الاثنين، 19 نوفمبر 2018

"هدية الثعلب العجوز " قصة للأطفال بقلم: طلال حسن


هدية الثعلب العجوز
قصة للأطفال
بقلم: طلال حسن

    " 1 "
ــــــــــــــــــــ
   حمل الثعلب العجوز السلة ، وهمّ بالخروج من البيت ، فتطلعت زوجته إليه ، وقالت بنبرة ذات معنى : لن تقبل الأرانب هذه الهدية منك .
وردّ الثعلب العجوز ، دون أن يتوقف : هذه الهدية سأقدمها للحمامة .
وخرج الثعلب العجوز ، وهو يقول : لقد فقست بيضتاها ، صباح اليوم .
وهزّت الزوجة رأسها ، وقالت : جزر للحمامة ! لقد خرف .

    " 2 "
ـــــــــــــــــــ
   سار الثعلب العجوز ، حاملاً سلة الجزر ، مترنماً بأغنية ، حين رأى الكلب قرب النهر ، وتوقف مفكراً يا للجنون ، إنه يصنع طوفاً ، وهتف به ساخراً : يا للطوف الجميل ، يبدو أنك مسافر .
فردّ الكلب : أنت أمهر ربان في الغابة ، يا عزيزي .
وواصل الثعلب العجوز سيره ، وهو يقهقه قائلاً : هيهات ، استقله أنت ، لعلك ترتاح ، وتريح .

    " 3 "
ـــــــــــــــــــــ
   وصل الثعلب العجوز شجرة الزيتون ، ورفع رأسه إلى عشّ الحمامة ، وصاح محيياً : أيتها الحمامة ، جئتك بهدية .
وأطلت الحمامة من العش ، ونظرت إلى السلة مندهشة ، وقالت : جزر !
فردّ الثعلب العجوز قائلاً : سامحيني ، يا عزيزتي ، لم أجد ما أهديه لكِ غير هذا الجزر .
وابتسمت الحمامة قائلة : أشكر شعورك الطيب .
ووضع الثعلب العجوز سلة الجزر أسفل الشجرة ، وقال : بعد إذنك ، لابد أن أذهب ، إنني مشغول .
ولوح للحمامة ، وأضاف : سلامي للصغيرين .
وتابعته الحمامة ، وهو يمشي مبتعداً ، وقالت في نفسها : عجباً ، أيعقل أنه الثعلب العجوز ؟

    " 4 "
ـــــــــــــــــــ
   أقبل الأرنب ، وقدم للحمامة باقة أزهار ، وقال باسماً : مع أطيب تمنياتي .
وتشممت الحمامة الأزهار ، وقالت : يا لله ما أطيب رائحتها .
وابتسم الأرنب قائلاً : لا عجب ، إنها أزهار النرجس ، وهي ..
وسكت متلفتاً ، وقد ملأت أنفه رائحة يحبها ، وما إن وقعت عيناه على السلة ، حتى صاح : جزر !
وضحكت الحمامة قائلة : سلة كاملة ، جاءني بها الثعلب العجوز ، تخيل .
وبدت الحيرة على الأرنب ، ونظر إليها ، وقال : لكن لديّ جار عزيز يحب أكله .
وهتف الأرنب فرحاً : أتعنين .. !
وقالت الحمامة : السلة كلها لك ، فخذها هنيئاً مريئاً .
واختطف الأرنب السلة ، وقال : أشكرك .
ثم انطلق مسرعاً إلى بيته .

    " 5 "
ـــــــــــــــــــ
   سار الكلب حاملاً باقة أزهار ، متجهاً نحو شجرة الزيتون ، ورآه الأرنب ، فتوقف لاهثاً ، وقال : يبدو أنك ذاهب لزيارة الحمامة .
وتوقف الكلب ملوحاً بالأزهار ، وقال : نعم ، لقد فقست بيضتاها .
وابتسم الأرنب ، وقال : يا لروعة فرخيها الصغيرين .
وحانت من الكلب نظرة إلى السلة ، فقهقه الأرنب ، وقال : تخيل ، يا صديقي ، هذا الجزر قدمه الثعلب العجوز للحمامة .
وبدت الدهشة على الكلب ، وقال : عجباً ، إن الحمامة لا تأكل الجزر .
وقال الأرنب ، وهو يستأنف سيره : ولهذا أهدته لي .
وواصل الكلب أيضاً سيره ، وباقة الأزهار في يده ، لكن سلة الجزر لم تغب عن باله .
 وقبل أن يصل شجرة الزيتون ، توقف مفكراً ، لقد رأى الثعلب يبحث منذ أيام عن عشبة معينة ،  يا له من ماكر .. ، وألقى باقة الأزهار ، وانطلق كالسهم إلى بيت الأرنب .


    " 6 "
ــــــــــــــــــ
   طرق الباب بعد الغروب ، لكن أحداً لم يرد ، ودُفع الباب بهدوء ، ودخل الثعلب العجوز ، وما إن رأى الأرنب راقداً ، حتى ضمّ يديه إلى صدره ، وقال : حبيبي .
ومن ورائه جاءه صوت يعرفه : حبيبك نائم .
وتسمر الثعلب العجوز في مكانه ، يا للهول ، إنه الكلب ، وكاد يتهاوى حين سمع الباب يُغلق في هدوء ، وردّ دون أن يلتفت : نائم ً الوقت مازال مبكراً .
واقترب الكلب منه ، وقال : أمر غريب ، ربما لا يعرف سرّه أحد غيرك .
وبسط الثعلب العجوز يديه متسائلاً : ومن أين لي أن أعرف ؟
فقال الكلب : لقد أكل جزرة واحدة من هذه السلة ، التي أهديتها للحمامة ، فنام .
ثم أشار إلى الجزر ، وقال : تفضل .
وحدقّ الكلب فيه ، وقال : أعرف أنك تفضل الحمامة والأرنب لكن لا مفرّ ، لابد أن تأكل جزرة .
وجحظت عينا الثعلب العجوز ، وصاح : لا .. اتركني أرجوك .
واقترب الكلب منه ، وقد أمسك بجزرة كبيرة ، وقال : افتح فمك .
وفتح الثعلب العجوز فمه صائحاً : لا .. لا .. لا أحب الجزر .
ودسّ الكلب الجزرة في فمه ، وكشر عن أنيلبه ، وقال : ابلعها وإلا بلعتك .
وخشي الثعلب العجوز العاقبة ، فطحن الجزرة بأسنانه المنخورة ، ثم بلعها ، و ...

      " 7 "
ــــــــــــــــــــ
   فتح الثعلب العجوز عينيه بصعوبة ، يا للعجب ، الشمس مشرقة ، لابد أنه يحلم ، لقد غابت قبل قليل ، ولا يمكن .. آه .. إنها الجزرة ، لو كان يعرف أنه سيأكل من هذا الجزر لما نقعه لمدة يومين مع الأعشاب المنومة ، وشعر باهتزاز ، إنه الزلزال ، وانتفض مرعوباً ، وههمّ أن يلوذ بالفرار ، وإذا هو وجهاً لوجه مع أمواج النهر العاتية .
وتسمر في مكانه ، وقد جحظت عيناه ، إنه في الطوف ، وسط أمواج النهر ، يا للكلب الماكر ، لقد فعلها ، وفتح فمه على سعته ، وصاح بأعلى صوته : النجدة .. النجدة .. النجدة .
وتلفت حوله ، لكنه لم يسمع غير صدى صياحه : النجدة .. النجدة .. النجدة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق