الأحد، 5 فبراير 2012

"حديقتنا" قصة للأطفال بقلم: محمد عطية محمود

حديقتنا
محمد عطية محمود
كلما أشرقت الشمس ، تفتح لنا مدرستنا ذراعيها مرحبة ؛ فننطلق فى مرح و سرور عبر بوابتها الحديدية العالية ، ذات اللون الأخضر الزاهى.. 
نستنشق عبير يوم جديد ، تقابلنا فيه ابتسامة أستاذنا حسن ، و هو يقف أماتم سور الحديقة فى مواجهة البوابة .. حيث تفوح الروائح الطيبة لشجرة الليمون العالية المثمرة ـ التى تغطى مساحة الحديقة بأفرعها الوارفة ، و تظلل شجيرات الورود و الأزهار ، بينما تتراص على جانب السور من الداخل أصص الورد و الريحان و الخبيزة و العتر ، و غيرها التى تمتد أمامها الأحواض الصغيرة التى قسمها أستاذنا حسن ، و يقوم بزراعتها خضروات صغيرة ، و يعلمنا فيها أيضآ كيف نزرع ..
كما تسرح على الحائط شجيرات ست الحسن التى تمتد لتستلقى على السور المشترك بين مدرستنا و المدرسة المجاورة .
***
عندمت التحقنا بالمدرسة ، لفت أنظارنا جميعآ ، أهتمام الأستاذ حسن بالحديقة ؛ فقد كان يقضى معظم وقته بها ، و كنا نراه يفعل كل شىء فيها بيديه .. يقلم الشجيرات .. يسوّى الحشائش على جانبى الممر الترابى الضيق ، الذى يمتد حتى آخر حدود المدرسة من الخلف .. يرعى أصص الورد و الريحان و غيرها ، و يسقيها قبل أن يسقى باقى الحديقة ، بحرص ؛ حتى لا تغرق نبتاتها الصغيرة و تموت .
و كنا نخشى الاقتراب من الحديقة ؛ لأنه كان يشدد على نظافتها ، و عدم القاء أى شىء بها ، و عدم قطف زهورها ، أو العبث بشجيراتها ...
حتى جاء يوم قفز فيه زميلنا عصام من شباك الفصل الى الحديقة ؛ كى يقطف زهرة كانت أول ما تفتح على الشجيرات الصغيرة ـ رغم تحذيراتنا المتكررة له ، و لتخوفنا من العقاب الذى من الممكن أن ينالنا جميعآ .
وقع عصام على أرض الحديقة ؛ فانغرزت فى ساقه شوكة كبيرة بارزة من احدى الشجيرات ، و جرحته ، و أسالت الدماء منه ، و تورمت ساقه .
لكنه رغم الاحساس بالألم الشديد ، قاوم و عاند و قطف الزهرة ، و لم يستطع بعدها أن يخرج من الحديقة و بابها مغلق ، و ساقه اشتد ألمها ؛ فلم يستطع أن يعاود القفز الى داخل الفصل ، وسط ذهولنا و عدم مقدرتنا على مساعدته ؛ لارتفاع شباك الفصل عن مستوى الحديقة .
علم الأستاذ حسن ؛ فجاء غاضبآ متأثرآ مما فعله عصام ، لكنه اصطحبه الى عيادة المدرسة ، و عالج له الجرح ، و اطمأن عليه ، ثم جمعنا و قام بتوجيهنا الى ضرورة الحفاظ على أنفسنا ، و ضرورة التفكير قبل فعل أى شىء ، و كذلك الحرص على جمال و نظافة الحديقة ، التى يجب أن يكون لنا دورآ هامآ فيها ؛ حتى يزداد حرصنا عليها ، و نشعر أننا نقوم بعمل مفيد و مثمر ، الى جانب اهتمامنا بدراستنا ؛ فاقتربنا منه ، و زالت عنا رهبة التعامل معه ؛ لما لمحنا فيه هذه الطيبة ، و هذه الدعوة التى شجعتنا على التعاون و المشاركة ، و حب الطبيعة الجميلة ؛ فصرنا نعمل معه ـ فى أوقات فراغنا و كلما سمح وقت الدراسة ـ فى جمع الحشائش الضارة ، و تنقية الحديقة من الأوراق و المخلفات التى يلقيها زملاؤنا ممن لا يعرفوا بعد قيمة الحديقة ، و قيمة الاحساس بالجمال ، و القيام بعمل مفيد ، حتى انضم الينا الكثيرون منهم .. ثم تعلمنا منه كيف نضع البذور فى الأحواض و أصص الزرع ، و كيف نتابعها بالسقى و النظافة ، ثم صرنا نسقى معه الحديقة بانتظام .
و فى كل عام ، كان يعلمنا شيئآ جديدآ ؛ فقد كنا نسأله عن أسماء الزهور و النباتات التى لم نكن نعرفها بعد ، حتى صرنا نعرف المزيد و المزيد منها و نزرعه فى بيوتنا ، كما أصبحنا نعمل معه فى الحديقة يداً بيد ، تحت رعايته .
و عندما مرض أستاذنا حسن ، و غاب عن المدرسة ، قمنا بالعمل فى الحديقة كما علمّه لنا ، و قد شكرنا لذلك ، و أشاد بجهدنا .
فى العام الماضى ، فازت حديقتنا بجائزة أحسن حديقة مدرسية على مستوى المدينة ، و نستعد هذا العام ـ بمساعدة أستاذنا حسن و تشجيعه ـ كى نكوّن جماعة مدرسية جديدة نسميها " جماعة أصدقاء الحديقة " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق