الاثنين، 27 أغسطس 2012

"حمارة السيدة حليمة " قصة للأطفال بقلم: عبدالتواب يوسف


حمارة السيدة حليمة
من كتاب حياة محمد في عشرين قصة

عبدالتواب يوسف

عشت منذ مئات السنين فى الصحراء

عند سيدة اسمها - حليمة السعدية - .. 
وكانت حليمة تشتغل مرضعة، ترضع الأطفال بدل أمهاتهم . فلم يكن فى تلك الأيام لبن صناعى فى العلب .
وكان من عادة العرب فى ذلك الوقت أن يسلموا أطفالهم
لمرضعة تأخذهم ليعيشوا معها فى الصحراء .


وكانت حليمة فقيرة مسكينة ، تعيش هى وزوجها (( الحارث )) فى خيمة ،

فى منطقة قليلة المطر ، قليلة الخضرة ، قليلة الخير
وكنت أنا نحيفة ضعيفة .


وذات يوم ، أخذتنى حليمة أمام الخيمة . ففرحت لأنى حسبت أنى ذاهبة إلى المرعى مع الغنم ،آكل بعض العشب الأخضر

لكن حليمة ركبتنى ومعها طفلها الصغير الذى لا يسكت عن البكاء ،
وركب زوجها ناقة عجوزا . وسرنا فى الصحراء .


كان الجو حارا ، وكنت أنقل قدمى بصعوبة ..

لأنى كنت فى الحقيقة تعبانة ، وكنت غير قادرة على السير
وكان الطفل لا يزال يبكى ، فأرادت حليمة أن ترضعه ليسكت فلم تجد فى ثدييها نقطة لبن واحدة
فقال لها زوجها :
- كيف تذهبين لتأتى بطفل آخر ترضعينه ، وأنت ليس عندك لبن لطفلك ؟؟
فردت عليه :
- عندما أحضر طفلا آخر لأرضعه ، سيدفع لى أهله بعض المال ، فأشترى به الطعام
وعندما آكل وأتغذى يصبح فى صدرى لبن أعطيه للاثنين .
ألا تعرف ؟؟
المهم أن أجد طفلا غنيا يقدر أهله على أن يدفعوا لى مبلغا كبيرا من المال .
وأردت أن أعرف أين نذهب .
فسألت الناقة التى تعرف طرق الصحراء أكثر منى ، فأجابت :
- سنذهب إلى مكة .


فرحت كثيرا عندما سمعت اسم مكة

وأحسست على الفور بنشاط وقوة على السير . وأخذت أسير بل أجرى .. بسرعة ! كيف ؟ لا أدرى !


وأسرعت لدرجة أننا وصلنا مكة قبل جميع من ساروا قبلنا

وشكرتنى حليمة لأنى أعطيتها فرصة أكثر لتسبق غيرها ، وتختار الطفل الذى سترضعه.


وراحت حليمة تبحث هنا وهناك . وبعد وقت طويل عادت إلينا متعبة وحزينة

وسمعتها تقول لزوجها
- يظهر أننا سنرجع كما جئنا . سنرجع ومعنا الجوع ، وقد زاد عليه التعب .
حزنت له . مسكينة . لم يقبل أحد أن يعطيها طفله ،
لأنها كانت تبدو فقيرة وصحتها ضعيفة .
وبعد أن استراحت قليلا ، رجعت تبحث من جديد ، وغابت مرة أخرى
وفجأة رأيناها تجرى إلينا ... سعيدة .. سعيدة .. 
ونادت على زوجها بصوت فيه فرحة :
- الحمد لله ..
سعدنا نحن أيضا وفرحنا معها .. فقد وجدت طفلا
وعندما وصلت إلى ،
شممت رائحة مثل المسك .. حلوة .. حلوة .
إنها رائحة الطفل الذى أحضرته .. كانت تحمله بين يديها
وكان طفلا وديعا حلوا جميلا .. جميلا .. كالبدر !


اقترب منه - الحارث - زوجها ، ونظر فى وجهه ،

ففرح به هو الآخر فرحا كبيرا ، وسألها .
- ابن من هو ؟ وما اسمه ؟
- اسمه محمد . محمد بن عبد الله بن عبد المطلب 
جده عبد المطلب سيد قريش وزعيمها
وأبوه عبد الله ، توفى والطفل فى بطن أمه . فهو يتيم ،
وأمه آمنة بنت وهب ، من أكرم سيدات العرب ومن أشرف بيوتهم .
ظهرت السعادة والسرور على وجه الحارث وهو يساعد حليمة لتركب ومعها محمد وطفلها .. 
طفلها الذى رأيته يضحك .. وهو فرح سعيد .. أيضا !


وركب الحارث الناقة وانطلقنا . وجدت نفسى أسير ، بل أجرى بسرعة غريبة

سبقت من خرجوا معنا من مكة . ثم لحقت من سبقونا
وكنت أحس بالقوة وأشعر بالشبع كأنى كنت واقفة طول الوقت فى المرعى آكل وأشرب
وكانت ناقة - الحارث - تسابقنى هى الأخرى وتجرى كأنها حصان !


وصلنا الخيمة .. خيمة حليمة والحارث .

وصلنا .. وبدأ الخير الكثير يجئ إلينا ..
تغيرت الحال تماما بعد عودتنا ... 
من شهور طويلة لم تمطر السماء نقطة واحدة .


وإذا بالسحاب يتجمع ، والمطر ينزل ، ويروى الأرض ،

وتصبح الأرض خضراء مليئة بالمرعى .
وتجد الغنم والناقة وأنا ... نجد المرعى الذى يكفينا ، والماء الذى يروينا . لقد تغير كل شئ ..
الأرض .. السماء .. الجو .. الناس .. الغنم .. الخيمة .. 
كل شئ أصبح أفضل .. كل شئ أصبح أجمل .. 
منذ جاء الطفل محمد .
وحليمة .... كانت فى منتهى السعادة
كانت من قبل لا تجد لبنا يكفى طفلها وحده
فأصبح عندها لبن يكفيه ويكفى الطفل محمدا ، ويفيض عليهما
كانت سعيدة .. سعيدة بما أصبحت فيه من خير كثير ورزق وفير
وكذلك كان زوجها سعيدا مثلها .


وكثيرا ما كانت تركبنى حليمة ومعها الطفل محمد ،

كانت أسعد لحظة عندى أن يركبنى معها
كنت أسير بهما فى شمس الصحراء دون أن أحس بها .
كنت أحس كأن هناك سحابة تظللنا من الشمس ، وتقينا حرارتها .


وعندما أصبح عمر محمد عامين ،

فطم عن الرضاعة ، وكان على حليمة أن ترجعه إلى أمه
فركبتنى وهو معها ، وسرت بهما إلى مكة
كانت حليمة طوال الطريق صامتة غارقة فى تفكير عميق .



دخلنا مكة ، ووصلنا بيت محمد ، ونزلت حليمة به إلى أمه ، وبعد قليل ،سمعت صوت حليمة من الداخل ،سمعتها ترجو السيدة آمنه فى أن يبقى محمد عندها فترة أخرى

وأخذت حليمة تستعطف السيدة آمنة حتى رق قلبها ،ووافقت على أن يعود معنا محمد .
وعدنا .. ونكاد نطير من الفرح . كنت أجرى جريا
وكان كل من يرانى لا يصدق أننى فعلا حمارة حليمة !
دخلنا على الحارث . لم يصدق عينيه من الفرح .


عاد محمد معنا !

وأقام محمد ثانية معنا . فاستمر الخير واستمرت البركة ، واستمرت سعادتنا وفرحتنا به

ومرت أيام ....... 

وذات يوم .. جاء ابن السيدة حليمة يجرى ويصرخ

- لقد جاء رجلان ، يرتديان ملابس بيضاء .. ناصعة البياض ، وأخذا أخى محمدا .
- صرخ الحارث : أخذاه ؟ إنه وديعة عندنا ونحن مسئولون عنه وعن سلامته .
- قامت حليمة وزوجها يجريان ، بحثا عن محمد . وجريت أنا الأخرى لأرى ما حدث
فوجدنا محمدا واقفا فى هدوء ، والبسمة العذبة تملأ وجهه المشرق الحبيب .
رغم أنه كان سليما وبخير وعافية ، فقد خافت حليمة وخاف الحارث . وقررا أن يعيداه إلى أهله .


وتركنا محمد . ولكنه ترك لنا الخير الذى جاء معه .

ترك لنا المطر والخضرة .. والرزق الوفير .. 
وترك لنا السعادة والبهجة والفرحة ..
الفرحة التى زادت عندما عرفنا فيما بعد قصة الرجلين .


لقد كانا ملاكين من الملائكة جاءا وقاما بغسل قلب محمد وتطهيره

إعدادا له لحمل الرسالة الكبرى .. رسالة الإسلام .. عليه الصلاة والسلام .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق