الخميس، 16 فبراير 2012

"حكاية أبوذنيبة" حكاية للأطفال بقلم: سعاد محمود الأمين

حكاية أبوذنيبة
سعاد محمود الأمين
_ يوه ه ه ... لم يحن موعد خروجنا من هذا السجن.
لن انتظر سأخرج مبكرا، لقد اكتمل تكوينى هممممم لماذا أبقى؟
لابد أن أتحدى الطبيعة.
حدث أبوذنيبة نفسه ضجرا ... وقرع بذيله.
كش.. كرع.. كرع جدار البيضة وكسره، وخرج، فوجد بقية إخوته داخل البيض ينتظرون اكتمال نموهم وإذن الطبيعة .
تدحرج أبوذنيبه متخلصا من قشرة البيض، ومكونات الحياة، ونظر مشمئزا لبقية البيض الساكن.
وسبح نحو رمال الشاطى عند النهر.
حيث وضعت التماسيح البيض مدفونا.
انتظر يوما كاملا، متمددا فوق الرمال، تارة وداخل المياه تارة أخرى. حتى سمع ضجيج الحياة القادم من الشاطئ، فسبح باتجاه الضجيج، لقد فقس بيض التماسيح وسبح الصغار، تجاه النهر وظن نفسه منهم وتبعهم نحو النهر.. مبتعدا عن إخوته الذين فقسوا من بعده والتفت قائلا لهم:
أنا لست منكم أنظروا إلى ضآلتكم!!
ولون أجسادكم الطينية !.
أنا ابن تمساح.
سوف أذهب من هنا لأهلي قبيلة التماسيح الجميلة..
إنهم لا يشبهونكم.
وبصق عليهم مودعا وهم ينظرون إليه ملوحين له بإذنابهم النابتة حديثا: أنت تشبهنا تعال إلينا لا تتركنا ..أعارهم أذن صماء ومضى..
كانت صغار التمساح تضرب المياه بقوة واثقة من نفسها وتقفز هنا وهناك.
عندما اكتمل تكوينه صار ضفدعا.
فلفظته صغار التماسيح وابتعدت عنه قائلين له :
اذهب بعيدا عنا.
أبحث عن أهلك أنت لست منا..
أنت ضفدع!
صرخ فيهم: لا أنا تمساح..
وفرض نفسه عليهم حتى ضجروا منه، ومن شكله القميء. فذهبوا به إلى جدهم الكبير الذي يعلم أسرار الأجناس . وينظم للتماسيح حياتهم فهو محل احترامهم وهيبتهم في النهر والجزيرة.
كان ساكنا مغمض العينين فاتحا فمه، للعصافير تقوم بتنظيفه وتخرج البقايا من بين أسنانه الحادة غير خائفة.
ارتعد أبوذنيبة هلعا حين رآه ،فتساقطت الدموع من عينيه غزيرة ، أراد أن يثير شفقته... فتح التمساح نصف عينه والأخرى مغلقة ، مستمتعا بنقرات مناقير العصافير التي تسرى خدرا لذيذا في جسده الضخم المسترخي. منبطحا على رمال الجزيرة الناعمة.
لا يكدر صفو حياته سوى الدخلاء.
وسأله غير مرحبا: ماذا تريد أيها الضفدع ؟
قال بصوت حزين: منذ صغرى وأنا مع صغاركم وكنت أحسب نفسي منكم.
عندما اكتمل تكوينى صرت ضفدعا.
لم استطيع قهر قانون الطبيعة. وأغير تكوينى ،ولم أختار أن أكون ضفدعا ، ولكن عشت مع صغاركم لا أعرف إخوة غيرهم .
أطلب سماح العيش بينكم ،والاعتراف بى تمساحا معاقا أو مخلقا أو...
زفر التمساح زفرة عارمة، تركت حفرة في الرمال أسفل فمه، ففرت العصافير وجلة، ظنته سيطبق فكه عليها من الغضب.
وفتح عينيه على اتساعهما مزمجرا، أنت ضفدع حقير تركت أهلك لتعيش معنا وأنت لا تشبهنا. فكيف نثق بك وقد خنت قانون الطبيعة وتركت جنسك وعشيرتك .
قال الضفدع: أرى بينكم كائنات أخرى تعيش في المياه معكم .
قاطعه التمساح هل أنت مثلهم ألم ترى صورتك على صفحة المياه؟...
أنت ضعيف ونحن لا نقبل الضعفاء بيننا ،ولكننا نتعايش مع الكائنات القوية الفخورة بأصلها ونوعها وتقدر قانون الطبيعة راضية .
هل تشبه الأسماك أم الثعابين..أ.. ؟
ششششش فقد أبوذنيبة السمع ولم يصدق ما جرى له.
رفع التمساح ذيله زاحفا نحوه ففر الجميع من أمامه.
سبح أبو ذنيبة تجاه الشاطئ عله يجد الضفادع .
وكان الطقس باردا أوشكت أطرافه الضعيفة أن تتجمد. خرج إلى البر ونظر حوله ولم يجد أثرا للضفادع.
تقوقع على سطح حجارة متراكمة على الشاطئ. حزينا يلوم نفسه كيف يترك أبناء جنسه، ويتعرض لكل هذا الذل. تناهى إلى مسامعه حفيف أوراق الشجيرات اليابسة وفحيحا مخيفا لزاحف برى. أرعد أوصاله. وصار يرتجف لقد شعر بوحدة قاتلة ،والظلمة الحالكة تلف المكان، وقد هدأت الأحياء واختفى القمر.
عندها رأى ثعبانا ضخما يزحف تجاهه.
نظر إليه الثعبان مليا ثم قال له: لماذا لم ترافق الضفادع في بياتها الشتوي؟
قال أبوذنيبة: أنا لا أعرف البيات الشتوي.
كشر الثعبان عن أنيابه وقال لابد إنك مخلوق عاق، و جاهل كيف لا تعرف عادات بني جلدتك؟ وتعرض نفسك لزمهرير الشتاء .!
قال أبوذنيبة: لقد ظننت نفسي تمساحا. عندما كنت صغيرا، وتبعت صغار التماسيح، حتى اكتمل تكويني لفظوني لأني صرت ضفدعا ولست من سلالة التماسيح.
قال الثعبان ساخرا: انك لا تصلح لشيء سوى أن تكون وجبة شهية لي هذا المساء البارد .
لن تجد من يدافع عنك.
لقد فارقت الجماعة وأقصيت نفسك ،وأنكرت جنسك، فمعدتي أولى بك.
وهجم عليه..
طخ طجج قووعووقش
وابتلعه دفعة واحدة .
لم يتمكن حتى من الهروب.
دخل أبوذنيبه السجن مرة أخرى.. بطن الثعبان الضيق وظل يتلوى والثعبان يعتصره حتى هدأ.
ولم يجد منفذا للخروج حيا وتحلل لعناصره الأولية، منقادا لقانون الطبيعة لتكتمل دورة الحياة.
ونام الثعبان...خخ ...خخ... سعيدا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق