الخميس، 18 نوفمبر 2010

(رانب، حكيمة الأرانب) قصة للأطفال بقلم روضة السالمي

رانب، حكيمة الأرانب
بقلم روضة السالمي

هل سمعتم يا أعزائي عن مملكة الأرانب، والأرنب الصغيرة رانب؟ لم تسمعوا بها بعد؟ هيا معي إذن لأقصّها عليكم، وأنصتوا جيّدا لجدّكم الحنون يخبركم عن رانب وصديقها العصفور الحسّون.

كان يا ما كان في قديم الزمان، في سالف العصر والأوان، كانت هنالك، عند سفح هضبة خضراء ظليلة، مملكة جميلة، تسكنها أرانب كثيرة وتعيش فيها أرنب صغيرة، اسمها رانب.

كانت جميع الأرانب في هذه المملكة الصغيرة سعيدة بمحصول الجزر الوفير. فكانت تتناول الجزر في اليوم مرات عديدة، وتسخر من الخضر الأخرى، وتعتقد أنها غير مفيدة.

وكانت الأرانب، بما في ذلك رانب، تجلس طيلة اليوم تتناول الجزر، وتستمع لغناء الحسّون، الواقف على الغصون... ومرّت على ذلك سنون، الأرانب يقضمون الجزر، ولهم يصدح الحسّون بالغناء صبحا ومساء، فبدت المملكة في أرغد عيش وأفضل أجواء، ولا تتوقّع أي خطر..

وذات يوم، يا أعزائي، كانت الصغيرة رانب، تجلس وحدها في الظل، تتأمّل حقول الجزر العامرة وتفكّر ماذا لو نفذ فجأة كل الجزر، فحطّ الحسّون على أحد الغصون، وراقبها مدّة قبل ويقول:

 أيتها الصغيرة رانب، في ما تفكّرين؟
 أليس من الحكمة يا صديقي الحسّون، رغم وفرة الجزر، أن نبقي بعض المؤونة للأيام الأخر..
 أصبت يا صديقتي، حتى إذا جاء اليوم الموعود، وجدت الأرانب ما يسد الرمق ويقيم الأود

فرحت رانب بموافقة صديقها الحسّون على فكرتها، وطلبت منه أن يخبر بها الجميع حتى يشاركوها التفكير والتدبير. فطار الحسّون وحطّ على غصن قرب مجموعة من الأرانب تعبث بالجزر تتسابق في رميها فوق كومة تعادل الهضبة في ارتفاعها.

راقبهم الحسّون قليلا، ثم قال لهم:
 أيتها الأرانب الحكيمة إن الصغيرة رانب تطلب رأيكم
 في أي شأن؟ قال أرنب بني
 إنها تريد أن تقنعكم بتناول الخضر والبقول، قال الحسّون
 الخضر والبقول؟ هل جنّت الصغيرة؟ قال أرنب آخر
 لم تجنّ رانب، لكنها تفكّر في يوم قد يأتي فلا تجدون فيه جزرة واحدة؟
فأجانبه أرنب كبير:
 لن ينفذ كلّ هذا الجزر، وإن نفذ فسنرحل بعيدا لنبحث عن المزيد منه
فقال الحسّون:
 كيف تتركون مملكتكم ورانب وحدها؟
فقال أرنب آخر:
 لم تعد منا مادامت تريد أن تغيّر عاداتنا

وعبثا حاول الحسّون إقناعهم، وهكذا بقيت الأرانب، يا أحفادي تقضم الجزر وكأنها لم تسمع ما قاله العصفور، فقد تعوّدت أن تسمع صوته في الغناء ولم تتوقّع منه أن يصبح من النصحاء.

ورجع الحسّون إلى الصغيرة رانب ليخبرها عن ردّ فعل الأرانب. فصمتت قليلا تفكّر، ثم قالت:
 علينا أن نساعدهم ليفكّروا في غدهم، فمن الحكمة التفكير في العشاء قبل الغذاء، حتى لا يشمت فينا الأعداء، ويأتي يوم نجوع فيه ويضعنا الثعلب في فيه..
 نعم الرأي يا صغيرة، ولو أردت النصيحة والمشورة، فإنني أرى أن نخفي جزءا من المحصول، ونملأ الحقول بالخضر والبقول
 ونقنعهم بالتقليل من تناول الجزر، ففي عدم التنويع في الأكل يكمن الخطر
 ولكن كيف نقنعهم بالتغيير، وهم في حياتهم لم يتذوّقوا غير الجزر
 بالتدريج تتغيّر العادات، قالت رانب

وهكذا يا أحفادي، بدأت رانب وصديقها الحسّون يعملان بجد واجتهاد ليلا ونهارا، ليخفيا الجزر في الحفر.. وذات يوم انتبه لهما أرنب صغير، اقتنع بفكرتهما وتطوّع لمساعدتهما، والتحق به بعض أصدقائه، وتضاعف العدد حتى تكوّن فريق للعمل، فجمعوا مؤونة تكفي لأكثر من شهر، وحرثوا الأرض وزرعوها بمختلف الخضر والبقول.


وفيما هذا الفريق منشغل بالحرث والزرع، كانت الأرانب تجتمع كل يوم فتتناول الجزر دون التفكير في الخطر، إلى أن جاء يوم.. فهل تعرفون يا أعزائي ماذا حدث لهم في ذلك اليوم؟

كان أحد الأرانب الصغيرة يلهو مع أترابه قرب جحره، فأغمي عليه، وبقي مدّة فاقد الوعي. جزعت الأرانب كلّها، وأحضروا الطبيب الذي أخبرهم أن هذا الأرنب الصغير لن يشفى إلا إذا تناول غذاء مختلفا ومتنوّعا. سخرت الأرانب من كلام الطبيب، وأكّدت له أن الأرانب، منذ أن خلقت، لا تقتات إلا على الجزر، وأنها ترفض تغيير عاداتها وعادات أجدادها.

قال أرنب بني:
 أنا أتناول البصلا، أو طماطم؟ أفضّل الموت على ذلك
وقالت أرنبة بيضاء:
 إن مجرد سماعي لاسم القثاء أو اليقطين يثير اشمئزازي...

وتوالت الأرانب على التعبير عن استهزائها بالبقول والخضروات.

ويوما بعد يوم ارتفع عدد الأرانب الصغيرة التي لا تقدر على اللهو ويغمى عليها... لم يبقى في مملكة الأرانب أرنب صغير لم يمرض بذلك المرض الغريب الذي يجعل الجسم هزيلا، والوجه شاحبا والعيون غائرة... ومع ذلك استمرت الأرانب في عنادها، وعالجت صغارها تارة بعصير الجزر، وطورا بمراهم الجزر، وغيرها من الأدوية المشتقة من الجزر، ولم يفدها ذلك في شيء... إلى أن نفذ كلّ ما الحقول من جزر.

هل أخبركم يا أحبتي ماذا فعلت الأرانب عندما نفذ كل الجزر، ولم تجد حتى جزرة صغيرة واحدة لتتقاسمها. لقد ذهبت الأرانب للحكيمة رانب تعتذر..

وقال الأرنب المرقّط الكبير:
 أعذرينا يا رانب، لقد كنا مخطئين
وقالت أرنبة صهباء:
 لقد ظلمناك وسخرنا منك يا حكيمتنا، ونعوّل على طيبتك
وقال أرنب بني:
 لقد سمعنا أنك أخفيت الكثير من الجزر، فهل تعطيننا منه قدر حاجتنا
فأجابتهم رانب:
 أنتم أهلي وإخوتي، لقد فعلتم ما كنتم به مقتنعون، وقمت أنا ومن معي بإنجاز خطتنا التي نحن بها مؤمنون
فقال أرنب الرمادي:
 فهل ستساعديننا
فقالت رانب:
 طبعا سأساعدكم، ولكن قبل أن أعطيكم الجزر، سأمتحنكم
فقالت الأرانب:
 امتحان؟ أي امتحان؟
 سأعطيكم بعض الخضر المختلفة لتناولها مدّة خمسة أيام، قالت رانب

فهاجت الأرانب وماجت، بين مؤيّد ورافض لفكرة الامتحان، ومندّد باستيلاء رانب على محصول الجزر.. تصوّروا يا أحفادي، أن الأرانب اتهمت رانب بسرقة الجزر وإخفاءه لتجبرها على تناول الخضر.. ومع ذلك لم تغضب منهم رانب، بل انتظرت أن يقولوا كلّ ما لديهم، وعندما فرغوا من اتهاماتهم، قالت لهم:

 يا أيتها الأرانب الطيبة، إن أنا أعطيتكم كلّ مخزون الجزر فسينفذ حتما في غضون أيام قليلة، ولكن ما رأيكم لو أعطي لكلّ منكم جزرة واحدة مع بعض الخضر، فمن لم تكفه جزرة واحدة في اليوم، عليه أن يجرّب تناول الخضر والبقول في انتظار جزرة اليوم الثاني، وذلك لمدّة خمسة أيام..

بعد نقاشات طويلة وافقت الأرانب على مضض، فوزّعت عليهم رانب مع صديقها الحسّون وفريقها من الأرانب جزرة واحدة لكلّ أرنب، وأربعة أصناف مختلفة من الخضر والبقول. فأخذت الأرانب حصتها من الغذاء وهي تتخوّف من خوض التجربة.

وككلّ البدايات، يا أحبّتي، لم تستسغ الأرانب في اليوم الأوّل مذاق اللفت، ولا اليقطين، حتى أن بعضهم أحسّ بآلام في بطنه بعد تناول السبانخ، وقرّر العديد منهم الاكتفاء بأكل الجزر. وفي اليوم التالي تغلّب الجوع على الكثيرين الذين اضطرّوا لتناول البطاطا والملفوف مع الجزرة اليومية الواحدة.

كانت الأرانب تتناول طعامها بتقزّز، وكأن شيئا ما في حلوقها يمنع الخضر من الوصول إلى بطونها بسهولة. وفي اليوم الثالث، بدأت بعض الأرانب تستسيغ مذاق الكرّاث والخيار. أما في اليوم الرابع، فقد نسيت بعض الأرانب أن تطلب الجزر. وفي اليوم الخامس أجمع الكلّ أن الأرانب الصغيرة بدأت تتعافى من الداء الذي أصابها ولم تعد تشعر بالإرهاق لأدنى مجهود، حتى أنّ هنالك بعض الأرانب التي أكّدت أن وجوه أبناءها بدأت تتورّد..

وفي الأثناء كانت الحكيمة رانب تواصل حرث الأرض وزراعتها بمختلف أنواع الخضروات، وبدأ الفريق الذي يعمل معها يتوسّع.

وهل تعرفون يا أحفادي كيف انتهت هذه القصّة؟ لقد صارت الأرانب تأكل كلّ الخضر والبقول والغلال. وهي طبعا لم تتخلى عن الجزر أكلتها المفضّلة، ولكنها تعوّدت أن تنوّع طعامها، فتتناول على الأقلّ خمس أنواع من الخضر والبقول والغلال في اليوم. وأعلنت يوما ملكيا للجزر، وعدّة أعياد أخرى لبقية الخضر، وتعلّمت أن لا تبذّر محصولها مهما كان وفيرا وأن لا تستهين برأي أي أرنب مهما كان صغيرا.


تونس، أكتوبر 2010

هناك تعليق واحد: