السبت، 17 نوفمبر 2012

"سـر الجـزيـرة " قصة للأطفال بقلم: ضرغام فاضل



سـر الجـزيـرة

تأليف: ضرغام فاضل



-     راح العريف " ريد " ينظر إلى الساحل ، بينما قفز بعض رجال الشرطة من السفينة للبحث عن القرصان الهارب ، وهم يتتّبعون قطرات الدم التي كانت تسيل منه بسبب إصابته .
-      بعد أن اقتاد رجال الشرطة البحارة جميعاً ، أخذ العريف " ريد " بالاحتمالات التي يمكن ان يؤول إليها مصير البحث عن الجريح الهارب .
ولم يضيع وقتاً طويلاُ في البحث عن خيط يقوده إليه غير خيط الدم .
-     فجأة انتبه العريف ريد إلى ورقة صغيرة ، التقطها بيده من الأرض ، وراح يقرأ باهتمام كل كلمة فيها .
وخمن أنهّا سقطت من القرصان الهارب .. لكنّه لم يجد فيها ما يمكن أن يساعده في مهمّته ، وتردّد في أن يرميها أو أن يحتفظ بها . وأخيراً دسها في جيبه .
-     أخذ رجال الشرطة يبحثون في كل مكان .. ولم يتركوا مكاناً في الساحل دون أن يبحثوا فيه ، متتبعين خط خيط الدم وآثار القدمين .
-      انقطعت الآثار قرب كوخ مهجور ، فتوزّع رجال الشرطة على الفور ، وطوّقوا المكان . وكان العريف " ريد " قد وصل هو الآخر ، فأشار إليهم أن لا يطلقوا النار .. لأنه يريده حيّاً .
-      هجم رجال الشرطة على الكوخ بحركة سريعة ، يتقدمهم العريف " ريد " لكنّ خيبة الأمل سرعان ما ظهرت على وجوههم ، فلا أثر لأحد داخل الكوخ .
-     خرجوا من الكوخ وهم يتساءلون أين يمكن أن يكون قد اختفى ؟
وكيف اختفى بهذه السرعة ؟
وراحوا ينظرون حولهم ، علّهم يجدون خيطاً يقودهم إليه .
-     انتبه أحد رجال الشرطة إلى حركة غريبة تصدر من الكوخ ، فأشار إلى العريف " ريد " الذي فهم الإشارة فوراً ، فأشار إلى رجال الشرطة أن يغادروا المكان ، وهو يقول لهم: لنذهب من هنا ، ونبحث في مكان آخر  فلا أثر له  هنا .

-     ابتعد رجال الشرطة عن المكان ، ولم يبقَ غير العريف " ريد "، لقد أراد أن يوهم الذي في داخل الكوخ أن الخطر زال عنه، وهكذا يمكن أن يقع في قبضته بسهولة.

-     وبحركة سريعة قفز العريف " ريد " إلى داخل الكوخ وصوب مسدسه باتجاه القرصان الهارب، الذي فوجئ بذلك، ولم يعد يعرف ماذا يفعل. لقد انتهى كل شيء، وها هو سيعود إلى الحبس مجددا.

-     اقتاد العريف " ريد " خارج الكوخ.. وكان رجال الشرطة يظهرون من مخابئهم واحدا بعد الآخر.. وعلامات الفرح تبدو على وجوههم، فالمهمة قد انتهت أخيرا، وسيكون بإمكانهم العودة بنجاح.

-      نظر العريف " ريد " إلى القرصان الذي وضع رجال الشرطة القيود في يديه ، وأجلسوه على الأرض .. وسأله عن المكان الذي أخفى فيه الكنز . فأنكر القرصان معرفته بذلك ، ممّا جعل العريف " ريد " يغضب وهو يقول:
-     الإنكار لا يفيدك ، اعترف ولتنته هذه المهزلة .
-     أصرّ القرصان على الإنكار ، ولم تنفع معه تهديدات العريف " ريد " ، ممّا جعل الأخير يفقد أعصابه ، فأمر رجال الشرطة أن يقيّدوه إلى شجرة ، ثمّ صوّب مسدسه نحوه قائلاً :
-     سأقتلك إن لم تعترف .
-     لم يجد القرصان مفرّا من الاعتراف ، بعد أن تأكد أن العريف " ريد " جادّ في إنهاء مهمته، ولكنه اشترط أن يفكوا قيوده وأن يأتوا له بالماء والطعام ففعلوا ذلك بسرعة ، وراح القرصان يشرب الماء وهو ينظر إلى العريف " ريد " كأنّه يراه لأوّل مرة .
-     كانت أعصاب العريف " ريد " متوترة ، فصرخ في وجه القرصان :
" هيا .. قل بسرعة أين الكنز ؟ " .
فأجابه أنه ليس معه ، وأنه مع شريكه .
وهنا أحسّ العريف " ريد " بالضيق ، وأدرك أنّ المهمة لم تنته بعد ، وأنّها بدأت من جديد .
-     شرح القرصان المزعوم لرجال الشرطة في مركز الشرطة كل شيء ، وأخبرهم أنه ليس القرصان الذي نجا بعد غرق سفينة القراصنة ، وأنّه تعرف عليه صدفة في المقهى ، وقد لفت انتباه كلّ منهما الشبه القريب بينهما .
-     وراح السجين ذو اللحية الكثّة يشرح لرجال الشرطة ما دار بينهما من حديث في المقهى ، وكيف أنّ القرصان أعجب به ، وراح يحدثه عن الخريطة ، والكنز ، وكيف اتفقا على سرقة الخريطة من مركز الشرطة ؟
-     توقف السجين ذو اللحية الكثةعن الكلام فجأة ، وكأنه يحاول أن يتذكر شيئاً ما . فبادره العريف " ريد " بالسؤال عمّا جرى بعد ذلك .
-     وقبل أن يجيب عن السؤال .. دخل إلى الغرفة ضابط . فنهض العريف " ريد " حالما رآه..  وأدّى له التحيّة .

***

-     جلس الضابط على كرسيّ قريباً من السجين ، بينمّا ظلّ العريف " ريد " واقفاً يتأمل وجه الضابط الذي ترتسم عليه ملامح الوقار وكان السجين ينظر إليه أيضاً ويراقبه .
لم يكن وجه الضابط عادياً ، إنّه الضابط المسؤول عن التحقيق في أخطر الجرائم .. وهذا ما يعرفه السجين ذو اللّحية الكثة تماماً .
-     طلب الضابط من العريف " ريد " أن يرسل بطلب فنجان قهوة له . وأشار إلى السجين إن كان يطلب شيئاً . فأجاب أنّه يريد ان يتناول قليلاً من الطعام . لأنه يشعر بالجوع .
-     خرج العريف " ريد " من الغرفة ولم يبق فيها غير السجين والضابط تبادلا نظرات عديدة قبل أن يسأل الضابط السجين عن اسمه، فأجابه أنه يدعى " الثعلب " أما اسمه الحقيقي فهو " مارك ".
-     وصل العريف " ريد " ومعه أحد رجال الشرطة يحمل القهوة للضابط والطعام للسجين. بعد أن عرف الضابط أشياء كثيرة عن مارك الذي كان يتناول طعامه وهو ينظر إلى الضابط خلسة، فيما كان الآخير يرتشف فنجان القهوة بهدوء.
-     حين أنهى " مارك " تناول طعامه، قال له الضابط :
-      هيا نواصل حديثنا يا مارك .
ففوجيء العريف " ريد " باللّغة التي يخاطب بها الضابط هذا السجين . أمّا مارك فإنه أدرك أنّه أمام ضابط يعرف ما يريد بالضبط ، ويعرف كيف يصل إلى ما يريد .
-     قال الضابط :
-     ماذا فعلت بالخريطة التي سرقتها من مركز الشرطة ؟
فشرح له " مارك " كيف أنّه أوصلها إلى القرصان فوراً ، وأنهما ذهبا معاً وأخرجا الكنز وقبض الثمن الذي اتفق عليه مع القرصان .
-     ابتسم الضابط وهو يستمع إلى حديث " مارك " . وكان يدرك أنه لا يقول الحقيقة . فمن خبرته الطويلة صار يمتلك حاسّة للتمييز بين الكلام الصّادق والكلام المليء بالأكاذيب . وليس من العسير عليه أن يكتشف أن مارك يحاول ان يخفي الحقيقة خلف قصّة نسجها من خياله . وأحسّ " مارك " بما يدور في فكر الضابط ، وأدرك أن عليه أن يكون حذراً في كلّ كلمة يقولها .
-     نهض الضابط من كرسيّه ووقف قرب نافذة ، وراح يقول :
-     " إنّ الطقس هذا اليوم جميل جداً ، والسماء صافية ، وسيكون رائعاً أن نقوم بنزهة أنا وأنت يا مارك " .
أدرك مارك ما يعنيه الضابط تماماً فقال له :
-     لقد تأكدت من صدق كلامي إذن ..
-     اقترب الضابط من مارك ، وعندما صار خلفه تماماً وضع يديه على كتف مارك ، وقال له بهدوء :
-     " ليس تماماً .. فإنك لم تقل لي أين شريكك الآن ؟
أجابه " مارك " :
-     إنّه ليس شريكي .. فقد كان هو صاحب الكنز ، وأنا اتفقت معه على سرقة الخريطة مقابل مبلغ من المال "
-     عاد الضابط إلى كرسيّه ، ولكنّه هذه المرّة لم ينظر إلى مارك وإنّما وجّه نظراته إلى العريف " ريد " وهو يقول له :
-     " هل تصدّق ذلك أيها العريف ؟ "
فوجيء العريف " ريد " بالسؤال ، ولم ينتظر الضابط الإجابة . فقد قال مخاطباً مارك ، دون أن ينظر إليه :
-     " ألم يكن بإمكانك بعد أن سرقت الخريطة من المركز أن تحصل على الكنز بمفردك؟
-     أطرق " مارك " برأسه إلى الأرض كان وقع السؤال عليه كالصاعقة فلم يكن يتوقعه، ولهذا راح يفكّر بسرعة ليهتدي إلى إجابة مقنعة على هذا السؤال .
أما الضابط فكان يراقب " مارك " بعناية ، ثم قال للعريف " ريد " دون أن ينظر إليه :
-     " ماذا كنت تفعل يا عريف لو كنت مكان مارك ، هل كنت تحمل الخريطة إلى القرصان ؟ ألم تأخذا الكنز وتهرب ؟
-     رفع مارك رأسه وراح ينظر إلى العريف " ريد " وهويقول :
-     " لو كنت مكانه يا سيّدي لما سلّمت الخريطة للقرصان ، ولو أننّي لا أفكر أبداً أن أكون مكانه في أيّ يوم " .
-     ابتسم الضابط وأشار إلى العريف " ريد " أن يخرج .
وخرج " ريد " ولم يبقَ في الغرفة من جديد غير الضابط والسجين مارك .
وما إن خرج " ريد " حتى قال " مارك " للضابط :
-     " سأقول لك الحقيقة كاملة هذه المرة " .
وراح يشرح للضابط كيف أنه اتفق مع القرصان على أن يقتسما الكنز ، وعندما سرق الخريطة كان القرصان بانتظاره . فذهبا سوية إلى فندق .
-     قال " مارك " :
" دخلنا الفندق الذي استأجر فيه القرصان غرفة مزدوجة ، وجلسنا أولاً في صالة الفندق . وحين جلست .. رأيت صديقاً لي كان يجلس أمامي .
-     نهضت وذهبت إليه .. وحيّا كلّ منّا الآخر .. وجلست معه أسأله عن أحواله ، ويسألني عن أحوالي ، وانشغلت معه بحديث طويل .
-     لم أنتبه لاختفاء القرصان .. إلاّ بعد وقت غير قصير . ففكّرت أنّه ربما ذهب إلى الغرفة .
-     سألت موظّف الاستقبال في الفندق عنه ، فعلمت أنّه غادر الفندق . وأدركت حينها أنّه أخذ الخريطة واختفى ، وأنّني لن أجده .




