الثلاثاء، 2 أبريل 2013

"أمُّ ياسمينَ " قصة للأطفال بقلم: يعقوب الشاروني



أمُّ ياسمينَ 
يعقوب الشاروني 
 رسوم: أحمد أمين
 في السابعةِ والنصفِ صباحاً، وقفَتِ السيارةُ النصفُ نقلٍ عندَ زاويةِ البيتِ الذي يلتقي عنده شارعُنا مع الشارعِ الذي يتقاطعُ معه، ونزلت امرأةٌ في الثلاثينَ من عمرها ترتدي الملابسَ الطويلةَ الواسعةَ التي اعتادَتْ أن تلبسَها الفلاحةُ المصريةُ، وعلى رأسِها منديلٌ أسودُ اللونِ جمعَتْ شعرَها تحتَهُ بغيرِ عنايةٍِ، وخلفها نزلتْ بناتُها الثلاثُ، الصغيرةُ في العاشرةِ، وكلُّ واحدةٍ تكبرُ الأخرى بسنةٍ. 
 ثم اعتلَى السائقُ صندوقَ سيارتِهِ، وبدأ يناولُ زوجتَهُ مع بناتِهِ أقفاصَ الخضراواتِ التي أحضروها من قريتِهم في محافظةِ الجيزةِ: باذنجان وفاصوليا وملوخية وخيار وطماطم وجرجير. 
 وتراكمت الأقفاصُ بغيرِ نظامٍ فوقَ الرصيفِ. ثم أسرعَ الرجلُ يقفزُ على مقعدٍِهِ أمامَ عجلةِ القيادةِ، وانطلقَ كالسهمِ يريدُ اللحاقَ بموعدِ عملٍ يومي يجبُ ألا يتأخّر عنه. ووضعت المرأةُ قطعةَ خيشٍ فوقَ الأرضِ عندَ زاويةِ البيتِ تماماً، لترى الشارعيْنِ بوضوحٍ، وأرقدَتْ بجوارِها على أرضِ الرصيفِ رضيعاً لم أكُنْ قد رأيتُهُ، ثم بدأتِ البناتُ في تنسيقِ الأقفاصِ حول أمّهم ورضيعُها في شبهِ دائرةٍ.
 ورأيتُ شرفةً تفتحُ، أطلَّتْ منها جارةٌ تنادي: «يا أمَّ ياسمينَ». وأسرعَتْ واحدةٌ من بناتِ بائعةِ الخضراواتِ إلى تحت شرفةِ الجارةِ، تتلقى طلباتِها.
 ثم عادَت الفتاةُ إلى أمِّها، التي وزنَتْ ما طلبَتْهُ الزبونة ووضعَتْهُ في أكياسٍ، حملَتْها الابنة فوق رأسِها واتجهَتْ إلى بابِ العمارةِ، لتصعدَ سلالمَ البيتِ وتسلِّمَ ما معَها وتتسلَّمَ الثمنَ.
 ثم بدأتْ نوافذٌ وأبوابٌ وشرفاتٌ أخرى تتفتَّحُ، وبناتُ بائعةِ الخضراواتِ يجرينَ من هنا إلى هناك، وبعضُهُنَّ تعودُ بالفاصوليا لإخراجِ البذورِ أو بالملوخيةِ لفصلِ الأوراقِ، متعاونة في ذلك مع الأمِّ والأخواتِ. كلُّ هذا والأمُّ تتناولُ النقودَ من هذه وتلك، تضعُها في محفظةٍ طويلةٍ من الجلدِ تُعلِّقُها بقطعةِ دوبارةٍ (خيط سميك) في رقبتِها، ورباتُ البيوتِ يدفعْنَ ضِعْفَ ثمن السوقِ وهُنَّ راضياتٌ، فالخضراواتُ طازجةٌ وتصلُ جاهزةً للطَّهْي. 
 وعندما صعدَتْ ياسمين إلى شقتِنا بما طلبْناهُ، لم أستطعْ أن أمنعَ نفسي من سؤالِها: «مبسوطةٌ يا ياسمينُ من بيعِ الخضارِ؟». 
 أجابَتْ في هدوءٍ: «الحمدُ للهِ.. الخيرُ كثيرٌ».
 وعُدْتُ أسألُها: «أراكُنَّ هنا من الصباحِ وحتى الظهرِ، متى إذن تذهبينَ إلى المدرسةِ؟».
 أجابَتْ في خجلٍ، وبلهجةٍ توحِى بالأسفِ: «وهل هناك وقتٌ للمدرسةِ مع الخضراواتِ وتنظيفِها؟».
 قُلتُ: «التعليمُ ينفعُ للمستقبل». 

 http://3arabimag.com/Little/WriterArticle.asp?ID=3041

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق