الجمعة، 21 سبتمبر 2012

"جرة وشعاع القمر" قصة للأطفال بقلم: أحمد زحام



جرة وشعاع القمر
 أحمد زحام


          جرة بنت كبيرة مثل كل البنات ، تعيش فى قرية صغيرة تبعد عن المدينة بمسافات .
قرية ليست مثل كل القرى المجاورة ، بناتها الكبيرات لا تساعدن أمهاتهن فى أعمال البيت ، فلماذا يعملن ، وفى القرية بنت مثل البنت جرة .
فجرة تساعد الأمهات فى الطهى ، والكنس ، وحلب الأبقار .
فعند كل صباح تنزل إلى النهر ، تملأ جرار القرية بالماء ، جرة ، جرة ، وجرار القرية لاتفرغ من الماء ، فجرة تنزل إلى النهر وتطلع بالماء وتكمل الماء المنقوص منه فى الجرار .
وجرة بنت تعيش فى القرية منذ زمان  ، بعدد سنوات عمرها ، وكانت أمها السيدة الطيبة ، تقوم بكل أعمال نساء القرية من كنس ، وطهى ، وحلب الأبقار ، والخبز وملأ الجرار  ، وعند أطراف القرية كان بيتها ، كوخ ليس مثل كل الأكواخ فكوخها صغير ، وعندما كبرت فى السن ، وأصبحت امرأة عجوز ، لا تقوى على أعمال بيتها ، وبيت غيرها ، كانت جرة قد كبرت فى أعوامها و أصبحت بنتا كبيرة ، فقامت بكل أشغالها .
وجرة كما أمها تتعب طول النهار ، و تأخذ مقابل أشغالها كسرة خبز ، وجلباب قديم تركته صاحبته لقدمه .
يحكون أن أسمها كان سعاد أو إبتسام أو عزة ، لكن بنات القرية كن يلقبنها بإسم جرة ، لكثرة  ما يرونها حاملة الجرار ، فأصبح جرة أسمها و عملها ، ولم تغضب منه ، ومنهن ، واستمرت فى أعمالها اليومية يوما بعد يوم .
وذات يوم جاء الى القرية منادى ينادى عن حفلة ستقام فى عيد الربيع فى قصر الأمير بالمدينة البعيدة عن القرية المجاورة ، و السبب فى الدعوة أن ابن الأمير سيختار عروس له من بنات إمارة أبيه .
-         ما أحلا ه خبر !!!
صاحت البنات الكبيرات فى القرية ، فهذا الحدث يحدث كل عشرين عاما يقل أو يزيد ، عندما يكون هناك أميرفى الأمارة بلا عروس .
وخلال الثلاثة أيام التالية لحضور المنادى ، راجت تجارة القماش والعطور والأحذية فى المدينة ، وكانت البنات الكبيرات تذهبن بصحبة أمهاتن الى المدينة وترجعن محملات بالمشتريات الكثيرة ، وظلت البنت جرة تعمل طوال النهار والليل فى تفصيل ملابسهن ، حتى جاء أخر يوم ، فأكتملت زينتهن مع إكتمال القمر بدرا.
وفى عربات صغيرة تجرها الخيول والحمير ، خرجت بنات القرية الجميلات ، حتى خلت القرية منهن جميعا .
وكانت جرة البنت الوحيدة التى بقيت داخل القرية ،  بعد أن ودعتهن بنتا ، بنتا ، والدعاء لهن بالتوفيق ، واختيار إبن الأمير لكل واحدة منهن عروسا له .
وعند النهر جلست  جرة وحدها تضع رأسها على كفها ، تنظر كثيرا إلى ماء النهر ،  فرأت صورتها على صفحته مرسومة ، كانت حزينة ، فحركها ماء النهر ، فضحكت ، كانت الأسماك الصغيرة تقفز منه وتصنع دوائر فى الهواء ، وتلقى بنفسها تحت قدميها مستكينة ، فتعيدها الى النهر واحدة ، واحدة .
قالت سمكة صغيرة :
- رأينا صورتك فى الماء حزينة ، فجئنا نلعب معك .
وقالت سمكة أخرى صغيرة :
-         ولماذا أنت حزينة ؟
وحكت الحكاية للأسماك الصغيرة ، ورغبتها الغير ممكنة فى الذهاب الى الحفل الذي يقيمه إبن الامير، ويختار فيه عروسه .
قالت سمكة بعد أن هزت ذيلها فى الماء :
-         بسيطة أترين هذا القمر الموجود فى الماء ؟
قالت جرة :
-         نعم
قالت السمكة وكانت لا تزال تهز ذيلها فى الماء :
-         سنذهب اليه ونحكى له حكايتك ، قد يساعدك .
والتفت الأسماك الصغيرة حول  القمر فى الماء ، تحكي له حكاية البنت جرة التى تتعب طول النهار وترغب في الذهاب الى حفل ابن الأمير ، وأن تكون الأميرة المختارة من بنات المدينة ، والقرية ، والقرى المجاورة .، ورغبة الجميع في مساعدتها 
هز القمر رأسه بالموافقة ، فقفزت الأسماك تزف إليها الخبر السعيد ، فنزلت البنت جرة فرحة إلى النهر واغتسلت ، وقامت أسماك النهر الصغيرة بتزيينها ، والبستها رداءا جميلا من جلد الأسماك الفضى ، ورصعته باللؤلؤ والمرجان .
 وتبقى الحذاء !!
وكان تمساح النهر الكبير يقف على مقربة من الجميع ، فأحضر حذاء من جلده وأهداه إلى البنت جرة وطلب أن يحملها على ظهره ، ويوصلها إلى القمر .
وبعد أن أكتملت زينة البنت جرة ، ركبت فوق ظهر التمساح وحولها الأسماك الصغيرة فرحة و مسرورة .
قال القمر للبنت جرة :
-         ستركبين على شعاعى وسأوصلك الى الحفل أن شاء الله بأمان ولكن احرصى على أن تغادرى الحفل قبل منتصف الليل ، ميعاد انصرافى من السماء .
هزت البنت جرة رأسها موافقة .
أنزل القمر شعاعه ، وركبت جرة وهى فى أبهى زينة ، وطارت فى الهواء ، وسط صياح الأسماك ، وبسرعة الضوء كانت جرة على باب قصر الأمير .
تصدح الأبواق ، ويصفق كبير الحجاب ، ويعلن عن وصول أميرة مجهولة من خارج البلاد فيتقدم إبن الأمير لاستقبالها .
تدخل جرة الأميرة المجهولة فى أبهى زينة ، فيعطيها إبن الأمير يده ويقدمها للأمير و الأميرة .
وتلاحظ بنات القرية الشبه الواضح بين هذه الأميرة المجهولة وبين جرة التى تركوها فى القرية وحدها .
ويدعو ابن الأمير الأميرة المجهولة جرة للجلوس الى جواره ، واصبح غير مهتم كثيرا ببنات القرية .
ويأمر الأمير رئيس التشريفات بأن يفتتح الرقص ،ويرقص ابن الأمير مع الأميرة التي هي البنت جرة ، ويواصل الرقص معها دون سواها .
وفجأة تدق ساعة كبيرة معلنة انتصاف الليل ، و الأميرة المجهولة جرة مستغرقة فى الحديث مع إبن الأمير ، لقد نسيت تحذير القمر ، وعندما دقت الساعة دقتها الأخيرة ، تذكرت  تحذير القمر لها ، فأصابها الخوف والهلع ، وجرت مسرعة خارجة من القصر دون سلام أو حتى تفسير .
وينتبه الأمير وإبن الأمير وكل الحضور الى اختفاء الأميرة المجهولة ، فيأمر رئيس التشريفات بأن يتبعها ،
 و يدخل أحد الخدم وفى يده فردة حذاء من حذاء الأميرة المجهولة وجدها على درج السلم ، ويعجب إبن الأمير بالحذاء ، ويعلن على الملأ أنه سوف يتزوج أية فتاة ينطبق الحذاء  على قدمها تماما، وتتشوق جميع الفتيات لقياس الحذاء .
ويدعو إبن الأمير كل البنات الى تجربة قياس الحذاء على أقدامهن ، فلا ينطبق الحذاء على أية قدم .
وترجع البنات كل البنات الى قراهن مخيبات الآمال فى الزواج من ابن الأمير .
وكانت جرة قبلهن قد لحقت باخر شعاع للقمر فركبته وعادت بسرعة الضوء الى دارها حزينة ولم تهتم كثير بفقدانها لفردة حذائها .
وعند الصباح عادت جرة الى عادتها القديمة تساعد الامهات في الطهى ، والكنس ، وحلب الابقار وملأ الجرار ، وسماع حديث بنات القرية عن الاميرة المجهولة التى تشبه جرة ، وفردة الحذاء التى يبحث ابن الامير عن  صاحبته .
وعندما نزلت جرة الى النهر لملا جرارها وجدت ابن الامير واقفا بجوار حصانه وفى يده حذائها ، خافت وجرت راجعة الى القرية ، لكنه لحق بها وطلب منها ان تجرب الحذاء فقد أخبرته الأسماك بحكايتها عندما توقف عند النهر كى يسقى حصانه ، وطلب منها أن تكون زوجته ، وغادرا القرية وسط دعوات أهلها لهما بالتوفيق .
 ومنذ ذلك اليوم وبنات القرية يقمن باعمال البنت جرة من طهى، وكنس ، وحلب الأبقار، والنزول الى النهر لملأ الجرار ، عسى أن تكون كل واحدة منهن مثل البنت جرة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق