الأربعاء، 28 سبتمبر 2011

"فرقة النملة الموسيقية" قصة للأطفال بقلم روضة السالمي

فرقة النملة الموسيقية
روضة السالمي
كان يا ما كان في قديم الزمان، كانت هنالك النملة تخرج إلى السوق كلّ يوم، فتجمع فتات الخبز وما تساقط من حبوب، وما تيسّر من بقايا الفاكهة، وتحملها على ظهرها إلى بيتها، لتخزن مؤونة الشتاء. 
وكانت تنام مبكّرة من التعب والإعياء، لتفيق في الصباح متحمّسة للعمل وتحصيل رزقها.

إلى أن اتخذ الصرصار مسكنه جوارها، فحرمها لذّة النوم، والراحة بعد التعب. فقد كان يلذّ لهذا الجار أن يقيم كلّ ليلة حفلة موسيقية يدعو لها كلّ أصحابه.. تحمّلت النملة طباع جارها السيّئة بعض الوقت. غير أنها لم تعد تقوى على قلّة النوم في الليل ومشقة العمل في النهار. فنقص مردودها، وفترت همّتها، وأصابها الإعياء، ولم تتمكّن من تحصيل مؤونة الشتاء.

فكّرت النملة طويلا قبل أن تطرق ذات يوم باب جارها. ففتح لها الباب صرصار وسيم مفتول العضلات، وهو يتثاءب، فقد كان منهكا بعد ليلة صاخبة قضاها يرقص ويغني.

قالت النملة:
- صباح الخير يا جاري العزيز..
فأجابها الصرصار:
- صباح الخير.. ماذا تريدين؟
فقالت النملة:
- جئت أطمئن على صحتك وأسألك إن كنت قد فكّرت في جمع مؤونة الشتاء؟
فقال الصرصار مستغربا:
- ولماذا أفكّر في جمع مؤونة الشتاء ما دمت يا جارتي العزيزة قد فعلت ذلك
فسألته النملة:
- ماذا تقصد؟
فأجابها الصرصار:
- ألست تجمعين ما يكفيك ويكفيني من المؤونة لنأكله طيلة الشتاء؟
فقالت النملة متلعثمة:
- أجل، أجل... كنت بالفعل أودّ ذلك، لكنني وجدت في الآونة الأخيرة صعوبة في النوم، وعندما أستيقظ صباحا أحس بتعب ووجع في رأسي يمنعني من التركيز في العمل..
فقال الصرصار:
- ولماذا يا جارتي، ماذا حلّ بك؟
فأجابته النملة:
- لقد التوى كاحلي، ولم يعد بمقدوري العمل لبعض الوقت..
فقال الصرصار:
- مسكينة يا جارتي، ماذا ستفعلين والشتاء على الأبواب؟
فقالت النملة:
- لهذا السبب جئت إليك أطلب المعونة
فاستغرب الصرصار:
- وكيف لي أن أساعدك؟
فقالت النملة:
- فكّرت أنه بمقدورك أن تقرضني من وقتك ساعة كلّ يوم، لتحمل معي بعض المؤونة، وسأجازيك عنها ضعف نصيبي من المحصول...
فقال الصرصار:
- ولكنني غير معتاد على العمل، ولا أعرف كيف أحمل حبة قمح واحدة
فأجابته النملة بحماس:
- لا تخشى شيئا.. سأعلمك كيف تجمع فتات الخبز وحبوب القمح...

فكّر الصرصار قليلا، ثم وافق على فكرة النملة، خاصة وأنه سيجني منها الكثير. واتجه مع النملة إلى السوق، وكانت تلك أوّل مرّة يذهب فيها إلى ذلك المكان نهارا. فرأى الناس النشطين يغدون ويروحون في كلّ اتجاه وسمع أصواتا متداخلة وضجيجا كثيرا، فقال للنملة بأنه لم يعتد على سماع مثل هذه الضجة، لأنه حين يغني في الليل يكون السكون قد عمّ أرجاء المكان..

وفي تلك الزيارة الأولى للسوق التقت النملة بالعديد من الأصدقاء، فعرّفتهم على جارها الصرصار، وقدّمته إليهم على أنه مساعدها الجديد. وتبع الصرصار النملة في كلّ مكان توجّهت إليه، ورغم أنه وجد مشقة في البداية في حمل حبة القمح على ظهره، فقد تمكّن من حملها والحفاظ على توازنه والذهاب بها إلى مخزن جارته النملة، والعودة سريعا إلى السوق لحمل قطعة من الخبز أو بعض الفاكهة.

وهكذا قضى الصرصار أول يوم في العمل.. وعند المساء، لم يستطع أن يقيم حفلته كالعادة، وسرعان ما استغرق في النوم، وكذلك فعلت جارته النملة التي استمتعت بسكون الليل وغطت في نوم عميق.

وفي صباح اليوم التالي، استيقظت النملة مسرورة متحمّسة للعمل، واستيقظ الصرصار متعبا، متورّم الأقدام، موجوع الظهر، لكن ما كان يزعجه أكثر هو عدم تمكّنه من تنظيم حفلته المعتادة. وعندما جاءت النملة لتصطحبه معها إلى السوق، أخبرها بأنه لا يستطيع الوقوف على أقدامه من كثرة التعب.

فهوّنت عليه النملة، وأخبرته أن ذلك طبيعي، وقالت له أن يفكّر في أيام الشتاء القادمة التي سينعم خلالها بالدفء والطعام الوفير.. ولما أبدى شكّه في إمكانية المواصلة، أخبرته له بأنها ستمكّنه من يوم راحة أسبوعية يقيم خلالها حفلته، ووعدته بالمشاركة ودعوة أصحابها أيضا، وأكّدت له بأنه يمكنه قضاء الشتاء كلّه في العزف والغناء. أعجب الصرصار باقتراح النملة، واقتنع بحججها وكلامها، ورافقها إلى السوق. وتمكّنا يومها من جمع الكثير من المؤونة، وواصلا العمل طيلة أشهر، حتى أن مخزن النملة لم يعد يتسع لكلّ القمح وفتات الخبز الذي جمعاه.

فكّر الشريكان في حلّ، واتفقا على الاستمرار في هذا النسق، ومواصلة تجميع المؤونة، ووضعها في بيت الصرصار.. وهكذا انقضى فصل الصيف، وحلّ فصل الخريف. فنوّع الصرصار والنملة من المؤونة التي يجمعانها، فجمعا حبات العنب، والرمان، والزبيب، حتى أنهما تمكّنا من جمع بعض الزيتون، والسفرجل، والتمر.

ومرّ الخريف، بلمح البصر. وأصبح الصرصار بارعا في اقتناص أجود أنواع الحبوب والفواكه. وانضمّت النملة إلى الفرقة الموسيقية التي يرأسها الصرصار، بعد أن قضت ليالي الخريف في التدرّب على الرقص والعزف على العود. وأصبح بيت الصرصار، كلّ نهاية أسبوع، قبلة لكلّ أنواع الحشرات التي تحبّ الحفلات الراقصة.

حلّ الشتاء بأيامه الباردة. وكانت النملة في زيارة لجارها الصرصار، نظرت من النافذة، فتذكّرت سهرات المواسم المنقضية، واستغرقت في ذكرياتها لأسعد صيف وخريف قضتهما في حياتها... عندها اقترب الصرصار منها، قدّم لها كأس عصير، وسألها:
- هل تحنين مثلي لتلك الأيام؟
فأجابته النملة متنهدّة:
- لقد كانت أياما جميلة..
تنهّد الصرصار وقال:
- أجل، كانت أجمل أيام حياتي...
صمتت النملة قليلا ثمّ قالت له بعد أن ارتشفت بعضا من العصير:
- يبدو أن الشتاء سيكون طويلا هذه السنة..
هزّ الصرصار رأسه موافقا، ارتشف بعض العصير، ووقف ينظر من خلال النافذة، وقال بعد صمت قصير:
- لقد اشتقت للأصدقاء، وكل تلك الأوقات المرحة التي قضيناها معهم..
صمت الصرصار والنملة بعض الوقت، وغرق كلّ منهما في أفكاره، إلى أن قطعت النملة الصمت قائلة:
- وجدتها... أجل وجدتها..
التفت الصرصار نحوها متسائلا:
- ماذا وجدت؟
وضعت النملة كأس العصير على الحافة النافذة، نظرت إليه، وقالت:
- أعتقد أنه بإمكاننا استعادة ذلك الزمن الجميل...
نظر إليها الصرصار مبتهجا ، وقال لها:
- هل تقصدين؟..
فأجابته النملة بسعادة:
- أجل، ما المانع؟ يمكننا فعل ذلك..

لم يمض على تلك الأمسية بضعة أسابيع، حتى شرع الصرصار والنملة في تنفيذ فكرتهما، فقاما ببيع نسبة مما جمعاه من مؤونتهما ليحصلا على التمويل الضروري، وشرعا في تنفيذ أشغال بناء جمعا بفضلها منزليهما معا، بعد أن أزاحا الجدار الفاصل بينهما، فأصبح لديهما غرفة استقبال كبيرة جدةّ تتسّع لعشرات المدعوّين، وجهّزا فضاء لبيع العصير والمرطبات، وأعدّا مطبخا احتوى على أفضل المعدّات لصنع العصير الغلال ومنتجات الحبوب التي جمعاها طيلة الصيف. واقتنيا أثاثا جديدا، وأدوات موسيقية جعلت من منزلهما قبلة السمّار في ليالي الشتاء الطويلة، في انتظار موسم العمل القادم، مع حلول فصل الصيف.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق