عبدالتواب يوسف
كان لأحد الملوك ابن ذكي، وكانت أسعد لحظات الملك، تلك التي يجلس فيها مع ابنه، يحكي له عن بطولات جنده وشجاعتهم، وتمضي الساعات والإبن جالس، وقد فتح أذنيه، وعينيه، ليستوعب كلمات أبيه وقصصه التي تحكي عن البطولة.
وكان سعيد الصغير يضيق كثيراً، إذا قطع عليه أحد هذه الجلسات الممتعة، ولكن أعباء كثيرة كانت على والده، وكان لا بد أن يقابل ضباطه وجنوده ورجاله.
وكان الملك ينصح ابنه ويقول:
ـ (يجب أن يكون لك أصدقاؤك)
وسأله سعيد يوماً:
ـ (كيف اختار صديقي الحقيقي يا أبي؟)
قال أبوه:
ـ (عليك أن تختبر هذا الذي تصادقه، وهناك إختبار طريف، أدع هذا الذي تعتقد أنه يصلح صديقاً إلى طعام الإفطار، هنا في بيتنا، وأَجِّل تقديم الطعام إليه، وخلال ذلك أسلق ثلاث بيضات، ثم قدمها لضيفك لترى كيف يتصرف)
وبدأ الابن يجرب هذا الإختبار الطريف كان بعض من يدعوهم للإفطار يضيق بالإنتظار، فيهتف صارخاً مطالباً بالطعام.. والبعض الآخر لا يصبر، بل يغادر البيت في غيظ لأنهم لم يحضروا الإفطار، وآخرون تصرفوا بلا ذوق ولا أدب قبل أن يحمل إليهم صاحب البيت البيضات الثلاث..
وكان من بين أصحاب ابن الملك (سعيد) صديقه (عادل) ابن الوزير، وكان يشعر أنه ولد مخلص طيب، ورغب أنه يمتحنه، فدعاه إلى طعام الإفطار، وعندما جاء الطبق، وفيه البيضات الثلاث نظر إليها (عادل) في دهشة وقال:
ـ هل هذا هو كل إفطارنا؟؟ إنها لا تكفيني وحدي) وعندما غادر البيت، وترك الطعام، لم يأسف عليه سعيد، لأنه عاب الطعام، وأثبت أنه غير قنوع، ولا يستحق أن يكون صاحباً لإبن الملك.. وجاء الدور على ابن كبير التجار.
كان ابن كبير التجار فرحاً بدعوة ابن الملك له، لكي يتناول طعام الإفطار، لذلك لم يأكل عشاءه في الليلة السابقة، وجاع ابن كبير التجار، وأخيراً حمل إليه ابن الملك الطبق، وفيه البيضات الثلاثة، وتركه لحظة قصيرة ليأتي فيها بالخبز، وعاد ليجده قد أتى على البيضات الثلاث، إلتهمها في لمح البصر، ولم يبق منها شيء لصديقه ابن الملك الذي دهش وقال له:
ـ (هل أكلت كل البيض؟)
قال ابن التاجر:
ـ (كل البيض؟ إنه ثلاث لا أكثر)
قال سعيد:
ـ (ليس هناك غيرها طعام إفطار)
قال ابن التاجر الكبير في دهشة:
ـ (أهذا معقول؟)
ضاق ابن الملك بكل الأولاد من حوله، إنهم لا يستحقون أن يعطيهم كل حبه ووده، لذلك انصرف عنهم إلى البحث عن الصديق في مكان آخر.
وبدأ سعيد ينطلق إلى الحقول والغابات لعله يلتقي بواحد يكون هو صديقه الحقيقي: وتعرف ذات يوم إلى ولد يرتدي ملابس بسيطة، وتبدو عليه علامات الفقر وعلامات الذكاء أيضاً، عرف أنه ابن الحطاب، وعندما سأله سعيد أن يلعب معه ويصادقه رفض وقال:
ـ (لا أظن أننا نصلح أصدقاء، فما أنا إلا ولد مسكين فقير، وأنت ابن الملك)
قال له سعيد:
ـ (لماذا لا نجرب؟)
قال ابن الحطاب:
ـ (لا مانع عندي، بشرط أن تفهم أننا متساويان كأصدقاء أوفياء في كل شيء.
وافق سعيد على شرط ابن الحطاب، وبدأ يلعب معه، خرجا معاً إلى الصيد، وتعلم منه سعيد كيف يستخدم القوس، وكيف يقاتل الحيوانات المفترسة، وكيف يتسلق أشجار الغابة، وقضى معه وقتاً جميلاً رائعاً، وأحس سعيد أنه مع إنسان ذكي، طيب، وقلبه كبير، وعاد إلى بيته مسروراً.
والتقى ابن الملك مع ابن الحطاب في اليوم التالي، وسارع ابن الحطاب يدعوه إلى الإفطار معه في كوخه، قبل أن يدعوه سعيد إلى بيته ليختبره كما اختبر زملاءه. وفي الكوخ تناولا معاً طعام الإفطار البسيط، الذي يتكون من الخبز والملح، وقد اكل سعيد بشهية، وكاد يطلب المزيد، لولا أنه خشي أن يكون ابن الحطاب قد دعاه لهذا الإفطار كاختبار له، وليرى إن كان يصلح صديقاً له أم لا، لذلك اكتفى سعيد بما قدم إليه، وحمد الله، وانطلقا معاً لمغامرة جديدة، يتعلم فيها ابن الملك شيئاً مفيداً لم يعرفه من قبل، واستمتعا بوقت طيب، وافترقا على وعد من ابن الحطاب، بأن يزور صاحبه في قصره في صباح الغد، لكي يتناولا طعام الإفطار.
وعلى مائدة الإفطار في ذلك الصباح، كان هناك الطبق وفيه البيضات الثلاث، وامتدت يد ابن الحطاب لواحدة منها قشرها لنفسه، بينما كان ابن الملك يقشر بيضة ويأكلها، وأخذ ابن الحطاب البيضة الثالثة، وقشرها، وانتظر سعيد ليرى ماذا سيصنع ابن الحطاب بها، هل سيأخذها لنفسه أم يهديها إليه؟ ولكنه تصرف بطريقة أخرى بسيطة، أخذ السكين من على المائدة، وقطع بها البيضة إلى جزءين متساويين، أخذ لنفسه نصفاً، وأعطى الآخر لابن الملك، الذي قام يعانقه ويهتف قائلاً:
ـ (أنت صديقي الحقيقي).
وكبر الولدان، وكبرت الصداقة بينهما، وبعد سنوات طويلة، تولى سعيد حكم البلاد، وكان أول وزير يختاره) هو صديق طفولته الوفي ابن الحطَّاب.. فكان له خير صديق وخير ناصح أمين..
(انتهت القصة)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق