ريم تقابل شهداء 25 يناير
محمد عاشور هاشم
ما إن دخل بابا ريم إلى البيت حتى أسرعت إليه ريم مرتمية في حضنه ، مستفسرة عن شيء ما رأته في التليفزيون ، وأثار فضولها طويلا :
- من هو الشهيد ؟
ضحك بابا ريم ، وأخذ ريم من يديها وجلس على أحد المقاعد وأجلسها بجانبه وهو يمسح جبهتها وشعرها في حنان وملاطفة . ثم سألها باسما :
- ماذا تعرفين عنه يا حبيبتي ؟
- لا أعرف أكثر مما يقولون عنه في التليفزيون يا بابا !
- وماذا يقولون يا حبيبتي ؟
- يقولون إن الشهداء فدوا مصر بأرواحهم ، وأنهم أبطال عظام . وأن حياة المصريين لو تغيرت للأفضل فستكون بفضل تضحياتهم الكبيرة .. وأشياء أخرى كثيرة لم أفهمها !
طبطب بابا ريم على كتف ريم ، وقال باسما ، وقد أعجبته أسئلة ابنته الذكية :
- حسنا يا حبيبتي .. هل تابعت ما كان يحدث في الأيام الماضية ؟
- نعم .. يا بابا .. كان هناك ناس كثيرون متجمعين في ميدان التحرير ، يهتفون وهم يحملون لافتات وأعلام كثيرة .
- وهل تعرفين بماذا كان يهتف هؤلاء ؟
- كانوا يهتفون قائلين ( نريد أن يرحل النظام )
- برافو يا ريم .. أنا فرحان بك للغاية !!
صمتت ريم ، ونظرت إلى أبيها بحيرة وتردد ، ثم سرعان ما طردت عنها ذلك التردد ، وسألت أباها قائلة :
- ولكن من هو النظام الذي كان يريد هؤلاء الناس أن يرحل ؟
- أولا هؤلاء الناس هم المصريون يا ريم ..أنا وأنت وأصدقاؤك ، وبابا وماما وأخوات أصدقائك . معظم المصريين يا ريم .. أتفهمين يا حبيبتي ؟
- نعم يا بابا !
- أما النظام يا حبيبتي فهم مجموعة المسئولين الذين كانوا يُشرفون على إدارة الحياة في مصر ، ويتحكمون في كل القرارات المتعلقة بأمننا وأماننا وأكلنا وصحتنا وعلاقاتنا ، وتعليمنا ، وصورتنا في الداخل والخارج ، وأشياء أخرى كثيرة يا حبيبتي .
- ولماذا أراد هؤلاء .. ( نظر بابا ريم إلى ريم نظرة منبهة ، فتذكرت ريم وقالت ) هؤلاء المصريون تغيير النظام ؟ هل أغضبهم في شيء ؟
- نعم يا ريم .. لقد أغضب هذا النظام معظم المصريين ، فقد أساء مسئولوه التصرف في كل هذه الأمور التي ذكرتها لك ، وتسببوا في تدهور حالة المصريين ، فانتشر الفقر ، وظهر المرض ، وقل العمل والإنتاج .. وليتهم اكتفوا بهذا ، ولكنهم سرقوا أموال الناس ، وأضاعوا ثرواتهم ، وأخذوا رشاوى نظير أداء الأعمال الموكلة إليهم .. وأشياء أخرى كثيرة يا حبيبتي .
- إلى هذا الحد يا بابا ؟
- نعم يا حبيبتي وأكثر .. لذلك خرج هؤلاء المصريون يطلبون من هذا النظام ( المسئولين فيه ) أن يرحلوا ، ويتركوا أماكنهم لمن هم أصلح وأفضل منهم .
- برافو .. برافو .. يا بابا !
- براقو .. لي أنا يا ريم ؟
- لك يا بابا ولهؤلاء المصريين .. الذين أرادوا أن يغيروا بلادهم للأفضل !
- نعم يا حبيبتي برافو .. وبرافو لك أنت أيضا !
- لي أنا أيضا يابابا ؟!
- نعم يا حبيبتي .
- ولماذا يا بابا ؟!
- لأنك فهمت ما أراده هؤلاء الشجعان !!
صمتت ريم قليلا ، وعادت الحيرة تظهر على وجهها الصغير . قالت بعد قليل :
- ولكنني ما زلت لا أعرف من هو الشهيد .. وماذا فعل لكي يقولوا عنه كل هذا الكلام ؟
ضحك بابا ريم وقال :
- الشهيد ، يا ريم ، هو كل من مات من هؤلاء الناس المطالبين بحقوقهم .
- وهل مات أحد يا بابا ؟
- للأسف يا حبيبتي ..مات أفراد كثيرون ممن كانوا يُطالبون بتغيير أحوال البلاد !
- ولماذا ؟ وكيف ماتوا يا بابا ؟
- ماتوا وهم يحاولون إيصال صوتهم وعرض مطالبهم على هؤلاء المسئولين الظالمين .
- وكيف حدث هذا ؟ هل اعتدى عليهم أحد ؟
- نعم يا حبيبتي .. اعتدى عليهم رجال هؤلاء المسئولين ، ضربوهم بالعصي والهراوات وأطلقوا عليهم الأعيرة النارية ، وقاموا بعمل أشياء سيئة للغاية تجاههم يا حبيبتي .
- إلى هذا الحد يا بابا ؟
- للأسف يا صغيرتي .. فعلوا كل ذلك لكي يسكتوهم ، ويجعلوهم يتخلون عن مطالبهم التي ستسقطهم وتخلع عنهم رداء السلطة الذي ارتدوه لأعوام طويلة متصلة . لكن الحمد لله ، لم ينجحوا في مخططهم ؛ فالذين ماتوا شجعوا الذين لايزالون على قيد الحياة على مواصلة ما بدأوه .. وبمزيد من العرق والكفاح تحقق لهم ما أرادوا .. ورحل ذلك النظام !
- حقا يا بابا ؟
- نعم يا حبيبتي .
صفقت ريم بيديها الصغيرتين فرحة ، وهتفت :
- هيه .. الحمد لله .. فعلها المصريون .. برافو .. برافو ..
- برافو يا ريم .. أنت تفهمين بسرعة ..
- برافو يا بابا لكل من شارك في هذا النجاح الكبير .
- نعم يا ريم ..
- ولكن ..
قالتها ريم وقد تذكرت شيئا ، وبدا على وجهها الأسى ، فسألها والدها عن ذلك قائلا :
- ماذا بك يا ريم ؟
- هؤلاء الأبطال الذين ماتوا !!
- ماذا عنهم ؟
- هل ضاعت حياتهم هكذا هباء ؟!
ظهرت ابتسامة صافية على شفتي بابا ريم ، أسرع يقول وقد أعجبه تفكير ابنته :
- ومن قال هذا يا ريم ؟ ألا تسمعين كل ذلك الثناء والمديح على عملهم من كل أفراد الشعب ؟
فكرت ريم قليلا ثم قالت :
- أجل أسمع .. الناس تتكلم عنهم كلاما جميلا ، ويصفونهم بأحسن الصفات .. يقولون عنهم إنهم شهداء .
- نعم يا حبيبتي .. شهداء . كل من يُضحي بنفسه لكي ينتصر الحق والخير فهو شهيد . يكتسب هذا اللقب من كونه شاهدا – أمام الله عز وجل – على الظلم والظالمين . وهو باكتسابه لهذا اللقب يتال خيرا كثيرا . ففي الدنيا يمتدحه التاس ويثنون عليه . وفي الآخرة يُعطيه الله ثوابا كبيرا ، لا نظير له . بل ويموت الناس ويظل هو حي عند الله في جنات النعيم .
- حقا يا بابا ؟!
- نعم يا حبيبتي .
- الشهداء أحياء عند الله ؟!
- نعم يا ريم ، فقد قال الله تعالى : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبل الله أمواتا ، بل أحياء عند ربهم يرزقون ) صدق الله العظيم .
هتفت ريم في فرح حقيقي :
- ما أجمل هذا !! .. الآن ذهب كل ما شعرت به من حزن على هؤلاء الشهداء ، فهم بهذا الثواب يكونون سعداء للغاية .. أليس كذلك يا بابا ؟!
- بلي يا حبيبتي !
سكتت ريم قليلا .. ثم قالت قالت تقترح شيئا بدا لها مهما :
- ولكن إذا كانوا أحياء الآن فلماذا لا نذهب ونقابلهم يا بابا ؟!!
ضحك بابا ريم ، وطبطب على رأس ريم ، ثم شرع يشرح لها الأمر بدقة حتى طابت نفسها !
* سيرة ذاتية للمؤلف :
* الاسم : محمد عاشور محمد عبدالعزيز هاشم .
* الاسم الأدبي : محمد عاشور هاشم .
* جمهورية مصر العربية – مواليد محافظة 6 أكتوبر : 1 / 1 / 1980 م .
* حاصل على بكالوريوس كلية التجارة – جامعة القاهرة ، شعبة محاسبة .
* يكتب الرواية والقصة والمسرحية والسيناريو وله في النقد الأدبي والترجمة " من الإنجليزية "
* عضو الأمانة العامة لمؤتمر أدباء مصر 2009 .
* عضو الأمانة العامة للمؤتمر الثقافي الخاص بفرع محافظة السادس من أكتوبر 2010 ، ومقرر لجنة الأبحاث .
* الأمين العام المساعد لمؤتمر 6 أكتوبر الثقافي 2011 م .
* شارك في عدد من المؤتمرات الثقافية في مصر :
- مؤتمر أدباء مصر 2008 م .
- ورشة عمل لمؤلفي ورسامي أدب الطفل "مشروع كتاب المستقبل " مكتبة الأسكندرية ، مايو – يونيو 2009 م .
- مؤتمر أدباء مصر 2009 م الإسكندرية .
- ورشة " كن ليبراليا " لكتاب الطفل حول تنمية مبادئ الليبرالية وحقوق المواطنة عند الأطفال ، برعاية مؤسسة فريدريش نومان الألمانية ، من 26 – 12 – 2009 م وحتى 28 – 12 – 2009 م بالفيوم .
* جوائز في الأدب حصل عليها :
- جائزة سوزان مبارك لأدب الطفل ، عام 2007 م .
- جائزة الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة ، " أدب الطفل " المركز الأول 2010 م .
* كتب صدرت له :
- " جنة الحكايات " مجموعة قصصية للطفل ، عام 2008م ، الناشر : الهيئة المصرية العامة للكتاب .
* له عدة كتب تحت الطبع .
* ينشر في الجرائد والمجلات والدوريات الثقافية المصرية .
* بيانات الاتصال : بريد إلكتروني :
ash1hashim@gmail.com
محمول : 0118787033 - 002
أرضي : 38190381 -02 -002
هناك تعليق واحد:
كيف استطيع التواصل مع الكاتب؟؟
إرسال تعليق