الثلاثاء، 6 نوفمبر 2018

هدايا العيد بين عفوية الفكاهة وطفولة غير نمطية للكاتبة: الدكتورة أماني الجندي رسوم الفنانة: أماني البابا بقلم: السيد شليل


هدايا العيد بين عفوية الفكاهة وطفولة غير نمطية للكاتبة: الدكتورة أماني الجندي رسوم الفنانة: أماني البابا
 بقلم: السيد شليل
صدرت عن سلسلة سنابل التابعة للهيئة المصرية العامة للكتاب، قصة (هدايا العيد) للكاتبة الدكتورة أماني الجندي رسوم الفنانة: أماني البابا.
وتدور أحداثها الغير نمطية حول الجد، الذي يدعو حفيدته الصغرى لزيارة أخته "نفوسه" وزوجها "حسيني" وأولاده الخمسة في مدينة فاقوس بالشرقية! وببراءة الطفولة سألت ياسمين بطلة قصتنا (هدايا العيد) جدها سؤالًا حدد لنا بعض المعالم التي رسمت شخصية الجد.
ماذا يعمل أخوالي يا جدي؟!
فكان الرد صادمًا بأنه لم يراهم منذ ثلاث سنوات!
وهنا إشارة ذكية من الكاتبة التي كتبت لنا نصًا غير تقليدي، ورصدت من خلاله العلاقات الشائكة والمتفككة بل المبتورة، بين الأهل وهي مجازفة جد خطيرة لكون العمل المقدم للطفل، بعوالمه النقية الطاهرة المتناغمة مع البراءة والجمال فلا نستطيع أن نحمله تلك الصراعات، ولكن الكاتبة تُصر على أن تجعل من الطفل عنصرًا مشاركًا بل فعالًا في تلك الصراعات، وهذا ما سوف نعرفه من خلال سرد الأحداث القادمة عبر القصة وتفاصيلها المحبُكة.
اشترط الجد على ياسمين حتى يوافق على مشاركته الرحلة ، بأن يقتسم معها ما سوف تحصل عليه من عدية في رحلتهما ، وهنا رصد آخر لنوعية مختلفة من الأجداد يؤكد لنا بأننا لسنا أمام نص عادي ، فمن السهل أن تختار الكاتبة نمطًا عاديًا لجد وديع محب كريم ، ومع كل ذلك وافقت ياسمين على شرط جدها وراحت تُخبر أصدقائها وكل من تعرفه بأنها سوف تسافر مع جدها ، لرؤية الريف بمشاهد السينما التي حُفرت في ذاكرتها ، مثل جر البقر لساقية المياه والبط والأوز وهما يسبحان في الترعة ، والزروع الخضراء للفول الأخضر ، والذرة وشجر التوت وكل تلك المشاهد البكر ، توازي طفولة نقية بريئة ، ورغم أن الجد اختار حفيدته الصغرى دونما أخوتها الأربعة ، حتى تعرفنًا الكاتبة في إشارة قوية بأن الجد الحريص ، له تفكير به من المكر ما يجعل تعاطف ، وتودد الأهل لأخر الأحفاد يكون أكبر وأقوى ، ويكون المردود من العدية أكبر ، وفي عتاب بين الأب والأم الذي يؤكد لنا أدب الأب رغم علمه بحرص الحاج أمين ، الجد وحب الابنة لأبيها والدفاع عنه رغم معرفتها بأنه لن يصرف مليما على ياسمين ، رغم حبه لها فيقرر الأب والأم بأن يعطوا لابنتهما مالًا تصرف منه ، ومع سمع ياسمين التي تحمل معظم صفات الطفولة بين الذكاء ، والدهاء والمرح لكنها لم تخبر أبويها بما تم الاتفاق عليه ، مع جدها الحاج أمين من اقتسام العدية والهدايا!
بدأت الرحلة وياسمين في كامل هندامها فستان العيد، وحقيبة تحمل ثلاث جنيهات عدية من أبيها وحذاءاكجديدًا، أما الجد أمين فارتدى زيًا كان يدخره للمناسبات منذ خروجه على المعاش وانطلقًا إلى محطة القطار.
وفي تصاعد درامي بدأ الصراع،بسؤال الجد عن ثمن التذكرة، وطلب من ياسمين أن تعطيه جنيهًا ثمنًا للتذكرة، وكان رده هل تركبين القطار بدون تذكرة؟
فردت بمكر وذكاء وبراءة معًا سوف أجلس على رجليك!
 وتفاجأ الجد برد لم يتوقعه، وظلت على عهدها مع جدها، وعندما مر بائع السميط طلبت منه أن يشتري لها فاعتذر،قائلًا: أنا صائم!
 فردت عليه بأن رمضان قد انتهى.
 فقال بأنه يصوم الستة أيام البيض،فردت: بأنها ليست صائمة وجائعة!
  فبادرها الجد قائلًا: ليس معي فكة.
 فجاءه الرد الصادم كالعادة والعنيد: وأنا أيضا ليس معي فكة!
 وأصرت ياسمين على حب جدها ، رغم اختلافها مع تصرفاته ، وأكملت رحلتها محاولة الاستمتاع بما حولها ، من زروع وبيوت ومشاهد جميلة تبعتها ، عبر نافذة القطار عندما خدمها الحظ ، وتعب جدها فجلست على رجلي امرأة كانت بجوار النافذة ، في قطار بدًا متهالكًا قديمًا ، وكانت تستعين بجدها لسؤاله عما لا تعرفه ، من حقول البرسيم والكرنب والأرز وأبراج الحمام ، وفي إيماءة ذكية رصدت الكاتبة بعين بطلة قصتنًا أسماء بعض المحطات التي تؤكد على طريق السير في الطريق الصحيح ، بدأ من شبرا وصولًا لأبو كبير ومنها لفاقوس ، حيث ظل الجد يتذكر خارطة الطريق ، التي ظلت في عقله حبيسة لمدة ثلاث سنوات ، هي فترة الانقطاع عن الزيارة ، وكان أول زيارة لمحل الحاج " حسيني" بائع الأحذية ، الذي منح ياسمين حرية حذاءين واحد صيفي وآخر شتوي ، ولكنها تذكرت الاتفاق ، فاختارت حذاءً لها ، وآخر لجدها كما اتفقًا من قبل في اقتسام الهدايا والعدية ، وهنا لم تتخلى الكاتبة عن إرساء دعائم أخلاقية للطفل ، أهمها أن يظل صادقًا فعندما سألها الحاج حسيني : لمن ذلك الحذاء الرجالي؟!
 أجابته بعفوية لجدي أمين، فضحك الرجل لأنه يعرف عن الجد مدى حرصه وفسر تصرفها بأنها فضلت جدها أمين، على نفسها وأبيها ولكنها أصرت على رفض هذا التفسير، المغاير لما تراه ووضحت الصورة بأن ذلك اتفاق فيما بينهمالاقتسام كل شيء أحصول عليه!
وفي كنف الجدة "نفوسه" أخت الجد أمين، تفاجأت ياسمين بأنها تسكن في قصر وليس بيتًا طينيًا، كما كانت تتصور ورأت حرارة لقاء جدها بجدتها بعد قطيعة رحم، دامت لمدة ثلاث سنوات كانت هي سببًا في وصلها، وما ألم قلب طفلتنًا الرقيقة أنها وجدت جدتها نفوسه كفيفة، ثم تسألها: هل معك حقيبة؟!
 فترد عليها الطفلة في براءة نعم، ثم تقول لها: ضعي تلك النقود بها حتى لا يأخذهم أحد!
 وظلت ياسمين تعطر كل بيت تدخله ، بحركاتها المرحة وأسلوبها الجميل ودهائها عندما تلاطف جدها ، ومن بيت لبيت حتى انقضا يومان ، ومن بيت أخولها لبيت جدها إبراهيم ، وكعادة في الريف يقال لكل رجل كبير جدي ، أو عمي حتى ولو لم تربطنا بهم صلة قرابة ، ومن حالة نفوسه التي تعاني من الوحدة ، إلى جدها ابراهيم الذي سافرت عنه ابنته الوحيدة بعد زواجها ، بنجار مسلح في السعودية ، فظل وحيدًا ولم تهنأ ياسمين بنوم طبيعي ، فقد أزعجها قرص الناموس ولدغ البراغيث ونباح الكلاب ، وكل تلك الصفات موجودة في كل مكان ولكن الكاتبة أرادت أن تعقد مقارنة ما بين حياة الريف بحاضرها ،وقضيمها كما حدث بين ملابس ياسمين يوم العيد ، وملابس جدها أمين ، بين بيت نفوسه وبين إبراهيم وأثناء العودة عاود الجد أمين ، طلب المال ثمنًا لتذكرة العودة  ،من حفيدته فأجابته بنفس الإجابة ، سوف أجلس على رجلك.
 ولو أن الجد هنا لا يحب حفيدته لرفض اقتراحها ، ولكنه يعلمها بعض الدروس المهمة من الاعتماد على النفس ، والحرص على ما نملكه وصرفه فيما يجدي وعندما طلبت منه أن يشتري لها بسكوتات ، تعلل بصيامه فردت عليه: بأنه كان مُفطرا بالأمس فخرج عليها برخصة دينية ليس شرطًا أن يصوم الستة أيام البيض متتابعين ، وداخل القطار يدور حوار بين ياسمين وجدها ، تستجديه فيه بأن يحملها لأنها تعبت ووزنها 25 كيلو ، وتريد منه أن يضمها إلى صدره ، فيخبرها بأنه لا يستطيع الوقوف أصلًا ، فتطلب منه الانتقال للدرجة الأولى ، فيرد بأنه ليس معه نقود تكفي ، ولكنها تخبره بأنها تعرف بأن في حافظة نقوده مالًا كثيرًا فيصدمها بسؤاله عن كم أخذت من أقاربنا ؟
فقالت له أعطوني عشرين جنيهًا.
 فيذكرها بالاتفاق وأن له النصف، فترد عليه عندما نصل سنتحاسب يا جدي!
 وعند وصولهما يكتشف كلًا منهما ضياع نقوده، وكأنها رسالة أرادت الكاتبة أن توصلها للجميع، عبر أحداث قصة مليئة بالأحداث والقيم الأخلاقية السامية، عبر سرد شيق ولغة عذبة، وشخصيات غريبة بأسمائها وتصرفاتها، ولكنها كانت قصة ممتعة عن الهدايا الأخلاقية الراقية، التي ظلت تعزفها كاتبة القصة عبر شخوصها، الذين سيظلون بالذاكرة ولن يبرحوها أبدا، بصحبة ريشة فنانة أبدعت مع النص المكتوب؛ فرسمت لنا بألوان مبهجة وتفاصيل دقيقة معالم أبطال هدايا العيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق