السبت، 4 فبراير 2012

" لماذا لا تطير الديدان .. ؟" قصة للأطفال بقلم: بلال نكديل

 لماذا لا تطير الديدان .. ؟
بقلم بلال نكديل

سئمت دودة الأرض من حياة أجدادها الديدان ، إنها تستغرب كيف يرضى أبناء فصيلتها بهذه الحياة ، فهي تتذمر دائما من شكلهم و طريقة عيشهم..
إنها لا تريد أن تبقى على حالها .. فهي تصر على أن تغير لونها أو شكلها، و لما لا تغير فصيلتها أصلا..

جلست الدودة ذات يوم تحلم و تتمنى و هي تكلم نفسها:
- أه لو كنت مثل الحصان، أمشي أو أجري كما أشاء في البراري..
آه لو كان لي ريش مزركش مثل الطاووس فأمد جناحاي كل صباح ليتلألأ ريشي الناعم بلمسات أشعة الشمس الدافئة..
ليت لي سرعة كالفهد فأتنقل كالبرق من غابة لغابة..
ليتني قوية كالنمر فأقضي على جميع الحيوانات التي تلتهمني وتجعلني طعاما صائغا لها..
ليت لي أجنحة مثل الطيور لأحلق في السماء .. لأسبح في الفضاء.. لأرى العالم من فوق و أتخلص من حياة البؤس هاته.. فأنا كرهت الزحف .. كرهت الأرض.. كرهت معيشة الديدان .. لن أبقى هكذا.. سأغير هذا..
سوف أتعلم الطيران ..سأطير بعيدا بعيدا.. حتى أنسى كل الذكريات عن فصيلتي و تاريخ أجدادي ..
صعدت الدودة فوق شجرة البلوط لكي تطير بعيدة ، فالشجرة عالية في السماء مما قد تسهل عليها عملية الطيران..
و بعد مدة من الزحف على ساق الشجرة و صلت إلى أعلى غصن فيها..
هيئت نفسها للطيران..
نظرت للأسفل..
خافت و ارتبكت..
إلا أنها لم تأبه فهي لا تريد أن تبقى دودة زاحفة على الأرض..
رمت بنفسها من فوق و هي تقوم بحركات عشوائية و كأنها تقلد الطيور..
و بينما هي هاوية على الأرض دون تمكنها من الطيران مدت شجرة البلوط أحد أغصانها فسقطت الدودة المتهورة على أحد الأوراق و نجت بأعجوبة من الموت الأكيد..
صرخت شجرة البلوط في وجهها: هل جننت يا غبية ، لماذا قمت بهذا العمل القبيح.. هل أردت الانتحار..
- أنا لم أشأ الانتحار.. كنت فقط أريد الطيران مثل العصافير..
- تريدين الطيران..؟
- نعم .. الطيران .. فأنا كرهت الزحف و الحياة على الأرض ، أريد العيش في السماء .. في الأعالي.. حيث لا توجد الديدان هناك..
- لكن لماذا يا صغيرتي..
- ما الفائدة من بقائي دودة..؟ أنا كرهت نفسي.. كرهت شكلي و جنسي.. أريد أن أطير.. أريد أن أكون مخلوقا آخر ..،
- من أدخل هذه الأفكار الخاطئة في ذهنك..؟
- و هل يحتاج هذا أن يقنعني به أحد ؟
- اسمعي يا صغيرتي الدودة: أنا أكبر منك حجما و أقدم منك سنا و كما تعلمين فقط خضت الكثير من التجارب و تعلمت الكثير من العلوم و قرأت العديد من الكتب و لكني ورغم كل هذا فإني أبقى ممتنة لك.. أجل فلولاك لما استطعت أن أعيش و أحقق كل هذا..
- أمالت الدودة رأسها و ابتسمت ثم قالت: لماذا يا شجرة البلوط تهزئين بي .. هل تعتقدين أنني أصدق هذا..؟
- أنا لا أهزأ بك يا دودة.. ثم أنك تعلمين أنني لا أكذب .. لقد قرأت الكثير عنك و عن أهميتك في الحياة..
- و ماذا قرأت عني..؟
- هل ترين هذه الأرض التي لا تريدين العيش فيها .. أنت مصدر حياة و توازن فيها ..
- اندهشت الدودة من كلام الشجرة و رفعت حاجبيها مستغربة، و طالبت الشجرة بالتوضيح أكثر..
- نعم نعم يا دودة الأرض .. أنت المحراث الطبيعي للأرض هكذا يسميك الجميع.. فالمحراث الذي صنعه الإنسان يقلب التربة لتعريض الأجزاء تحت سطحها للتهوية..
أما أنت أيتها المحراث الطبيعي فتقومين بتهوية التربة من خلال الأنفاق التي تحفرينها والتي تسمح بدخول الأكسجين و جلب الماء من سطح التربة إلى باطنها.
- تنهدت الدودة وقالت: أثلجت صدري يا صديقتي الشجرة ، كم كنت غافلة على كل هذا..
- ليس هذا فقط يا عزيزتي الدودة إن أهميتك أكثر من هذا .. فالله سبحانه و تعالى لم يخلق شيئا عبثا. إنك تقدمين خدمات عظيمة للكثير من المخلوقات.. فهذه التربة التي تخرج للناس أشجارا و ثمارا فأنت لما تنشئين لها الأنفاق تزداد مساماتها فتمنع التربة من التصلب.
- الحمد لله على نعمه التي أنعم عليّ.
- إضافة إلى هذا كله فإنك تزودين حتى النبات و الأشجار مثلي أنا بالكثير من العناصر الغذائية كالكالسيوم و النيتروجين و الفوسفور..
- لم أكن أتوقع أن لي قيمة.. شكرا لدعمك يا صديقتي الشجرة.. شكرا لإنقاذك حياتي..
- بل الشكر لك يا عزيزتي لكل ما تقدميه لنا .. نحن بحاجة إليك فلا تغيري من شكلك و لا تغيري من فصيلتك، أنت جميلة هكذا يا دودة..

فرحت الدودة بما سمعت..
أدركت الآن أهميتها..
اعتزت بتاريخ أجدادها و مجدهم العظيم ..
شقت طريقها في الأرض محدثة نفقا طويلا حتى يدخل الهواء و يبعث الحياة في الأرض من جديد...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق