الثلاثاء، 1 مايو 2012

"حكاية طائر النوم" قصة للأطفال بقلم: هشام علوان


حكاية طائر النوم
هشام علوان
كَانَتْ جَدّتِي تَتَفَقَدُ حُجْرَتَي كُلَّ لَيّلَةٍ ، و تَنْدَهِشُ حِينَ تَرَانِي مُسْتَيّقِظَاً ، فَتَقْتَرِبُ مِنْ سَرِيرِي و تَنْظُرُ لِي ، فَتَلْمَعُ عَيّني لِبَصِيصِ الْنُورِ الْقَادِمِ مِنْ الْصَالَةِ ، فَتَعْرِفُ أنَّ الْنَوْمَ قَدْ جَفَانِي .. تَجْلِسُ جَدّتِي عَلَى حَافَةِ الْسَرِيرِ ، و تَضَعُ يَدَهَا عَلَى صَدْرِي ، و هِي تَقُولُ :
- هَلْ تَعْرِفُ حِكَايَةَ طَائرِ الْنَوْمِ ؟!
و قَبْلَ أنْ أُجِيبَ ، تَنْطَلِقُ جَدّتِي في الْحَكْي الْجَمِيلِ :
ـ يُحْكَى أنَّ جَزِيرَةً هُنَاكَ في الْبِلادِ الْبَعِيدَةِ ، تُسَّمَى : جَزِيرَةُ الْنَوْمِ ، يَحْكُمُهَا سُلْطَانٌ مُهَابٌ بَيْنَ الْمُلُوكِ و الأمَرَاءِ ، اسْمُه : سُلْطَانُ الْنَوْمِ !
و سُلْطَانُ الْنَوْمِ هَذَا هُوَ الْمَسْئولُ عَنْ نَوْمِ جَمِيعِ الْكَائنَاتِ في الأرْضِ .. فَحِينَ يَجِئُ اللْيَلُ ، و يَعُمَّ الْهُدُوءُ يُرْسِلُ سُلْطَانُ الْنَوْمِ طَائرَهُ الْشَفِيفِ ، الذْي يُرَفْرِفُ حَوْلَ الْبُلْدَانِ ، ثُمَّ يَدْخُلُ مُتَسَلِلاً ، رُوَيّدَاً .. رُوَيّدَاً إلى عُيونِ الْنَاسِ الْمُتْعَبَةِ ، مِنْ الْعَمَلِ طُولَ الْنَهَارِ .. فَتَسْتَسْلِمُ لَه الْعَيْنَانِ في فَرَحٍ ، و يَرُوحُ الْنَاسُ في سُبَاتٍ عَمِيقٍ ..
ولِذَا يَقُولُ الْنَاسُ :
- إنَّ للْنَوْمِ سُلْطَانَاً !
ثُمَّ تَغَيّرَتْ الْكَلِمَةُ بِمُرورِ الْسِنِينِ ، لِتُصْبِحَ فِيمَا بَعْدُ :
- الْنَوْمُ سُلْطَانٌ !
و الْمَقْصُودُ بها أنَّ الْنَوْمَ إذا حَضَرَ طَائِرَه الْشَفِيفِ الْوَدِيعِ ، الْذَي يُرَفْرِفُ حَوْلَ رَأسِكَ الآن فَلابد أنْ تَسْتَسْلِمَ لَه الْعَينَانِ كَمَا لو كَانَ سُلْطَانَاً مُهَابَاً يَأمرُ فَيُطَاعُ !
أمّا إذا كَانَ هُنَاكَ صَخَبٌ و ضَجِيجٌ ، مِثْلَمَا يَفْعَلُ أمْجَدُ أخُوكَ حِيْنَ يَعُودُ مِنْ الْمَدْرَسَةِ كُلَّ يَوْمٍ ،
فَيَصْرخُ مِنْ بِئرِ الْسُلّمِ ، وتُقَلّدُه الْجَدّة ُ :
- أمُي .. لَقَدْ عُدْتُ ..
ثُمَّ يَصْعَدُ دَرَجَاتِ الْسُلّمِ ، و هُوَ يَرْكُلُ كُلَّ سَلاّتِ الْمُهْمَلاتِ الْمَوْجُودَةِ أمَامَ شُقَقِ الْجِيَرانِ مُحْدِثَاً ضَجّةً كُبْرَى .
و كَذَلِك حِيْنَ تَجْلِسُ أخْتُكَ فَاتِنُ كُلَّ ظَهِيرَةٍ لِتَسْتَمِعَ لِمُوسِيقَى صَاخِبَةٍ و مُزْعِجَةٍ مِنْ جِهَازِ الْتَسْجِيلِ الْخَاصِ بها ( و تُحَاكِي الْجَدّةُ صَوْتَ الْمُوسِيقَى  :
_ بُومْ .. طَاخْ .. بُومْ .. طِرَخْ !
دُونَ أدْنى اعْتِبَارٍ لِوُجُودِ آخَرِينَ مَعَهَا في نَفْسِ الْبَيتِ !
و أنْتَ أيّضَاً يَا مَاهِرُ حِيْنَ تُشَاهِدُ مُبَارَيَاتِ كُرَةَ الْقَدَمِ في الْتِلْفَازِ ، و تَأخُذُكَ الْحَمَاسَةُ دُونَ أنْ تَدْرِي، فَتَصِيحُ بِأعْلَى صَوْتِكَ :
- ضَرْبَةُ جَزَاءٍ .. هَدَفٌ .. هَدَفٌ .. يَا سَلام .. يَا وَلَد ..
فَمَاذَا تَتَخَيّلُ أنْ يَحْدُثَ بَعْدَ هَذِهِ الْضَجّةُ ، و هَذَا الإزْعَاجُ ؟!
بِالْطَبْعِ .. فَإنَّ طَائرَ الْنَوْمِ الْشَفِيفِ الْوَدِيعِ ، سَوْفَ يَفْزَعُ و يَهْرَبُ إلى حَيْثُ الْهُدُوءِ
و الْسَكِينَةِ ، و رُبّمَا يَغْضَبُ مِنْكَ كَمَا فَعَلَ الآنَ ، و لا يَأتي لِزِيَارَةِ مَنْزِلِنَا الْمُزْعِجِ ، فَلا نَسْتَطِيعُ الْنَوْمَ ، و لا الْرَاحَةَ ، و نَقُولُ سَاعَتَها :
-  طَارَ الْنَوْمُ مِنْ عُيونِنَا !
* * *
في تِلْكَ الْلَحْظَةِ كَانَتْ جَدّتي تَعْبَثُ بِأنَامِلِهَا الْرَقِيقَةِ في شَعْرِي ، و هَي تَحْكِي لي حِكَايَاتِها الْجَمِيلَةَ عَنْ الْنَوْمِ و طَائرَه الْشَفِيفِ الْوَدِيعِ ، فَأرَاهُ يُحَوّمُ حَوْلَ رَأسِي ، و كَأنَّه يُصْغِي لِحِكَايَاتِ جَدّتي الْشَائقَةِ ، ثُمَّ يَتَسَلَلُ رُوَيّدَاً .. رُوَيّدَاً ، و يَحُطُ بِرِفْقٍ شَدِيدٍ عَلَى جِفُوني الْمُتْعَبَةِ ، فَتَنْغَلِقُ الْعَيّنَانِ بِهُدُوءٍ عَلَى طَائرِ الْنَوْمِ الْعَجِيبِ !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق