الصغير وذيل البقـرة القصير
(مرحلة من 9الى12)
شعر الأب أنه لم يعد قادرا على تحمل مشقة العمل، وعاجزا عن رعاية الأغنام والإبل والبقر، في تلك المراعى البعيدة والفسيحة.
فطلب من ابنه الصغير أن يتولى هذه المهمة، وانجاز هذا العمل اليومي، حتى تجد أسرتهم قوت يومهم.
فسخر الصغير من العمل المكلف به، ومن تلك البقرة, ذات الذيل القصير. فابتسم الأب، وقال له:
"لعل لذيل البقرة فائدة لا نعرفها!"
وطال الحوار بين الراعي العجوز وابنه، بينما كان الصغير ينظر إلى البقرة، ويلوى رقبته دهشا، غير مقتنع لأن يكون لذيل البقرة فائدة.. ثم قال:
"نعم، نبيع صوف الأغنام وشعر الإبل وحليب البقرة..
لكن ذيل البقرة، لا فائدة منه!"
كان الراعي الصغير يعشق الجلوس على ضفاف النهر تحت الشجرة الكبيرة. ينظر الصغير ويتأمل.. المياه الصافية, والسماء الزرقاء, والأشجار والحشائش الخضراء من حوله. وكانت حيواناته من حوله تأكل الكلأ وتشرب في هدؤ.
وكما اعتاد على عمله الجديد، اعتاد يعود الصغير إلى الكوخ الفقير الذي تعيش فيه أسرته. ما يلبث أن يسأل أباه سؤالا جديدا. مرة يسأل عن فائدة الشوك الذي يراه على ظهر القنفذ, وقد لمحه يجرى أمامه بسرعة هذا الصباح؟
فيجيب الأب:
"انه يدافع به عن نفسه".
يعود ويسأل عن سبب هذا الصنم البارز في ظهر الإبل، ويبدو وكأنه انتفاخ زائد عن جسده، فلا ينتظر الأب طويلا، ويجيب:
"الصنم هو مخزن دهون في جسد الإبل، للاستفادة منه، وتعويض
الإبل عن الطعام، إذا شح الكلأ"
واعتاد الأب أسئلة ابنه كل مساء، حتى كانت آخر مرة, حين سأله عن فائدة ذيل البقرة؟! من جديد عاد الصغير وسأله عن فائدة "ذيل البقرة"؟! ثم تابع وطلب من أبيه، ألا يجيب بإجابته القديمة!
بعد فترة صمت، قال الأب العجوز وهو يضحك:
"إن البقرة تستخدمه في هش الذباب عن نفسها"
لم يقتنع الصغير، عاد وابتسم الأب قائلا:
"بالتأكيد له فوائد أخرى, لا أعرفها, وعندما تعرفها أنت أخبرني بها".
......................
في الصباح التالي خرج الراعي الصغير مع حيواناته كعادته. وجلس عند النهر, يتأمل الأسماك القريبة من سطح مياه النهر, والسماء الزرقاء الصافية. وشرد طويلا, يفكر في إجابة على سؤاله.
مضت فترة طويلة, نسى فيها بهائمه التي تركها ترعى وحدها. فجأة سمع صراخا عاليا, وضجيجا. وقف وانتبه يسأل عن بهائمه منذ فترة. فلمحها كلها إلا البقرة.
وعندما نظر نحو الحقل, لمح صاحب الحقل وعامله، وهم يحملون في أياديهم عصى طويلة, ويعدون خلف بقرته.. غاضبون، بل ثائرون. لعلهم يريدون هلاكها!
لم يفكر طويلا، أسرع نحو بقرته. وعندما اقترب منها, لمح الفزع في عينيها وكأنها تقول له:
"النجدة.. النجدة"..
فتقدم الراعي الصغير مسرعا، لعله ينجو بها. وما أن لمحه صاحب الحقل ورجاله, حتى صرخ في وجهه قائلا:
"سوف أقطع ذيل تلك البقرة, حتى لا ترعى في حقلي ثانية.."
كل سكان المنطقة يعرفون كم هذا الرجل شريرا وقاسيا.. كان غضب الرجل وعماله شديدا!
...................
لم يتردد الراعي الصغير في الفرار من أمام الجميع, لكنه يريد أن ينقذ بقرته من قسوة وغلظة قلب هذا الرجل.. فأمسك بذيل البقرة، لم يكن يدرى أنه يعدو في اتجاه مياه النهر!
لم يفكر طويلا، سرعان ما قرر القفز مع بقرته، إلى مياه النهر، وسرعان ما أبصر صاحب الحقل يلهث عند الشاطئ, ولا يستطيع، لا هو ولا رجاله، أن يلحقوا به وببقرته!
وكان النهر واسعا وعميقا, كما كانت مياهه تجرى بسرعة مخيفة. فشعر الراعي الصغير أن جسد البقرة بغوص ثم يطفو فوق سطح مياه النهر. لولا أنه تعلق بشدة بذيل البقرة, وهو يأمرها ويصيح.. أن تسرع أكثر!
وظل الصغير يأمر البقرة أن تتابع سباحتها وهو معلقا في ذيلها.. بينما مازال صاحب الحقل ماسكا بعصاه الغليظة على الشاطئ هناك.
ويبدو أن أهالي القرية عند شاطئ النهر الآخر, كانوا يتابعون ما حدث. فأسرعوا إلى الراعي الصغير وبقرته, ومنهم من هبط إلى مياه النهر، وسبحوا لنجدتهما. ساعدوهما على الصعود إلي الشاطئ الآخر. وقدموا البرسيم الأخضر الطازج إلى البقرة, وساعدوا الراعي الصغير على تجفيف ملابسه.
لكنهم ظلوا يضحكون طويلا، كلما تذكروا مشهد صاحب الحقل ورجاله، وقد فشلوا في النيل من الصغير وبقرته.. مثلما ضحكوا عندما شاهدوا الراعي الصغير ظل معلقا بذيل البقرة حتى بعد أن ابتعد عن عصا الرجل, وحتى بعد أن صعد مع بقرته إلى الشاطئ.
فقال أحدهم:
"أترك ذيل البقرة يا ولدى, أنت الآن في مكان أمين.."
فابتسم الراعي الصغير وحده، وقال في نفسه:
"الآن فقط عرفت فائدة ذيل البقرة"..
........................
Ab_negm@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق