه ورماه بعيداً وعاد ينظر وهو فى شدة الحزن فى اتجاه بوابة المعبد، لعل الحراس يبتعدون قليلاً أو يرى أحد الكهنة، وكان الوقت يمر سريعاً وألمه وحزنه يزداد مع مرور الوقت، وفى هذه اللحظة وهو غارق فى همومه إذا بيد حانية تربت على كتفه فنظر فإذا بزوجته وأولاده يلتفون حوله فجلست زوجته إلى جواره واخذ أبنائه يلعبون من حولهم ونظرت إليه زوجته فى حنو وشفقة وقالت له إننى أنا السبب فى كل ذلك لولا اننى كنت مريضه ولم أستطع مساعدتك فى تخزين المحصول لكنت الآن قد قدمت القربان فى موعده ولم يغضب منك آمون الطيب، ولذلك فقد أحضرت الأطفال معى وسوف نذهب جميعاً إلى المعبد لنتوسل للكهنة حتى يقبلوا منا القربان، جمعت الأم أطفالها وتقدمت هى وزوجها الحزين باتجاه بوابة المعبد وحملت هى القربان وعندما صاروا على مقربة من بوابة المعبد نظر إليهم الحارس وتوجه إليهم وقد ظهرت على وجهه علامات الغضب الشديد وقال لهم " إنكم بتصرفكم هذا تزيدون من غضب الإله ولن يستطيع الكهنة أن يقدموا لكم أى مساعدة فتأخركم فى تقديم القربان وحده هو مشكلة كبيرة وتصرفاتكم هذه غير المسئولة قد تزيد من غضب الكهنة عليكم، ونظر إلى ايبى وقال له لقد أغضبت الكاهن الطيب حور عندما صرخت منادياً عليه وهو متوجه لملاقاة الكاهن الأكبر وأنت تعلم أنه محرم على الكهنة الحديث إلى العامة بدون إذن ،نظرت الزوجة إلى الحارس وقالت له: أيها الحارس الطيب إننى وزوجى جئنا هنا كى نقدم القربان لإلهنا العظيم آمون رع ولقد كان تأخيرنا رغماً عنا فلقد كنت مريضه وقام زوجى بكل العمل بمفرده ولم يستطيع أن يقدم القربان فى وقته المحدد وهذا هو اليوم الأخير وهاهو إلهنا العظيم يستعد للذهاب إلى داره فى العالم الآخر وها هى ترانيم الغروب قد انطلقت على ألسنة المنشدات وها هم الكهنة قد استعدوا لحمل المركب المقدس وإذا لم تسمح لنا بالدخول إلى ساحة المعبد فلن نستطيع تقديم القربان ولن نحظى ببركات إلهنا الطيب وسوف تنهال علينا اللعنات ولن نستطيع تحمل غضب إلهنا العظيم ولن يبارك الكهنة أطفالنا وسوف نصبح منبوذين بين أهل قريتنا وأنت أيها الحارس الطيب تعلم أكثر منا ما سوف يحدث لنا من جراء هذه الغلطة الشنيعة التى حدثت دون قصد، فنظر إليها الحارس وهو فى شدة التأثر وقال لها سوف أقوم بإدخالكم إلى الساحة الخلفية للمعبد وهناك يمكنكم التحدث إلى أحد الكهنة والذى قد يستطيع الذهاب إلى الكاهن الأكبر.
وقام الحارس بإدخالهم وهناك كان فى استقبالهم كاهن شاب تقدم من الحارس وأخبره الحارس بما يريدون فتقدم الكاهن من الزوجة وقال لها إنكم لا تستطيعون تقديم القربان فى هذا الوقت وليس أمامكم شئ سوى الذهاب الآن لأن الكاهن الأكبر مشغول فنظر الزوج إليه وقد ألجمه كلام الكاهن الشاب ولم تخرج منه الكلمات التى كان يحاول أن يقولها ولكن الزوجة لم تستسلم وتقدمت إلى تمثال الإله آمون رع وقامت بوضع القربان أمامه وقالت فى تضرع إنها تقدم القربان له وإذا كان الكاهن لا يريد أن يخبر الكاهن الأكبر بوجودهم فهى لا تريد منه مساعدة وفى هذه اللحظة خرج الكاهن الأكبر من حجرته ووجد الزوجة أمام التمثال فتقدم منها وقال لها : لقد استمعت إلى حديثك ولتعلمى اننى هنا لتقديم العون إلى جميع رعايا آمون رع ولتعلمى أن آمون قد تقبل منك القربان وقد عفى عن تأخيركم وأنه يرسل لك ولزوجك وأطفالك البركة والرضا".
المحاكمة
لم ألوث مياه النيل""
عاد ايبى إلى منزله وقت الظهيرة فاستقبله أولادة فرحين بقدومه، قدم لهم ما يحمله من خير أرضه الخصبة الواقعة على شاطئ النهر، وبعد أن أعدت زوجته الغداء جلست إليه وهى فرحه بقدومه، وتجاذبت معه أطراف الحديث ثم بعد تناول الغداء، خرجت الزوجة كى تطمئن على الماشية، ولكنها عادت مسرعة فهى لم تجد الثور الصغير بجوار أمه، فسألته وهى منزعجة، ماذا حدث للثور الصغير؟ فنظر ايبى تجاه الحظيرة ثم هب واقفاً، وخرجت زوجته معه يبحثون عن الثور الصغير وهم فى طريقهم إلى الحقل سألوا كل من وجدوه فى طريقهم ولكنهم لم يجدوا عند أى منهم إجابة فأكملوا طريقهم نحو الحقل، وهناك وجدوا جزءً من الحبل الذى كان معلقاً فى رقبة الثور الصغير، ولكنهم لم يجدوا له أى أثر، وبعد أن قاربت الشمس على المغيب كان لا مفر من العودة إلى المنزل ثم مواصلة البحث فى الصباح ولم يستطع ايبى أو زوجته النوم فى هذه الليلة وكانت الأفكار تدور فى ذهن كل منهم ثم تذكرت الزوجة أنهم قد تأخروا فى تقديم القربان وربما يكون اختفاء الثور هو عقاب من" آمون رع" على فعلتهم المشينة، فقرروا الذهاب فى الصباح الباكر إلى المعبد ومقابلة الكاهن، وعند بزوغ أول إرهاصات الصبح خرج الزوجان بعد أن ارتديا ملابسهم الخاصة للعبادة وتوجهوا ناحية المعبد وهناك قابلوا الكاهن حور الذى رحب بهم وسمع منهم ما حدث ثم أخبرهم أن" آمون رع" لم يغضب منهم وأن ما حدث هو مجرد صدفة لا أكثر، وطلب منهم العودة للبحث عن ثورهم فى الحقول القريبة من حقلهم، فشكروه وانطلقوا يبحثون عن الثور ويسألون كل جيرانهم وكل من التقوا به فى طريقهم ولكنهم لم يجدوا أى دليل يرشدهم إلى مكانه، وأخذ ايبى يبحث عن جاره فى الحقل ولكنه لم يعثر عليه فى الحقل فتوجه إلى منزله ولكنه وجده مغلقاً ولم يرشده الجيران عن مكانه ومرت الأيام وانتهت شهور الفيضان وجمع ايبى محصوله ثم جمع القربان وتوجه إلى المعبد وحظى ببركة آمون فى موعدها وقبل أى من أصدقائه المزارعين، وبعد أن انحسر النهر ووسط عيدان البردى وجد أحد الصيادين بقايا حيوان غارقة فى الماء أمام حقل ايبى فاخذ يصرخ فى الناس فحضر عدد من الصيادين والمزارعين وبعض المارة وقاموا باستخراج بقايا الحيوان النافق من الماء، وقام أحدهم باستدعاء الحرس وحضر معهم أحد الكهنة، وبالنظر فى الجثة وجدوا حبلاً فصرخ أحدهم إن هذا الحبل لا يصنع مثله غير ايبى فهو ماهر فى صناعة الحبال ولا يصنعه إلا لماشيته فقط، فقام الحرس باستدعائه ولكنه أنكر أن يكون هو من ألقى بهذا الحيوان فى النهر وأنه لا يمكن أن يلوث النهر المعبود"نون" لأنه يعلم أن الآلهة لن تغفر له هذه الجريمة فى العالم الآخر ولن يستطيع المرور وسوف تأكله الملتهمة " عممت " ولن ينعم بالحياة الأخرى، وواجهه الكاهن بما حدث منذ وقت قريب عندما كان يبحث عن الثور وجاء إلى المعبد وقال الحاضرون إنهم يتذكرون ما حدث فلقد سألهم جميعاً عن الثور وقال أحدهم إن هذا الثور الصغير كان مريضاً وربما مات فألقاه فى النهر، ولكن ايبى أخذ يقسم" بآمون رع" أن الثور قد ضاع وأنه لا يعلم ماذا حدث له، فاقتاده الحراس إلى المعبد ولم يستطع أن يقدم أى دليل يبرئه من هذه الجريمة الرهيبة التى لن تجعله يمر من المحكمة فى العالم الآخر وسوف يعاقب بشدة فى المعبد، وقام الحرس بحبسه إلى حين أن ينظر الكاهن الأكبر فى جريمته، ووصل الخبر إلى زوجته فأسرعت إلى المعبد وكانت تحمل معها بعض الطعام والنبيذ، وقامت بتقديمه كقربان إلى " ماعت " إلهة الحقيقة وتضرعت لها كى تظهر الحقيقة، وفى نهاية اليوم قام الحرس بإخراجها من المعبد، ومرت بضعة أيام حتى تم تحديد موعد المحاكمة، وفى اليوم الموعود تجمهر الكثير من الناس مطالبين بالقصاص من الذى تجرأ بتلويث ماء النهر، وقاموا بهرج كبير ولكن بمجرد ظهور الكهنة قاموا واقفين والتزم جميعهم الصمت ومر الكهنة حاملين الأعلام التى تحمل رموز الآلهة وكان رمز إلهة العدالة و الحقيقة " ماعت "فى المقدمة ولكن قبل وصول الكهان الأكبر حضر جار ايبى وكان قد عرف الخبر من بعض جيرانه فأسرع إلى المعبد وأخبر الجميع بأنه رأى التمساح وهو ينقض على الثور الصغير ويجره إلى الماء ولكنه كان على عجلة من أمره ولم يستطع إخبار ايبى بما رآه فقام أحد الكهنة وتوجه إلى مقر الكاهن الأكبر وعاد مسرعاً ليخبر الجميع بأن الكاهن الأكبر قد أصدر حكمه ببراءة ايبى وأنه قد نال بركة "آمون رع " إله الآلهة.
الجــــــــــــــــــارة
لم أسد طريق موكب الإله""
انتشرت الأيادى الطيبة لآتون وهى تمنح اليوم الجديد الخير والبركة ، قمت وزوجتى نرتب ما نحتاجه من طعام وماء لقضاء يومنا فى أرضنا المطلة على النيل، قمت بسحب الماشية ورائى وقامت زوجتى بوضع السلة على رأسها وتبعتنى، بمجرد خروجنا من المنزل كدت أن أسقط على الأرض لولا عناية الآلهة، أسقطت زوجتى ما على رأسها وهرولت ناحيتى فوجدتنى متشبث بالبقرة فوضعت يديها تحت ابطىَّ وساعدتنى على استعادة إتزانى، نظرة مذهولاً تحتى فإذا بالمياه القذرة تغطى الأرض وبها الكثير من بقايا الطعام ومخلفات الطهى والغسيل، فوجهت نظرى إلى زوجتى معاتباً إياها على ما فعلته، ولكن وهى فى حالة ذهول قالت من يمكنه أن يلقى بهذه الأشياء أمام باب البيت، لابد أن نعرف من هذا الشخص ونعاتبه أولاً ثم إذا لم يرتدع نقوم بتقديم شكوى ضده إلى الحاكم، أكملت وزوجتى الطريق نحو الأرض وقضينا يومنا ونحن ننظف الأرض من الحشائش الضارة التى نبتت بين الزراعات، وقمنا بوضع بعض أعواد الذرة إلى الماشية وبعد أن فرغنا من عملنا توجهنا عائدين إلى المنزل،وقبل أن نصل إلى المنزل كان هناك العديد من الحرس يحيطون به، وكان الناس ينظرون نحونا باستغراب واستنكار، وبمجرد اقترابنا صاحت جارتنا الجديدة، ها هم أيها الجندى هم الذين ألقوا بهذه القمامة فى الطريق ولقد كدت أن أنزلق لولا عناية الآلهة،قام الجندى نحوى وأمسك بيدى وقال أنت مطلوب للمحاكمة لإيذائك الجيران، صرخت فى الجندى وقلت له كيف أزى جيرانى، إنهم جميعاً حولنا فهل تسألهم جميعاً، إننى لم ألقى هذه المخلفات هنا ثم من أين لى بهذه المخلفات إنها مخلفات أحد القصور وليست مخلفات دارنا الخربة أنظر يا سيدى هذه بقايا دجاج وبط وهنا توجد عظمة أظن أنها لثور،إننا يا سيدى لا نأكل هذه الأشياء حتى فى الأعياد، ثم هذه دارنا يمكنكم الدخول ومشاهدة ما بها من طعام ، نظر رئيس الحرس إلى جنوده وكاد أن يقول شيئاً ولكن العجوز صاحت به ، نعم لن يجدوا أى شئ بالداخل فلقد قمتم بإلقاء كل شئ على قارعة الطريق ولم تراعوا أى حقوق لجيرانكم ، لقد خالفتم كل تعاليم الألهه وكل المواعظ التى ألقاها علينا الكاهن الأكبر ، الذى يشدد دائماً على عدم إيذاء الجيران لبعضهم ، وحذرنا مما سيحدث لمن يلقى بالأذى فى الطريق عندما ينتقل للعالم الأخر ، وهنا تغيرت ملامح قائد الحرس وأمر بأخذى إلى المعبد ، فى الطريق إلى المعبد حاولت أن أقنع الحراس بتركى لكنهم لم يكترثوا لما أقول ، وحين وصلنا إلى المعبد ساقنى حراس المعبد إلى حجرة مظلمة فى أقصى المعبد ، ومكثت بها حتى شروق أمون فى اليوم التالى.
سرت فى نفسى  قشعريرة هاده وأنا أستمع لتراتيل ولعزف الموسيقى مما ساعدنى على الهدوء وذهب فى سنة من النوم ، شاهدت نفسى فيها وأنا بين يدى الألهه وهى تلقى بى إلى الملتهمة لأننى قد وضعت الأذى فى الطريق وقد ذهبت سدى كل أقوالى وتوسلاتى للألهه ، وقمت من النوم فزعاً وقد أنقذنى قدوم الحراس لأخذى إلى الكاهن من بين براثن الملتهمة، جلست بين يدى الكاهن مطأطأ الرأس متذكراً ما حدث لى فى الحلم ولم أكن قادراً على الكلام أو الرد على أى من الأسئلة التى قد يوجهها لى الكاهن ، ولكن الكاهن نظر لى ولم يتكلم ، وفى هذه اللحظة دخل علينا أحد الحراس وقدم ورقة للكاهن فقام الكاهن بقراءتها بتمعن ، وتبسم ، ونظر لى بحنو واضح وقال هل تعرف هذه الجارة التى سكنت فى المنزل المجاور لمنزلك ، فقلت له وقد كاد الكلام أن يهرب من بين شفتى ، لا يا سيدى الكاهن فهى قد سكنت فى هذا المنزل فى بداية موسم الحصاد ولا يخفى عليكم كم العمل الذى نقوم به فى هذه الأيام ونحن نقوم إلى زراعاتنا قبل شروق الشمس الطيبة ونعود بعد الغروب ونحن فى غاية التعب ويستمر هذا العمل حتى نهاية موسم الحصاد صحيح أننا لا نملك من الزراعات ما يأخذ كل هذا الوقت لكننا يجب أن نساعد جيراننا ، فنظر الكاهن إلى وقال إن هذه الجارة قد قدمت لهذا الوطن الكثير ، فقد مات زوجها وأبنائها الأربعة دفاعنا عن أرضنا الغالية ، وهذا قد سبب لها بعض المشاكل فى التعامل مع من حولها ، ونحن نقدم لها من المعبد الطعام والشراب ونوفر لها من يخدمها ، وهذا المنزل هو واحد من المنازل الكثيرة التى وفرناها لها وفى كل مرة تفعل مع جيرانها ما يعكر صفوا حياتهم وقد تؤذيهم ولكننا نقدر ما تمر به بعد فقدان عائلتها ، ولذلك نرجو منك أن تسامحها وتقدر ظروفها وتعفوا عما قامت به تجاهك وإذا أردت أن نجد لها مسكن أخر بعيد عنكم سوف نفعل ، وهنا طلبت الكلام من الكاهن وقلت له إن هذه الأم الثكلى قد ضحت بالكثير لهذا الوطن ونحن ليس أقل منها حباً لهذا الوطن وسوف نقوم برعايتها واعتبارها واحدة منا ونرجو من الألهه أن تساعدنا على ذلك وأمر الكاهن بحملى إلى المنزل وأهدانى بعض الطعام والشراب .
الأيتــــــــــام
لم أبدد ميراث اليتيم""
ايبى يا زوجى الطيب ما هذا الحزن الذى يعتريك وما هذه النظرات الزائغة الحزينة انك على هذا الحال منذ عودتك من العمل هل جاء الفيضان هذا العام ضعيف ؟ أم هل أصيب الزرع بمرض ؟ خبرنى يا زوجى الطيب ماذا أصابك؟لا تجعل قلبى ينفطر حزنا عليك ولا تجعل قلبى يحدثنى بأشياء توجعه وتغرقه فى الحيرة والألم.
نظر ايبى إلى زوجته وقال وهو يعتصر من الألم  أى حبيبتى إننى احمل فى قلبى من الهموم ما يهد الجبال وتخر من هوله النجوم والأقمار وحتى لا تتعذبى مثلى فأنا أحاول أن أجنبك هذه الآلام التى فاضت بها روحى وارتسمت على ملامحى نعم إننى فى غاية الهم فلقد جاء الفيضان عالياً جداً هذا العام على غير العادة وقد جاء مبكراً أيضا عما تعودنا عليه واننى احمل أمانة لأبناء صديقى كان قد أودعها عندى وطلب منى ألا أعطيها لأولاده إلا عندما اعرف انه قد مات فأنت تعلمين انه كان مريضاً بداء عضال وكان يترقب يوم وفاته و هذه الأموال هى كل ثروته وكان يخشى أن يصرفها أو أن تبدد على نحو لا يرضاه أو يسطو عليها إخوة زوجته ويضيع أبناءه من خلفه وقد علمت من شخص عائد اليوم من هناك أن جميع أقاربه وأقارب زوجته قد تخلوا عن الأم وأبنائها وأن كهنة المعبد رفضوا أن يعطوهم أى معونة فلقد كان الأب لا يذهب إلى المعبد وكانت هناك شائعة انه لا يعبد أمون ولا يبجله مما جعله مكروهاً فى قريته وأخبرنى أيضا انه كان سيموت وهو فى الطريق إلى هنا من هول الفيضان الذى دمر جميع الطرق المؤدية إلى هناك وأنا الآن لا اعرف ماذا افعل فلقد كنت قد أعددت نفسى وجهزت المال حتى اذهب فى الصباح الباكر إلى هناك حتى أرد الآمنة إلى أصحابها إننى اشعر أننى قد ضيعت الأيتام ولن أسامح نفسى ولن تسامحنى الإلهة عندما أقف فى ساحة المحكمة فلسوف أعاقب عقاباً شديداً بتضييعى للأيتام وسوف القى إلى الملتهمة لتنهى على فأنت تعرفى أن هذا ذنب لا يغتفر.
نظرت إليه الزوجة وقد أصابها من الحزن والألم ما أصاب زوجها وتجمدت الكلمات فى حلقها وأصابتها غصة شديدة كادت أن تودى بها ورمت نفسها بين زراعى زوجها ولم تجد أى شئ سوى أن تسكب الدموع على كتفه.
ومن هول الموقف خرج الزوج جارياً إلى خارج المنزل هائماً على وجهه لا يعرف إلى أين يذهب أو إلى من يشتكى همه حتى يخفف عنه.
اخذ يلف ويدور هنا وهناك حتى كلت قدميه فارتكن إلى جذع شجرة قاصداً بعض الراحة فأغمض عينيه وأراح ظهره إلى جذع الشجرة وبعد قليل سمع صوتاً يناديه لقد أتعبتنى فى البحث عنك أين ذهبت فتح عينيه فوجد زوجته تنظر إليه نظرة حانية ورأى علامات البشر والسرور تعلوا وجهها مما منحه بعض السكينة والاطمئنان وقبل أن يتكلم أشارت زوجته إلى مكان قريب فوجد شئ لم يكن ليتوقعه شئ لم يخطر على باله شئ أزال كل الهم والألم من قلبه وحولها إلى فرحة لم يشعر بطعمها فى قلبه أبداً لقد كانت الأم وأبنائها ينظرون إليه فجرى إليهم واحتضن أبناء صديقه وعلم منهم أنهم قد خرجوا قبل الفيضان من قريتهم من هول ما رأوه من المعاملة القاسية من الأهل والكهنة وأنهم قد تأخروا فى المجيء لأنهم قد قطعوا كل هذه المسافة مشياً على الإقدام.
فعاد بهم إلى المنزل واخبرها أن زوجها كان قد أودع لديه مبلغا من المال فتهللت الزوجة وبنى لهم داراً قريبةً من داره ليعيشوا إلى جواره ويكونوا تحت رعايته.
البقرة
لم أُسيء استخدام حيوان""
كانت الشمس المباركة لم تشرق بعد عندما استيقظ ايبى من نومه فجأة، قام يهرول ناحية البقرة التى كانت ترقد فى أمان مع طفلها الصغير، نظرت إليه زوجته بعدما عاد وقالت له ماذا هناك هل سمعت صوت آت من هناك أو شعرت بأى حركة غريبة، نظر إليها وهو زائغ العينين وقال لها لقد استيقظت من النوم بعد مشاهدة حلم عجيب، لقد كنت احرث الأرض قبل الفيضان وكان الوقت ضيق جداً فلم اسمح للبقرة بان تستريح وكنت احملها على مواصلة العمل فى الحقل وكنت اضربها بشدة بعصا غليظة كانت معى، ومن شدة التعب استلقت على الأرض ولكنى لم اسمح لها فكنت اضربها على جسدها ضرباً شديداً حتى تقوم واسحبها بشده حتى تواصل العمل وفجأة إذا بها تنظر إلىِّ نظرة غريبة وتنتصب واقفة على أرجلها الخلفية وتسحب الحبل من رقبتها وتضعه فى عنقى وتسمك العصى من يدى و تنهال علىّ ضرباً وتسحبنى على أديم الأرض حتى أصابنى التعب والإعياء من كثرة العمل وعندما أردت أن أستريح رفضت وواصلت ضربها لى، وقد استيقظت وأنا اشعر بألم ضرباتها على جسدى،نظرت إليه الزوجة وقد علت على وجهها علامات التعجب وقالت انه حلم عجيب وأنا لا أجد له تفسير ولكن صارحنى زوجى الطيب رغم أنى اعلم انك ما كنت لتفعل هذا ولكن هل قمت بضرب البقرة ومعاملتها بهذه الطريقة من قبل؟ نظر إليها مستغرباً أن يخطر ببالها هذا الخاطر وقال لها أنت تعلمين أننى ما كنت لأفعل هذا فأنت تعلمين عقوبة من يعذب الحيوانات فسوف تقسوا عليه الألهه فى المحاكمة ولن تسمح له بالخلود، اعلم يا زوجى ولكن كان يجب أن استفسر منك وليس لك حل سوى أن تنسى هذا الحلم وتعود إلى النوم حتى تستيقظ باكراً للذهاب إلى الحقل، قال لها سوف أحاول أن أنام.
بعد جهد كبير استطاع أن يخلد إلى النوم وإذا به يتكرر نفس المشهد فيصحوا فزعاً مرةً أخرى، ولكنه هذه المرة كان قد وصل إلى المحاكمة ليحكم عليه بالالتهام من قبل الملتهمة " عممت " فكان هذا دليل على أن هناك شئ جلل ومصيبة كبيرة تنظره فقرر أن يتوجه إلى المعبد للقاء الكاهن، وبالفعل ذهب هناك ليحى للكاهن ما حدث له بالتفصيل، نظر إليه الكاهن وهو فى قمة الغضب وقال له، إن الآلهة غضبى منك للعاملة القاسية التى تعامل بها الحيوانات الضعيفة وحاول أن يشرح له انه لا يفعل ذلك فى الواقع ولكن الكاهن رفض الاستماع له واصدر قراره بمصادرة جميع الحيوانات التى تحت رعايته لتعود إلى بيت الإله آمون.
وقع ايبى على قدميه من هول الصدمة ونظر إلى الكاهن فى استجداء وقال له سيدى الكاهن إننى جئت كى تعبر هذا الحلم فانا خائف أن تكون الآلهة غاضبة منى لشئ فعلته لكننى اقسم لك انحنى أعامل كل حيواناتى بمنتهى الرأفة فأنا أعرف عاقبة المعاملة السيئة لهذه الحيوانات البريئة، ولو كنت أعاملها بعنف ما جئت إليك لتعبر هذا الحلم، إن كل جيرانى يشهدون بذلك و لك أن تستدعيهم هنا ليشهدوا، ولكن الكاهن أشاح بوجهه عنه وهم بالمشى لولا أن شاهد الكاهن الأعظم فانحنى بتواضع وحياه، نظر الكاهن إلى ايبى وقال له أيها الفلاح الطيب كيف حالك وحال زوجتك وأبنائك ؟ هل هم جميعاً بخير؟ استغرب الكاهن وقال لكبير الكهنة هل تعرف هذا الشخص يا سيدى ؟ قال له نعم انه فلاح طيب يسارع دائما بتقديم القرابين قبل الجميع وهو لا يتخلف عن زيارة المعبد، فقال له إن هذا الشخص قد جاء لأعبر له حلمه الذى يدور حول تعذيبه الشديد لحيواناته وقد هالنى ما حكى فخمنت انه يظلم هذه الحيوانات البريئة وقد كنت فى طرقى لاستئذانكم فى مصادرة كل حيواناته، نظر الكاهن الأعظم إليه وقال له هل نحاكم الناس على أحلامهم ثم لو انه كان يظلم الحيوانات ما جاءك لتعبر له حلمه، إن هذا الحلم لهو دليل براءته، إن هذا الفلاح التقى يراعى ضميره فى حيواناته ويخشى أن يظلمهم ولذلك تأتيه هذه الأحلام من كثرة تفكيره فيها، اذهب أيها الفلاح الطيب وارعى حيواناتك وحافظ عليها فلقد منحت بركة آمون.
الســــــــــوق
لم أتلاعب في مثقال الميزان""
حمل ايبى بعض أجولة البذور على حماره وانطلق إلى السوق، وفى مكان مخصص لبيع البذور انزل الأجولة واخرج من بين طيات قطعة من قماش الكتان صواع فضى اللون، جلس لمده طويلة ولكن أحدا لم يلتفت إليه أو يطلب منه بذور الذرة التى كان يعرضها للبيع، وعندما هم أن يحمل بضاعته ليعود إلى بيته جاء شخصان يطلبان منه مقدارا من الذرة، قام ايبى بمسح الصواع وتنظيفه جيداً بواسطة قطعة القماش واخذ فى كيل الذرة وبعد أن فرغ ربط الجوال وأعطاه للمشترى، نظر الشخص الأخر له وقال له إن صواعك هذا صغير وبذلك فأنت لا تعطيه حقه الذى اتفق عليه،نظر ايبى إلى هذا الشخص وقال له إن هذا الصواع الذى أكيل به الذرة هو صواع أهداه لى كاهن المعبد وهو نسخة من الصواع الملكى فى الحجم وليس الشكل، قال له الرجل أنت تسرق وتريد أن تلصق تهمة سرقتك بالكاهن انك سارق ماكر، قام ايبى إلى الرجل وهو فى شدة الغضب ولكنه تمالك نفسه وقال إن كنت تريد أن أكيل لك بهذا المكيال فلك هذا وان لم يعجبك فاذهب إلى غيرى، قال له الرجل اذهب إلى غيرك وأتركك تسرق من الناس إنى ذاهب إلى الجنود كى يتصرفوا معك وذهب مسرعاً، جلس ايبى مكانه ونظر إلى المشترى وقال له هل تريد هذه البذور أم تريد إرجاعها؟ قال الرجل إننى متشكك بعض الشئ وهذا من حقى وعليك أن تثبت لى أن مكيالك سليم وانك لم تظلمنى، قال له ايبى إن هذا المكيال سليم وأنا اتحدى به أى مكيال فى السوق و لك أن تحضر مكيال آخر لنكتال لك بذورك مرة أخرى، قال له الرجل إننى لا اعرف أى شخص من هؤلاء ولا اعتقد أنهم سيعطون لى مكيال للتأكد فهل تستطيع أنت أن تحضر مكيال آخر لتثبت صدق قولك ؟ استمر الجدال بين ايبى والمشترى بعض الوقت وفى هذه الأثناء ظهر بعض الجنود يتقدمهم الرجل الأخر وأشار إلى ايبى وقال لهم إن هذا الرجل يغش فى الكيل ويتبجح بان صواعه هو الصواع الملكى، نظر قائد الجند إلى ايبى وقال له هل تمتلك صواع الفرعون، قال له ايبى إننى لم اقل هذا الكلام ولكننى قلت إن هذا الصواع هو هدية من كاهن المعبد وانه يتماثل فى الحجم مع الصواع الملكى، ولم اذكر صواع الفرعون الإله فى حديثى وهل لفقير مثلى أن يحلم أن يرى صواع الفرعون، قال قائد الجند ليس هذا المهم انك وبشهادة هذا الرجل تغش فى المكيال فهل هذا صحيح ؟ قال لهم ايبى إننى لا أغش وتستطيعون أن تحضروا أى صواع أخر لتأكيد كلامى، أشار القائد إلى احد الجنود وقال له احضر كل مكيال تجده فى السوق واحضر صاحبه معه.
احضر الجنود كل بائعى السوق وأمرهم القائد أن يقوموا بكيل الذرة التى فى الجوال، وحدث ما لم يتوقعه احد، لقد تباينت الموازين فمنها ما أوفى الكيل ولكن الجوال تبقى فيه كيه ما بين قليلة وكثيرة ومنا ما اتفق مع صواع ايبى ولكن لم يجدوا أى مكيال يشير إلى أن الكمية التى كالها ايبى هى ناقصة، تعجب القائد من هذا الموقف ولكنه وفى حزم أمر الجنود أن يحضروا الجميع إلى ساحة المعبد ليستشير الكاهن فى الأمر.
دخل قائد الجند بمن معه إلى ساحة المعبد وأمر جنوده بالانتظار حتى يعود، وتركهم ودخل إلى مقر الكهنة وحكى ما حدث إلى احد الكهنة ولكنه نظر إليه نظرة تعجب وقال له انتظر هنا حتى اخبر الكهان الأكبر، بعد برهة خرج الكاهن الأكبر وعلية علامات الغضب ونظر إلى قائد الجند وقال له : إن هذا الأمر جد خطير إن ما تحكيه لا يعنى إلا شيئاً واحداً أن السوق تقع به حالات سرقة كثيرة وان التجار لا يتورعون عن سرقة الفقراء وهذا شئ لا استطيع أن اغفره لهم ، قال له صاحب الشرطة ولكن سيدى الكاهن الأكبر كيف لنا أن نعرف من منهم السارق فكلهم يقول إن صواعه هى الصواع الدقيق وانه يشبه صواع الفرعون فى الحجم ، قال له الكاهن الأكبر اننى امتلك نسخة ن صواع الفرعون وسوف يحضرها الكاهن الآن وسف نعيد كيل البذور بها وسوف تظهر الحقيقة.
خرج الكاهن الأكبر ومعه قائد الجند وبعد برهة حضر الكاهن ومعه الصواع، فأمره الكاهن الأكبر بان يعيد كيل الذرة، وبعد أن فرغ قال إنها خمسة موازين كاملة وتزيد قدرا بسيطاً، فقال الرجل إن هذا هو المقدار الذى طلبته من هذا البائع وقد وضع هذا المقدار بعد أن انتهى من الكيل، نظر الكاهن الأكبر إلى ايبى وقال له أين صواعك ؟ فأخرجه ايبى من بين طيات قطعة الكتان وسلمه لأحد الكهنة اخذ الكاهن الأكبر الصواع ونظر فيه وتحسسه بأصابعه وقال إن هذا الصواع يهدى من المعبد إلى الثقات الذين لهم سمعة طيبه، قال ايبى إن هذا الصواع قد أهده الكاهن الأكبر السابق لأبى وأنا احتفظ به بعد أن أعطاه لى أبى قبل وفاته ولا استخدم غيره فى الكيل، قال له الكاهن الأكبر انك رجل صالح وقد ظهر صدقك باركتك الآلهة لصدقك، ونظر إلى الباقين وقال لهم ليسجن كل من اختلف صواعه مع هذا الصواع ولتصادر جميع بضائعه، ويترك الباقون .
خرج ايبى فرحاً من المعبد وهو يحمل صواعه بين يديه ويحمل بركة الآلهة فى قلبه.
الغيــــــــــــــرة
"لم أنظر لعورة"
تقدمت زوجة ايبى موكب العرس وهى تحمل بعض الهدايا، وانطلق الموكب فى طريقه إلى بيت الزوجية لصديقتها التى سوف تبدأ حياتها الجديدة فيه، كانت صديقتها تتمتع بقدر كبير من الجمال، وأضفت إليها الزينة الكثير من الفتنه فبهرت أعين الحضور جميعاً، كانت زوجة ايبى سعيدة بهذا العرس فهذه الصديقة الجميلة قد تأخر زواجها كثيراً لأسباب متعددة فزوجها الجندى خرج بعد خطبتها ليواجه الأهوال فى الحروب العديدة التى قادها الفرعون بنفسه لتأديب بعض الدول المجاورة التى استهانت به بعد توليه الحكم فقرر أن يقود هذه الحرب بنفسه ليعرف الجميع انه قائد محنك وانه لا يسمح لأحد بالاعتداء على حدود الإمبراطورية الكبيرة التى ورثها عن أبيه وأجداده، استمرت الحرب عدة سنوات عاد بعدها زوج المستقبل وهو مصاب إصابات بالغة أدت لملازمته الفراش أشهر عديدة ولكن الفرعون الجديد كان يعرف قصة هذا الشاب فأمر ببناء بيت جديد له وتأسيسه بالكامل وتحمل حتى مصاريف الزواج وتفرغ الزوج للعلاج حتى شفى تماماً،استمر العرس لوقت طويل وعت الفرحة كل أرجاء المدينة فالكل كان سعيداً بهذا الزفاف، وحضر الكاهن الأعظم وقائد الجيش الفرح فى مفاجأة لم تخطر على بال احد فلقد حضروا العرس بناءً على تعليمات الفرعون الشاب الذى كان ممتناً لهذا الشاب الذى كاد أن يضحى بحياته فداءً للفرعون ولم ينسى الفرعون صنيعه وبطولته فأرسل هذا الوفد نيابة عنه لحضور حفل الزفاف، وسرى الخبر ك النار فى الهشيم فتجمعت المدينة بالكامل لتشاهد هذا الوفد الرفيع، وتشاهد هدايا الفرعون التى يحملها العديد من خدم القصر، كان الجميع موجود إلا شخص واحد شخص كانت هناك عين تبحث عنه فى كافة الأرجاء انه ايبى وكانت زوجته تبحث عنه فى كل مكان ولكنها لم تعثر عليه، ولكنها لم تستطع أن تترك العرس رغم قلقها البالغ على زوجها الذى ما كان شئ يؤخره عن الحضور إلا أن يصيبه مكروه، تحملت الزوجة القلق والخوف حتى انتهى حفل الزفاف وأغلق الباب على العروسين وانطلق كل إلى بيته وانطلقت هى سرعة نحو بيتها وهى فى شدة القلق والخوف، دخلت البيت ونادت عليه ولكنه لم يجيبها وفتشت عنه فى جميع غرف البيت حتى الحظيرة تفقدتها ولكنها لم تجده،خرجت من البيت مسرعة تنظر فى كل اتجاه باحثةً عنه ولكنها لم تجد فى الشارع أى شخص يدلها عليه، وكادت أن تصرخ مستغيثة بالجيران لولا أنها شاهدته فى أخر لحظة خارج من بيت جارتهم الأرملة، وهو فى حالة غريبة فلقد كانت ثيابه غير مرتبة وتعلوا وجهه صفرة غريبة وإرهاق بَين كأنه كان يقوم بعمل قوى، نظرت الزوجة إليه وكادت أن تصرخ لولا انه أخذها بين يديه ودخل بها إلى المنزل، ولم تظهر على وجهه أى علامة من علامات القلق أو الخوف،وقال لها بهدوء قاتل اننى مرهق وأريد أن أغير ملابسى هلا قمتى بتحضير الثياب لى حالما افرغ من الاستحمام، كانت هذه الكلمات بمثابة القشة التى قسمت ظهر البعير فانفجرت صارخة فى وجهه، ماذا كنت تفعل فى بيت جارتنا الأرملة فى هذا الوقت المتأخر؟ وما الذى جعلك تذهب إليها وتترك عرس صديقتى والناس كلها تركت منازلها وحضرت العرس؟ نظر إليها ايبى مستغرباً لهجتها الفجة وعبارتها التى تحمل الكثير من الشك، وقال لها اننى ذهبت إلى هناك حتى أساعدها فى نقل بعض الأثاث إلى داخل البيت وقد سرقنا الوقت ونحن ندخله ونرتبه فى الغرفة ولما خرجت رأيتك فى الشارع فعلمت أن العرس قد انتهى،وهنا كانت الثورة العارمة لتصرخ فى وجهه وهى تقفز كأنها قطة قد أصابتها لدغة عقرب، ترتب معها الأثاث وهل كان الأثاث جميلاً وبضاً أم أن أثاث بيتك لا يفى بغرضك فخرجت تبحث عن غيره، قال لها وما دخل أثاث بيتى وأثاث الجيران فى مساعدتى لجارتنا ؟ ثم ما هذه النظرة الغريبة التى تعلوا وجهك وما الذى فعلته يغضبك فانا أساعد جيرانى دوما وفى كثير ممن الأحيان نساعدهم سوياً فما الذى أزعجك من مساعدتى لجارتنا ؟ قالت له وهى فى قمة غضبها أريد أن اعرف الحقيقة كاملة هل كنت عندها فى هذا الوقت المتأخر وكل البيوت من حولكم خالية لتختليا ببعضكما بعيداً عن أعين الناس ؟ هل هناك علاقة آثمة بينك وبين هذه الجارة ؟ يجب أن تخبرنى الآن قبل أن اذهب إلى الكاهن وأقص عليه ما حدث.
أصاب ايبى الخرس من وقع الكلمات التى انطلق بها لسان زوجته وفقد قدرته على الاستيعاب وجالت عيناه فى أرجاء المنزل لبعض الوقت حتى استجمع شتات نفسه وعندما ظهرت الصورة كاملة فى عقلة وأدرك ما يدور فى عقل زوجته انفض واقفاً فزعاً ونظر إليها وكاد أن يهم بضربها لولا انه تمالك نفسه فى أخر لحظة وقبض على يدها وأخذها خارج المنزل متجها إلى بيت الجارة، كانت تريد أن تستخلص يدها من بين أصابعه لكنه كان قد احكم قبضته عليها فلم تستطع الفرار منه، وطرق باب الجارة واخذ ينادى على شخص لم تسمع باسمه من قبل، فخرج رجل من البيت على وجهه علامات النوم و كاد أن يصرخ بمن ينادى عليه فى هذا الوقت المتأخر لولا انه أدرك أن الطارق هو ايبى فتغيرت ملامحه للسرور بقدومه وقال له مرحبا أيها الجار الطيب تفضل بالدخول، لكنه رفض معتذراً بتأخر الوقت لكنه قال إن زوجتى صممت أن تبارك لكما زيجتكما الليلة قبل أن تنام، نادى الرجل على زوجته فخرجت مسرعة لتأخذ زوجة ايبى بين زراعيها وتقول لها اننى آسفة لأنى لم أخبرك ولكننى كلما سئلت عنك قيل لى انك عند صديقتك تساعديها فى تجهيز عرسها وتصادف أن يكون زفافنا فى يوم واحد فساميحينى ويكفى أن زوجك الطيب لم يتركنا وحدنا كما فعل الجميع ورفض أن يغادر حتى أتممنا ترتيب الأثاث الذى وصل متأخراً وكاد أن يفسد فرحتنا.
أخذت زوجة ايبى الجارة فى حضنها وأغرقتها بكلمات التهنئة وتمنت لها زيجة مباركة واستأذنها فى الانصراف وخرجت مع ايبى وهى فى قمة الخجل والفرح.

المتشرد
" لم أترك جائعاً "
رجع ايبى إلى البيت مسرعاً فى غير موعده مما جعل زوجته تسرع إليه وهى قلقة وقالت له ماذا حدث يا زوجى الطيب هل هناك مكروه الم بك أو بالماشية ؟ نظر إليها ايبى وكانت عيناه مليئة بالدموع وقال لها: اننى كنت منشغلا بالزراعة ورعاية الماشية وإذا بى أشاهد أمرا عجيباً كان هناك رجل يحمل بين يديه قطعة خبز جافة ونزل إلى شاطئ النيل وقام بغمس الخبز بالماء ثم أكلها لم تكن كبيرة كى تشعره بالشبع فما كان منه إلا أن اخذ عود ذرة اخضر صغير وقام بمضغه مع الخبز، كان المنظر فى غاية الصعوبة علىّ لقد شعرت بالألم الشديد يعتصرنى، فجلست بجواره وأعطيته الطعام الذى كان بحوزتى ولكنه رفض وقال لى لقد شبعت الآن وليست بى حاجة إلى الطعام وهم بالانصراف لكنى رجوته أن يجلس معى قليلاً فقبل، أخذت أتحدث معه فعرفت انه كان رجلا موسرا يمتلك الكثير من المال والضياع وانه كان ينفق أمواله على من حوله من الأصدقاء وكان يعيش فى مستوى كريم لم يستطع أن يغير طريقة عيشه فاضطر إلى بيع أراضية والاستدانة حتى يعيش فى رغد ولكن الأموال انتهت و الأراضى بيعت فأضطر إلى ترك بيته بعد أن قاضاه الدائنون وأصبح يعيش فى الشارع بعد أن تنكر له اقرب أصدقائه ممن كانوا لا يفارقونه ليلاً أو نهاراً.
نظرت الزوجة الطيبة نحو ايبى وقالت له يجب عليك أن تساعد هذا المسكين ولكن كيف ؟ فأنت تعرف أننا بسطاء حالتنا مستورة ولا نستطيع أن ننفق على شخص آخر، قال لها لا استطيع أن اترك جائعا هل نسيتِ تعاليمنا إن هذا الرجل يحتاج إلى المساعدة ويجب أن أقدمها له حتى لو اضطررت إلى أن أعطيه طعامى الخاص.
نعم يا زوجى الطيب يجب أن تساعده ولكن هل فكرت كيف ؟ قال لها اننى فكرت فى طريقة قد تساعده وهذا هو سبب مجيئى للبيت، أتذكرين البذور التى فى حجرة الخزين والتى كادت أن تفسد لأننى لا املك الوقت كى اذهب بها إلى السوق، وإذا ذهبت فانا لست بتاجر فكثيراً ما اسبب المتاعب لى ولغيرى، ولذلك فكرت أن استأجر هذا الرجل الذى هو بالأساس تاجر وقادر أن يتعامل مع المشترين و التجار ولقد أقنعته بفكرتى بذلك فإننى سوف اكسب بعض المال من بيعه لهذه البذور التى تكاد أن تفسد والتى سوف تكون عبأ على فانا على وشك الحصاد وسوف أساعد هذا الشخص حتى يعيش من كسبه وربما أكون سبباً فى عودته إلى التجارة .
حمل ايبى البذور والمكيال على حماره وتوجه إلى أرضة التى تطل على النيل المبارك فوجد الرجل يعمل فى الحقل فشكره على مساعدته وأعطاه البذور والمكيال وقال له أنت تعرف السوق أكثر منى فأذهب إلى هناك وعندما تنتهى من بيع البذور قابلنى هنا .
ذهب الرجل بعد أن حمل البضاعة فى طريقه وعاد ايبى إلى حقل وعندما عاد إلى المنزل حكى لزوجته ما حدث فشكرت صنيعه، ومرت الأيام ونسى ايبى وزوجته الموضوع حتى آن أوان الحصاد فتفرغ هو وزوجته للحصاد وجمع المحصول استغرق العمل الكثير من الجهد والوقت حتى فرغ من العمل وحمل القربان إلى المعبد وهناك فى ساحة المعبد فوجئ ايبى برجل يرتدى ملابس نظيفة مشرق الوجه يأتى نحوه ويجلس إلى جواره وينظر إليه نظرة فيها قدر كبير من السعادة، تمعن ايبى فى وجه الرجل وقبل أن يتكلم قال له نعم أنا المتشرد الذى قابلته فى زراعتك، تبسم ايبى وكاد أن يقوم ليحتضنه ولكنه تذكر انه فى المعبد فقال له لنخرج لنتحدث.
خرجا من المعبد وقال له إن الذى أنا فيه الآن هو من تفضلك على لا تظن اننى هربت بأموالك فلقد كانت التجارة رابحة وقد بعت البذور واشتريت غيرها وبعت واشتريت فى هذه الأيام الماضية ودخلت بفضل بعض معارفى فى صفقات رابحه كسبت منها بعض الأموال فغيرت من هيئتى واستأجرت مسكنناً وقد أعطانى صديق لى كنت اعرفه من فترة طويلة مكان لأبيع فيه واخزن بضاعتى وها أنا الآن كما ترى وأنت شريك معى فى كل شئ وكنت سوف أزورك فى زراعتك قريبا ولكن كانت هذه المفاجأة المفرحة.
تواعدا أن يتقابلا مرة ثانية وبعد عدة أيام جاء التاجر إلى ايبى يحمل معه ثمن البضاعة ومعها نصف ما ربحه من تجارته وقال له هذا حقك أرده إليك بعد أن تاجرت بأموال بضاعتك، قال له ايبى اننى لن آخذ إلا ثمن البذور التى أعطيتها لك وباقى النقود هى من حقك وحدك وصمم ايبى على ذلك وقال له اننى أردت مساعدتك ولا أريد منك شئ ولكن أرجو أن تأخذ ما فاض عن حاجتى من البذور الجديدة حتى تبيعها .
شكره التاجر وقال له اننى سوف اشترى منك البذور الآن وأعطيك ثمنها، فرح ايبى بهذا العرض وحمل التاجر البضاعة وخرج إلى السوق شاكراً ايبى على كرمة ومساعدته التى أنقذته من حياة التشرد.
الطــــــــــريق.
"لم أغش في مقياس الأرض."

خرج ايبى فى الصباح الباكر هو وزوجته متجهاً إلى أرضه المتاخمة للنهر وعندما وصل إلى هناك وجد جلبة كبيرة ووجد الجنود يقتادون جارة فى الأرض وعندما رآه جاره صرخ به مستغيثاً أنقذنى يا جارى الطيب أنت الوحيد الذى يعلم حدود هذه الأرض، كان ايبى قد تعلم قياس الأرض من أبيه وكان يقدر الأرض ويعلم كيفه فصل الحدود وكان جيرانه يستشيروه فى هذا الأمر، هرع ايبى إليه واستوقف الجنود وأراد أن يعرف ما سبب اقتياده، قال له قائد الجند إن هذا الرجل قد تلاعب فى حدود أرضه حيث انه قد ضم إليها جزء من ارض جاره الذى تقدم بشكوى.
قال له ايبى ولكن هذه الحدود هى حدود أرضه وأنا واثق من هذا وان كنت تريد التثبت من كلامى فهيا لنعيد قياس الأرض، قال له قائد الجند إن هذا الرجل الواقف هناك قد قام بقياس الأرض واثبت أن هناك تلاعب قد حدث فى الحد الفاصل بين قطعتى الأرض وان هذا الرجل قد استولى على زراعين بطول الأرض، ومن ثم قد وجب علىّ تقديم هذا الرجل إلى المحاكمة، أراد ايبى أن يشرح الموقف لكن الرجل أبعده عن طريقه واخذ الرجل ومضى إلى دار الجند.
جلس ايبى بجوار أرضه وهو يتفكر فيما حدث فهذا الرجل الذى قاس الأرض رجل أمين مشهود له بالنزاهة و الأمانة وهى الذى يفصل فى الحدود إذا حدث أى خلاف، قام ايبى يتجول حول الأرض ويعيد النظر إليها وفجأة تذكر أمر فى غاية الخطورة وعاد إلى زوجته مسرعا وقال لها اننى ذهب إلى دار الجند فإذا تأخرت فعودى إلى المنزل حاولت زوجته أن تعرف ماذا يجرى لكنه كان قد ذهب مسرعا، وقف ايبى أمام دار الجند وطلب من الجنود أن يستأذن له فى مقابلة القائد ولكن قائد الجند اعتذر متعللاً بكثرة الأعمال التى بين يديه، رجع ايبى إلى احد الدور القريبة ونادى على صاحبها فخرج الرجل وقال له ايبى أيها الرجل الطيب إن جارى فى الأرض قد اقتاده الجند بسبب شكوى تقدم بها جارك الذى يفصل بينك وبينه الطريق التى تم تعبيدها العام الماضى فهل تتذكر ماذا استقطع من أرضك لقاء تعبيدها؟ قال له الرجل لقد استقطع من ارضى زراعين ومن ارضى جارى مثل ذلك .
قال له وهل هذا الجار يعرف بما حدث فأنا اعرف انه كان مسافراً ولم يعد إلا منذ فترة قريبة؟
قال له الرجل انه لا يعرف ما حدث فأبنائه لم يخبروه بما حدث فهم يعرفوا مقدار حبه لأرضه وانه لو كان متواجداً لما وافق على ما حدث ولذلك طلبوا منى إن سألنى عن هذه الطريق أن أقول له أنها استقطعت من ارضى واشكر الإله انه لم يسألنى .
قال له ايبى أيها الرجل الطيب هل لك أن تأتى معى إلى دار جارك حتى نحاول أن نوضح له الأمر حتى يذهب إلى قائد الجند ويسحب شكواه، قال له اننى لن أتأخر عن فعل الخير أبداً ولكن هل لنا أن نذهب إلى أبناءه أولاً حتى نفهمهم الوضع ربما نجد لديهم ما يساعدنا، قال له ايبى إن هذه فكرة جدية هيا بنا.
انطلق ايبى ومعه الفلاح الطيب إلى الأبناء فى دارهم التى تقع على مقربة من معبد الإله آمون وطرقوا الباب لكن أحدا لم يجب وبعد أن يأسوا انطلقوا إلى الدار المجاورة ليسألوا عنهم فقال لهم احد السكان إنهم رحلوا للتجارة منذ فترة وهم يجب أن يصلوا خلال مدة قصيرة.
انقبض قلب ايبى ورجع مهموماً حزيناً فقال له الرجل الطيب ربما آن الأوان أن نذهب إلى دار جارى حتى اُفهمه الحقيقة فقال له ايبى اننى كنت أريد أن أقول لك هذا الكلام ولكن خفت أن ترفض، قال له كانت هذه محاولة ولما لم تنجح فكان لزاماً علينا أن نحل المشكلة من جذورها.
انطلقا إلى بيت الشاكى واستأذنا فى مقابلته فخرج لهما ورحب بهما وقال لجاره أهلا بالرجل الطيب وأهلا بك يا ايبى فى دارى أنت رجل طيب والجميع يذكرونك بالخير دوماً.
قال له ايبى انك بهذا الكلام قد وفرت علىِّ الكثير من الحرج ولذلك سوف اشرح لك سبب هذه الزيارة، إن الطريق التى أقيمت بجوار أرضك بأمر من الكاهن الأكبر حتى يبنى مَرسى على النيل قد اقتصت من أرضك زراعين بطولها وهذا ما جعل أرضك تنقص حين قمت بقياسها .
انتفض الرجل قائما وقال لهم لكن أبنائى اخبرونى بغير ذلك، قال له الجار نعم نعرف ما أخبروك به فهم يعرفون مقدار حبك لهذه الارض وخافوا عليك من غضب الكاهن الأكبر إن اعترضت على هذا القرار.
ارتمى الرجل وقال اننى بذلك قد ظلمت جارى وهو الآن محبوس بغير جريمة فماذا افعل؟ قال له ايبى ليس هناك حل إلا أن تذهب إلى قائد الجند وتشرح له الموقف وتسحب شكواك.
انطلقوا جميعاً إلى قائد الجند الذى غضب كثيراً عندما علم بالقصة الحقيقة وأمر بأن يدفع الشاكى تعويضاً لجاره الذى اتهمه ظلماً فدفع الرجل وخرجوا جميعاً بعد أن اعتذر لجاره.
الصياد
"لم أقتنص طيوراً من براري الآلهة ولا سمكة من بحيراتها"

عاد ايبى وزوجته الجميلة من الرحلة التى وعدها بها فى البرارى القربة من البحيرات المقدسة، كانت الرحلة جميلة وهادئة استمتعت بها الزوجة كثيراً وشكرت ايبى عليها وعندما همت أشعة الشمس بالانصراف إلى العالم الأخر قال لها ايبى أى زوجتى الطيبة لقد مر الوقت مسرعاً اليوم على غير عادته وها هى اللحظات الجميلة تنقضى ولكنى أعدك اننى سوف اكرر هذه الرحلة مرات عديدة ولكن للأسف يجب الآن أن ننصرف حتى نرى طريقنا فى العودة ونسير بطريقة أمنة، ضحكت الزوجة الطيبة وطبعت قبلة حانية على جبينه ومدت له يدها حتى يساعدها على الوقوف وهى تفعل ذلك بدلال واضح، ساعدها ايبى على النهوض ولكنه لم يفعل ذلك فقط ولكنه حملها بين يديه كطفلة جميله وسار بها بضع خطوات قبل أن يصل إليه هذا الصوت الملهوف الذى يطلب النجدة والمساعدة، انزل ايبى زوجته بحنان وهدوء وتتبع مصدر الصوت بين أغصان البردى حتى وصل إليه، كان صاحب الصوت صياد فقير أصيب قاربه فكاد أن يغرق ولكنه استغاث حتى ينقذ ما جمعه من اسماك طيلة اليوم ، هم إليه ايبى وساعده على إخراج حصيلته من الأسماك وحين فرغ نظر إليه الصياد وقال له اشكر أيها الرجل الطيب على مساعدتى اننى هنا عالق فى هذا المكان منذ الصباح ولم يمر أى شخص من هنا ومن مر تجاهل ندائى وذهب دون أن يساعدنى ولولا اننى احتفظ بالأسماك فى هذا الوعاء لماتت الأسماك وذهبت كل مجهودى هباءً.
هم ايبى على انصراف بعد أن تأكد أن الرجل لن يحتاج إليه ولكن الصياد رجاه أن يأخذ بعض الأسماك لكن ايبى رفض هذا العرض وقال له اننى لا اخذ مقابل مساعدتى، قال له الصياد أيها الرجل الطيب إن الليل قد حان ولن استطيع أن أبيع هذه الأسماك وسوف تفسد وأنا لا احتاج كل هذه الكميه فأسرتى صغيرة العدد وارجوا أن تقبلها منى كهدية بعيدا عن مساعدتك التى لا استطيع أن أشكرك عليها وأرجو أن استطيع أن أرد لك هذا الجميل الذى طوقت به عنقى.
نظر ايبى إلى زوجته وعرف من نظرته إنها لا تمانع فى اخذ الأسماك لكنه قال للرجل لا مانع عندى من أخذها ولكن شريطة أن تأخذ ثمنها وإلا فن اخذ سمكة واحدة، نظر الصياد إليه مبتسماً وقال له وأنا لن أمانع فخذ هذه الأسماك بالثمن الذى تريد، نقد ايبى الصياد مبلغاً من المال واخذ الأسماك وانصرف هو وزوجته فى طريق العودة، وبعد أن ابتعدا عن الصياد نظرت إليه الزوجة وقالت له أى زوجى الطيب إن الطبيب قد منعك من أكل السمك وأنا قد منعت نفسى من يومها من أكله فماذا سنفعل بهذه الأسماك؟ نظر إليها ايبى بحنان وقال لها لقد قراءة هذا فى عينيك ولكن هذا الصياد قد ضاع عليه اليوم ولم يستطع أن يبيع أسماكه فقررت أن اشتريها وقد فكرت فى ما كنت تفكرين فيه فهذه الأسماك من نوعية رائعة الطعم اننى أتذكر مذاقها جيداً كأننى قد أكلتها الآن وقد خطر ببالى أن نهديها إلى جارتنا المكلومة التى فقدت ابنائها فى الحرب فيجب أن نواسيها ونخفف عنها ونتقرب إليها، اسعد هذا الكلام قلب زوجته الطيبة ووافقته على هذا الاقتراح وتوجهوا من فورهم إلى منزل جارتهم.
طرق ايبى باب الجارة فخرجت الخادمة وطلبت منهم الانتظار حتى تخبر سيدتها، خرجت الجارة وهى تظهر عليها علامات الغضب والتأفف وقالت لهم وهى تنظر إليهم بلامبالاة ماذا تريدون؟ قال لها ايبى إننا مقصرون معك ونرجو أن تسامحينا فأنت تعلمين أعباءنا وقد جئنا لزيارتك ونرجو أن تقبلى منا هذه الهدية المتواضعة، أشارت الجارة إلى الخادمة فأخذت ما يحمله ايبى دون النظر إليه وشكرتهم فى استعلاء ثم دخلت إلى المنزل وتركتهم مع الخادمة ابتسم ايبى واستأذن لتأخر الوقت وانصرف هو وزوجته وابتسما  لبعضهما وتوجها إلى منزلهما .
دخلت الخادمة وفى طريقها إلى حجرة المطبخ وجدت سيدتها فى انتظارها وقالت لها ما هذه الهدية التى أتيا بها؟ فتحت الخادمة الصرة فوجدت بها اسماك طازجة فقالت الخادمة إنها اسماك جميلة طعمها شهى فهى تشبه الأسماك التى يصطادها الخدم من برك الآلهة ولا توجد إلا فى المعابد أو مطبخ بيت الإله، ابتسمت السيدة ابتسامة صفراء و التمعت عيناها وظهر منهما بريق شرير وقالت للخادمة اتركى هذه الأسماك وانتظرينى حتى أبدل ثيابى.
وبعد برهة انطلقت السيدة وخلفها الخادمة تحمل الصرة وتوجها إلى المعبد وطلبت السيدة مقابلة الكاهن  الأعظم فخرج إليها احد الكهنة وقال لها إن الكاهن الأعظم فى غرفته وأنت تعلمين أننا لا نستطيع أن ندخل عليه إلا إذا طلب حضور احدنا، فقالت له إن الموضوع خطير جداً ولا نستطيع الانتظار وإلا فهذه الأدلة سوف تفسد ولن نستطيع محاسبة مرتكب هذه الفعلة الشنيعة، فلما علم الكاهن الأمر انطلق إلى الكاهن الأعظم واحدث جلبة فى الخارج بجوار غرفته مما دعا بالكاهن الأعظم أن يستدعى احد الكهنة لاستفسار عما يحدث فدخل الكاهن وحكى للكاهن الأعظم ما أخبرته به السيدة فأمر من فورة أن يرى الأسماك فأحضرت إليه ولما نظر إليها عرف أنها ربما تكون فعلا من البرك المقدسة فى برارى الآلهة وأمر أن يتم القبض على من فعل هذه الفعلة الشنيعة.
انطلق الجند مع السيدة ودلتهم على المنزل فاقتحم الجند المنزل وقبضوا على ايبى وحملوه معهم إلى المعبد وكان الكاهن فى انتظاره ولما وقع نظره علية عرفه فقال له ايبى ماذا فعلت كيف تصطاد الأسماك من البحيرات المقدسة فى برارى الآلهة؟ نظر إليه ايبى مستغرباً وقال له أيها الكاهن الطيب اننى فلاح ولا أجيد الصيد فقال له الكاهن وما هذه الأسماك التى أهديتها إلى جارتك وكيف وصلت إليك؟ ابتسم ايبى وحكى للكاهن تفاصيل ما حدث، وحضر الجند وصف لهم ايبى هيئة الصياد الذى وصفه لهم ايبى فعرف احد الجنود الصياد وقال لهم اننى اعرف بيته وانطلقوا فاحضروه واحضر بين يدى الكاهن فقال له كيف تجرؤ على الصيد من البرك المقدسة نظر الصياد إلى ايبى وقال له أيها الرجل الطيب هل وجدتنى ومركبى العالق فى النهر أم فى البرك المقدسة قال ايبى لا وجدك فى النهر وقد ساعدتك على الخروج منه، قال الصياد اننى قد اصطدت هذه الأسماك من النهر وقد كان كريماً معى فى أول اليوم ولولا أن قاربى قد أصيب ربما لاصطدت الكثير من هذه الأسماك كما فعل الآخرون، قال له الكاهن ولكن هذه الأسماك لا تصل إلى هذا الحجم إلا فى البرك المقدسة، قال له الصياد الفقير سيدى الكاهن إن هذه الأسماك تشبه الأسماك التى توجد فى البرك المقدسة كثيراً وتختلط على من لا يملك الخبرة فى التفرقة بينهم، ويمكن أن افرق بينهم إذا أحضرتم سمكة ن البرك المقدسة، أمر الكاهن أن يحضروا سمكة من المطبخ فاحضروا له سمكة وبين لهم الصياد الاختلاف بين السمكتين الذى وظهر جلياً عندما وضعا بجوار بعضهما وفى هذه الأثناء حضر احد الجند ومعه صياد آخر وعندما عرف سبب حضوره أكد كلام الصياد وشرح لهم الاختلاف فتأكد الكاهن من صدق الصياد وأطلق صراحة واعتذر الكاهن لايبى وطلب منه أن يحذر من هذه السيدة وأمر الجند أن يرافقوا ايبى إلى منزله .

الفيضان
"لم أبني سداً للمياه الجارية "
لم يكد النيل أن يفيض حتى عرف الجميع أن النيل العظيم قد جاء هذا العام لا يحمل الكثير من الخير فالمياه لم تغمر الكثير من المناطق بعض الأراضى التى قام أصحابها ببدر البذور قد أصيبوا بخيبة أمل حيث إن هذه البذور قد أصبحت وجبة مجانية للطيور التى غمرت الارض بدلاً من المياه كان الحزن قد عم هذه المناطق ولكن كان هناك بعض الفلاحين الذى قاموا دون أن يشعر الناس ببناء أحواض فى زراعاتهم لتحتفظ بالمياه مما منعها من الذهاب إلى جيرانهم وكانت ارض ايبى المجاورة للنهر قد ارتوت دون أى مشكلة ورغم ذلك كان الحزن يعتصر قلبه فهو يعلم أن جيرانه وان كان لا يعرف الكثير منهم قد أصابهم الغم واخذ يفكر فى طريقة تساعدهم على إيصال المياه من النهر إليهم قبل أن تنفذ المياه من النهر ويضيع عليهم جهدهم الذى بذلوه وهم يجهزون الارض للزراعة ويضيع عليهم محصول هذا الفصل الذى يحتاجونه ليطعموا أبنائهم وماشيتهم، أخذ ايبى يفكر ويفكر حتى اهتدى إلى فكرة جيده وفى الصباح الباكر توجه إلى جاره الذى يليه فى الارض وقال له إن أرضنا قد سقيت ولكن هؤلاء الجيران أراضيهم لم ترتوى من المياه فهل لنا أن نصنع مجرى للمياه حتى تصل إليهم عبر أرضينا ؟ قال له جاره إن هذه فكرة جيده ولكن كيف ستصل هذه المياه إلى هناك فهذه الطريقة فى غاية المشقة وتحتاج إلى الكثير من الرجال لرفع المياه من نهرنا المبارك مصبها فى المجرى حتى تصل إليهم، قال له ايبى إن الجميع سوف يساعدونا فى ذلك لكن يجب أن يقتنعوا أولا .
قام ايبى بجمع الفلاحين وقال لهم فكرته فتحمس الكثير منهم لهذه الفكرة ولكن فى وسط الكلام قام احدهم وقال : قبل أن تحاولوا إيصال المياه إلى جيرانكم فمن الأجدى أن ترفع السدود التى منعت المياه من الوصول إلى الأراضى، نظر الجميع إليه وقال له ايبى ماذا تقول أنت تعرف انه ليس من حق أى احد إقامة سد للمياه بغية أن يمنعها من جيرانه وهذه شريعتنا وأذكرك بهذا القول :
" لم أبني سداً للمياه الجارية" فهذه المقولة يرددها الكهنة وهى من الشهادات المهمة للمتوفى وإلا فسيكون مصيره مظلم ولن يحظى بالحياة فى العالم الأخر، قال الرجل إن هناك بعض الأشخاص قد تناسوا ما تقول وغلبتهم أطماعهم على أمرهم فخالفوا شرعنا .
قال ايبى إن هذا الموضوع لجد خطير ولو سمع به رئيس الجند لحدث ما لا يحمد عقباه ولذلك يجب على من منع المياه من الوصول إلى جيرانه أن يسرع بإزالة هذه السدود أو ما قام به لمنع المياه وحبسها فى أرضه ويدع جيرانه ليستفيدوا منها وإلا فغداً سوف نتقدم بشكوى إلى رئيس الجند والكاهن الأعظم وهذا إنذار نهائى.
والآن على كل واحد منكم أن يقوم بمساعدة جاره على توصيل المياه إلى الأراضى التى لم تأخذ نصيبها الكافى من المياه أو التى لم يصل إليها الماء حتى ترتوى هذه الزراعات وتعم الفرحة على كل الفلاحين.
قام ايبى ومن معه بالمهمة على أكمل وجه وساعد كل فلاح جاره ووصل الخبر إلى الكاهن الأعظم فأرسل بالكثير من الرجال للمساعدة فى توصيل المياه عبر الجداول و عن طريق حملها على الدواب ورغم المشقة والصعوبة البالغة التى واجهتهم إلا أن النتائج كانت اكبر من المصاعب وشكر الفلاحين ايبى على فكرته الرائعة وعاد ايبى إلى منزله وهو راضى فى قمة السعادة.
حب قديم
" لم أتسبب في تعاسة "
يا كاهن معبد الرب جئت أشهدك اننى لم أتسبب فى تعاسة فلى رغبة أن أخبرك بما حدث بنفسى ففى هذا اليوم البعيد كنت لم أزل شاباً صغيراً أغدوا فى الصباح الباكر مع أبى إلى حقلنا الواقع على النهر العظيم مانح الخير والبركة، وكانت هناك فتاة تجلس دوماً أمام منزلها فى الصباح الباكر وكانت تفعل نفس الشئ عند عودتنا ، كانت هذه الفتاة تساعد الناس وتمدهم بالماء العذب ، فقد كانت هذه المنطقة فى هذا الوقت بعيدة عن العمران وقد قضت الحاجة أن أتعامل معها كثيراً حتى صارت بيننا نوع من الصداقة التى تطورت مع الوقت لتصبح شئ جميل فقد كنت أتلهف لرؤيتها وأسرع عندما يطلب والدى شئ لأحضره منها وفى يوم من الأيام صارحتها بما فى نفسى لقد أخبرتها بكل هذه الأحاسيس التى تجول فى قلبى وكان الشئ الجميل أنها ابتسمت ابتسامة رقيقة وقالت وقد علت وجنتيها حمرة الخجل أنها تكن لى نفس المشاعر، وكادت أن تسقط الماء من يديها لولا اننى أسرعت بالتقاطهما معاً اقصد كوب الماء ويدها التى لامستها لأول مرة فى حياتى، واستمرت هذه العلاقة على هذا الحال فترة ليست بالطويلة حتى فوجئت فى احد الأيام أن منزلهم ليس له اثر يذكر فى مكانه، أخذت أهرول فى كل المنطقة واسأل كل المارة عنها وكان قلبى هو الذى يسأل فلم ألاحظ أن الكل يستغرب ويرد علىّ بحذر ولكن الشئ الوحيد الذى عرفته أن هذا المنزل قد بنى على ارض مملوكة لقائد كبير فى الجيش وعندما عاد من الحرب أمر جنوده بهدم المنزل فوراً وإلى هنا انقطعت أخبار هذه الحبيبة ومع اننى قد خرجت فى أيام كثيرة أتجول فى المدينة وما حولها من قرى ابحث واسأل إلا اننى كنت أعود إلى المنزل بدون أى خبر يريح قلبى ومرت الأيام وتوالت الأعوام وفعل الزمن فعلته المعتادة ونسيت الأمر وأخيراً تزوجت هذه الزوجة الطيبة الرقيقة التى ملئت قلبى بالحب وحياتى بالحنان والمودة.
أعلم سيدى الكاهن المبجل إن هذه القصة قد تكون متكررة فالكثير من المحبين وخصوصاً فى هذه السن المبكرة لا يوفقون فى حبهم الأول ولكن الذى حدث منذ أيام هو ما دفعنى للتحدث عن هذا الأمر، فلقد كنت أمر بإحدى القرى المجاورة وأنا احمل بعض البذور حتى أوصلها لصديق لى حين فوجئت بصوت ينادينى على استحياء صوت أعرفه صوت تميزه أذنى من بين جميع الأصوات انه صوتها نعم سيدى انه صوت هذه الفتاة صوت  " إياح " التفت ابحث عن المكان الذى يصدر منه الصوت فإذا بها تفعل ما كانت تفعله هناك تجلس أمام منزلها وبجوارها نفس كوب الماء الذى حكيت عنه اننى اعرفه كما اعرفها تركت حمارى وأسرعت نحوها صارخاً بدون وعى أى " إياح " الجميلة أنت هنا أنت هنا؟
مدت يدها نحوى بكوب الماء ونظرت إلىّ وقد علىَ وجهها نفس حمرة الخجل وقالت بصوتها الرقيق ايبى كيف حالك ؟ قلت لها أنا بخير وتذكرنا الأيام الخوالى وعرفت منها أنها لم تقبل أن تتزوج وأنها بقيت على حبها لى وفى هذه اللحظة أفقت على صوت يرج قلبى وعقلى بل يرج كيانى كله سمعت صوت زوجتى ينساب رقراقاً داخل روحى مما جعل الفزع يظهر على وجهى وقد لاحَظت هذا الموقف فقالت ماذا بك هل أصابك مكروه فلم استطع أن أجيبها وحاولت أن أغير الموضوع بسؤالى عن أبيها الذى أخبرتنى انه خرج لقضاء احتياجات المنزل وعلمت منها أنهم قد رحلوا عندما هُدم منزلهم إلى الشمال خوفاً من قائد الجند وأنهم قد عادوا منذ فترة قصير ليستقروا فى هذا المنزل، استأذنت منها فى الذهاب وتركتها وأنا لا أعرف ماذا افعل ولذلك حضرت إليك أيها الكاهن الطيب حتى تدلنى على حل لهذه المشكلة التى أمر بها فإننى تيقنت أن قلبى مازال يحمل لها قدراً كبيراً من الحب الذى ظهر بمجرد أن وقعت عيناى عليها ولكنى فى نفس الوقت أحب زوجتى بل أكاد اجزم اننى اعشقها وأهيم بها.
تبسم الكاهن وقال لى إن الموضوع بسيط جداً ما عليك إلا أن تذهب إلى هذه الفتاة وتخبرها انك قد تزوجت وانك تحب زوجتك وتتمنى لها أن ترتبط بشخص يحبها ويقدرها.
نظرت إلى الكاهن وقلت له وهل فى هذه الحالة لا أكون قد سببت لها التعاسة التى قد تعصف بى إلى عالم الظلمات وتحرمنى من الحياة الأخرى؟ ألا تقول دوما " لم أتسبب في تعاسة " إنها من أهم ما تنجى الميت عند الدخول فى المحاكة؟
قال له الكاهن عندما تتركها معلقة بك فأنت تسبب لها التعاسة ولكن عندما تعترف لها فأنت قد خلصت روحك من هذا الذنب وبرئت ساحتك أمام الآلهة.
ارتاح ايبى وأطمئن قلبه من كلام الكاهن وفى الصباح الباكر توجه إلى "إياح" ووصل عندما كانت الشمس الطيبة تشرق بنورها فتبعث الدفء فى قلوب الحقول فتفرح الأزهار والثمار بها، ووجدها تجلس أمام الباب كعادتها، اقترب منها مبتسما فقامت إليه وناولته كوب الماء وبعد أن شرب وقبل أن يعيد الكوب إليها بادرته وهى تقول ايبى اننى أريد أن أخبرك بأمر ما اننى بالأمس قد قلت كلاما لا اعرف كيف خرج منى اننى آسفة له ويجب أن تسامحنى اننى بالفعل أكن لك الكثير من الحب ولكن ليس هذا ما منعنى من الزواج إن ما منعنى هو كثرة الترحال فلا نكد نصل إلى مكان حتى نذهب إلى مكان آخر فأبى من بعد ما حدث مع القائد قد أصيب بداء الخوف والهلع وكان يشك فى كل الناس ويعتقد إنهم لو عرفوا فسوف يرشدون القائد عنه بعد أن اعتدى على حرس القائد وأصاب احدهم بإصابات بالغة ومن هذا اليوم لا نستقر فى مكان فمن سيطلبنى للزواج وهذا حالى، نظر ايبى إليها وقال لها أتعرفين انك قد أرحت قلبى من هذا الهم الثقيل اننى منذ الأمس لم انم وأنا اشعر بكم التعاسة التى سببتها لك، عموما يجب أن أخبرك اننى الآن متزوج لى طفلان وأرجو أن تجدى من يقدرك ويحترمك فأنت حسنت الخلق كما انك حسن المظهر وقبل أن أتركك أرجو أن تسامحينى وتعفين عنى إن كنت قد سببت لك أى نوع من الألم أو التعاسة .
لم أقتل
" لم أقتل ولم أحرض على القتل "
انطلق الجند فى شوارع المدينة يدعون الناس للتجمع فى الساحة الكبرى، خرجنا مسرعين نحوها فنحن نعرف أن هذا الأمر لا يتكرر كثيراً ويكون لأمر مهم، جاهدت بشدة حتى استطعت أن أصل إلى مكان يسمح لى بمشاهدة الحدث، كان هناك العديد من الجنود يقفون بيننا وبين الرجل الذى كان مقيداً بالسلاسل ومغطى الرأس، كان بجوار الرجل فتاة تعطينا ظهرها جاثيةً على الارض أمام احد القواد فى تذلل وتبدوا إنها تريد أن تستعطفه ولكنه لم يلتفت إليها.
فى هذه الأثناء خرج احد الكهنة ليعلن وصول الكاهن الأعظم مما جعل الصمت يسود المكان، تم إفساح الطريق لموكب الكاهن الأعظم وبعد برهة وصل الموكب وتصدر الكاهن الأعظم الجلسة وقام بتحية القائد وضباطه الذين انحنوا إجلالا له، سادت فترة صمت قليلة قبل أن يقول احد الكهنة : إننا اليوم بصدد محاكمة هذا الرجل الذى اعتدى على ارض القائد العظيم المنتصر "حور محب" ثم قام بالاعتداء على احد الجنود مما تسبب فى فقدان هذا الجندى الشجاع لإحدى عينيه، كان ما يحكيه الكاهن يصطدم بأذنى ايبى فياهتز قلبه فهو من اخبر هذا الكاهن عن هذه المعلومات وعن مكان الرجل فهل تسبب فى القبض عليه وفى هذه الأثناء تم كشف الغطاء عن رأس الرجل فظهر للجميع ليصرخ ايبى صرخة قوية تضيع وسط هتاف العامة الطالبة بقتل الرجل، يقوم القائد الكبير برفع يده مما يسكت الجميع ويقول إن هذا الرجل الذى تعدى على أملاكى ولم يكتفى بذلك فقط بل اعتدى على احد جنودى وإصابة إصابة بالغة جعلت جيشى يفقد احد الجنود الشجعان ولذلك فقد قررت أن اقتص منه ورغم انه حاول الهرب لمدة طويلة ونجح فى الاختباء عن أعيننا إلا أن المعلومات وصلت لنا لتحدد مكانه وتساعدنا عيوننا فى القبض عليه و أعلن الآن فى حضرة الكاهن الأعظم هذا الأمر الذى صدر عن الفرعون الآلة بتوصية منى بقتل هذا الرجل فى هذا الميدان حتى يكون عبرة لكل من تسول له نفسه الاعتداء على ممتلكات الغير أو الاعتداء عليهم  وبناءً عليه فلتنفذ مشيئة الفرعون الإله على هذا المعتدى الآن.
تم تنفيذ الحكم وانهار ايبى وخر مغشياً عليه فنقل إلى دار الطب داخل المعبد حتى تمت إفاقته، ولكنه صرخ فيمن حوله قائلاً اننى لم ارشد على هذا الرجل اننى لم أتسبب فى قتله اننى لم اقتله وخر مغشياً عليه مرة أخرى، انصرف الناس إلى أشغالهم واختفت الفتاة بعد أن استلمت جثة أبيها، ودخل الكاهن على ايبى فى اللحظة التى استعاد فيها وعيه فوجده بجواره فتشبث فى ردائه صارخاً أنا من أخبرتك عنه فهل أنت من أخبرتهم، نظر إليه الكاهن نظرة مستغربة وقال له عما تتحدث؟ قال له ايبى إن الرجل الذى حدثتك عنه منذ أيام والد إياح تم القبض عليه وقتل فى الميدان الكبير، قال له الكاهن آه نعم ولكن مالى ومال هذا الشخص أتظن اننى من ارشد عنه لا يا ايبى أنا لا اعرف من ارشد عنه ولم أتحدث عما دار بيننا إلى احد، فال له ايبى إذن من الذى ارشد عنه، تدخل احد الجنود فى الحديث وقال أيها الفلاح الطيب إن من ارشد عنه هو احد الجنود الذى كان فى الواقعة حيث شاهد الرجل فى المدينة منذ أيام وقام بتتبعه حتى عرف مكان إقامته فسارع إلى القائد واخبره بما شاهد وقام القائد بأمر الجنود بالذهاب والقبض على هذا الرجل، نظر ايبى إلى الكاهن وقال له لقد خشيت أن أكون السبب فى قتل هذا الرجل وأشكرك على حفظ هذا السر، واستعاد ايبى نشاطه بعد أن عرف الحقيقة وقام من فوره بالتوجه إلى بيت الرجل الذى وجده خالياً تماماً ول يعرف احد أين ذهب من كان يسكنه وعاد ايبى إلى بيته وقلبه مطمئن ببراءته من دم هذا الرجل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق