الأربعاء، 25 أبريل 2012

"حكاية لعبة"قصة للأطفال بقلم: محمد فتحي عبد السميع

حكاية لعبة
القصة الفائزة بالمركز الأول في مسابقة بص وطل
محمد فتحي عبد السميع
رسوم: فواز 
"اسمي لعبة" 
 لا يهم نوعي، أو شكلي، أو حتى لوني، لكنني لعبة من هذه الألعاب التي تلعبون بها في بيوتكم، أو يعطونها لكم في وقت الراحة في المدرسة، مكافأة لكم على صمتكم في أثناء الدرس، أو تكريمًا لكم إذا فزتم بمسابقة ما. 
 من هنا تبدأ قصتي، فقد كنت أعيش على أحد الرفوف في محل لعب شهير، حين جاء أحدهم واشتراني؛ ليعطيني كجائزة لأحد المتفوقين في الدراسة. 
يومها فرحت كثيرًا، واعتبرت نفسي جائزة عظيمة الشأن، لطالبٍ تفوّق في دراسته، وكالمعتاد، حدثت المراسم المعتادة، حين لفّني البائع في لفافة أنيقة، وعطّرني بعطر جميل، ووضعني في صندوق مزركش زاهي الألوان، وهكذا ترونني يا أصدقائي، لابد أن أنام داخل الصندوق بعد أن أغلقوه بإحكام، حتى أكون في أفضل حال، حين يفتح الطالب المتفوق هديته ليجدني.
 لكنني غفوت كثيرًا. 
 كثيرًا جدًا، حتى إنني استيقظت أخيرًا على صوتٍ عالٍ لرجل عرفت أن اسمه المفتش زكي، وكان المفتش يؤنب المدرس الذي قام بشرائي، ويقول له:
 ما هذه اللعبة التافهة؟ 
كيف سنعطيها لطالب متفوق؟..كان يجب عليك أن تشتري لعبة مفيدة بدلاً من هذه اللعبة! 
 ابتلعت الإهانة، وأنا أنتظر دفاع المدرس عنّي، لكن المفتش زكي أكمل بسرعة: يمكنك أن تعيد هذه اللعبة إلى محل اللعب مرة أخرى، وتستبدل بها لعبةً مفيدة تنمي الذكاء والتفكير.
 أخيرًا رد المدرس قائلاً: سيدي المفتش .. من الصعب إعادة اللعبة مرة أخرى للمحل، لكنني أقترح أن نعطيها لطفل من أطفال الروضة، بدلاً من طالبنا المتفوق، وأنا واثق تمامًا أنه سيفرح بها كثيرًا.
 فكّر المفتش قليلاً، ثم قال: عندك حق، ما ينبغي للمتفوقين أن يلعبوا بهذه الألعاب التافهة. 
عند هذا الحد، لم أستطع أن أحتمل الإهانة، فرحت أبكي وأبكي، بعد أن خرج الجميع، ولم أتوقف إلا حينما ربتت لعبة صغيرة من صديقاتي على كتفي، وهي تقول لي: لا تبكي يا عزيزتي لعبة..إنهم لا يعرفون قيمتنا. 
 تطلّعت إليها بدهشة فقالت: أنا لعبة ..اسمي لعبة..لا يهم نوعي، أو شكلي، أو حتى لوني، لكن الأهم أن من يشتريني يعرف قيمتي، ومن يقتنيني يحافظ على سلامتي، فلا يكسرني، ولا يهمل الاعتناء بي أبدًا. 
لكن الأهم من كل ذلك يا عزيزتي، أن تعرفي أن اللعبة لا تصلح للجميع، وأن لكل عمر لعبته. 
 قلت لها: لكنهم أهانوني بشدة وقالوا إنني تافهة! 
 قالت اللعبة الزميلة: هذا لأنهم لا يعرفونك جيدًا.. لو أعطوك لطفل صغير لم يتعد الرابعة من عمره، سيفرح بك، ولو كانت طفلة صغيرة، ستعتبرك صديقتها، ولو كان ولدًا في السادسة، سيريك لكل أصدقائه في فخر، ويقول إنك أفضل لعبة لديه، هل تعلمين يا عزيزتي..يكفيك فقط أنك تسعدين كل هؤلاء، وتجعلينهم في منتهى الفرح والسعادة..ألا يكفيك ذلك؟ 
ابتسمتُ، وقد فهمتُ ما أرادت قوله، ومسحت دموعي، يكفيني فعلاً أنني أُسعد كل هؤلاء الأطفال، فإن لم يَفُز بي طالبٌ متفوقٌ، سيفوز بي طفل صغير، يحتاج أن يلعب معي، ويحب أن أسعده. 
 وفي يوم التكريم، وضعوني على منضدة كبيرة، بجوار عدد من تلك الألعاب التي يسمونها ألعابًا مفيدة وتعليمية، وجاءت لحظة مكافأة الطالب المتفوق، الذي توجّه إلى منصة التكريم، حيث المفتش زكي، وناظر المدرسة، وغيرهم من المدرسين، وبعد أن صافحهم جميعًا وسط تصفيق باقي الطلاب، التقط المفتش زكي لعبة "ميكانو" كبيرة، وقدّمها إلى الطالب في فخر، وهو يقول: 
هاك جائزتك يا صغيري..إنها لعبة مفيدة ستُعلّمك الكثير.
 لكن الطالب -الذي عرفت أن اسمه (عمر)- ابتسم في شكر، قبل أن يقول: أشكرك كثيرًا يا سيدي، لكن هل يمكنني أن أستبدل بـ"الميكانو" هذه اللعبة؟ 
قالها وهو يشير نحوي في مفاجأة حقيقية، فارتبك المفتش زكي، وهو يقول: لكنها لن تفيدك أبدًا.. إنها لعبة تافهة! 
 رد عمر: على العكس يا سيدي..ستفيدني حتمًا، حين أستريح من استذكار دروسي؛ لأنني لحظتها سأريد أن ألعب لعبًا حقيقيًا، يبهجني مع إخوتي الصغار.
 نظرت إلى عمر في شكر، ولم يجد المفتش زكي سوى أن يقول: حسنًا.. لك ما أردت. 
والتقطني عمر، وهو يرفع يده عاليًا لأصدقائه، في منتهى السعادة، وكأنه قد فاز بما لم يَفُز به غيره، ونسيت دموعي وسط ابتسامات كل من حولي، وفرحتهم بي، وأنا أتذكر كلمة اللعبة الزميلة: يكفيك أنك تسعدين كل هؤلاء. 
 http://boswtol.com/culture/writing-workshop/10/june/30/16237

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق