السبت، 25 أغسطس 2018

"ظل في الأعماق| قصة للأطفال بقلم : طلال حسن



ظل في الأعماق
قصة للأطفال
بقلم : طلال حسن


    فزّ مستيقظاً ، عند منتصف الليل ، وإذا أنثاه قد استيقظت هي الأخرى  ولعلها أحست بقلقه ، فقالت : لا داعي للقلق ، أظن أنها الريح .
ورغم ميله إلى ظنها ، إلا أنه نهض من مكانه ، وتوغل بين الأحراش ، من يدري ، لعلها ليست الريح ، وإنما .. الثعلب .
وقفل عائداً بعد حين ، وجثم إلى جانبها ، وقال : أنتِ محقة ، إنها الريح .
ومدت منقارها ، ومسدت بحنان ريش صدره ، وقالت : الوقت متأخر ، الأفضل أن تنام .
ومال عليها ، وقال بصوت رقيق : حلمت قبل قليل ، أن البيض قد فقس .
ومسدت ريش صدره ثانية ، وقالت : ستفقس قريباً ، أغمض عينيك ، ونم .
وقبل أن يغمض عينيه ، قال : لتفقس بسرعة ، أريد لصغاري أن يتمتعوا بحبك وحنانك .

    "2 "
ـــــــــــــــ
    اشتهت البطة ، صباح اليوم التالي ، أن تفطر بسمكة ، وقررت أن تمضي إلى البحيرة ، وتصطاد سمكة ، رغم خوفها من السلحفاة النهاشة ، التي أشيع مؤخراً ، أنها تجوب أعماق البحيرة .
وعلم ذكرها بقرارها ، فاعترض قائلاً : كلا ، أبقي أنت في العش ، محتضنة البيض ، وسأذهب أنا ، وآتيك بما تشتهين .
ورضخت البطة لمشيئته ، وبقيت محتضنة البيض في العش ، بينما مضى هو إلى البحيرة ، وقد ندمت البطة لرضوخها أشد الندم ، لكن بعد فوات الأوان .
وتابعته بعينيها المحبتين ، يحلق ، ثم يحط فوق مياه البحيرة ، ويأخذ بالسباحة ، باحثاً عن سمكة يصطادها ، ويعود بها إليها .
وعل حين غرة ، رأته بأم عينيها ، يخفق بجناحيه للحظة مستغيثاً ، ثم يغوص بسرعة ، نحو الأعماق المعتمة الباردة .
وهبت من فوق البيض ، منطلقة بأقصى سرعة إليه ، لعلها تنجده ، لكنها لم تعثر له على أي أثر ، وحدقت في الأعماق ، فلمحت ظلاً شائهاً ، يغوص ويتلاشى في العتمة ، وخفق قلبها رعباً ، إنها السلحفاة النهاشة ، نعم ، إنها هي ، ولا أحد غيرها ، والآن ما العمل ؟

    " 3 "
ـــــــــــــــــ
     منذ ساعات ، والبطة تحوم حول البحيرة ، ماذا تأمل ؟ أن تراه ثانية ؟ هذا مستحيل ، فهي تعرف ، أن ما تسحبه السلحفاة النهاشة إلى الأعماق ، لا يراه أحد ثانية ، مهما طال انتظاره .
ولأمر ما ، هبطت البطة ، وحطت فوق مياه البحيرة ، حيث حط ذكرها ، وراحت تسبح ، كما كان يسبح ، قبل أن تسحبه السلحفاة النهاشة ، وتغيبه في الأعماق .
لقد رأت ـ ويا للجنون ـ أن تستدرج السلحفاة النهاشة ، حتى إذا أطبقت على قدميها ، وهمت أن تسحبها إلى الأعماق ، انتفضت محلقة بها عالياً ، نحو الشاطىء الصخري ، ثم تلقيها من حالق ، فتمزقها الصخور ، كما تمزق هي ضحاياها في الأعماق .
ولكن ماذا لو أخفقت ؟ ولاح لها في الأعماق ، ظل قاتم يتحرك ببطء ، أهي سمكة كبيرة ، أم إنها السلحفاة النهاشة ؟
وتراءى لها ذكرها ، يجثم إلى جانبها ، ويقول قبل أن يغمض عينيه : ليفقس البيض بسرعة ، أريد لصغاري أن يتمتعوا بحبك وحنانك .
وعلى الفور ، انتفضت محلقة ، وعادت إلى بيضها ، لتحضنه ، منتظرة أن يفقس ، ويخرج منه صغارها الذين ستمتعهم بكل حبها وحنانها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق