الأحد، 23 يناير 2011

" الهاتف" مسرحية للأطفال بقلم مؤمن سمير

الهاتف
مسرحية للأطفال من 10 إلى 12 سنة
مؤمن سمير
{شخوص المسرحية}
-       الصـــــوت
-       الســـــلطان
-       العجــائز الثلاثة
-       الوزيــــــر
-       أطفـــــــال
{المشهد الأول}
( يُفتح على السلطان .. وهو جالس نصف جلسة داخل غرفة نومه .. إضاءة خافتة – يُسمع صوت ..
الصـوت:
مولاي ...
السلطـان:
(ينتفض) مَنْ .... مَنْ
الصـوت:
(بعبث) مولاي السلطان
السلطـان:
(ينزل من على السرير) مَنْ أنت (يبحث عنه) ومَنْ سمح لك بالدخول .. ثم .. ثم أين أنت ؟
الصـوت:
(يضحك) لا تتعب نفسك ... لن تراني !
السلطـان:
(حائراً ) ولكن .....
الصـوت:
(بفخر) أنا يا مولاي .. من المعدودين الذين تنتهي عندهم حدود الاستئذان .
السلطـان:
وكيف سنتفاهم إذن .. أيها ... أيها المجهول ..
الصـوت:
كما نفعل الآن ... ألا تسمعني ؟
السلطـان:
(يتمشى) أسمعك ولا أراك ... ألا يكفيني ما أنا فيه ...
الصـوت:
لأجل هذا أتيت ..
السلطـان:
(يقف)لأجل ماذا ..
الصـوت:
لأساعدك قليلاً ..
السلطـان:
(يجلس ببطء) وما أدراك بعذابي (يتنهد) أيها .. أيها .. (بيأس) لا يهم .. ثم ماذا تستطيع فعله أنت أو غيرك لأجلي
الصـوت:
سأثبت لك : أنا أعلم أن مصدر آلامك ينبع من .. إحساسك .. بأنك ...
السلطـان:
( يتنهد بشدة ) بأَنيّ ماذا ؟
الصـوت:
ظالم ظالم ظالم ...
- نبرة الصوت تعلو مع كل كلمة والسلطان يهز رأسه بعنف -
السلطـان:
(يضع يديه على عينيه) كيف عرفت ؟
الصـوت:
ألم نتفق على أن نتجاوز هذه النقطة الثانوية ..
السلطـان:
(يهدأ) أنا (يقوم) أنا أراجع بنفسي أحكام الإعدام منذ فترة . ولا أجد فيها ما يوحي بأي ظلم ..
الصـوت:
وهل من الضروري أن يكون الظلم قتلاً فقط ؟ فَكَّر في موضوع آخر ...
السلطـان:
(يتمشى عاقداً يديه خلف ظهره)
الصـوت:
فكر في موضوع أهون ...
السلطـان:
أنا لا أذكر أني فعلت شيئاً يستحق (يضع يديه حول رقبته ) .. هذا العذاب .. أنا من يسهر على راحة الرعية كما علمني أبي السلطان .. كل وقتي وجهدي وتفكيري لشعبي (صمت) أيمكن أن
الصـوت:
يمكن ماذا ...
السلطـان:
(يجلس على كرس مقابل للسرير ) العجائز الثلاثة (يضحك) ..
الصـوت:
ولم لا ...
السلطـان:
(يغضب) لقد حاولوا عصيان أمري .. وتظلموا .. تصور .. أنا الذي لا أظلم أحداً يدعون عَليَّ في صلواتهم ويشكونني إلى الله .. أنا ؟!
الصـوت:
(بحزن) وكيف عرفت منطوق دعواتهم ؟
السلطـان:
(متباهياً ) أنا لا يَخْفى علىَّ أمرً في هذه البلاد .. وخصوصاً أحوال العصاة ....
الصـوت:
أَلاَ زلتَ تذكر جنايتهم ؟
السلطـان:
وكيف أنسى (يقف مواجهاً الجمهور) .. كانوا يسكنون كوخاً حقيراً بجوار حدائق القصر .. ثم أشار علىَّ المهندسون بضرورة توسيع الحدائق .. فأمرت بهدم الكوخ وإيداعهم في منزل كبير .. لم يكونوا يتخيلون أبداً طوال حياتهم أن يقيموا فيه أو حتى يمروا من أمامه.. (متسائلاً) أي ذنب فعلته إذن (باستنكار) أيُ ذنب ؟
الصـوت:
وماذا جرى لهم .. أتعلم ؟
السلطـان:
وماذا تراه سيجري لهم .. غير لؤمهم الذي كان مخبوءاً داخلهم وخرجْ .. اعترضوا وتجرؤا ودعوا علىّ في صلواتهم .. دعوا علىّ .. الأوغاد ..
الصـوت:
اهدأ يا مولانا واجلس
السلطـان:
(يجلس)
الصـوت:
أترى يا مولاي هذا الحائط الذي خلف السرير ؟
السلطـان:
(ينظر) أراه بالطبع
الصـوت:
وأنت صغير .. حاولت أن تصنع فيه نفقاً لتعبر إلى الغرف المجاورة ..
السلطـان:
(يقهقه) نعم . نعم . أذكر
الصـوت:
والحديقة التي أفسدت زهورها بحصانك وأنت شاب ..
السلطـان:
نعم . نعم
الصـوت:
وردهات القصر التي اتخذت فيها أخطر القرارات بعد أن كبرت
السلطـان:
تماماً..
الصـوت:
هل تستطيع أن تنسى كل هذا ؟
السلطـان:
...............................
الصـوت:
كل هذا محفورٌ في ذاكرتك .. كل هذا يصنع الماضي ..
السلطـان:
عندك حق ..
الصـوت:
وهكذا العجائز .. عاشوا حياتهم في هذا الكوخ .. الطفولة والشباب والكهولة .. عندما يكبر المرء يكون من الصعب عليه أن تختلف حياته .. يكون كل ما يتمناه أن يموت في مكان يحبه وسط أناسٍ يحبهم ..
السلطـان:
.. لكني .. لكني عوضتهم
الصـوت:
ذهب الدنيا كله .. لا يعدل الإحساس بالظلم .. أو إحساس البعض بأنهم مجرد أشياء لا رأي لها ولا تستشار في أي أمر يخصها هي ..

(ينظر إلى أسفل .. ثم فجأة يعود له عناده فيقفز واقفاً ) قد يكونوا أيضاً خبثاء .. ويطمعون في المزيد (يتحرك) لكنني لست غبياً سأتأكد أولاً من الأمر كله ..

                                           (يُغلق الستار)




{المشهد الثاني}
( الستار مغلق )  ..
تدخل  مجموعة من الأطفال من الجانبين ، يلبسون اللون الأبيض ، يتجمعون ثم يغنون :
يا غفلان ... يا غفلان
تظلم غيرك
تَعْمى عينك
ثم تنام بلا حسبان ..
عامل ربك
واسأل قلبك
كي تنسى تلك الأحزان
يا إنسان
يا إنسان
يا إنسان ... يا إنسان
(ينســــــحبون)

{المشهد الثالث}
( يُفتح على منزل العجائز الجديد .. صالة فخمة .. الرجال الثلاثة يجلسون  على الأرض وظهورهم إلى الحائط .. يُرى وجه السلطان وهو يراقبهم من طاقة عالية ... الإضاءة خافتة ... فترة سكون ثم يستند العجوز الأول على الحائط وبصعوبة شديدة يستطيع أن يقف .. يتناول العصا .. يتكئ عليها ويمشي ببطء شديد ....

العجــوزان:
هل تذكرتَ أخيراً مكان الطعام ؟
العجوز الأول :
(يصل إلى وسط الخشبة ) أنا .. قمت أفتش عن دواء (يحرك رأسه في المكان ) ثم .. هل أنتم جادون في الاشتياق للطعام ؟
العجــوزان:
ومن يجد شهية للطعام ..
العجوز الأول:
إذن هي نفس الحيلة لنختبر ذاكرتنا .. خَرِبَتْ هذه الذاكرة منذ أن وطئت أقدامنا هذا السجن .. كان كوخنا يناسب بساطتنا .. كنا نحفظ مكان كل شئ .. نأكل بشهية كبيرة (يبكي وينظر حوله) هذا السجن اللعين الذي نحس فيه بالضآلة والعجز (يصمت فجأة) والصمت .. الذي يجعل الموت يقترب (يعود إلى مكانه منكسراً وبنفس البطء .. يسند العصا مكانها )
فترة سكون ثم يقوم العجوز الثاني بصعوبة ويتناول العصا .. يمشي ببطء شديد ...
العجــوزان:
أما زلتَ مصمماً على رعاية الزهور ؟
العجوز الثاني:
(يصل إلى وسط الخشبة )
العجــوزان:
ماتت أزهارنا التي كانت إلى جوار الكوخ ..

العجوز الثاني:
هذا المكان لا أزهار تنمو بجانبه (ينظر وراءه ثم يتراجع ببطء حتى يصل إلى النافذة ) الأزهار لم تعد تناديني لأرعاها (يعود إلى وسط الخشبة بنفس البطء) هذا المكان طارد للجمال .. حول كوخنا .. زرعنا ياسميناً وفُلاً .. كنتُ أسقيهم كل يوم ( يبكي) كل يوم .. الناس كلهم كانونا يأتون إلى جوار كوخنا ليرتاحوا .. الهواء كان معطراً حولنا .. أما الآن فالهواء خامد لا روح فيه .. هواءنا الآن يشبه الموت    (يعود إلى مكانه منكسراً ، يسند العصا مكانها)
فترة سكون ثم يقوم العجوز الثالث بصعوبة ويتناول العصا .. يصل إلى وسط الخشبة ...
العجوز الثالث:
نحن  لم نتزوج ولم ننجب ..
العجــوزان:
منذ أن جئنا وأنت تكرر هذا الأمر كثيراً..
العجوز الثالث:
لأني لم أحسها إلا هنا ... لأول مرة رغم عمرنا الطويل .. أحس بالوحدة والخوف .. كنا معاً نملأ حياة بعضنا .. الفقر جعلنا بلا عائلة .. لكن هذا الألم كان دافعاً لأن نصبح نحن العائلة . إذا حَزِنَ أحدنا أسرع الاثنان الآخران وَطيَّبا خاطره .. أمّا هُنا (يبكي) فكلنا حَزَانى .. كنا نملأ كوخنا .. أما الآن فالمكان أكبر من اجتماعنا وذكرياتنا .. سنتفرق .. سنتوه في كل هذا .. لن نقتسم اللقمة . بل سنتصارع على التحف .. ثم لأننا عواجيز لن ينال أحدنا أي شئ .. سنقتل بعضنا في النهاية .. هو الموت الذي ينتظرنا في هذا المكان (ينهار)
يستند العجوزان على بعضهما ثم يأتيان ببطء إلى حيث ثالثهما .. ينهارا بجانبه .... 
                                             ( إظلام تدريجي )

{المشهد الرابع}
تدخل  مجموعة الأطفال كالسابق  وتغني  :
لا تنسى حق الفقراء
واحفظ فيهم عهد الله
بئرُ شقاءٍ يا إنسانْ
إن أنتَ سمعتَ الشيطان..
هذا الذهبُ
وهذا المالْ
هذا الجسمُ
وهذا الجاهْ
فاذكرأنك عبدَ الله ..
ثم كبيرُكَ : لا تُخزيهْ
خذ بيديهِ
 تأمّل فيهْ
نورٌ في الوجه المتغضّن
تقوى في القلب العمران ..
يا إنسان ...
يا إنسان
يا إنسان ... يا إنسان                    ( ينسحبون )

{المشهد الخامس}
 يُفتح على السلطان وهو يروح ويجئ بعصبية .. فترة ثم يهدأ ويجلس على المقعد ، يفكر بعمق .. فترة ثم يبدو كما لو كان اتخذ قراراً .. يقف متحمساً ..

الســـلطان:
(بصوتٍ عال) أيها الوزير .. يا وزير ( يروح ويجئ )

يدخل الوزير ..
الـوزيـــر:
(بأدب جم) عمتَ صباحاً يا سلطان البلاد ..
الســـلطان:
(يجلس) عمتَ صباحاً يا وزيري المخلص ..
الـوزيـــر:
(بفرح ) يبدو أن مِزاج مولاي قد تحسن .. استجاب الله لدعائنا أخيراً .. واللهِ إن هذا لمن أكبر النعم ..
الســـلطان:
هل لاحظتَ حقاً (يتمطع) لقد استطعتُ النوم أخيراً .. لكني عزمتُ على أمرٍ قبل النوم .. ولم أشأ أن آمر بإيقاظك مبكراً ..
الـوزيـــر:
إن خصال مولاي الحميدة .. هي النبراس الذي تتعلم منه الأجيال ..
الســـلطان:
(يقف ويتحرك بهدوء)لا تبالغ..المهم.. لم تسألني عن قراري
الـوزيـــر:
قرارات مولاي دائماً هي الأصوب ..
الســـلطان:
(يغضب فجأة ) ألم آمرك من قبل أن تمتنع عن النفاق ؟
الـوزيـــر:
(ينحني بخوف ) أُعذرني .. أُعذرني يا مولاي . قبض الله روحي إن كنتُ قد كذبت في حرف مما قلتُ ..
الســـلطان:
(يربّت على كتفه ) لا تغضب يا وزيري .. أنا متوتر هذه الأيام وأنت تعلم .. ثم إن الوقت يمر قبل أن نتحدث في الأمر الذي أقصده ..
الـوزيـــر:
المعذرة يا مولاي ( يعتدل )
الســـلطان:
هل تذكر موضوع .. المنزل والعجائز والكوخ ؟
الـوزيـــر:
بالطبع أذكر يا مولاي ..
الســـلطان:
هل .. هل تم هدم الكوخ ؟
الـوزيـــر:
كلا . ولكن المهندس بعد أن وافقنا على تصميماته قرر أن يبدأ بعد ...........
الســـلطان:
(بارتياح) أوقف الهدم ..
الـوزيـــر:
هدم ماذا يا مولاي ؟
الســـلطان:
كوخ العجائز ..
الـوزيـــر:
لكن حدائق القصر ...
الســـلطان:
اجعلهم يقومون بتوسيعها من الجهة الأخرى ..
الـوزيـــر:
ولكن المهندسين ..
الســـلطان:
(بحسم) نفذ يا وزير وبعد ذلك ...
الـوزيـــر:
بعد ذلك .. بعد ذلك ماذا أيضاً ؟
الســـلطان:
اجعل لهم راتباً شهرياً يكفي احتياجاتهم .. لقد وصلوا إلى سن حرامٌ علينا أن ننساهم فيه .. وكذلك كل مَنْ كان في مثل ظروفهم ..
الـوزيـــر:
جعلك الله ذخراً للجميع يا مولانا .. بإذنك
                             (ينحني ثم يخرج)
الســـلطان:
(يمشي سعيداً ثم يتربع على سريره )

يُسمع الصوت
الصـــوت :
ما هذا الصفاء الذي أنت فيه يا سلطان ؟
الســـلطان:
(يفزع ثم يبتسم ) جئت ثانيةً أيها الهاتف .. أتعلم يا صديقي ، أنا حقيقة لا أعلم سر هذا الارتياح .. أهو سعادة مفاجئة مثل الضيق المفاجئ مثلاً .. أم أنه .......
الصـــوت :
بل هو نور العدل يا مولاي ، والتخلص من وَخْز الظلم .. يجب أن تؤمن أن الظلم ليس بحجمه .. فلو أنك قتلتَ أحداً ظلماً فإنك تكون قد ظلمته بإنهاء حياته .. وإذا ظلمت فرداً في شأن أقل أهمية .. فإنك تكون قد ظلمته بأن أشقيت حياته .. وليس هناك مسافة كبيرة بينهما إلا في الدرجة.. كلا الأمرين ظلم ..
الســـلطان:
حقاً . حقاً .
الصـــوت :
تذكر دوماً أن من ظَلَم يُظلم ولو بعد حين .. فقد ظلمتَ العجائز في أمر تراه أنت هيناً .. فجاء العدل الإلهي في صورة ضيق وتشتت . ثِقْ أنهما كانا سيحيلان حياتك إلى جحيم .. لا تنسى أن عذاب الضمير عند الأسوياء رهيبٌ وقاسٍ .. أبداً لا تنسى ..  
الســـلطان:
كل هذا حق .. لكني .. للآن .. لم أعلم من تكون ؟
الصـــوت :
أنا ..
الســـلطان:
دعني أخمن .. أنت صوت الحق .. أو .. صوت العدل .. كلا .. صوت الرحمة ..
الصـــوت :
أنا كل هذا ، أنا نفسك الحقيقية .. الحارسة .. النقية .. الإنسانية ..
الســـلطان:
لقد تعلمت ما لن أنساه طوال عمري ..
ينزل ويقف في المنتصف ثم يدخل الوزير والعجائز الثلاثة وبعدهما من الجانبين تدخل مجموعة الأطفال ويحيطون بهم ... بعدها يمسك الجميع بالأيادي ويغنون :
يا إنسان .. يا إنسان
أنتَ تراتيلُ الأيام
أنتَ الماضي
أنتَ الحاضر
أنتَ الحافظُ للأحلامْ
فاحفظ عهدك
وانشر ودك
تسمعُ عدلكَ صوتَ كَمَانْ
يا إنسان يا إنسان
يا إنسان يا إنسان                       ( ستار بطئ )
تمت

هناك تعليق واحد: