البجعة الحزينة
خيري عبدالعزيز
كانت البحيرة الكبيرة على أطراف
الغابة ممتلئة بالطيور على كافة أشكالها وألوانها, من بط وإوز وبجع وغيرهم..
والجميع يلهو ويلعب في حب وسلام.. وفي قلب البحيرة توجد جزيرة صغيرة, نمت فيها
أعواد الغاب الكبيرة والأعشاب الكثيفة, وكانت الجزيرة مكانا آمنا للطيور بعيدا عن
حيوانات الغابة المفترسة التي كانت تأتي فرادى وجماعات طوال اليوم؛ لتشرب من ماء
البحيرة العذب الرقراق, فكونت الطيور أعشاشها بين أعواد الغاب والأعشاب, ووضعت فيه
بيضها, ورقدت عليه آمنة مطمئنة...
وانحصرت المخاطر علي الجزيرة
في ثلاثة أشياء: الفئران التي تأكل بيض الطيور إذا لم تجد من يحرسه, والثعابين
التي تسبح إليهم من الغابة من أجل البيض والأفراخ الصغيرة, وبندقية الصياد الذي
يأتي على فترات طلبا للصيد, وخاصة في موسم التزاوج.. وبخلاف ذلك فإن الجزيرة كانت
تحميهم من العديد والعديد من المخاطر الأخرى...
ويوما شعرت البطة الرقطاء أنها
على وشك البيض, فصنعت لها عشا جاء مجاورا لعش البجعة البيضاء, التي كانت أيضا على
وشك البيض للمرة الأولي في حياتها.. وتتابع الاثنان في وضع البيض حتى انتهيا,
ورقدا سويا في ذات اليوم كلا علي بيضه؛ ليمنحاه الدفء اللازم لنمو الأجنة, وتخرج
أفراخهما إلى الحياة سليمة معافة...
وكان الفأر ذو الأسنان الحادة
البارزة, يسيل لعابه كلما لمح بيض البجعة الكبير, وهي ترتب من وضعه علي فترات,
لتوزع حرارة جسدها علي كافة أنحاءه.. ولاحظ الفأر أن البجعة تتركه كثيرا بمفرده,
وتذهب لتتمشي علي شاطئ البحيرة, فهذه هي المرة الأولي لها في احتضان البيض, ولم
تكن تطيق الرقاد عليه لفترة طويلة... وبدأ الفأر في سرقة البيض – أثناء غيابها -
واحدة بعد أخري.. وكانت البجعة في كل مرة تقول في نفسها, عندما تعود للعش:
" ماذا حدث لهذا البيض؟! إن عدده يبدو
أقل مما تركته "
ثم ترقد عليه, وهى تؤكد لنفسها أنها
لن تتركه ثانية بمفرده, قبل أن يأتي وليفها, ويرقد عليه ويحرسه...
أما البطة الرقطاء التي رقدت على
البيض مرات عديدة من قبل, فكانت لا تترك بيضها مطلقا بمفرده, قبل أن يأتي وليفها
ويتناوب معها الرقاد عليه وحراسته, ولم يستطع الفأر ذو الأسنان البارزة أن يسرق
شيئا من بيضها سواء هذه المرة أو في المرات السابقة...
وتكررت سرقات الفأر لبيض البجعة, حتى
لم يعد يوجد بالعش إلا بيضة واحدة, وكعادته انتظر الفأر لوقت تركت البجعة فيه
بيضتها الوحيدة, وذهبت لتتمشي علي شاطئ البحيرة في يوم كان قائظ الحرارة, وسرق
البيضة المتبقية..
وبينما كان الفأر ذو الأسنان البارزة يدفع
البيضة الكبيرة الحجم الثقيلة الوزن إلى جحره, تدحرجت رغما عنه إلى عش البطة التي
كانت في غفوة من النوم, وارتطمت بها, فاستيقظت البطة من غفوتها, وظنت أن البيضة قد
انزلقت من أسفلها أثناء نومها, ولم تنتبه لكبر حجمها واختلاف شكلها ولونها,
فدحرجتها بمنقارها لتستقر أسفلها بجوار بيضها.. وجلس الفأر في جحره يعض على أسنانه
من الغيظ, ويندم نفسه على خطأه, لأنه يعرف أنه لن يستطع أن يستردها من البطة
الرقطاء مهما فعل..
وعندما عادت البجعة من شاطئ البحيرة,
ولم تجد بيضتها الوحيدة؛ بكت قليلا, ثم طارت وتركت العش...
ومرت الأيام, واستيقظت البطة
ذات صباح على نقرات صغيرة أسفلها؛ فعلمت أن صغارها قد اكتمل نموهم داخل البيض, وهم
الآن ينقرون قشرة البيض ليخرجوا إلى الحياة.. وشعرت بسعادة غامرة عندما بدأت تسمع
صوصوتهم الصغيرة, ولكنها ظلت راقدة عليهم لعدة أيام خوفا عليهم من تيارات الهواء
وتقلبات الجو...
وبدأت الصغار تخرج من أسفلها واحدا
بعد الأخر, حتى اكتملوا جميعا أمامها, إلا أنها لم تنتبه لوجود البجعة الصغيرة
البيضاء بينهم, ونزلت بهم البحيرة, وانضمت إلي أمهات البجع وصغارهن, وأخذ البط
الصغير الذي كان يشبه أمه في لون ريشها الأرقط يلهو سعيدا بالماء وبرودته اللذيذة...
ولمحت البطة الأم البجعة الصغيرة
البيضاء تلهو مع صغارها, فظنت أنها لإحدى البجعات الأتي يلهن مع صغارهن بجوارها,
فأخذت البطة تدفعها بمنقارها, والبجعة الصغيرة تتمسح بصدرها, ولا تفهم شيئا مما
يحدث..
وعادت البطة بصغارها إلي العش, وكان
كلما اقتربت البجعة من العش لتنضم إلي الصغار أسفل البطة الأم طلبا للدفء
والسكينة, زجرتها البطة ودفعتها بعيدا, فمكثت البجعة بجوار العش تبكى حتى غلبها
النعاس.. ومرت الأيام والوضع على هذا الحال, وبالرغم من ذلك كبرت البجعة سريعا,
وزاد حجمها كثيرا عن صغار البطة...
وفكرت البطة الرقطاء في نفسها:
"كيف أتخلص من البجعة الدخيلة التي كبر حجمها,
وصارت خطرا على الصغار؟"
وجاءتها فكرة شرعت في تنفيذها على
الفور...
في المساء, وبينما صغارها يلتفون
حولها ويغطون في النوم, والبجعة الصغيرة تقف بالخارج منزوية وحيدة, تغط هي الأخرى
في النوم, أيقظت البطة الصغار برفق, وهمست إليهم بإتباعها في هدوء, وسبحت بهم إلى
الجانب الأخر من الجزيرة...
في الصباح استيقظت البجعة,
لتجد نفسها بمفردها, فظنت أن البطة والصغار سبقوها إلى البحيرة, فاتجهت من فورها
للبحث عنهم حتى حل المساء, فرجعت للعش, وظلت تبكى طوال الليل...
قررت البجعة في صباح
اليوم التالي الذهاب إلي الغابة للبحث عنهم.. فاستيقظت مبكرا وسبحت إلي هناك..
وكان أول من قابلته البجعة هو الأسد ملك الغابة, الذي جاء ليشرب من البحيرة,
فسألته البجعة عن أمها البطة الرقطاء, فضحك الأسد في نفسه من سذاجة البجعة, وراود
نفسه علي أكلها, ولكنه طرد الفكرة من رأسه لصغر حجمها, ولوي عنقه وتركها وذهب...
وجلست البجعة على شط البحيرة تبكى,
ولأول مرة تنتبه لنفسها في ماء البحيرة العذب الصافي, وفوجئت أنها مختلفة في الشكل
عن البطة وصغارها, وظنت في نفسها أنها قبيحة, ولهذا كرهتها البطة, وهربت منها لقبح
شكلها, مما زاد من حزنها وبكاءها..
سبحت البجعة بمحاذاة الشط, حتى وصلت
إلي الجبال والتلال الخضراء علي حدود الغابة.. ورأت الأرانب تتقافز وتلهو مع
صغارها, والدجاج تطعم أفراخها, فتأثرت كثيرا, وأخذتها نوبة بكاء لم تنتبه منها إلا
علي صوت دجاجة كبيرة سمراء جاءت تسألها عما بها, فأجابت البجعة والدموع تسح من
عينها:
"أنا قبيحة المنظر.. لا أحد
يحبني في هذه الدنيا"
قالت الدجاجة مشفقة:
" من قال لك أنك قبيحة -يا
صغيرتي- إن ريشك أبيض جميل, ووجهك.."
قاطعتها البجعة:
"لا تضحكي علي.. لقد رأيت
نفسي في ماء البحيرة.. وأعلم أنى قبيحة, فأنا لا أشبه أمي وأخوتي..."
سألتها الدجاجة مستفسرة:
" وأين أمك وإخوتك يا
صغيرتي؟"
قالت البجعة:
"لقد هربوا منى.. صحوت من النوم فلم
أجدهم..."
قالت الدجاجة بينما تربت على جناح
البجعة:
"تعالى عيشي معي ومع أفراخي- يا
صغيرتي- في أعلي التل حيث الأمن والشمس الدافئة..."
وكانت هذه هي المرة الأولى التي تشعر
فيها البجعة بالحب والحنان في حياتها, فانشرح صدرها للدجاجة, وذهبت معها ومع
أفراخها الصغار, وأعجبها بيتهم الصغير الجميل الممتلئ بالحب والدفء والحنان,
وتحيطه الخضرة الزاهية من كل مكان, وأسفله ماء البحيرة يضوي تحت ضوء الشمس..
ولاحظت الدجاجة مع الأيام أن البجعة كلما
كبرت ونما ريشها الأبيض الجميل كلما ازدادت حسنا وجمالا, وكثيرا ما قالت للبجعة
ذلك, ولكن البجعة ظلت تتحاشى النظر لنفسها في البحيرة, وكانت تقول في نفسها:
"الدجاجة تقول هذا لأنها
طيبة وتحبني..."
ومرت الأيام, ويوما شاهدت الدجاجة
سربا من البجع يحط في البحيرة, فنادت البجعة البيضاء لتشاهدهم, وقالت لها:
"ما رأيك في هذه الطيور
الجميلة؟"
أبدت البجعة إعجابها الشديد
بجمال البجع, فقالت الدجاجة ضاحكة:
"أنت في مثل جمالهم -يا صغيرتي-
بل وأجمل.. انظري فقط في ماء البحيرة لتتأكدي بنفسك.."
نظرت البجعة في ماء البحيرة, فرأت
بجعة بيضاء جميلة رائعة الحسن, فسعدت كثيرا, وعرفت أن البطة لم تكن أمها الحقيقية,
وأن اختلاف شكلها عن شكل البطة لم يكن يعنى قبحها, بل لأنها فقط ليست من نفس
النوع...
ولم تمر أيام قلائل حتى كانت البجعة
ترفرف بجناحيها في السماء, وانضمت للبجع في البحيرة بعدما شكرت الدجاجة وصغارها
على ما قدموه لها...
هي من قصص الحيوانات التي تقوم فيها الحيوانات بالا دوار الرئيسية وهي من الاجناس الادبية التي تُداولت منذالقدم و تحضى في هذا العصر الحديث باهتمام الكتاب والقراء الكبار والغار منهم بالخصوص لان الاطفال يحبون القصص التي تجري على ألسنة الحيوانات التي عادة تربط بينهم صداقات وتستهويهم تقمص أدوار الحيونات لسهولتها ومن قصص الحيونات قصة "البطة الفبيحة 'أو le vilain petit canard لHans Christen Adersanالتي نشرت سنة ........وتداولها عديد من الكتاب والسينمائيين لقيمتها التربوية علىبساطتا وتدخل الكتاب كل حسب هدفه التربوي أو وعظي من القصة وكاتب قصة البجعة الحزينة السيد خيري عبد العزيز استجاب في قصته هذه لمرحلة من مراحل الطفولة من ستة إلى ثمانية أعوام حسب تقديري حيث مزج الكاتب الواقعية بالخيال وذلك بطريقة غير مباشرة باختيار أولا الشخصيات ومنها الفأر الذي يمثل الخطر والصعوبات (دون التخويف منه)أما الشخصية الرئيسية وهي البجعة فقد جعلها الكاتب تتحرك من خلال الاحداث المتسلسلة في تناغم وسهولة ليتتبعها القارئ الصغير دون ملل و خلال الاحداث البسيطة بث الكاتب معلومات صحيحة عن حياة الطيور حيث ذكر نمط عيشها وطريقة تنقلها وطرق تكاثرها وفي هذا العرض احترم الكاتب عقل الطفل الذي يميز بين الواقع والحيال كما استعمل الكاتب الاسلوب الرمزي الذي مثل فيه صفات الطبيعة البشرية والصفات الانسانية من خلال سلوك البطة أوقل بالاصح البجعة التي على مدار زمن القصة ومسار أحداثها هي في بحث حثيث ومستمر ومستميت على بلوغ هدفه وهو الانتماء مجتازا بعض الصعوبات بإصار منه على المواصلة لكن لم ينسى الكاتب ان يشير إلى مشاعر الحزن التي انتابت البجعة حلال بحثها وهذا طبيعي اي الشعور بالحزن والتعبير عنه بالبكاءكما أقنع الكاتب الطفل بالفروق بين البط والبجع رغم ا نتماء كليهماإلى نفس النوع فبمعرفة البجعة بأن البطة لم تكن أمها الحقيقية وان اختلاف شكلها عن شكل البطة لا يعني قبحها بل لانها ليست من نفس النوع ويمكن ان تتتعايش بسلام معها مرر الكاتب هذا المفهوم والقيمة الانسانية الهامة والمعاصرة والضرورية في حاياة الطفل الحالي وهو الاقرار بالاختلاف والتعايش مع ذلك وهذا هو الاختلاف بين القصة الاصلية وقصة السيد خيري عبد العزيز فقد أضفى عليها روحا عصرية بادماج قيمة انسانية وان كانت ثابتة لكنه أحياها في هذه القصة وسيحيها كلما قراها طفل أبدع الكاتب كعادته وكما عهدته
ردحذفالتعليق الاول من الضوء الصافي
ردحذف