هّز الضابط رأسه ، بينما تابع " مارك " قصته :
-     " وقد بحثت عنه طويلاً ، فلم أعثر عليه ، وذهبت إلى المكان الذي يفترض أن يكون الكنز فيه ، وبحثت عن الكنز فلم أجده ، وأدركت حينها أن القرصان سرق الكنز وهرب .
-     رفع الضابط قدح الشاي وأخذ منه رشفة . ثمّ جاء العريف " ريد " حسب طلب الضابط ليأخذ السجين " مارك " إلى الزنزانة .
-     في مكتبه كان الضابط يجلس وهو يفكّر أيضاً بكلّ ما قاله " مارك " .
لم يكن الضابط مقتنعاً، بل كان يشعر أنّ مارك ألّف قصّة وهمية ، وأنّه أخفى الحقيقة .
-     رنّ جرس الهاتف .. فرفع الضابط السمّاعة ، وأخذ يتحدّث . كان هناك شخص
مجهول يطلب مقابلته ليبلغه بمعلومات مهمّة حول الكنز ؟
-     كان مارك يجلس في زنزانته وهو يفكّر فيما إذا كان الضابط قد اقتنع وصدّق ما رواه له أم لا  ..
-     بعد ثلاثة أيام .. دخل العريف " ريد " على الضابط الذي كان يجلس في مكتبه .
أدّى التحية وقال :
-     " سيدي وصل الشّاب الذي طلبت منّا أن نبحث عنه .
-     جلس الشاب على كرسيّ بجوار مكتب الضابط .. وبعد أن سأله عن اسمه أجاب
الشاب :
-     اسمي هو " مايكل " .. وأدعى ميكي .
سأله الضابط إن كان يقيم أو يعمل في الفندق الذي قال مارك إنّه التقاه فيه ، فأجاب الشاب أنّه يقضيّ إجازته هناك منذ حوالي أسبوعين .
-     بعد نصف ساعة من الأسئلة والأجوبة غادر الشاب مكتب الضابط بصحبة العريف " ريد " وقد طلب الضابط من ريد أن يري الشّاب السجين " مارك " .
-     وقف العريف " ريد " أمام زنزانة السجين " مارك " وإلى جانبه الشاب " مايكل " .
سأله " ريد " :
-     هل هذا هو الشخص الذي شاهدته في الفندق ؟
أجاب مايكل :
-     نعم .
-     انصرف العريف " ريد " والشاب ، وأحسّ " مارك " بالارتياح فهذا هو شاهد إثبات على صدق روايته يؤيّد ما قاله للضابط .
-     عاد الشّاب بصحبة العريف " ريد " إلى مكتب الضابط الذي فاجأه وهو يجلس :
-     أين رأيت " مارك " أول مرّة قبل أن تشاهده في الفندق ؟
فوجيء الشّاب بسؤال الضابط المباغت ، ولم يستطع أن يخفي ارتباكه ، ولاحظ الضابط ذلك .
***


-     قدّم الضابط قدحاً من الماء للشّاب ، وجلس أمامه على كرسيّ مقابل لكرسيّه . وراح يطمئنه على أنّ اعترافه وإدلاءه بالمعلومات الدقيقة سيجنّبه أيّة مشاكل مع القانون .
-     أخذ الشاب يحكي للضابط كيف تعرّف على " مارك " ، وكيف التقيا قبل أن يسرق الخريطة ، وكيف اتفقا على أن يوقعا بالقرصان ، ليصبح الكنز لهما فقط ، وأنّ مارك جاء مع القرصان إلى الفندق .
-     عندما جاء إلى الفندق ، تعمّد " مارك " أن يجسل في الصّالة أمامي بالضبط ، متظاهراً أنّه لا يعرفني .. وراح يقرأ جريدة .
-     نهضت من مكاني ، وأنا أنظر للقرصان ، فانتبه إلى ذلك .
-      وقفت قرب موظّف الاستقبال وأنا أنظر إلى القرصان ، الذي اعتقد أنني ضابط شرطة يراقبه .
-     بعد قليل نهض القرصان و " مارك " وخرجا من الفندق ، وخرجت وراءهما دون أن أدع القرصان ينتبه لذلك هذه المرّة .
-      سأله الضابط بحماس :
-     " وماذا بعد " ؟
فأعلمه مايكل أن القرصان ومارك وصلا إلى شارع ضيّق خالٍ من المارّة ، وهناك توقّف مارك .
-     كنت أنا حينذاك قد هجمت من الخلف على القرصان ، فيما أخذ مارك يكيل له الضربات القوّية ، حتى سقط القرصان على الأرض فاقد الوعي .
-     حملناه بعد ذلك أنا ومارك ووضعناه في صندوق سيارتي ، التي أوقفتها في هذا الشارع حسب خطتنا .
-     ثم صعدنا أنا ومارك في السيارة .. وفي الطريق قلت لمارك :
-     لماذا لا نذهب لإخراج الكنز ثم نهرب ؟
فأخبرني أنه يريد أن يتخلص من القرصان أولاً ، لأن بقاءه على قيد الحياة يشكل خطورة لا تنتهي على حياتنا .
-     وصلنا إلى مكان مهجور ، وهناك اوقف مارك السيارة ، كنت أشعر بالخوف الشديد ، بينما نزل مارك من السيارة بكل هدوء .
-     بعد دقائق .. عاد " مارك " وهو يضحك .. وعرفت منه أنه تخلص من القرصان إلى الأبد .
أصبح كل شيء واضحاً للضابط .. وأحسّ بالارتياح أخيراً فجهود الشرطة أثمرت في الوصول إلى الحقيقة أخيراً ، وابتسم وقال للشاب :
-     " وماذا بعد ؟ .. وماذا بعد أن قتلتما القرصان ؟ ".

***


قال الشاب وهو يبكي :
-     " هل أنا مذنب أيها الضابط ؟ .. إنني لم أقتل القرصان .. لقد كنت ضحية .. صدقني ، خدعني مارك وورطني معه " .
بعد ثلاثة أسابيع .. كان مارك ومايكل يقفان في قاعة المحكمة وهما يعترفان بكل شيء كما جرى ..
وحين أعلن القاضي قرار الحكم على مارك ، راح يبكي نادماً على ما تورط به بسبب الطمع .. أما مايكل فقد قال له :
-     " كان بإمكانك يا مارك ان لا تجعلنا نقف هذا الموقف أبداً " .


[ انتهت ]












ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق