الأحد، 25 نوفمبر 2018

"الهدنة" قصة للأطفال بقلم:طلال حسن


الهدنة
قصة للأطفال
بقلم:طلال حسن
    " 1 "
ــــــــــــــــــــ
     بأمر الأسد ، ملك الغابة ، انطلق القرد في كل مكان، معلناَ بأعلى صوته : بمناسبة عيد ميلاد الملك ,تعلن الهدنه ليوم واحد ، في جميع أنحاء الغابة ، تبدأ يوم غد، من شروق الشمس حتى غروبها والموت لمن يخالف هذا الأمر .
    في الحال ، انطلق من جميع أنحاء الغابة ، أصوات مرتفعة تهلل فرحاً :
-        هي  ي ي ي.
-        الهدنة غداً .
-        فليحيا السلام .
-        هدنة ..هدنة .. هدنة .

  أصغى العصفور الصغير ، الذي كان يقف في العش بجانب أمه ، إلى القرد ، ثم تساءل : هدنة ! ما الهدنة يا ماما ؟
فردت أمه قائلة :الهدنة هي أن نعيش بسلام مع الحدأة والثعلب والبومة.
وأغمض العصفور الصغير عينيه ، وقال : آه هذا حلم .
وتنهدت الأم ، وقالت :نعم ، إنه حلم .
وفتح العصفور الصغير عينيه ، وقال فرحاً : ، وقد تحقق .
لكن أمه ردت عليه قائلة :حذار يا بني ، فمثل هذا الحلم غالباً ما يكون خطراً.

    هزّ الثعلب رأسه ، وهو يقف أمام بيته ، وقال مغتاظاً:هدنة ! يا للجنون .
وانطلق مسرعاً ، وقال : عليّ أن أبحث عن طعام، إن الجوع ظالم ، ولن يهادنني غدا.


   انطلق الفهد وراء الغزالة بأقصى سرعته وهو يقول :  تمهلي يا عزيزتي .
وردت الغزالة دون أن تتمهل : تمهل أنت .
وهتف الفهد : يبدو أنك  لم تسمعي بالهدنة بعد .
وصاحت الغزالة :الهدنة غداً.
وخاطبها الفهد لاهثاَ : ما ضرّ لو قدمناها قليلاً.
وردت الغزالة قائلة :حقاً ، لا ضير بالنسبة لك ، إلى اللقاء .
وتوقف الفهد متقطع الأنفاس ، وهو يتابع الغزالة بعينيه الجائعتين ، وقال : يا لروعة جسمها ، ليتني آخذه بين مخالبي وأنيابي .
وتنهد متحسراً ، ثم قال : آه والمصيبة أن يوم غد: هدنة.


       توقف الذئب ، حين رأى الحمل يرعى وحده في المرج،  وقال في نفسه : فرصة من لحم ، وأي لحم .
وتأهب للانقضاض على الحمل قائلاً : فالأسرع ..  قبل أن ..
وهنا ارتفع نباح من مكان قريب : عو   عو  عو .
وجمد الذئب متمتماَ :ضاع اللحم .
وأقبل الكلب ، فرفع الحمل رأسه إليه ، وقال : مرحباً
يا صديقي ، تفضل .
وابتسم الكلب ،  فقال الحمل معتذراً: آه عفواً ، فاتني أنك لست نباتياً مثلي .
وتلفت الكلب حوله متشمماً ، ثم قال : أشم رائحة ذئب      وتراجع الحمل مرعوباً ، وقال : يا ويلي .
وتساءل الحمل خائفاَ :  ذئب !
ورد الكلب : لقد أذقته ذات مرة طعم أنيابي .
وانسل الذئب من مكانه ، ثم أطلق سيقانه للريح ، وهو يقول : وكدت أموت .
ووقف الكلب يتشمم ما حوله ، ثم قال : اللعين ، كان هنا، لابد أنه أراد أن يحتاط ليوم الهدنة .ً

   بعد أن أنجز القرد مهمته ، عاد مع الغروب إلى العرين ، ودخل على الملك ، وانحنى له وقال : مولاي ،  أعلنت باسمكم في كل مكان من الغابة ,قرار الهدنة ، وقد فرح الجميع بذلك .

والتفت الملك إلى من كان معه في العرين ، وكان بينهم النمر والدب واللبوة ، وقال :حسن ، هذه الهدنة إنجاز تاريخي كبير ، وهي المبادرة الأولى من نوعها في الغابة ، وقد نجعلها هدنة دائمة .
ثم خاطب النمر قائلاً : منذ فجر الغد ، أريدك أن تراقب تنفيذ القرار ، وأن تأتيني بكل مخالف ، مهما كان ، وسيلقى جزاءه العادل .
وانحنى النمر قائلاً:أمر مولاي .
ووقف الأسد ، وقال بلهجة خطابية : أعزائي ، ستشرق الشمس غداً على يوم لم تشهد الغابة له مثيلاً من قبل، فإلى  الغد .


         " 2 "
     ــــــــــــــــــــ
     استيقظ الثعلب مبكراً ، وبطنه تقرقر من الجوع ، فهب من مكانه قائلاً : الهدنة ستبدأ بعد قليل ، وسأموت من الجوع إذا لم أجد فريسة آكلها .
وانطلق مسرعاً ، يبحث هنا  وهناك ،عما يسد به جوعه ، وخفق قلبه فرحاً، حين رأى قشور بيض ، تحت إحدى الأشجار . ورفع رأسه ، وإذا حمامة بيضاء تطل عليه من عشها ، فلوح لها ، وحياها قائلاً: صباح الخير يا عزيزتي .
فردت الحمامة بشيء من السخرية: الثعلب ! أهلاً..أهلا .
وتغاضى الثعلب عن سخريتها وقال : انزلي ، ودعينا نتجول معاً .
فردت الحمامة قائلة : لكن الشمس لم تشرق بعد .
وتظاهر الثعلب بالتأثر ، وقال :عزيزتي ، لا تكوني سيئة الظن هكذا .
واحتضنت الحمامة صغارها ، وقالت : إنني أريد أن أرى يوم الهدنة .
وهتف الثعلب : هذا يوم الهدنة .
وردت الحمامة ، وهي تتراجع بصغارها إلى نهاية العش : نعم ، هذا يوم الهدنة، ولكن ليس قبل أن تشرق الشمس .
ومضى الثعلب مبتعداً ، وهو يدمدم : اللعنة ، لم أحظ بأي طعام ، كيف سأقضي هذا اليوم بطوله .
وتوقف مرعوباً ، حين سمع النمر يصيح به : أيها الثعلب .
وألتفت الثعلب إليه ، وقال : نعم سيدي .
وحدجه النمر بنظرة صارمة ، وقال : لا تنس ، اليوم هدنة .
فطامن الثعلب رأسه ، وقال : لن أنسى يا سيدي .
ومضى النمر مبتعداً، فدمدم الثعلب :هدنة ! يبدو أن هذا الأسد اللعين قد خرف .
وتراءى له الذئب ، فانطلق مسرعاً ، وهو يقول : لن ينجدني اليوم سوى الذئب ، فلأبحث عنه .

    أطلت الشمس من وراء الأفق ، ومع إطلالتها انطلقت من جميع أرجاء الغابة ، أصوات مرتفعة تهلل فرحاً :
-        هدنة ..هدنة .. هدنة .
-        لقد بدأت الهدنة .
-        فلنخرج جميعاً ، ونتجول في أمان .
-        غنوا للسلام ، فالجميع اليوم أخوة .
-        أخوة ..أمن .. سلام .

    توقف الثعلب مذهولاً ، حين رأى الفهد والغزالة يسيران جنباً إلى جنب ، وهما يتحدثان .
قال الفهد :عزيزتي .
وردت الغزالة :عزيزي.
ومال الفهد عليها ، وقال :لا أجمل منك ، وأنت تركضين كالريح .
وتطلعت الغزالة إليه ، وقالت : وأنت لا تقل عني سرعة في الركض .
واقترب الثعلب منها قائلاً : الله ..الله .
وتوقفت الغزالة وقالت : الثعلب .
وتوقف الفهد أيضاً ، وقال : أهلاً أيها العزيز .
ونظر الثعلب إليه ، وقال أعرفك صريحاً وذواقاً .
وتنهدت الغزالة قائلة : الثعلب يتكلم .
ورد الفهد : لا ضير ، ليتكلم .
واستطرد الثعلب : ليتك تقول لي رأيك في لحم الغزلان .
ورمق الفهد الغزالة بنظرة خاطفة ، وقال : لذيذ .
وجفلت الغزالة متسائلة : ماذا!
فقهقه الفهد قائلاًَ: لا تخافي يا عزيزتي ، لم أنسَ الهدنة .
وعبس الثعلب مدمدماً : الهدنة ؟
ومضى الفهد والغزالة ، يسيران جنباً إلى جنب ، وهما يتحدثان .
قال الفهد : عزيزتي .
وردت الغزالة : عزيزي .
وتابعهما الثعلب بنظرة مغتاظة ، وقال : فهد أحمق ، سأموت اليوم من الجوع .
وتلفت حوله قائلاً :هذا الذئب اللعين ، أين اختفى
   
    اتسعت عينا الثعلب شرهاً ، وسال لعابه ، عندما لمح الحمل من بعيد، يرعى وحده في المرج . وانطلق كالسهم ، لكنه بدل أن يتجه نحو الحمل ، مضى يبحث عن الذئب. وسرعان ما عثر عليه ، يغط في نوم عميق، تحت إحدى الأشجار . فخفّ إليه ، وأخذ يهزه قائلاً: انهض أيها الذئب .. انهض .. انهض .
ورد الذئب ، دون أن يفتح عينيه : دعني ، أريد أن أبقى اليوم نائماً .
وقال الثعلب بنبرة إغراء : عفواَ ، ظننت أنك جائع .
ومرة ثانية ، رد الذئب ، دون أن يفتح عينيه : جائع أو غير جائع ، اليوم هدنة ، والقنص ممنوع .
ومال الثعلب عليه متسائلاً: حتى قنص الحمل ؟
وفتح الذئب عينيه واعتدل قائلاً : الحمل !
فرد الثعلب : نعم ، تعال معي .
ووقف الذئب ، وقال مترددا ً: لكن اليوم ..
فأطبق الثعلب على يده ، وجره قائلاَ: تعال .. تعال.
توقف الثعلب بالذئب ، عند طرف المرج ، وأشار إلى الحمل ، الذي كان يرعى وحده ، وقال : أنظر .
ونظر الذئب إلى الحمل متمتماً : آه .
والتفت الثعلب إليه ، وقال : هيا ، أنت مثلي , جائع .
ورد الذئب متردداً : نعم ، جائع جداً ، لكن لا ، لا .
ورفع الحمل رأسه ، ورأى الذئب والثعلب ينظران إليه ، وبدل أن يتملكه الخوف ، ويلوذ بالفرار، اتجه نحوهما ، وهو يقول بشيء من السخرية :أهلاً .. أهلاً .. أهلاً .
وابتسم الثعلب بمكر ، وقال : أهلاً بك ، تبدو اليوم مرتاحاً .
وتوقف الحمل على مقربة منهما ، وقال : ومطمئناً أيضاً.
وتأوه الذئب قائلاً : آه .. الهدنة .
ورمق الثعلب الذئب بنظرة خاطفة ، ثم خاطب الحمل قائلاً : كل يا عزيزي هنيئاً مريئاً ، وأكتنز لحماً .
وتأوه الذئب ثانية : أوه .. آآي .
ومال الثعلب على الحمل ، وقال : الذئب المسكين .. جائع .
ورد الحمل : العشب كثير ، ليأكل حتى يشبع .
واحتد الذئب ، وقال غاضباً : امض ِ من هنا ، امض وإلا..
لم يمض ِ الحمل ، وإنما خاطب الذئب محذراً : لا تنس ، اليوم هدنة .
ودمدم الذئب من بين أنيابه : هدنة ..هدنة .. آه من هذه الهدنة .
ومال الثعلب عليه وهمس مغتاظاً :نحن وحدنا .. هيا .
وصاح الذئب بالحمل ، دون أن يلتفت إلى الثعلب : امض.ِ .امض ِ .
ومضى الحمل ملوحاً للذئب ، وهو يقول : إلى اللقاء .
ومد الثعلب يده منفعلاً ، ودفع الذئب باتجاه الحمل ، وقال : أيها الأحمق ، سيفلت منا .
وأمسك الذئب بيد الثعلب ، وأبعده بغضب ، وقال : دعني وإلا مزقتك .                                                                        
وتراجع الثعلب قائلاً : أنت جبان .
ثم أسرع نحو الحمل ، مكشراً عن أنيابه ، وهو يقول : سأهاجمه بنفسي ، وليكن ما يكون .
وأطلق الحمل سيقانه للريح صائحاً : النجدة ..النجدة .. النجدة .
وهنا برز النمر من بين الأشجار ، وصاح بالثعلب : توقف .
وتوقف الثعلب مرعوباً : آآآ.
وأقترب النمر منه ، وقال : أيها المجرم ، لقد خرقت الهدنة .
وحاول الثعلب عبثاً أن يبتسم ، وهو يقول : صدقني , إنه مجرد مزاح .
فأطبق النمر على يده ، وقال : هيا ، تعال ، وقل هذا لمليكنا الأسد .
وانقاد الثعلب للنمر منهاراً ، وهو يتمتم : يا ويلي ، الأسد؟



    " 3 "
 ـــــــــــــــــــ
   دخل النمر العرين ، وألقى بالثعلب عند قدمي الأسد ، وقال : مولاي ، هذا الثعلب اللعين خرق الهدنة ، وكاد يفترس الحمل .
وتداعى الثعلب وقال متوسلاً : سامحني يا مولاي .
ورمق الأسد اللبوة والقرد بنظرة خاطفة ، وقال : القرار واضح .
ونهض القرد ، وقال : وقد أعلنته ، باسم الملك ، في كل مكان .
ورفع الثعلب عينيه إلى الملك ، وقال : هذه آخر مرة ، يا مولاي .
فرد الملك قائلاً : فعلاً هذه آخر مرة .
واتسعت عينا الثعلب رعباً ، وتمتم : مولاي .
وأشار الملك للفهد ، وقال : خذه .
وجثا الثعلب أمام الملك ، وقال متوسلاً : الرحمة يا مولاي .
واستطرد الملك ، دون أن يلتفت إلى الثعلب : ضعه في القفص ، سأحاكمه بعد الغروب .
وأمسك الفهد بالثعلب قائلاً : أمر مولاي .
وقال الثعلب متوسلاً : مولاي ، أرجوك ، حاكمني الآن .
فرد الملك قائلاً : كلا ، إنني الآن جائـع .. آآ .. أعني متعب .
ثم أشار للفهد ، وقال : هيا خذه .
وأخذ الفهد الثعلب ، وجره إلى خارج العرين .
ونهض الملك ، وقال بصوت متعب : أعتقد أن الهدنة .. عمل تاريخي .. فعلاً .
وهنا دخل حمار فتي مكتنز ، فرمق الملك اللبوة ، وقال : أخبريني ، ماذا أكلت البارحة ؟
فردت اللبوة : حماراً .
وأشار الملك للحمار ، وقال : تعال .
واقترب الحمار من الملك فرحاً ، وقال : مولاي .
ومال الأسد عليه ، وقال متسائلاً : عندما تجوع ، ماذا تفعل ؟
وابتسم الحمار ببلاهة ، وقال : آكل يا مولاي .
وحدق الملك فيه ، وقال : إنني جائع .
فرد الحمار قائلاً : كل إذن يا مولاي .
وراقبت اللبوة الأسد ، وقالت في نفسها : سينقض قراره التاريخي .
ومال الملك على الحمار ، وقال : يبدو أنني سأعمل برأيك هذه المرة .
فقال الحمار فرحاً : هذا شرف لي يا مولاي .
وأشار الملك له ، وقال : تعال ، إذن .
وجمد الحمار مرعوباً ، وقال : مووو.. لاي .
وخاطبت اللبوة الأسد قائلة : الهدنة ، لا تنسها .
وتطلع الأسد إليها ، وقال : إنني جائع .
فردت اللبوة : الشمس لم تغب بعد . والتفت الملك إلى القرد ، وقال : أيها القرد ، اذهب وأعلن ، أن الشمس قد غربت .
ونهض القرد ، وقال متردداً : لكن الشمس يا مولاي لم ..  
فصاح الأسد غاضباً : هيا .
وأسرع القرد إلى الخارج ، وهو يقول : أمر مولاي .
وعلى الفور ، انطلق الحمار إلى الخارج مولولاً : يا ويلي ، انتهت الهدنة .
والتفتت اللبوة إلى الملك ، وقالت : لقد هرب الحمار .
فرد الملك قائلاً : لا بأس لدينا مجرم ، سأحاكمه بعد غروب الشمس ، وسآكله الآن .

   انطلق القرد في كل مكان ، معلناً بأعلى صوته : بيان هام ، بأمر الملك ، نعلن أن الشمس قد غربت ، وأن الهدنة قد انتهت .

  وفي الحال ، انطلقت أصوات من جميع أنحاء الغابة ، تصيح قلقة حائرة :
       ـ الهدنة انتهت !
       ـ لكن اليوم لم ينتهِ .
       ـ يا للأسف لقد انتهى الحلم .

  استبد الرعب بالثعلب ، وراح يدور قلقاً مفكراً ، داخل القفص ، وهو يقول : يا إلهي ، هذا الأسد اللعين سيأكلني، وبدون محاكمة ، إنني أعرفه ، لابد أن أبحث عن منفذ للخلاص وإلا ..   .

   ما إن سمعت الغزالة القرد ، يعلن انتهاء الهدنة ، حتى انتفضت من جانب الفهد ، وأطلقت سيقانها للريح . فهتف بها الفهد : مهلاً يا عزيزتي ، مازال لدي ما أقوله لك ..                      
لكن الغزالة لم تتمهل ، وواصلت فرارها قائلة : أجّل هذا للهدنة القادمة .
وعلى الفور ، انطلق الفهد في أثرها ، وهو يقول : قال جدي ، لا تؤجل قنص اليوم إلى الغد .

   تناهى إلى الحمل ، وهو يرعى وحده في المرج ، صوت القرد قادماً من بعيد ، يعلن انتهاء الهدنة ، فتوقف عن الرعي ، وقال خائفاً : الهدنة انتهت ! يا إلهي ، إنني بعيد عن البيت ، وصديقي الكلب ..   .
وصمت مرعوباً ، حين سمع حركة بين الأشجار ، وتلفت حوله ، وقال : لا بد أنه الذئب ، ومعه رفيقه الثعلب ، سينتقمان مني إذا وجداني هنا ، فلأهرب قبل فوات الأوان .
وحالما هرب الحمل ، أقبل الذئب يتشمم  الأرض أيضاً .
قال الذئب في نفسه : آه إنه هو .
وقال الكلب في نفسه أيضاً : هذه رائحته .
وارتطم أحدهما بالآخر في منتصف المرج ، وانتفضا مذهولين. وما أن تبين أحدهما الآخر ، حتى صاحا معاً : أهو أنت !
وأطلق الذئب سيقانه للريح قائلاً : أنت لعنتني . وأسرع الكلب في إثره ، وهو يقول : ولن تفلت مني .

   خرج الملك من العرين ، متجهاً نحو القفص ، يتبعه القرد ، وقال : حانت ساعة القصاص ، سأنفذ الحكم بالثعلب .
وتطلع القرد إلى الملك ، وقال متردداً : لكنك لم تحاكمه بعد يا مولاي .
فرد الملك منزعجاً : سأحاكمه ،سأحاكمه بعد غروب الشمس .. .
وتوقف الملك مذهولاً أمام القفص ، وقال : أين هذا اللعين ؟ آه لقد فتح الباب وهرب .
واقترب القرد منه ، وقال مواسياً : ليهرب يا مولاي ، إنه لا يستحق أن يدخل التاريخ على يدك ، في مثل هذا اليوم الخالد .
فرد الملك قائلاً : لعلك على حق .
وبلهجة خطابية ، قال القرد : مولاي ، هذا يوم تاريخي ، ستذكره الأجيال القادمة بكل ..   .
وقاطعه الملك قائلاً ، وهو يمضي مبتعداً عن القفص : نعم ، يوم تاريخي ، لكن لن أكرره ثانية .

   



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق