الثلاثاء، 17 أبريل 2012

"الراعية و منظف المدخنة" قصة مترجمة للأطفال بقلم: هانز كريستيان اندرسن

الراعية و منظف المدخنة
هانز كريستيان اندرسن

هل رأيت من قبل خزانة قديمة الطراز من خشب البلوط، اسوّد لونها بفعل الزمن.
و تغطى كل بوصه فيها زخارف و أشكال نباتية غريبة نحتت عليها؟؟؟
إنها تماما مثل خزانة من تراث كان يوما ملكا للجدة الكبرى لربة البيت الحالية.

كانت تقف منتصبة في بهو البيت: و كانت مغطاة من القمة إلى القاع بزخارف من ورود نحتت عليها. و أزهار خزامى: و رؤوس غزلان حمراء: لها قرون طويلة متشعبة تبرز من اللفائف و أوراق النبات الغريبة التي تحيط بها.

و في وسط الخزانة، نحتت صوره بالحجم الطبيعي لرجل يبدو انه يبتسم باستمرار ابتسامه عريضة: و ربما يعرب بها عن الاستهزاء بنفسه...........
لأنه في الحقيقة شخصيه تثير السخرية: إذ كانت له ساقان معوجتان مثل تيس، و قرون صغيره على جبهته، و لحيه طويلة.

و اعتاد الأطفال في البيت أن ينادوه باسم:
"اللواء المساعد النقيب بيلى سيقان العنزة"
و كان هذا اسما طويلا صعبا، و ليست هناك شخصيات كثيرة سواء من الخشب أو من الحجر يمكنها أن تزهو بلقب مثل هذا.

و هناك ، كان يقف و عيناه مثبتتان على المنضدة التي تحت المرآة ، لأن تمثالا صغيرا من الخزف لراعية جميلة، كان ينتصب على هذه المنضدة. و كانت تضم ردائها حولها في رشاقة، و تثبته بورده حمراء. و كان حذاؤها و قبعتها مموهين بالذهب ، و يدها تمسك بعصا.
كانت الراعية الجميلة شخصيه ساحرة خلابة.
و بالقرب منها وقف منظف للمداخن ، ضئيل الجسم، بشرته سوداء مثل الفحم.
و هو مصنوع من الخزف مثل الراعية. و كان نظيفا أنيق الهندام مثل أي تمثال آخر من الخزف.

و الحق أن الصانع كان يمكن أن يجعل منه أميرا، و كذلك منظف مدخنه؟ لأنه بالرغم من انه كان وجهه مسودا بغبار الفحم ، فان وجهه كان متوردا و نضرا مثل وجه فتاه، و هو خطأ بلا شك، إذ ينبغي أن يكون أسود و هو يمسك سلمه في يده.

و كان يحتفظ بمكانه القريب من الراعية. فقد وضعا جنبا إلى جنب منذ البداية، و ظلا دائما في نفس البقعة. و على هذا تعاهدا على أن يخلص كل منهما للآخر.

و كان كل منهما يصلح للآخر تماما، لأنهما كانا في شرخ الشباب، و كانا مصنوعين من خزف من نفس النوع، و كلاهما كان هشا رقيقا.
و قربهما و قف تمثال آخر يبلغ حجمه ثلاثة أضعاف حجمهما، و هو أيضا مصنوع من الخزف، و كان تمثالا لموظف كبير مسن من عهد الإمبراطورية الصينية، في وسعه أن يومئ برأسه. و قد أعلن أنه جد الراعية الصغيرة، و لم يستطع أن يثبت هذا ، و لكنه أصر أن له سلطانا عليها.

و على هذا فإنه عندما تقدم اللواء المساعد الرقيب بيلى سيقان العنزة للزواج من الراعية، فان جدها المزعوم أومأ برأسه دلاله على قبوله.
و قال الموظف الكبير المسن:

و الآن، سيكون لك زوج. اعتقد حقا انه مصنوع من خشب الماهوجنى. و سوف تكونين زوجة اللواء المساعد الرقيب. لرجل له خزانة كاملة مليئة بأطباق الفضة، إلى جانب مخزون من أشياء لا احد يعرف ما هي في أدراج سرية.

فقالت الراعية الصغيرة:

لن ادخل تلك الخزانة المعتمة الكئيبة، فقد سمعت انه له إحدى عشرة زوجة من الخزف حبيسات هناك.

قال الموظف الصيني الكبير :
اذاً سوف تكونين الزوجة الثانية عشرة، و سوف تكونين في صحبة طيبة.
و في هذه الليلة بالذات، حالما تسمعين ضجة في الخزانة العتيقة ستتزوجين ، يقينا أنا موظف كبير حقا.
ثم هز رأسه و استغرق في النوم، و لكن الراعية الصغيرة بكت, و التفتت إلى حبيبها و خطيبها منظف المدخنة، و قالت :

أرجوك أن تخرج معي إلى العالم الفسيح. فنحن لا نستطيع أن نبقى هنا.
فقال منظف المدخنة الصغير:
سأفعل كل ما تريدين. فلنذهب من هنا في الحال، و اعتقد أنني استطيع أن أعولك بما اكسبه من مهنتي. فتنهدت و قالت :

لو استطعنا أن ننزل من فوق المنضدة سالمين!

لن أكون أبدا سعيدة، حتى نخرج حقا إلى العالم.
ثم واساها ، و أرشدها كيف تضع قدميها الصغيرتين على الحواف المنحنية، و أوراق الشجر المموهة بالذهب، المجدولة حول رجل المنضدة، و ساعدها على النزول بسلمه الصغير ، و أخيرا وصلا إلى الأرضية.
و لكن عندما التفتا لينظرا إلى الخزانة العتيقة، رأيا أنها كلها تعج بالحركة: الغزلان الحمراء التي نحتت فيها ، كانت تمد رؤوسها إلى الخارج قليلا: و ترفع شعاب قرونها ، و تحرك نحورها. في حين كان اللواء المساعد الرقيب بيلى سيقان العنزة يتوثب إلى أعلى و إلى أسفل، و يصيح مناديا الموظف الصيني الكبير:

" انظر ، أنهما يهربان " ففزع الفاران فزعا شديدا: و قفزا إلى داخل درج مفتوح تحت عتبة النافذة.

كان في هذا الدرج ثلاث أو أربع حزم من أوراق اللعب ، و لم تكن أي حزمه منهما كاملة. و أيضا مسرح صغير للعرائس، نصب في أناقة بقدر ما يمكن. و كانت هناك تمثيلية تعرض على المسرح. و كانت كل الملكات يجلسن في الصف الأمامي ، في حين انه كان يقف خلفهن الأولاد. كان في كل ورقه رأسان، احدهما في أعلى الورقة و الآخر في أسفلها، كما هو الحال في كل أوراق اللعب. و كانت التمثيلية تدور حول شخصين اخفقا في الحب، فبكت الراعية متأثرة بها، لأنها كانت تشبه قصتها تماما.
و قالت:

" أنا لا استطيع أن احتمل هذا. هيا بنا نغادر الدرج" و عندما و صلا إلى الأرضية، و تطلعا إلى المنضدة ، رأيا أن الموظف الصيني الكبير متيقظ، و أن جسده كله يهتز جيئة و ذهابا من فرط الغضب. فصرخت الراعية الصغيرة: " أوه إن الموظف الصيني المسن قادم! و خرت على إحدى ركبتيها في حزن شديد.

و قال منظف المدخنة: " لقد خطرت لي فكره، هيا بنا نزحف في الزهرية الكبيرة الموضوعة في الركن! فهناك نستطيع أن نخلد إلى الراحة على الورود و الخزامى، و نقذف بالملح عيون من يقترب منا"

فقالت الراعية: " لن يجدي هذا على الإطلاق. فمنذ سنوات عديدة، كان الموظف الصينى الكبير خاطبا للزهرية، و هناك دائما شعور رقيق بين الأشخاص الذين يكونون على علاقة حميمة مثل هذه. لا : لابد مما ليس منه بد. و علينا أن نهيم على وجهينا معا في العالم الفسيح .

فسألها منظف المدخنة: " أحقا لديك الشجاعة، لأن تذهبي معي لننطلق في العالم الفسيح؟ هل فكرت يوما في مدى اتساعه العريض؟ و في أننا قد لا نرجع أبدا؟.
فردت قائله: " لقد فكرت". فنظر إليها منظف المدخنة بثبات، و عندما رأى أنها مصممه، قال :

" إن طريقي يؤدى إلى المدخنة، فهل لديك حقا الشجاعة، لأن تزحفي معي خلال بيت النار؟ و إلى أعلى في الأنبوبة؟ إنني اعرف الطريق جيدا! لسوف نصعد إلى مكان عالي جدا! لدرجة أنهم لن يستطيعوا أن يقتربوا منا، و هناك في أعلاه فتحه، تؤدى إلى العالم الفسيح" ، و اقتادها إلى باب الموقد.


تنهدت ، و قالت: " كم يبدو المكان مظلما!". و لكنها مضت خلال بيت النار، و إلى أعلى في الأنبوبة التي كانت سوداء مظلمة في لون القار. و قال" ها نحن في المدخنة. انظري أي نجم جميل يلمع فوقنا!" و كان هناك حقا نجم يلمع فوقهما، كما لو كان يدلهم على الطريق. و على هذا تسلقا و زحفا، و كان الطريق منحدرا و مخيفا ، و يبدو أن لا نهاية له. و لكن منظف المدخنة الصغير رفعها و امسك بها، و دلها على خير الأماكن التي تضع عليها قدميها الخزفيتين الصغيرتين. إلى أن وصلا أخيرا إلى حافة المدخنة، و هناك جلسا يستريحان قليلا لأنهما كانا متعبين جدا.

كانت السماء بكل ما فيها من نجوم فوقهما، و المدينة بكل أسطحها تقع تحتهما، و كان في وسعهما أن يريا كل ما حولهما إلى مدى البصر في العالم الفسيح.
و لم تحلم الراعية الصغيرة المسكينة قط بأن ترى أى شيء مثل هذا، و أسندت رأسها الصغير على ذراع منظف المدخنة و بكت بكاء مريرا، لدرجة أن القشرة الذهبية تحطمت و سقطت من خصرها.
و صاحت تقول:

" هذا كثير! إن العالم كبير جدا، أواه، كم أود أن أكون مرة أخرى على المنضدة تحت المرآة!.
لن أكون أبدا سعيدة إلا بعد أن أكون هناك مره أخرى. لقد تبعتك إلى العالم الفسيح، و إذا كنت تحبني حقا، فهيا اتبعني الى البيت".

فخاطبها منظف المدخنة بكلمات رقيقه ، و ذكرها بالموظف الصيني الكبير و باللواء بيلى سيقان العنزة. و لكنها بكت بكاء مريرا، و أخذت تقبل حبيبها منظف المدخنة فى وله، لدرجة انه لم يستطع إلا أن يرضخ لطلبها، برغم ما يتسم به من حماقة.
و على هذا، زحفا بمشقة عظيمه نازلين إلى أسفل المدخنة، و زحفا خلال الأنبوبة، و خلال بيت النار، و في الموقد العظيم. و ظلا قليلا خلف الباب، و أنصتا قبل أن يقدما على العودة إلى باب الحجرة.

كان كل شيء لا يزال هادئا، و القيا نظره حذره. و اسفاااه! كان الموظف الصيني العظيم راقدا على الأرضية، إذ انه في غمرة محاولته تعقب الفارين، قفز هابطا من المنضدة، فتحطم إلى ثلاث قطع. و كانت رأسه مستلقية، و هي تهتز في ركن. و كان اللواء....... المساعد............ الرقيب...... بيلى سيقان العنزة يقف هناك، كما كان يقف دائما يفكر فيما حدث.

و صاحت الراعية:

" أواه، كم هذا فظيع! لقد تحطم جدي الى قطع، و هذا كله بسبب ما ارتكبته من خطأ ! إننى لن أنسى هذا أبدا.!!!! و أخذت تلوى يديها الصغيرتين.
فقال منظف المدخنه:

" يمكن لصق أجزائه معا مره أخرى. يمكن لصقها بسهوله. و ما عليك إلا أن تتذرعي بالصبر! فهم إذا لصقوه بالغراء جيدا فانه سوف يكون صحيحا سليما كأنه جديد، و سوف يكون في وسعه أن يقول لك الكثير من الأشياء المكدرة".

فسألته: أتظن هذا حقا؟؟؟" .
ثم صعدا إلى المنضدة للموضع الذي كانا يقفان أمامه، فقال منظف المدخنة:" حسنا، إننا لم نتغيب كثيرا، و لقد كان يمكننا أن نجنب أنفسنا كل هذه المشقة"
فقالت الراعية: " لو استطعنا أن نلصق أجزاء جدي المسن معا!! ترى هل يكلف هذا الكثير؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

و ألصقت أجزائه معا.
قامت الأسرة بلصق أجزاء صدره بالغراء و تثبيت عنقه بالبرشام. و عاد صحيحا سليما كما كان ، كأنه جديد. و لكنه لم يعد في وسعه أن يومئ برأسه.

و قال بيلى سيقان العنزة: " هل الراعية من نصيبي أم لا ؟ عليكم أن تجيبوا على هذا السؤال"
فتطلع إليه منظف المدخنة و الراعية الصغيرة و تطلعا إلى الموظف الصينى الكبير بنظرات فيها توسل و استعطاف، فقد كانا يخشيان أن يومئ برأسه موافقا.
و لكنه لم يستطع أن يومئ برأسه، و كان يكره أن يقول لغريب إن في عنقه برشاما.

و على هذا ظل الشخصان الخزفيان الفتيان معا، و شعرا بالامتنان لبرشام الجد الذي يثبت رقبته المكسورة، و تدله كل منهما في حب الآخر.
إلى أن تحطما إلى قطع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق