الخميس، 26 أبريل 2012

"العلجوم فوق الشجرة " حكاية للأطفال بقلم: سعاد محمود الأمين


العلجوم فوق الشجرة

سعاد محمود الأمين
كان دائما يتجول وحيدا فى الغابة المطيرة. فقد سئم من التجوال فى أرض الغابة المترعة المياه والبرك الآسنة، الى تعكس له صورته فيزداد نفورا ويأسا، فهو يشعر دائما بالدونيه بين كائنات الغابة المطيرة لايجد لنفسه ميزة  جمالية واحدة، فليس له ريش ملون مثل طيور الغابة، ولاصوف ناعم ولا عيون كحيلة .تبا لهذه الحياة لماذا أتيت اليها هكذا تحدث الى نفسه. حاول الفرار من كدره الدائم فرأى شجرة مخضرة طويلة الساق عريضة الجذور، أغصانها مورقة تعانق السماء، وتتمايل مع هبات النسيم العليل الذى يداعب أوراقها فتصدر حفيفا  هامسا كانها تؤانس بعضها. وفوقها قد حطت الطيور مختلفة الأنواع الببغاوات، ونقار الخشب وطيور الجنه الملونة الجميلة.  نظر الى ساق الشجرة وتحسسه تم أمسك الساق بذراعيه متشبثا، ورفع جسده  متسلقا، لم يكن خائفا من السقوط لأنه يائسا يريد الموت فقد أتعبته الوحدة وهجران العشيرة، تسلق قافزا من غصن لاخر كما تفعل طيور الجنة أمامه، حتى إنضم الى السرب .هبت نسائم رطبة تحمل روائح النوّار، والثمار.  والطيور منتشيه تطير محلقة ثم تعود وقد إمتلأت حواصلها بالديدان والحشرات والحبوب لفراخها. وطيور أخرى تجمع الأعشاب لتبنى أعشاشها فقد حان موعد وضع البيض. كان طائر نقار الخشب ينقر فى ساق الشجرة محدثا فجوة لوضع بيضه، والأنثى تختال فى تباهى حيث يقوم الذكر ببناء العش لها لوضع بيضها. وهناك عصافير الجنة  تزقزق فتضيف لموسيقى الغابة المطيرة نغمات  جميلة .كل هذا الجمال مجتمع فوق الشجرة،  أسراب طيور تطير وتحط فى تناغم مع الطبيعه. ابوذنيبة العلجوم فوق الشجرة يراغب هذا الجمال المتناسق، وهذا العمل الدؤوب، وأصوات الطيور المغردة، تسرى فى جسدةالمرهق خدرا لذيذا.كانت الطيور قد إستقبلته بترحاب، وثمنت صعودة أعلى الشجرة للانضمام اليهم تاركا أرض الغابة. فصارت تفرغ حواصلها المليئة بالديدان والحشرات المفصلية ليتغذى عليها ابوذنيبة أيضا .استمرأ ابوذنيبه الراحة لم يفكر بالنزول أبدا. ومكث موسما كاملا مع الطيور . حان موسم الهجرة للطيور، وبدأت الأسراب تنتظم وتحلق بعيدا.  صار ابوذنيبة فى قلق دائم ماذا سيفعل؟ تمنى أن يكون له ريشا فيطير معها . وضعت أنثى نقار الخشب البيض داخل الفجوة التى أعدت له فى ساق الشجرة، كانت الأم تطير لجلب الغذاء لفراخها التى تتركها فى حراسة نقار الخشب الأب. كان الطائر الوحيد المتبقى فوق الشجرة يرافق  ابوذنيبة، وقد خلت الأغصان من الطيور،واختفت الزقزقة، والتغريد وعم السكون. إلامن حفيف وريقات الشجر التى يهزها النسيم العابر.  سأل نقار الخشب ابوذنيبة: لماذا أنت فوق الشجرة؟ تاركا بيئتك الجميلة برك المياه العذبة والحشائش الخضراء وعشيرتك من العلاجم الطينية، كنت أحسبك فى زيارة لنا ،ولكن قد طالت إقامتك حتى هاجرت الطيور لقد مكثت موسما كاملا. ألم يصيبك السأم من الإعتماد على الغير، لماذا لاتهبط الى بيئتك وتتغذى مما تصطاد. ابوذنيبه لايسمع مايقوله نقار الخشب أعاره اذن صماء....شششششششششششش.. لايريد أن يسمع حقيقته الهارب منها. أغمض ابو ذنيبة عينيه ونكس رأسه حتى كاد يلامس صدره خجلا،  وإمتعض من نصيحة نقار الخشب .هو قد شارك نقار الخشب فرحة تفقيس البيض، وحراسته وظن أنه كسب وده، ولكن نقار الخشب ذكره واقعه وهو يريد أن ينسى الأرض والماء والأعشاب، ويستمتع مع الطيور فوق الشجرة . ضجرنقار الخشب رفع منقاره الى أعلى وإنتفض فهتز ريش رأسه ثم نظر الى ابوذنيبة متفحصا وعيناه تلمعان ثم قال محذرا:  عندما تنزل الأرض لن تستطيع المشى لأن أرجلك صارت على وضع الجلوس موسما كاملا.فكر ابوذنيبه والخجل واليأس قد تملكة ثم قال: يا صديقى نقار الخشب  سوف أحرس فراخكم الصغيرة داخل الفجوة. ويمكنك الطيران مع زوجتك ويكون ثمن الحراسة، أن تاتى لى بالديدان والحشرات فانا جائع. وافق نقار الخشب وفرد أجنحته وطار ينشد الحريه ويتحرر من الإلتزامات الأسريه.
دخل ابوذنيبه الفجوة نظرت اليه الفراخ وأصدرت أصوات إحتجاج سيك.. سيك..سسسس.. سيك قال لهم ملاطفا: أنا حارسكم أفسحوا لى أريد أن أنام. إنزوت الفراخ وعم الصمت المكان. نام ابوذنيبة كما لم ينم من قبل داخل الفجوة المظلمة. نوما ثقيلا فقد كان متعبا، من الجلوس الطويل على الأغصان.  يفكر فى مصيره عند هجرة الطيور جميعها حتى نقار الخشب.
كان القمر  مكتملا فى إستدارته يرسل اشعته الفضية فتتسلل الاشعة بين الأعضان. فترمى بظلالها الكثيفة على أرض الغابة، التى هدأت فى سكون الليل. إلا من صفير أوهسيس هنا وهناك . تسلل الثعبان خلسة من الغصن الذى كان ملتفا حوله ينتظر..ابتعاد نقار الخشب عن الفجوة  وقد حانت الفرصة..حححممممم... فراخ دون رقيب طار الأب تاركها....ياهوووووووو.. تمطى الثعبان وأخرج لسانه المشقوق متحسسا طريقه الى فجوة نقار الخشب حيث ترقد الفراخ.  أ دخل الثعبان رأسه. فصاحت الفراخ فزعا. ..سيو ..ساك وغاصت داخل الفجوة التى كان ابوذنيبة غافيا فيها. إنزعج وتملص  من ضغط الفراخ الفزعة، التى كتمت على أنفاسه.  أخرج ابوذبيبة رأسه  مستكشفا العدوا فظنه الثعبان فرخا فخطفه بين فكيه.  إستدار راجعا يحلم بهذه الوليمة الدسمة فى الليلة القمريه. كان عراكا مريرا بين ابوذنيبه العلجوم والثعبان الضخم حتى سقطا على الأرض فافلت الثعبان ابوذنيبه فهرب من أمامه مسرعا،  واختفى فى البركة حيث عاد لواقعه ليرى شكله على صفحة المياه مجددا. رفع رأسه وتحسس جسده بذراعه، غير مصدق نجاته من الثعبان الضخم وغاص مرة أخرى مختبئا فى الطين الموحل  بعيدا عن الشجرة...وأنفاسه تعلوا وتهبط من فرط المجهود الذى بذله ثمنا لحياته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق