الأربعاء، 1 أغسطس 2018

واقع ومستقبل كتاب الطفل والقراءة فى عالمنا العربى المعاصر بقلم: يعقوب الشارونى



واقع ومستقبل كتاب الطفل والقراءة
فى عالمنا العربى المعاصر
يعقوب الشارونى

الجزء الأول
واقع الكتاب والقراءة

* حتى نتمكن من إبداء رأى موثوق به فى موضوع الكتب والقراءة فى العالم العربى، لابد من إحصاءات موثوق بها . وهنا تواجهنا قلة المعلومات الموثقة. ومع أن هناك مؤشرات كثيرة على أن معدل القراءة منخفض فى المنطقة العربية ، لكننا لا نعرف بالضبط حجم المشكلة .
مثلاً ، ليست هناك أرقام موثوقة عن إنتاج ومبيعات الكتب فى كثير من الدول العربية، ولا توجد مؤسسات متخصصة تقوم بجمع البيانات من الناشرين والمكتبات ومن الجهات التى تشرف على إعطاء " أرقام الإيداع " .
* ومع وضع هذه المشكلة فى الاعتبار ، فإننا نتناول فيما يلى ما بينته بعض الوثائق حول الكتب والصحف.
** أولاً : قراءة الكتب فى العالم العربى:
طبقًا لأحد التقارير التى تم تقديمها فى معرض فرانكفورت للكتاب عام 2013 ، جاء أن العالم العربى كله ، الذى تجاوز عدد سكانه ( 362 ) مليون نسمة عام 2012 ، أنتج عددًا سنويًّا من الكتب يقارب عدد الكتب التى تم إنتاجها فى بلد مثل " رومانيا " ، التى بلغ عدد سكانها ( 21.2 ) مليون نسمة عام 2012 ، وأوكرانيا التى بلغ عدد سكانها فى نفس العام 45.6 مليون نسمة . 
* ولعل أفضل ما بين أيدينا من وثائق ، تقرير " ماذا يقرأ المصريون " ، الصادر عام 2010 :
فعن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصرى ، صدر فى يناير 2010 ، تقرير عنوانه : " ماذا يقرأ المصريون " ، معتمدًا على إحصاءات موثقة، يمكن أن نتخذها مثالاً لحال الكتب والقراءة فى العالم العربى .
لقد تم وضع هذا التقرير بعد سنوات من تبنى الإرادة السياسية تنفيذ عدد من المشروعــات القوميــة، التى تهــدف إلى تثقيف المواطن المصرى وتنويع مصادر المعرفة المتاحة له ، مثل " مهرجان القراءة للجميع " الذى كان يهدف إلى تنمية الشعور بأهمية القراءة وحب الكتب لدى الأطفال ، و" مشروع مكتبة الأسرة " الذى يهدف إلى توفير أفضل الكتب بأسعار رمزية ، وهو ما يساعد كل أسرة على تكوين مكتبة منزلية بتكلفة زهيدة . والاهتمام بإنشاء وتطوير المكتبات التابعة لقصور وبيوت الثقافة المنتشرة فى كافة محافظات الجمهورية التى يقع معظمها خارج العاصمة القاهرة أو بعيدًا عنها. وكذلك مشروع "تطوير المحتوى الإلكترونى العربى" الذى يهدف إلى إثراء المحتوى الإلكترونى العربى .
- ومع نتائج كل هذه المشروعات الناجحة التى ساندها الإعلام بقوة ، نقرأ بعض ما انتهى إليه هذا التقرير ، الذى اعتمد فى معلوماته على الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ، وفقًا لنتائج مسح قام به مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء بالتعاون مع كلية الآداب بجامعة القاهرة فى شهر مارس 2009 ، لدراسة " واقع القراءة الحرة لدى الأطفال والشباب فى المجتمع المصرى "- وكذلك نتائج "مرصد أحوال الأسرة المصرية " ، الذى تم تنفيذه خلال عام 2008 ، على حوالى عشرة آلاف أسرة .
* زيادة عدد الكتب المؤلفة والمترجمة : يبين التقرير أن عدد الكتب المودعة بدار الكتب والوثائق المصرية ، [طبقًا للقانون المصرى للإيداع] خلال الفترة من عام (2000 ) إلى (2008 ) ، قد زاد حوالى 23.9 % [ عدد الكتب زاد على مليون عنوان عام (2008 ) ، مقابل 940.4 ألف كتاب عام ( 2000 ) ] .
* مدى الإقبال على قراءة الكتب : فى ضوء مسح " مرصد أحوال الأسرة المصرية " فى نوفمبر 2008 ، اتضح أن حوالى 88 % من الأسر المصرية لا يقوم أى فرد من أفرادها بقراءة أى نوع من أنواع الكتب ( بخلاف الكتب المدرسية ) - بينما أشار 4 % فقط من الأسر المصرية إلى أنهم يقومون بقراءة الكتب بانتظام .
* أرباب الأسر المصرية التى يقوم أحد أفرادها على الأقل بالقراءة ، يحرص 76% منهم على القراءة لأبنائهم .
* يقدر عدد الأسر المصرية ، التى يقوم أحد أفرادها على الأقل بممارسة القراءة، بحوالى (2.2) مليون أسرة ، منهم حوالى (1.5) مليون أسرة لديها مكتبة صغيرة بالمنزل [ يفترض أن كل أسرة مكونة فى المتوسط من خمسة أفراد ] .
* نوعية الكتب التى يقرؤها " أفراد الأسر الحريصون على القراءة " : يبين تقرير " ماذا يقرأ المصريون " ، نوعية الكتب المقروءة على النحو التالى : كتب دينية 78.5 % - كتب علمية 33.4 % كتب أدبية 29.2 % - كتب سياسية 11 % - قصص الأطفال والقصص البوليسية وكتب أخرى 4.4 % ( فقط !! )
* مدى الإقبال على قراءة الصحف والمجلات : 76 % مــن الأســر (المصريــة ) لا تقــوم بقــراءة الصحف أو المجلات على الإطلاق - بينما 7.1 % فقط من الأسر يقرءون الصحف والمجلات دائمًا وبانتظام - ومن يقرؤون أحيانًا 17.5% - ومن يقرؤون الصحف نادرًا 7.9% .
* أسباب عدم الإقبال على القراءة : يُرجع 71.7 % من الأسر المصرية ، السبب فى عدم اقبال المجتمع على القراءة بشكل كبير ، إلى طريقة وضع أولويات الحياة بالنسبة            للأسرة - يلى ذلك انخفاض الدخل وذلك بنسبة 55.8 % - ثم يأتى عدم وجود وقت للقراءة                              بنسبة 49.7 % - ثم يأتى ارتفاع أسعار الكتب بنسبة 41.4 % .
** اتجاهات القراءة من عمر 6 إلى أقل من 15 سنة : أرجع النشء أسباب عدم إقبالهم   على القراءة بشكل عام ، إلى عدم تشجيع الأسرة بنسبة 46.2 % - يليه كثرة القنوات التليفزيونية بنسبة 39.6 % - ثم كثرة الأعباء المدرسية ( الواجبات المنزلية ) بنسبة 35.6 % .
* أنواع الكتب التى يقبل عليها " النشء " : قام مركز المعلومات بالتعاون مع كلية الآداب جامعة القاهرة ، بإجراء مسح فى 2009 ، لدراسة " واقع القراءة الحرة لدى الأطفال والشباب فى المجتمع المصرى " ، وقد تم الاعتماد على عينة من النشء المترددين وغير المترددين على المكتبات من عمر 6 إلى أقل من 15 سنة ، وعينة من الشباب المترددين وغير المترددين على المكتبات من عمر 15 إلى 29 سنة .

- اتضح من هذه الدراسة ما يلى :
- 52.5 % من النشء المصرى ( ممن يقرءون ) : يفضلون قراءة القصص - يليها الكتب الدينية بنسبة 46.5 % .
- يقوم 55.3 % من النشء ( الذين اعتادوا القراءة ) بقراءة الكتب من خلال المكتبات  العامة - بينما يقوم 24.3 % بشراء الكتب أو القصص التى يقرءونها - تأتى بعد ذلك المكتبة المنزلية بنسبة 21.7 % .
- أشار 48.2 % من النشء إلى أن الدافع وراء ترددهم على المكتبة المدرسية هو قراءة الكتب القصصية والمجلات - يليه الحصول على معلومات عن موضوع معين بنسبة 37.6 % - أما من يترددون على المكتبات بهدف استعارة الكتب فهم يمثلون حوالى 10.6% .
- 85.2 % من النشء يرون أن " موضوع الكتاب " هو من أهم العوامل التى تؤثر فى اختيارهم لكتاب معين - يليه " المؤلف " بنسبة 23 % - تأتى بعد ذلك رسومات الكتاب بنسبة 21.3 % .
* تشجيـع النـشء على القـراءة : أشــار 77 % من النشء إلى أن " التشجيع على القــراءة " أحــد أهــم العوامل لدفع النشء نحو الكتب - يليه توفير الكتب - ويأتى بعد ذلك تخصيص حصص للقراءة فى المدرسة .
- يعد الوالدان من أكثر الأشخاص قدرة على التأثير فى النشء لتشجيعهم على القراءة .
- يــرى النشء المصــرى أن التوســع فى إنشـاء المكتبات ، والتشجيع على القراءة من خلال وسائل الإعلام ، من أهم العوامل التى تشجع النشء المصرى على القراءة .
* اتجاهات القراءة لدى " الشباب المصرى " :
- تحتل القراءة المرتبة الثالثة ضمن هوايات الشباب المصرى ، حيث أشار إلى                 ذلك حوالى 47.7 % من الشباب - وترتفع النسبة بين الإناث لتبلغ 53 % ، مقابل              الذكور 43.8 % .
- أهم الموضوعات التى يهتم الشباب بقراءتها : تستحوذ الكتب الدينية على النصيب الأكبر من اهتمام الشباب ، حيث يحرص على قراءتها 64.7 % من الشباب الذين يمارسون القراءة الحرة - تليها الكتب العلمية والتاريخية بنسب متقاربة 35.5 % و 34.2 % على التوالى - ثم تأتى القصص والشعر بنسبة 31.8 % و 30.7 % لكل منهما - بينما بلغت نسبة الكتب الدراسية 26.4 % .
- مصادر حصول الشباب على الكتب : تعتبر الاستعارة من المكتبات هى المصدر الأساسى الذى يحصل منه الشباب على الكتب التى يقرءونها بنسبة 60.9 % من الشباب الذين اعتادوا القراءة - يليها الشراء بنسبة 43.8 % - بينما بلغت نسبة الشباب الذين يعتمدون على الاستعارة من الزملاء كمصدر للحصول على الكتب 36.7 % .
* العوامل التى تؤثر فى اختيار الكتاب لدى الشباب : يعتبر موضوع الكتاب من أهم العوامل التى تؤثر فى اختيار الشباب للكتاب، حيث بلغت نسبته 89.9 % - بينما يعتبر اسم المؤلف ثانى أهم عامل فى اختيار الكتاب وذلك بنسبة 44 % من الشباب - يأتى بعد ذلك نصيحة من الآخرين - ثم ظهور تعليق عليه وذلك بنسبة 25 % و 16.6 % على التوالى .
* مدى إقبال الشباب على قراءة الكتب على الإنترنت : اتضح أن 73.6 % من الشباب المصرى [ من أفراد العينة ] يستخدمون الإنترنت ، والذكور أكثر استخدامًا للإنترنت من الإناث، حيث تبلغ النسب 77.7 % و 68 % على التوالى .
- 42.2 % من مستخدمى الإنترنت من الشباب يميلون إلى قراءة الكتب على الإنترنت . وتستحوذ موضوعات الكتب الدينية على النصيب الأكبر من اهتمام مستخدمى الإنترنت من الشبــاب ، حيــث يحرص على قراءتها 52.9 % من الشباب - تليها الموضوعات الرياضية بنسبة 49.3 % - ثم موضوعات البحوث والتعليم بنسبة 36 % .
** " مؤسسة الفكر العربى " : تقرير التنمية البشرية عام 2011 ( الذى شمل العالم العربى كله ) :
ويشير تقرير التنمية البشرية لعام 2011 ، الصادر عن " مؤسسة الفكــر العربــى " ، إلى أن هناك اختلافات فى الأرقام الخاصة بمعدل القراءة فى العالم العربى ، ويعود ذلك إلى الأدوات المستخدمة فى البحث والتحليل ، لكن أغلبها تصل إلى نفس النتيجة ، وهى وجود فرق شاسع بين ما يقرؤه المواطن العربى ونظيره فى الدول الأوربية ، وهو ما يثبت وجود هوة بين ثقافة المواطن العربى وثقافة المواطن الأوربى .
* إنتاج الكتب : ويقرر تقرير التنمية البشرية المشار إليه ، أن عدد النسخ المطبوعة (لكل  طبعة ) من كل كتاب عربى ، لا يتجاوز ألف أو ألفي نسخة ، وفى حالات نادرة يصل العدد إلى ( خمسة آلاف ) ، بينما تتجاوز النسخ المطبوعة لكل كتاب فى الغرب ( 50 ألف) نسخة ، وقد تصل إلى أكثر من هذا.
* أسباب الظواهر السابقة : ويرى هذا التقرير تعدد الأسباب التى تقف وراء أزمة القراءة فى الوطن  العربى ، أهمها ارتفاع مستوى الأمية - إلى جانب الصعوبات الاقتصادية التى لا توفر للمواطن العربى الوقت والمال للقراءة - إلى جانب النقص فى انتشار الكتب [ مثل : تركيز مبيعات الكتب فى المدن الكبرى فقط ، بل فى بعض الأحياء دون غيرها ،  كذلك صعوبات انتقال الكتب من بلد عربى إلى آخر لأسباب تتعلق بالعملة والجمارك والرقابة وتكاليف الشحن ] - وعدم تشجيع المناهج الدراسية على ربط المناهج الدراسية بالقراءة الحرة والمكتبة  المدرسية - ثم التربية الأسرية التى لا تهتم بتنمية عادة القراءة عند الأبناءِ ، ولا بتقديم القدوة لهم فى هذا المجال .
- كما يشير التقرير إلى الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى ، حيث يقضى المواطن العربى وقتًا طويلاً على هذه المواقع بدلاً من قراءة الكتب ، إلى جانب تنافس القنوات الفضائية للاستحواذ على أوقات القراءة .
* بعض الحلول : ويقترح تقرير التنمية البشرية لعام 2011 ، للخروج من هذه الأزمة ، أنه لابد للدول العربية ووزارات الثقافة والشباب والتعليم ، من وضع وتنفيذ الخطط من أجل غرس عادة القراءة عند الصغار والشباب - واتباع برامج تعليمية من شأنها تشجيع الطلاب على القراءة - وأيضًا تبنى البرامج التربوية والأسرية التى تشجع الأطفال على القراءة فى المنازل - إلى جانب البرامج والمسابقات الخاصة بالشباب لتشجيعهــم على القــراءة - وذلك ( كما يؤكد التقريـر ) ، للتغلـب على هذه الأزمة التى تهدد الوطن العربى ثقافيًّا وحضاريًّا وعلميًّا .
** مجلة " ذى إيكو نوميست " ، وواقع النشر فى العالم العربى  :
وفى عام 2016 ، نشرت مجلة " ذى إيكونوميست " دراسة حول واقع النشر فى العالم العربى ، وذكرت أن من أسباب قلة الكتب فى العالم العربى ، ما يواجهه الناشرون من مشاكل ، تتمثل فى : صعوبات تنفيذ قواعد حقوق التأليف والنشر - وعدم وجود موزعين جيدين للكتب - والعقبات البيروقراطية أمام إنشاء شبكات توزيع إقليمية - وانخفاض القوة الشرائية للعملاء المحتملين- وندرة متاجر ( مكتبات ) بائعى الكتب ، وقلة مكتبات القراءة العامة - فضلاً عن تحديات الرقابة .
- ويضيف تقرير المجلة الاقتصادية العالمية: " كل العوامل السابقة تتداخل معًا بطرق معقدة ، ففى حين أصبحت دول الخليج، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، من أسواق الكتب الكبرى ، فإن قيود الرقابة المفروضة هناك ، لها تأثير سلبى على ناشرى الكتب فى المنطقة ، الذين يُفَصِّلُون كتبهم وفقًا لمتطلبات الرقابة " .
- ويلفت التقرير إلى أن: دول الخليج تشهد بعضًا من أكبر معدلات النمو فى أعداد القراء، لاسيما بين القراء من النساء ، حيث أطلقت إمارة دبى صندوقًا بمبلغ ( 100 ) مليون درهم إماراتى ( أكثر من 27 مليون دولار أمريكى ) ، تحت عنوان : " الصندوق الوطنى لدعم القراءة " ، بهدف زيادة معدل القراءة فى مراحل الطفولة المبكرة والطفولة المتأخرة واليافعين ، فضلاً عن دعم الناشرين المحليين .  
- ثم تختتم المجلة تقريرها قائلة : تمتلك المنطقة العربية علاقات تاريخية عميقة مع الكلمة المكتوبة ، والتراث الأدبى الفنى ، وتحظى الكتب بالاحترام ، لكن المفقود فى تجربة القراءة قد يكون شيئًا بسيطًا للغاية ، ألا وهو : المتعة .
** ثانيًا : قراءة الصحف فى العالم العربى  :
قد يكون إلقاء نظرة على واقع توزيع الصحف فى العالم العربى ، وسيلة مساعدة لتكملة صورة الاهتمام بالقراءة .
- فقد نشرت صحيفة الأهرام المصرية فى عام 2016 ، تحت عنوان " واقع الصحف العربية فى دراسة " ، أن : " جامعة نورث ويسترن " الأمريكية ، نشرت دراسة مفصلة ، معتمدة على الأرقام والإحصاءات ، عن " واقع الصحافة اليومية الورقية فى العالم العربى ، ما بين عامى ( 2010 و2015  ) " .
وقال هذا التقرير ، إنه اعتمد على مزيج من الأبحاث ، والدراسات الميدانية ، ومعلومات مستقاة من دراسات أكاديمية ، ومن شركات أبحاث الأسواق .
- وتعترف الدراسـة بصعوبـة معرفـة الأرقـام الحقيقيـة لتوزيع الصحـف ، لكنهــا                        تعترف أن الصحف المصرية هى الأكثر توزيعًا فى العالم العربى بنسبة 37 % ، تليها الجزائر بنسبـة 21 % والسعودية ( 13% ) والإمارات ( 12% ) .
- وأن هناك 16.6 مليون نسخة من الصحف تباع يوميًّا فى المنطقة العربية ، [ لعدد سكان يزيد على ( 360 ) مليون نسمة !! أى بمعدل نسخة واحدة يوميًّا لكل 22 مواطنًا ، بنسبة 4 % يشترون الصحف يوميًّا ] .
** تقرير " جريدة الشرق الأوسط " حول الصحف فى العالم العربى                                            ( نوفمبر 2017):
وقد نشرت جريدة الشرق الأوسط فى 20 نوفمبر 2017 ، دراسة حول " الصحف الورقية فى العالم العربى " ، وقالت عن صحف مصر : " تراجع توزيع الصحف من 2.5 مليون نسخة يوميًّا إلى 400 ألف نسخة فى 2017 ، وذلك وفقًا لتقديرات خبراء التوزيع" [ لعدد سكان يزيدون على 95 مليونًا يعيشون داخل مصر ] .
وذلك بعد " عزوف آلاف المواطنين عن شراء الصحف ، لارتفاع أسعارها بنسبة (100 %) خلال الخمس سنوات الأخيرة ، بالتوازى مع زيادة أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية ، خصوصًا بعد تحرير سعر صرف الجنيه المصرى " .
ولذلك انصرف أغلب قطاعات المجتمع عن قراءة الصحف المطبوعة ، وخصوصًا الشباب ، واتجهوا إلى الحصول على معلوماتهم من الصحف الإلكترونية .
- ويقول التقرير : الأزمات التى تعانى منها الصحف المصرية ، لا تنطبق على الصحف الخليجية، لأن مستوى المعيشة بالدول التى تصدر منها مرتفع ولا تعانى من أزمات اقتصادية .
* وفى الإمارات ، فإن " المجلس الإماراتى لكتب اليافعين " ، شهد إطلاق مشروع " كتب صُنِعَت فى الإمارات " ، الذى يهدف إلى تشجيع الكتاب والرسامين الإماراتيين على تطوير مهاراتهم فى مجال كتابة ورسم كتب الأطفال واليافعين - وتعتبر " جائزة اتصالات لكتاب الطفل " التى تأسست فى عام 2009 ، إحدى أهم الجوائز المخصصة لأدب الأطفال فى العالم العربى – ومثلها " جائزة الشيخ زايد للكتاب فرع أدب الطفل " ( أبو ظبى) - وجائزة " ملتقى ناشرى كتب الأطفال" ( الشارقة ) - بالإضافة إلى صدور "قانون القراءة " لتشجيع القراءة ، وخلق بيئة حاضنة لأدب الطفل العربى .   

أهم الحقائق التى أظهرتها الدراسات السابقة

أولاً : عدد المطبوع :

- لا يتجاوز عدد النسخ المطبوعة من كل طبعة من أى كتاب عربى ، ألف أو ألفان         نسخة .
- هناك 6,16 مليون نسخة من الصحف تباع يوميًّا فى المنطقة العربية ، لعدد سكان يزيد عن 360 مليون نسمة ، بمعدل نسخة واحدة يوميًّا لكل 22 مواطن ، أى بنسبة 4 % فقط يشترون الصحف يوميًّا .

ثانيًا : واقع القراءة :

- 88 % من الأسر المصرية لا يقوم أيًّا من أفرادها بقراءة أى نوع من أنواع الكتب                   ( بخلاف الكتب المدرسية ) .
- 76 % من الأسر لا تقوم بقراءة الصحف أو المجلات على الإطلاق .
- يقدر عدد الأسر المصرية التى يقوم أحد أفرادها على الأقل بممارسة القراءة ، بحوالى 2,2 مليون أسرة ، منهم حوالى 5,1 مليون أسرة لديها مكتبة صغيرة بالمنزل .
- 79 % من القراء الحريصين على قراءة الكتب ، يقبلون على قراءة الكتب الدينية – تليها الكتب العلمية بنسبة 33.4 % - ثم الكتب الأدبية بنسبة 29.3% - وأخيرًا الكتب ذات الموضوعات السياسية بنسبة 11 % .
- الكتب التى يقرأها الأطفال ، من بين كتب أفراد الأسر الحريصون على القراءة ، تبلغ 4.4% ( فقط !! )
- 85.2 % من النشء ، يرون أن " موضوع الكتاب " هو أهم العوامل التى تؤثر فى اختيارهم لكتاب معين – يليه المؤلف بنسبة 23% .

ثالثـًا : أسباب تراجع القراءة :

- 72 % من الأسر المصرية يرون أن السبب فى عدم إقبال المجتمع على القراءة بشكل كبير هو انتشار الأمية ، ثم أولويات الحياة ، يلى ذلك انخفاض الدخول وذلك  بنسبة 56 % - ثم عدم تشجيع الأسرة ، ثم يأتى ارتفاع أسعار الكتب بنسبة 41 % . وبعد ذلك كثرة الأعباء المدرسية ( الواجبات المنزلية ) .
- هناك نقص فى انتشار عرض الكتب للبيع ، مثل تركيز عرض الكتب فى المدن الكبرى فقط .
- يقضى المواطن العربى وقتًا طويلاً مع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى ، بدلاً من قراءة الكتب .
- المناهج الدراسية لا تشجع على ربط تلك المناهج بالقراءة الحرة والمكتبة المدرسية .
- يواجه الناشرون مشاكل تتمثل فى عدم احترام قواعد حقوق التأليف والنشر -  وعدم وجود موزعين جيدين للكتب - والعقبات أمام إنشاء شبكات توزيع إقليمية للكتب -  وندرة مكتبات بيع الكتب - وقلة مكتبات القراءة العامة .
- 46 % من النشء يُرجعون أسباب عدم الإقبال على القراءة بشكل عام إلى عدم تشجيع   الأسرة ، يليها كثرة القنوات التليفزيونية بنسبة 40 % ، ثم كثرة الأعباء المدرسية بنسبة 26 % .

رابعًا : بعض الحلول :

- 57 % من النشء المصرى ( فى الفئة العمرية 6 – أقل من 15 سنة ) يطالبون التوسع فى إنشاء المكتبات ، التى تعتبر من أهم العوامل التى تشجع النشء على القراءة - يليها التشجيع على القراءة من خلال وسائل الإعلام ( 45 % ) .
- 76 % من أرباب الأسر المصرية - التى يقوم أحد أفرادها على الأقل بالقراءة - يحرصون على القراءة لأبنائهم .
- 82 % من النشء يرون أن الوالدين من أكثر الأشخاص قدرة على التأثير فى النشء لتشجيعهم على القراءة - يليه توفير الكتب - يليه تخصيص حصص للقراءة بالمدرسة .
- 61 % من الشباب الذين يمارسون القراءة يعتبرون الاستعارة من المكتبات هى المصدر الأساسى الذين يعتمدون عليه للحصول على الكتب - يليها الشراء بنسبة 44 % .
** ملاحظة مهمة : لم تتعرض أى دراسة إلى ضرورة الاهتمام بتغيير شكل ومحتوى الكتب الموجهة للأطفال والشباب الصغير ، كوسيلة رئيسية لجذب الأطفال إلى القراءة وحب الكتب.


الجزء الثانى
مستقبل كتاب الطفل والقراءة
فى عالمنا العربى المعاصر

ما سبق أن عرضناه فى الجزء الأول من هذه الدراسة ، يؤكد وجود أزمة حقيقية فى مجال تواجد كتب الأطفال ، وفى الإقبال على القراءة بين الأطفال واليافعين فى أرجاء العالم العربى . وقد ساعد على تفاقم هذه الأزمة ، ما تمر به عدد من البلاد العربية من أزمات وحروب عطلت معظم مجالات النشاط الأدبى والثقافى فيها .
لكن هذا لا يمنعنا أن نضع رؤية لتشجيع الأجيال الجديدة على القراءة ، وتشجيع الأسرة العربية على تفهم الدور الرئيسى لكتاب الطفل فى تنشئة أجيال عربية قادرة على العطاء ، وذلك فى ضوء المتغيرات الكبيرة والمتسارعة التى يشهدها العالم كله .
أولاً : دور الأسرة فى تنمية عادة القراءة عند الأطفال :
قال أحد الشعراء الإنجليز : " قد تكون عندك ثروة ضخمة لا تساويها ثروة أخرى ، تملأ عددً الا نهائيًّا من علب المجوهرات وخزائن الذهب ، لكن لا يمكن أن تكون أبدًا أغنى منى ، فقد كانت لى أم اعتادت أن تقرأ لى " .
فكل طفل يمكن أن يصبح قارئًا لا يشبع ، إذا استمتع فى سن مبكرة بمتابعة مَن يقدم له الكتب الجذابة المناسبة لعمره .
فتقديم الكتب المشوقة المناسبة للعمر ، والحديث عنها بصوت مرتفع لصغار الأطفال ، يوقظان خيالهم ، ويعملان على نمو مهاراتهم الحياتية والعقلية واللغوية ، بل يتضمنان أكثر من ذلك ، فهما يهيئان الأطفال لأن يقضوا مع المربين أوقاتًا سعيدة يسودها الحب والمشاركة.
وعندما تحكى الأم لابنها حكاية مناسبة لسنه ، وهو يتابع بمختلف حواسه الكتاب الذى تقدمه له ، فمن الطبيعى أن تسمعه أمه يقول بعد الانتهاء من الحكاية : " أماه .. احكيها لى مرة ثانية " ، فهذه هى الجائزة الثمينة التى تحصل عليها الأم فى مقابل تلك اللحظات التى تقضيها وهى تقدم الكتب لابنها  أو ابنتها ، وتشاركهما الاستمتاع بها .

* نتشارك الاستمتاع بالكتب مع الأطفال منذ اليوم الأول :
ولكى تحصل الأم على هذه الجائزة ، فإن عليها أن تبدأ بتقديم الكتب لطفلها منذ اليوم الأول لولادته .
فالطفل الذى جعلناه يشترك معنا فى الاستمتاع بالكتب منذ ولادته ، عندما يذهب إلى روضة الأطفال ، يكون قد شاهد وسمع ولمس عشرات الكتب ومئات الأشكال والرسوم ومثيرات مختلف الحواس ، وآلاف الكلمات ، وعندئذٍ لن يجد صعوبات فى تعامله مع مشرفة الروضة أو مع الكتب والقراءة .
لقد أصبح لديه مجموعة خبرات هائلة ، ومحصول لغوى يساعده على الإقبال على فهم ما يسمعه ويراه من مشرف أو مشرفة الحضانة أو الروضة ، وبذلك يكون أكثر قدرة على الاستمتاع والإصغاء والتركيز مع ما يسمع وما هو مطلوب منه ، وبتعبير آخر سيكون طفلاً جاهزًا ليقرأ ، وراغبًا فى القراءة .
** والسؤال هو : ما هى نوعية الكتب التى يمكن أن نقدمها لصغار أطفالنا ، ونتشارك معهم فى الاستمتاع بها منذ أول أيام أو أسابيع قدومهم إلى هذا العالم ، لتنمية علاقة حب بينهم وبين الكتب تدوم معهم بقية حياتهم ؟
* للإجابة عن هذ السؤال ، نحاول فى هذا الجزء من الدراسـة إلقاء الأضــواء على بعض المتغيرات الأساسية فى مجال الكتب والقراءة فى العالم ، ومدى تأثر العالم العربى بهذه التغيرات ، التى نتج عنها أن عادة القراءة فى العالم الغربى لم تتأثر كثيرًا، سواء تمت القراءة من على الشاشات أو الورق ، بعد تطوير كتب الأطفال والشباب الصغير للحفاظ على عادة القراءة وحب الكتاب والاستمتاع به . 
* ومن أهم أمثلة هذه التطورات ، التنبه إلى أهمية الدور الرئيسى لإشراك مختلف الحواس فى تنمية عادة القراءة عند الأطفال ، وفى تقريب الكتب إليهم ، وإنشاء علاقة حب بينهم وبينها منذ الأيام والشهور الأولى من حياة الطفل .
- كذلك ، ولأهمية مواجهة آثار " عصر الصورة " على أدب الأطفال ، وما نلاحظه من أن الوسائل المرئية قد عَوَّدت عيون الأطفال على مشاهدة الأشياء بغير الاقتصار على قراءة وصف لها أو مجرد الاستماع إلى هذا الوصف ، فقد قاد هذا إلى اكتشاف أهمية الكتب المرسومة بالرسوم المتتالية (الاستربس) ، والتعرف على أساليب تقديم هذه الكتب لمراحل عمرية  متعددة ، وما ترتب على هذا من تغيرات ، وهو ما سبق أن واجهته السينما عند تحويل الأعمال الأدبية إلى أفلام سينمائية ، وتم عندئذٍ اكتشاف أسس كتابة السيناريو السينمائى ومدى اختلافه عن كتابة النص الأدبى المقروء فى كتاب .
- كذلك فإن نجاح العالم الرقمى مع الأطفال يقوم على التفاعل ، والمشاركة ، وإعطاء الطفل أدوارًا أكثر إيجابيــة ، وكان لابد لهــذا التفاعــل والتواصــل والمشاركــة أن تصبح من أساسيــات الكتب الموجهــة للأطفال ، للحفاظ على حماسهم للتعامل مع هذه الكتب .
- وفى الخاتمة ، نشير إلى تطور دور المدرسة ، ثم أجهزة الإعلام ، فى تنمية عادة القراءة عند الأطفال واليافعين .



القسم الأول

** القراءة بالحواس الخمس ، وإعطاء الطفل دورًا أكثر إيجابية فى التعامل مع الكتاب :
تنبه مَن يقدمون الكتاب الورقى ، وكذلك الكتاب الإلكترونى ، إلى أن الأساليب التقليدية تهمل دور معظم الحـواس فى تلقى ما هو مكتوب ، وبالتالى تحرم الطفل من استخـدام أهم ما أعطتــه له الطبيعــة لاكتساب الخبرات المتنوعة .
إن علماء التربية يوضحون أن الإدراك الحسى هو نشاط ذهنى ، يُضفى على الخبرات الحاسية البصرية والسمعية والشمية واللمسية والتذوقية ، معانٍ تنبع من اتصال هذه الإحساسات بالجهاز العصبى للطفل ، ومن اتصال معانيها اتصالاً يؤدى إلى رسم خطوط رئيسية للحياة العقلية المعرفية ( د . عواطف إبراهيم محمد : " التربية الحاسية لأطفال الرياض " ) .
- لهذا تهتم التربية فى مرحلة ما قبل المدرسة ، برعاية النمو الحاسى للطفل رعاية مزدوجة ، تتضمن :
أ - تدريب حواس الطفل على ملاحظة الأشياء ، ولمسها ، والقبض عليها ، وتداولها بين يديه ،  وشمها ، والاستماع إلى ما يصدر عنها من أصوات ، وتذوقها ، حتى يتعرف على خصائص هذه الأشياء من خلال لعبه ونشاطه الذاتى .
ب - تنوع خبرات الصغير ونشاطاته الحركية ، والسمعية ، والتذوقية ، والشمية ، والبصرية ، التى يمر بها ، حتى يكتسب معرفة متكاملة بالأشياء الموجودة فى بيئته ، ويساعد هذا على تكامل نمو شخصيته ومعارفه وقدراته العقلية .
* الكتب الورقية التقليدية ، بل والكتب الإلكترونية ، تهمل كثيرًا من القدرات الحاسية :
- وفى ضوء هذا التأكيد من علماء النفس والتربية على دور حواس الرضيع والحضين وطفل الروضة فى اكتساب المعرفة والنمو العقلى والسلوكى ، اتضح أن  الكتب ، سواء الورقية التقليدية أو الإلكترونية، لا تقدم لمختلف الحواس ما يساعد الطفل فى اكتساب الخبرة المتكاملة مما يقرأ أو يطالع .
- فالكتاب الورقى الذى يعتمد على الصورة المسطحة ، وكذلك الشاشات المختلفة التى لا تقدم أى تنويع للملامس : ناعم وخشن ، بارز وغائر ، لين وصلب ، وبغير تجسيم يساعد على التعرف على الوزن والحجم والفروق بين الحجوم ، تفتقد عنصرًا من أهم العناصر التى هيأتها الطبيعة ليكتسب الطفل من خلالها مختلف أنواع الخبرة ، والتفرقة بين هذه الأنواع ، وإدراك مدى ثراء هذا التنوع .
- كذلك لم يكن الكتاب الورقى التقليدى يقدم شيئًا لحاسة السمع ، كما أن الشاشات لم تكتشف بعدُ كثيرًا من الإمكانات المتسعة للوسائط المتعددة .
* تحدى تكنولوجيا الشاشات الرقمية :
لكــن المشاركيــن فــى تقديــم كتــب الأطفــال ، مــن مؤلفيــن ومصمميــن ورساميــن
وناشرين ، لم يلبثوا أن أدركوا أن أفضل ما يتميز به الكتاب الورقى عن الشاشات ، هو إمكانات تطويره لكى يقدم لمختلف حواس الطفل ما يثرى خبراته ، وهو إثراء يستحيل أن تقدمه  الشاشات ، مثل الملامس والأوزان والمسافات والروائح ، بالإضافة إلى التجسيم ، وهو ما تم اكتشافه نتيجة التساؤل حول سبب الإقبال الشديد ، لكل الأطفال وفى كل الأعمار ، على اللعبة ، بداية من عمر صفر ، وعدم حماس معظمهم للإقبال بنفس الحماس على الكتاب فى شكله الورقى التقليدى .
- وهكذا بدأت ثورة حقيقية فى تكنولوجيا كتب صغار الأطفال ، تهدف إلى إشراك أكبر عدد من حواس الطفل فى التعامل مع الكتاب ، وذلك كما تتعامل كل حواس الطفل مع اللعبة منذ الأيام الأولى لمجيئه إلى هذا العالم ، وعلى وجه خاص حاسة اللمس التى يستخدمها صغار الأطفال على نطاق واسع ، وهو ما لا تتيحه لمعظم الحواس الكتب الورقية ولا شاشات الكمبيوتر والوسائل الرقمية الأخرى .
إنها كتب تم إبداعها لتناسب أطفالاً لم يتعلموا القراءة بعد . كتب يقرؤها الأطفال ، ليس بالكلمات ، بل برؤية صفحاتها أو أجزاء منها تتجسم وتتحرك ، تختفى وتظهر ، تضىء وتنطفئ ، وباللمس بالأصابع ، والاستماع إلى الموسيقى والأصوات والكلمات ، بل والشم أيضًا ، فبهذه الوسائل يدرك الأطفال العالم ، ويستطلعون ، ويكتسبون الخبرة ، ويتعلمون ، ثم يبدعون .
- بل حتى بالنسبة للكبار أيضًا ، أصبح الكاتب يحمل القارئ على معايشة عالم الرواية من خلال الحواس كلها : حواس أبطال القصة ، وحواس القارئ المتلقى أيضًا .
فإذا كان تركيز الكاتب على ما هو إنسانى من مشاعر وأحاسيس وأفكار وانفعالات وعواطف ، فكل هذا يتم نسجه استجابة لما سبق أن تلقته مختلف الحواس من تأثيرات وخبرات ، نتيجة التفاعل مع الأحداث والشخصيات .
* ونتيجة لهذه الثورة فى تكنولوجيا كتب الأطفال ، أصبحنا نشاهد كل عام ، فى معرض بولونيا الدولى لكُتب الأطفال بإيطاليا ، وفى معرض فرانكفورت الدولى للكتاب بألمانيا ، الآلاف من الكُتب التى تقترب من الألعاب ، فهى تتجسّم ، وبها أجزاء تتحرَّك ، أو تـصدر عنها أصوات وأضواء أو موسيقى ، أو يتحسَّس الطفل صفحاتها ، أو يشمها.
كمــا وجدنــا كُتبًــا صفحاتها ليســت مــن الأوراق ، بل من القُماش أحيانًا ومن البلاستيــك أو غيره من الخامات مثل " الفوم " فى أحيان أُخرى ، أو البلاستيك الشفاف فى أحيان ثالثة ليستطيع الطفل تكوين صور جديدة أو ألوان جديدة عندما تنطبق صفحة على أخرى .
** إعطاء الطفل دورًا أكثر إيجابية فى التعامل مع الكتاب :
- وبالإضافة إلى هذا التطوّر الأساسى فى كُتب صغار الأطفال ، والتى أصبحت تتعامل مع مُختلف حواسه ، فإن هذه الكُتب أصبحت تعتمد أيضًا على إعطاء الطفل دورًا إيجابيًّا فى التعامل معها . فلم تعد تكتفى بما يتلقاه الطفل بحواسه من الكتاب ، بل أصبحت تطلب منه القيام بنشاط أو عمل ما ، أو تُلقى عليه أنواعًا من الأسئلة ، ولكى يجد الإجابة عنها لابد أن يتفاعل مع الكتاب ، ويُضيف إليه بتدخُّل إضافى منه حتى يكتمل استقباله لما فيه.
- ومن أبرز وأحدث الأمثلة على مثل هذه الكُتب التى بدأت مُعظم  دور نشر كُتب صغار الأطفال فى تقديمها ، الكُتب القصصية التى تُقدِّم خلال النص ، وبجوار الكلمات  والأسماء، رسومًا تدل على كل شخصية من إنسان أو حيوان أو نبات أو جماد . ويتكرَّر الرسم كُـلَّما جاء فى النص ذكر تلك الشخصية . وعندما يستمع الطفل إلى نص يقرؤه له أحد الكبار ، ويرى تلك الرسوم ، يبحث فوق صندوق الموسيقى والأصوات المُثبَّت إلى غُلاف الكتاب ، إلى أن يتعرَّف على الرسم الذى يدل على الشخصية التى جاءت فى النص ، فيضغط على ذلك الرسم ، عندئذٍ يستمع إلى العلامة الصوتية أو الموسيقيّة التى تدل على تلك الشخصية .
بهذا يستخدم الطفل ، بطريقة إيجابية ، البصر واللمس والسمع ، للبحث والتعرّف ، فيرتبط مع الكتاب وشخصيات القصة بكل هذه الحواس والأنشطة .
بالإضافة إلى قيامه بعمل إيجابى يشارك من خلاله فى استقبال النص، عندما يبحث عن الرسم ، وعندما يضغط على الرسم الذى يدل على إحدى الشخصيات فوق صندوق الموسيقى والأصوات . 

* كُتب المعلومات لصغار الأطفال :
           
وقبل رُبع قرن ، كانت كُتب صغار الأطفال لا تُقدّم إلا قصصًا بسيطة ، أو صورًا مُتفرّقة لأشياء يجدها الطفل عادة فى بيئته ، لكن تلك الكُتب لم تكن تقترب  مما نُسميه "كُتب المعلومات" .
أما الآن ، فإن أكثر من نصف الكُتب المُقدّمة لسن ما قبل المدرسة ، أصبحت تتناول ما يُمكن أن نُسميـه " كُتب المعلومات " ، أو تساهم فى تنمية عدد من القدرات العقلية المهمة ، وتحرص على أن تقدم كل هذا فى ضوء ما سبق أن ذكرناه من القراءة بالحواس الخمس ، ومن إعطاء دور أكثر إيجابية للطفل فى التعامل مع الكتاب .

- كذلك أصبحنا نجد كُتبًا مجسمة متحركة لها أصوات ، تقدم معلومات عن الحواس الخمس ، أو أجزاء الجسم ، أو شكل الوجه والجسم عند التعبير عن مُختلف الانفعالات، أو تُقدِّم مُختلف المفاهيم أو الأرقام أو الفروق بين الكميات ، مثل كبير وصغير ( مفهوم الحجم ) ، أو فوق وتحت ( مفهوم المكان ) ، أو بعيد وقريب ( مفهوم المسافات ) ، أو غيرها.        
- إن التكنولوجيا الجديدة لكتب صغار الأطفال ، من الميلاد إلى السادسة أو السابعة من العمر ، أصبحت تُشكّل ثورة حقيقية فى مجال كُتب الأطفال ، فقد أصبحت تتعامل مع حواس الطفل الخمس ، كما أصبحت تُعطى للطفل دورًا إيجابيًّا مُتناميًا من خلال المشاركة وتعامله التفاعلى مع الكتاب .
- كما أصبحت تُقدّم ، بجانب القصص والصور ، كثيرًا من المفاهيم وكُتب المعلومات، التى تُبدع ، فى تنوع مُدهش ، مختلف الأساليب الجديدة ، لكى تُناسب أطفالاً لا يقرءون الكلمات ، لكن لديهم الاستعداد العقلى للتعرّف والبحث والمُقارنة والاستنتاج ، عن طريق الحواس ، والتفاعل الإيجابى مع الكتاب .
وهكذا أصبحت الكتب قريبة من الطفل وجاذبة وممتعة له ، مثلها مثل اللعبة ، لأنها أصبحت تُقَدَّم إليه بالطريقة التى هيأت الطبيعة بها صغار الأطفال لاكتساب الخبرات . وبالتالى وجدنا الكتاب قد عاد ليصبح جزءًا من حياة واهتمام " كل " طفل فى أوربا والولايات المتحدة وكندا .
* وعدد مهم من مثل هذه الكتب ، يمكن أن يتم تصنيع ما يماثلها بطريقة يدوية تلبى حاجة أطفالنا .



القسم الثانى

** آثار "عصر الصورة " على أدب الأطفال : " الكتب التصويرية " :
وقد أصبحنا اليوم أمام جيل أو أجيال تَرَبَّت على قصص الرسوم المسلسلة فى مجلات الصغار ( الاستربس / الكومكس ) .
كما أننا نعيش " عصر الصورة " ، بسبب الانتشار الواسع للوسائل المرئية من تليفزيون وسينما وفيديو، وبرامج وألعاب كمبيوتر ، وتزايُد اعتماد الصحافة على الصورة ، فمع كل خبر أو مقال توجد صورة أو صور ، ولو من " الأرشيف " .
- يقول الدكتور شاكر عبد الحميد فى كتابه " عصر الصورة " : " الصورة لم تعد تساوى ألف كلمة - كما جاء فى القول الصينى المأثور - بل صارت بمليون كلمة وربما أكثر " .
" لقد أصبحت الصور مرتبطة الآن ، على نحو لم يسبق له مثيل ، بكل جوانب حياة الإنسان ، فأصبح هناك حضور جارف للصور فى حياة الإنسان الحديث .. "
- ويضيف الدكتور شاكر : " لكن ما زالت مباحث الصورة فى العالم العربى تعانى الضعف والوهن ، نظرًا إلى هيمنة اللغوى على البصرى فى حقل الثقافة العربية المعاصرة " .

- وقد عَوَّدَت الوسائل المرئية عيون الأطفال على مُشاهدة الأشياء وليس الاستماع إلى وصف لها ، لهذا أصبحوا ، فى كتبهم ، فى حاجة إلى صور ورسوم لكل ما يمكن أن تراه عيونهم ، ولم يعودوا مستعدين "لقراءة وصف " لما يمكن أن يتعرفوا عليه بواسطة حاسة البصر .
لذلك حدثت زيادة هائلة مفاجئة فيما يصدر من كتب الرسوم المُسَلْسَلة (الاستربس / الشرائط ، والتى يمكن أن نطلق عليها " النصوص التصويرية " ) ، التى يتلازم فيها النص مع رسم لكل فقرة ، ليس لصغار الأطفال ، بل للعمر المتوسط ( 8 - 12 سنة ) ، وللشباب الصغير ( من 13 - 18 سنة ) ، الذين أصبحت الصورة تلعب بالنسبة لهم دورًا مُهمًّا فى التشجيع على القراءة والتحمس لها ، وهو ما يقرره عدد كبير من الخبراء فى أنحاء العالم (برو جودوين:"كتب الأطفال .. دراستها وفهمها" - 2008 ) .
وبدأنا نجد أهم كلاسيكيات الأدب العالمى ، مثل قصص مسرحيات شكسبير وروايات كبار الكتاب العالميين ، يُعاد تقديمها فى كتب من هذا النوع الذى انتشر انتشارًا هائلاً ، وهو ما جعل معظم  دور النشر العالمية ( النشر الورقى ) تخصص اهتمامًا يتزايد عامًا بعد عام لإصدار مثل هذه الكتب ، التى يُقْبل عليها المزيد من شباب القراء كل يوم ، بعد أن أصبحت الصورة تجذب انتباههم بنفس قوة جاذبية النص ، مثلما تحتل الصورة مكان الصدارة على الشاشات . 
وفى هذا يقول أحد كبار المتخصصين فى أدب الأطفال الإنجليزى : " تقدم القصص التصويرية للقراء من جميع الأعمار الكثير مما يمكنهم اكتشافه . بالإضافة إلى أن هذه القصص تلعب دورًا فى تشجيع القراءة والتحمس لها بين صفوف المراهقين ( أو صغار البالغين ) من القراء " .
ويضيف : على الرغم من أن النصوص التصويرية كانت تستهدف فى أول أمرهــا الأطفــال الصغــار ، فإن معظم ما يُنشر منها اليوم يستهدف القراء الأكبر سنًا ، على الرغم من أن بعضها قد يروق أيضًا لصغار القراء - وهى نصوص يمكن أن تتناول أى موضوع أدبى .
- لقد أصبح نقاد أدب الأطفال فى الغرب يعتبرون النصوص التصويرية عالمًا موازيًا لعالم القصة ، بعد أن أصبحت تحظى باهتمام كبير فى أمريكا وفى كثير من دول أوربا .
- بل هناك الآن من يرون أن النصوص التصويرية وسيلة ناجحة لجذب من لا يقرءون كثيرًا . وهناك عدد كبير من المدرسين يدركون أنها تعد من أفضل الأنماط الأدبية وأكثرها تحفيزًا فى مجال تعليم القراءة ( المرجع السابق الإشارة إليه ) .  
- تزايد الاهتمام بارتفاع مستوى النص المكتوب " بجوار " الرسوم :
لكن أحد الفروق الرئيسية بين النصوص التصويرية التى تُكْتَب " لصغار الأطفال "، والنصوص التصويرية التى تُقدَّم حاليًّا بكثرة " للشباب الصغير " ، هو تزايد الاهتمام بارتفاع مستوى النص المكتوب " بجوار " الرسوم ، واقترابه من مستوى النص الأدبى الجيد المتكامل ، لمعالجة ما كان يُوَجَّه دائمًا إلى رسوم الكومكس والاستربس لصغار الأطفال ، من أنها تجنى على المستوى القرائى لاهتمامها بالرسوم على حساب تهميش النص المكتوب . ومن أفضل ما تلجأ إليه هذه الكتب حاليًّا ، كتابة النص خارج كادر الرسوم وليس داخلها فى بالونات .

- أما فى العالم العربى ، فقد بدأ التنبه أخيرًا إلى هذه  النوعية من الكتب ، لكن الاهتمام بها لا يزال محدودًا جدًّا حتى الآن .
** أثر السينما وألعاب الفيديو على القراء الصغار :
كذلك أصبحت أفلام السينما من أهم الفنون التى يتعايش معها أطفالنا حاليًّا منذ الطفولة المبكرة ، قبل أن يجيدوا القراءة بوقت طويل ، وذلك نتيجة تعوُّد الأسرة على فتح التليفزيون طوال النهار طالما الكبار داخل المنزل ، دون التنبه إلى أثر ذلك على صغار الأطفال ، أو لعدم إدراك البالغين لوجود مثل هذا الأثر أصلاً .
ونتيجة لذلك تَشَكَّل تذوق الأطفال للعمل الروائى المقروء بالبناء الفنى الذى تحرص عليه أفلام السينما ، وعلى وجه خاص الأفلام الموجهة إلى الأطفال .
- ولا شك أنه كلما اقترب بناء العمل القصصى أو الروائى وإيقاعه من هذا الذى تَعَوَّد الأطفال على مشاهدته والتفاعل معه ، كان ذلك عاملاً مهمًّا فى جذبهم إلى القراءة، وتذوقهـم لما يقــرءون من أعمــال روائية أو قصصية . 
لهذا فإن الأديب الذى يكتب للأطفال ، لابد أن يتنبه إلى تأثير مُشاهدة أطفال الأجيال  الجديدة - على نحو مستمر ومتواصل - لأفلام السينما ، سواء شاهدوها عن طريق الفيديو بالمنازل ،      أو شاهدوها مع الكبار فى عدد كبير من القنوات الفضائية التى تخصّصت فى تقديم الأفلام .


* ومن أهم آثار مشاهدة الأطفال لأفلام السينما ، أن عيون الأطفال تعودت أن "ترى" الأشياء:
أشكال الملابس ، طُرز العمارة ، مفردات الأثاث ، عناصر البيئة (صحراء - بحر - قرية -مدينة) ، وتأثيرات المناخ ( سماء صافية / سُحب / أمطار .... ) ، وبالتالى قَلَّ اهتمامهم                        " بقراءة وصف " لهذا الذى تعوَّدت عيونهم أن تستوعبه جيدًا بغير حاجة إلى كلمات .
- لذا فإن أدباء الأطفال لم يعودوا فى حاجة إلى إطالة الوصف لما يمكن أن تراه العين .. فهل أصبح عليهم أن يتركوا مُهمة الوصف البصرى لعمل الرسام ، الذى أصبح دوره ضروريًّا ومطلوبًا حتى بالنسبة لكُتب المراهقين والشباب ؟!
* كما تَعَوَّد الأطفال على الاستماع إلى " الحوار المباشر " ( direct speech ) ، سواء فى الأفلام أو التليفزيون - فلم يعودوا يتقبلون كثيرًا أن نكتفى بأن نسرد لهم مضمون الحوار ( indirect speech ) .
* كذلك قد نتساءل عن تأثير الطول الزمنى للأفلام على عدد كلمات وعدد صفحات كتاب الطفل - ذلك أن زمن عرض فيلم الأطفال يتراوح ما بين ( 50 ) دقيقة وساعة وربع أو ساعة ونصف - فهل تأثرت قدرة الطفل على الاستمرار فى المطالعة ، وأصبحت محدودة بعدم القدرة على الاستمرار فى القراءة زمنًا أطول من فترة عرض الفيلم ، مع مُراعاة اختلاف القدرة باختلاف العمر ؟
- مع ملاحظة أنه لابد من دراسات ميدانية تدور حول أطفال العالم العربى ، ولا نكتفى بالاعتماد على دراسات تتم فى أوربا أو أمريكا ، لاختلاف المناخ الثقافى المحيط بالأطفال .


القسم الثالث

** تأثير التفاعل الذى يقود إليه العالم الرقمى على قصص وأدب الأطفال : 
التفاعل والتواصل اللذان يقـود إليهما العالم الرقمى - وهو تواصل بين الشباب يتم بعيدًا عن رقابة الكبار فى معظم الأحيان - قد أصبحا يؤثران فى أسلوب حديث الشباب وكتاباتهم ، وفى أساليب  تَعَلُّمِهم ، وفى نظرتهم إلى الطريقة التى يفهمهم بها الراشدون والأسلوب الذى يفهم به الراشدون الشباب ، وهو ما ترك آثاره الكبيرة على "موضوعات " أدب الأطفال ، و " أساليب معالجتها " .
إن عددًا كبيرًا من الدارسين يؤكدون أن تواصل الأطفال والشباب الصغير عن طريق الإنترنت والوسائل الرقمية ، قد أصبح مؤشرًا يدل على أن الأطفال أهل لتحمل المسئولية، يبحثون عن التواصل ، أكثر من أنهم أبرياء يحتاجون إلى الحماية .
لقد أثر النت فى شبابنا ومستقبلنا ، وأصبح مصدرًا أساسيًّا " لإعطاء السلطة " للشباب ، نتيجة حرية التعبير ، والتواصـل بين مجموعـات كبيرة  استمدت القوة من تجمعها بغير قمع أو تسلط من الكبار .
وهكذا وجدنا الراشدين الذين اعتادوا أن يقولوا عن الشباب إنهم " أصغر كثيرًا من أن يفكروا ، وأصغر كثيرًا من أن يعرفوا " ، قد تم إجبارهم على أن يروا وأن يعرفوا - ويحترموا - القدرات المتسعة المتزايدة للأطفال والبالغين الصغار ( الشباب الصغير – اليافعين ) .
وبعد أن كان الكبار يتصورون أن الشباب فى حاجة دائمة إلى حماية الراشدين ، أصبح الراشدون لأول مرة على مدى التاريخ يجدون أنفسهم فى حاجة إلى الشباب .
 كما أن " المشاركة " وليس " التسلط " قد ظهرت بطرق مختلفة ، وبدأت القدرات الإنسانية للشباب فى الانطلاق بعد أن كانت مقيدة ، كما أصبح واضحًا أن المجتمعات التسلطية فى طريقها إلى التحول لتصبح مجتمعات ديمقراطية .
- ولا شك أن هذا التغير العميق سيؤثر، على نحـو حاسم، فى الموضوعات الأدبية الموجهة للأطفال والشباب الصغير ، وفى رسم الشخصيات ، وفى علاقات الأجيال ببعضها، وفيما يقوم بين أفرادها من صراع وأزمات تتركز حولهما العقدة فى كثير من الأعمال الأدبية والفنية .
وبالتالى سيؤثر فى إقبال الأطفال والشباب على قراءة ما يعبر عنهم ، وما يثير اهتمامهم هم ، وليس ما يثير اهتمام " الكبار " .
** اتجاهات معاصرة فى " موضوعات " قصص الأطفال :
كما أدى هذا التفاعل والتواصل الخلاق ، إلى إثارة اهتمام الأطفال والشباب الصغير بموضوعات جديدة معاصرة فى الأدب الموجه إليهم ، مثل الموت ، وأبناء الطلاق ، ووجود أخ فى الأسرة معاق أو متخلف عقلِيًّا ، ومرض أحد الوالدين مرضــًا طويلاً يجعل الشخص عاجزًا عن خدمة نفسه ، وفَقْد الأب لوظيفته أو تعرضه لحملة تشهير ظالمة .. كل هذه كانت موضوعات محرمة فى أدب الأطفال ، لكن كُـتـَّـاب الأطفال وجدوا الطرق التى يستطيعون أن يكتبوا بها للأطفال مهما كان الموضوع حسَّاسًا أو شائكًا .
كان هذا هو أحد الموضوعات الرئيسية فى اللقاء الذى تم مع أعضاء رابطة كُـتَّاب الأطفال بنيويورك خلال عام 2009 ، حول الاتجاهات الحديثة فى موضوعات أدب الأطفال .
كما تناول اللقاء أساليب تقديم المستقبل للأطفال ، وتنمية قدراتهم على الإبداع والتخيل والابتكار ، وتنمية أساليب التفكير العلمى والمنطقى لديهم ، ووسائل زيادة التفاعل بين الطفل والكتاب لمواجهة تحديات عصر الكمبيوتر والإنترنت .
مع أهمية تناول موضوعات تدور حول المحافظة على البيئة ، والتسامح وتَـقَـبُّل الآخرين ، وأهمية العمل كفريق ، واللغة غير المنطوقة التى يعتمد عليها الأطفال فى الاتصال بالآخرين مثل ملامح الوجه وحركات الجسم ونغمات الصوت .
* لقد أصبح أدب الأطفال قادرًا على تناول كل ما يخطر على البال من موضوعات ، وتكمن موهبة الكاتب فى طريقة وأسلوب هذا التناول ، بما يتناسب مع قدرة الطفل على الفهم والاستيعاب .
** حدود أثر تقديم الكتاب المرئى المسموع على الشاشات :

وقد ثار تساؤل : هل يكفى للطفل أن يرى ويسمع الكتاب ، وقد تم نقله كما هو برسومه وكلماته على الشاشات ؟

شركات الإلكترونيات والكمبيوتر والأجهزة الرقمية المختلفة ، مع إمكانياتها التكنولوجية الهائلة ، تشكو من أنه لا خبرة لها فى مجال النشر عمومًا ، والنشر للأطفال على نحو خاصٍّ .

لذلك فإنها ، مــن خــلال ندوة مُوسَّعـةٍ أقيمــت أثنــاء إحــدى دورات معــرض بولونيــا الدولى لكُتب الأطفال بإيطاليا ، طلبت التعاون مع دور نشر كُتب الطفل فى مُختلف بلاد العالم ، لوضع وسائل الاتصال الرقمية الجديدة فى خدمة ثقافة الأطفال وكُتب الطفل .

- فالمسألة ليست مُجرَّد تسجيل الكتاب على شريط أو أسطوانة مدمجة ( C.D ) ، بل وجدوا ضرورة استخدام " اللغة الخاصة " لهذه الوسائل وإمكانياتها ، من حركة وموسيقى ومؤثرات صوتية وأساليب إخراج وتمثيل وعرائس ورسوم متحركة ، وتصوير خارجى ومقابلات مع شخصيات مشهورة أو مُحببة للأطفال وغيرها من وسائل، لتقريب المواد التى تحتوى عليها الكُتب الرقمية إلى الأطفال ، وجعلها أكثر تشويقًا وجاذبية ، فتصبح أكثر تأثيرًا على مشاعرهم وعقولهم واتجاهاتهم وقيمهم ومعارفهم ، وذلك مثلما يفعل كاتب السيناريو السينمائى ومخرج الفيلم عند تحويل عمل أدبى إلى فيلم .
- ويتطلب هذا ظهور جيل جديد من الكُتـَّاب والخبراء والفنانين ، يُتقنون فنون تقديم الكتاب المرئى والمسموع ، ويستخدمون مهارات وخبرات مُختلفة فى كثير جدًّا من النواحى عن خبرات مؤلفى ورسامى ومخرجى كُتب الأطفال الورقية الحاليين مهما بلغت مواهبهم وقدراتهم .

القسم الرابع

** الإقبال على القصص والروايات التى تدور فى أجواء واقعية معاصرة ، أوتتناول موضوعات اجتماعية : 
لوحظ بالنسبة لإنتاج دور النشر العالمية ، إقبال متزايد من الشباب الصغير على الروايــات التى تدور فى أجواء معاصرة ، أو تتناول موضوعات اجتماعية ، بعد موجــة من الاهتمام بروايات الفانتازيا أو الخيال المنطلق التى تمثلها سلسلة روايات " هارى بوتر ".
- ولعل السبب فـى ذلك ، هـو طغيان أخبار الأحداث اليومية شديدة الإثارة - والمرتبطة بواقع الناس وحياتهم فـى مختلف بقاع العالم - على موضوعـات الصحف ونشرات الأخبار فى الإذاعــة والتليفزيون ، وفى وسائل الاتصال الحديثة التى أصبحت فى " جيب " كل شاب صغير ( من عمر 9 إلى 18 سنة ) .
- كذلك فإن برامج تليفزيون الواقع - ومن أهم برامجه ، مثلاً ، برامج " عالم الحيوان" - قد طغت كثيرًا على برامج الخيال أو الفانتازيا ، واجتذبت أعدادًا غفيرة من الأطفال الشباب. بـل أصبحـت هنـاك قنـوات متخصصـة فى مثـل هـذه البـرامـج ، مثــل "ناشيـونــال جيوجــرافيــك " و " أنيمل بلانت " ( كوكب الحيوانات ) ، و " ديسكفرى " (الاكتشافات) .
- بالإضافة إلى تزايد اهتمام جماهير الناس فى مختلف المجتمعات ، وبالتالى الإعلام، بقضايا التنمية البشرية ، وحقوق الإنسان ، والعدالة الاجتماعية ، والصحة ، والتعليم ، والبطالة ، وأمثالها من قضايا معاصرة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بحياة الناس اليومية ومطالبهم الاجتماعية .  
- يقول " برو جودوين " فى كتابه " كتب الأطفال " :
" على الرغم من أن عنصر الخيال يعد أحد جوانب أدب الأطفال الذى ظل سائدًا خلال السبعينيات والثمانينيات ( من القرن 20 ) ، فإن " الواقعية الاجتماعية " أصبحت هى الموضوع المهيمن على الكتابة ، فقد أصبح الكُتـَّـاب يتناولون فى قصصهم قضايا شخصية وأخرى عامة ، تتضمن الشئون العِرْقية والحرب والموت والإعاقة الجسدية والثورات الداخلية والقلق النفسى المصاحب لمرحلة المراهقة وكذلك الاضطرابات النفسية ... وذلك بشكل أكثر انفتاحًا من كُتَّاب الخيال " .
* " لقد أصبح الكُتـَّاب يكشفون عن قضايا هامة معاصرة ، قد يعتبرها البعض أكثر مناسبة لتكون موضوعات لقصص الكبار . إلا أن قصص الأطفال دائمًا ما كانت تعكس سمة من سمات العصر الذى تُكتب فيه ، والأطفال - شأنهم شأن الكبار - لا يقرءون لمجرد المتعة فقط ، بل أيضًا بغرض التعرف على سِمات مجتمعهم ، ولكى يفهموا أيضـًـا أسلوب حياة الآخرين بشكل أفضل" .
- كما يتركز اهتمام هذه الكتب على " رحلة الفــرد الداخليــة " التى يخوضهــا نحو فهـم ذاتـه بشكل أفضل ، وعلاقته بما يسود العالم من تعقيدات " .
- " وإذا نظرنا إلى قائمة المؤلفين الذين فازوا حديثـًـا بجائزة " كارنيجى " لأدب الأطفال ( وهى أهم جائزة لأدب الأطفال فى إنجلترا ) ، يتبين لنا أن الاهتمام بتلك الموضوعات الاجتماعية والمعاصرة يعد سمة من سمات الأدب المعاصر بالنسبة لصغار البالغين والأطفال الأكبر سنًّا ، وهو نفس الحال بالنسبة للروايات الفائزة فى أمريكا " بجائزة نيوبرى " لأدب الأطفال " .
- تقول " فالنتينا إيفاشيفا " فى كتابها " الثورة التكنولوجية والأدب " :
" الروايات الخيالية المعاصرة آخذة فى التناقص فى شعبيتها وتأليفها والاستمتاع بها .
إن جمهور قراء الروايات ذات الصبغة الخيالية قد أصبحوا ينظرون إلى هذه الروايــات نظــرة يشوبها عدم الثقة ، وقد انتزعت مكانتها وحلَّت محلها المؤلفات البعيدة عـن الخيـال Non-fictional مثل التراجم والمذكرات والكتب التاريخية " .
" ولكى يستمتع المؤلف حاليًّا بالنجاح الأدبى على أعلى مستوى جاد ، ينبغى أن تكون الرواية " غير خيالية " ولو بقدر معين ، فقد أصبح على الكاتب أن يؤلف كتابًا عن موضوع معين درسه دراسة مستوفاة ، ويضمنه تفصيلات واقعية بما فيه الكفاية ، ومع ذلك يُنْسِى القارئ أن الكتاب ليس من نسج خيال الكاتب" . 
* وفى العالم العربى ، تغير أيضًا موضوع الأعمال الروائية والقصصية الموجهة إلى الأطفال والشباب الصغير :      
ذلك أن كامل كيلانى ، (  1897- 1959 ) الذى يمثل الجيل الأول من رواد أدب الأطفال فى مصر والعالم العربى ، قد أصدر حوالى (150) كتابًا ، تستمد موضوعات قصصها كلها مما كان الكيلانى يُطلق عليه " الأساطير " ، فقد قال : " ليس أروع من الأسطورة يتمثل بها الإنسان " .
- أما الجيل التالـى للكيلانى ، فقـد اهتـم بـأن يُعبّـر عن البيئـة المصريـة والطفـل المعاصـر وقضاياه، وهى قضايا لها جانبها الإنسانى العام ، مثل تنمية الإبداع، والتفكير العلمى ، والاهتمام بالمستقبل ، وبحقوق الإنسان والطفل ، وقبول الآخر ، وعدم التمييز بين الفتى والفتاة ، وتنمية الشعور بالانتماء إلى الوطن ، ودور العلم فى حياتنا ، والمُحافظة على البيئة ، وقضايا ذوى الاحتياجات الخاصة، والطفل العامل ، وأطفال الشوارع ، ومحو الأمية ، ودور المرأة فى التنمية ، وهى الموضوعات التى جعلها كاتب هذه الدراسة خلفية عدد كبير مما كَتـَبَه من قصص وروايات للأطفال والشباب الصغير . (يُراجع ما صدر له من قصص وروايات عن دار المعارف - مصر) .
تقول د . ماريا ألبانو أستاذ الأدب العربى بالجامعات الإيطالية : " والفضل الكبير للشارونى فى إدخال الرواية الاجتماعية فى أدب الأطفال فى العالم العربى. والهدف هو تنمية الإحساس فى ضمائر الأفراد تجاه المشكلات الاجتماعية " . ( يُراجع كتابها "القصة المصرية الحديثة للأطفال" ) .
- لكن هذا التحول إلى الاهتمام بالواقع الاجتماعى ، يسير حاليًّا - فى العالم العربى - جنبًا إلى جنب مع تقديم الحكايات الخيالية بحس معاصر .

القسم الخامس

** نماذج لما يمكن أن تقوم به المدرسة لتنمية عادة القراءة ، ولغرس عادة الاعتماد على الكتب :
وإذا كنا قد تناولنا فيما سبق أهمية دور الأسـرة فى تنميــة علاقــة حــب بيــن الطفــل

والكتاب ، وأوضحنا كيف تطورت تكنولوجيا كتب صغار الأطفال لكى يتعامل الطفل معها بكل حواسه ، مع إعطاء الطفل دورًا أكثر إيجابية فى التعامل مع الكتاب ، عن طريق التفاعل والمشاركة ، وكيف أصبحت كتب الأكبر سنًّا تعتمد على نحو كبير على الصورة ، مع استجابتها للتغيرات فى علاقة الصغار بالكبار ، وفى اهتمامها بموضوعات ترتبط بما جدَّ على المجتمعات المعاصرة من قضايا واهتمامات ، فقد رأينا أن نشير – فيما يلى - إلى بعض "الآليات " التى تحرص عليها معظم مدارس أوربا وأمريكا ، فى سبيل الحرص على استمرارية ارتباط الأجيال الجديدة بالكتب والقراءة .
- لقد لاحظنا فى كافة نتائج الاستطلاعات التى عرضناها حول القراءة والكتب فى العالم العربى ، كيف أشار كل من شارك فيها إلى أهمية وجود تشجيع من الأسرة ، وإلى ضرورة قيام المدرسة بدورها فى هذا الشأن .
* ونكتفى هنا بعرض بعض النماذج الأهم ، لما شاهدناه فى مدارس الولايات المتحدة على وجه خاص ، من أساليب فعالة فى هذا المجال .. إنها " آليات " يلتزم بها النظام التعليمى ، ولا يُتْرَك فيها الأمر لتقدير الـمَدْرَسَة أو المعلم .
* ربط المنهج المدرسى بالمكتبة المدرسية :
ففى معظم المدارس قبل الجامعية فى أمريكا ، من فصل ( 1 ) إلى فصل ( 12 ) ، نجد أن درجات " أوراق أعمال السنة " ، تحتم الاعتماد على المراجع الورقية من كتب المكتبة، وتمنع تمامًا الاعتماد على معلومات مستقاة من الشاشات .
ففى نيويورك ، تابعتُ لأكثر من 25 سنة ، بعض أبناء العائلة وأصدقائهم ، فى مختلف مراحل التعليم ، فوجدت أن التكليف الأسبوعى بكتابة " أوراق " ( أبحاث ) فى موضوعات مختلفة مرتبطة بالمواد الدراسية ، هى الوسيلة الأساسية لتقدير "درجات أعمال السنة " ، لكنهم يشترطون على الطلبة أنه لابد من الاستعانة بعدد من المراجع الورقية - من مكتبة المدرسة أو غيرها - لا يقل عددها - مثلاً - عن مرجعين ، وممنوع تمامًا الاعتماد على أى موقع من النت ، لما لوحظ من أن الشاشات تحتوى على ملايين المواقع غير الموثوق من صحتها أو دقتها ، ولأن الكتب أكثر إحاطة بالموضوعات التى تتناولها ، ولأن آلاف وملايين الكتب المهمة لم تجد لها مكانًا بعد على الشاشات .
* كتب لقراءات عطلة المدارس الصيفية :
كما أنه ، قبيل عطلة المدارس الصيفية ، توضع قائمة " بالقراءات الصيفية " - مثلاً قائمة من عشرة كتب لكل صف من صفوف المرحلة الأولى ، يختار التلميذ من بينها ثلاثة أو أربعة كتب يقرؤها فى العطلة - وفى الشهر الأول من السنة الدراسية الجديدة ، تتم مناقشة كل تلميذ ، وسط زملائه ، شفويًّا، فيما قرأ - وتكون الدرجات حول هذه المناقشة أول درجات " أعمال السنة " - ويراعى فــى اختيــار الكتب أن تتنوع ما بين نصوص أدبية وكتب معلومــات علميــة ، ليختار الطالب من بينها ما يتفق مع ميوله.    
- أساليب مدرسية أخرى للتشجيع على قراءة الكتب :
* دقائق للقراءة : ذات يوم كنا نتحدث عن تنمية الاتجاهات والعادات عند الأطفال فى مجال القراءة ، فقالت إحدى الخبيرات المتخصصاتِ فى مجال التربية :
كنْتُ أحضرُ مؤتمرًا فى الولاياتِ المتحدةِ ، فذهبْتُ لزيارة مدرسةٍ ابتدائيةٍ .. أثناءَ الزيارةِ وفى تمامِ الساعةِ العاشرةِ صباحًا ، دقَّ جرسُ المدرسةِ بطريقةٍ خاصةٍ ..
فوجئْتُ بكلِّ مَنْ فى المدرسةِ من تلاميذَ ومُدرِّسينَ ، يتركونَ ما فى أيديهم من كراساتٍ أو أنشطةٍ أو حديثٍ ، ويتناولُ كلٌّ منهم كتابًا أو مجلةً أو صحيفةً وينهمكُ فى المطالعةِ ، بشرطِ أن تكونَ المادةُ المقروءةُ خارجَ المنهجِ المدرسِىِّ .
وسادَ المدرسةَ هدوءٌ عجيبٌ لمدةِ عشرِ دقائقَ ، وقد استغرقَ كلُّ من فيها فى القراءةِ . ثم علمْتُ أن هذه الدقائقَ العشرَ تتكـرَّرُ كلَّ يومٍ على امتدادِ العامِ الدراسِىِّ . وفى نهايةِ كلِّ أسبوعٍ ، تُخصَّصُ حصة دراسية لمناقشةِ أهمِّ ما قرأهُ التلاميذ خلالِ هذه الدقائقِ .
وخَتَمَتِ الخبيرةُ حكايتَها قائلةً : " هكذا ينشرونَ الوَعْىَ بأهميةِ القراءةِ ، ويُنَمُّونَ عادةَ القراءةِ بدونِ أىِّ نفقاتٍ ، بل فقط بالجدِّيَّةِ والالتزامِ عندَ تنفيذِ هذه الفكرةِ البسيطةِ ، وبالقدوةِ التى يقدِّمُها الكبارُ للصغار خلال دقائقِ القراءةِ اليوميةِ " .
* تنافُسٌ للوصولِ إلى المعلوماتِ بأنفسِهم : فى إحدى زياراتى لمدرسة ابتدائية فى نيويورك ، سألت المعلمة تلاميذ فصلها : " ما المقصودُ بكلمةِ " البيئةِ " ؟ ثم استمعَت إلى عدةِ إجاباتٍ فى درسٍ عن حمايةِ البيئةِ ، بعدئذٍ أشارَتْ إلى تلميذةٍ وقالَتْ : "أحضِرى دائرةَ المعارفِ" .
تصوَّرْتُ أن الفتاةَ ستغادرُ قاعةَ الفصلِ لتذهبَ إلى مكتبةِ المدرسةِ ، لكننى وجدْتُها تتجهُ إلى رفًّ منخفضٍ مُثبّتٍ على الحائطِ الخلفىَّ لحجرةِ الدراسةِ ، ثم توقَّفَتْ أمامَ عددٍ كبيرٍ من المجلداتِ المتشابهةِ ، اختارَتْ أحدَها وأحضرَتْه .
ثم طلبَتِ المعلمةُ من تلميذٍ آخرَ أن يبحثَ عن الكلمةِ ، وأن يقرأ المكتوبَ عنها .
ثم أشارت إلى ثالث ، فوقف يشرح ما فهمه مما سمع .
عدْتُ أتاملُ ذلك الرفَّ الخلفىَّ ، فرأَيْتُ إلى جوارِ مجلدات دائرةِ المعـارفِ ، كتــابَ خرائــطَ ( أطلس ) كبيــرَ الحجمِ ، وكرةً أرضيةً ، وقاموسًا .
وعـرفْــتُ أن كلَّ فصــلٍ يتــمّ تزويــدُه بهــذه " المراجــعِ الأساسيــةِ " . وأن المنهــجَ المدرسِىَّ يتطلبُ من المدرسينَ ، منذُ السنةِ الأولى الابتدائيةِ ، أن يطلبوا من تلاميذِهم أن يستخدموا هذه المراجعَ بأنفسِهم، على نحوٍ يومِىٍّ دائمٍ ، ومع مختلف الموادَّ الدراسيةِ .
بل يطلبونَ أن يوجَدَ فى بيتِ كلَّ طالبٍ نُسَخٌ مشابهة لها ، للمساعدة فى القيام بالواجبات المنزلية . ووجدْتُ معظمَ التلاميذِ يتعاملونَ مع هذه المراجعِ بسهولةٍ وبحماسٍ ، فقد كانَ هناك نوعٌ من التنافسِ بين التلاميذِ حولَ أسبقيةِ البحثِ والوصولِ إلى المعلوماتِ بأنفسِهم . 
* تعلموا كيف يفكرون : وذات مرة استمعت إلى رئيسة مركزِ تطويرِ المناهجِ بوزارةِ التربيةِ ( المصرية ) تحكى الواقعة التالية .. قالت : أثناءَ وجودى فى إحدى الدول الأوربية ، زرْتُ فصلاً لأطفالٍ تتراوحُ أعمارُهم بينَ التاسعةِ والعاشرةِ .. دهشْتُ عندما وجدْتُهم قد أزاحوا المقاعدَ إلى جوارِ الحوائطِ ، وجلسوا على الأرضِ المفروشةِ بالسجادِ ، وانهمكَ كلّ خمسةٍ منهم فى عملٍ مشتركٍ .
اقتربْتُ من إحدى المجموعاتِ ، فوجدْتُ طفلاً يقرأ على بقيةِ أفرادِ المجموعةِ قصةً من تأليفِهِ أو قرأها لكنه أضاف إليها أو غَيَّر فيها ، وطفلةً تلقى كلماتِ عن الجوانب التى أعجبتها فى القصة .
ثم قامَ طفلٌ ثالثٌ بإبداءِ رأيهِ فى الشخصياتِ ، والمواقفِ التى أثارَتِ اهتمامَهُ . بعدها بدأ طفلٌ رابعٌ ، فاقترحَ للقصةِ عنوانًـا آخرَ أو خاتمةً جديدةً ، أو ذكر بعضَ مواقفِها غيرِ المعقولةِ . أما الخامسُ فلخَّصَ كلَّ ما قيلَ .. وهكذا قامَ كلُّ طفلٍ بدورٍ مُحدَّدٍ .
ثم بدأ طفلٌ آخرُ يقرأ قصةً أخرى كتبها بنفسه ، وتغيَّرَتِ الأدوارُ ، فمَنْ كانَتْ تبين ما أعجبها، أصبحَتْ ناقدةً ، وهكذا . وعندما انتهَى كلُّ واحدٍ من قراءةِ قصتِهِ ، كانَ كلُّ طفلٍ قد قامَ بجميعِ الأدوارِ .
قالَتِ الأستاذةُ : " هكذا – من خلال نشاط مرتبط بالقراءة وقص القصص - تَعلَّمَ الأطفالُ كيف يُعبِّرونَ عن أنفسِهم ، وكيف يكونُ تقييمُ العملِ الأدبىِّ بعد قراءته . وقبلَ كلِّ شىءٍ ، تَعلَّموا أدبَ الحوارِ وتقبُّلَ  النقدِ ، وهذه هى الأهدافُ الحقيقيةُ من التعلُّمِ : أن يتعلَّمَ الأطفالُ كيف يفكِّرونَ ويُبْدِعون ويتصرَّفونَ ، وليسَ كيفَ يحفظونَ !! "    




القسم السادس

** دور الإعلام فى التوعية بأهمية الكتاب والقراءة :
كذلـك أكـدت الاستطلاعات والإحصائـيات التـى عرضـناها فـى الجـزء الأول مـن الدراســة ، أن التشجيــع على القــراءة من خلال وسائل الإعلام ، من أهم العوامــل التى تشجع النشء على القراءة .
[ وهنا لابد أن نشير إلى أن هذا الاستطلاع تم عام (2010) فى مصر، فى تلك الفترة التى كان الإعلام اليومى النشط مثابرًا على بث رسائل يومية جذابة للأسرة والأفراد لتأكيد أهمية القراءة والكتاب للنجاح فى الحياة ] .
- ويهمنا أن نضيف هنا بعض المبادرات التى يقوم بها العالم ، من خلال الإعلام، للتشجيع على القراءة والاهتمام بالكتاب .  
- حوار مع جريدة الأهرام حول التشجيع على القراءة فى 26 فبراير 2016
وننقل هنا ما قلته ، ونشرته الأستاذة جيهان الغرباوى الكاتبة الكبيرة فى صحيفة الأهرام :
هل تذكرين وقت تفجير برجى التجارة العالميين ؟ هل تعرفين أنهم ، حين أرادوا أن يبلغوا الرئيس الأمريكى بالخبر ، أين وجدوه ؟ كان يقرأ إحدى القصص للأطفال ( ! )
العالم كله شاهد صورة رئيس أمريكا يومها ، فى الصحف وعلى الشاشات ، [وهناك صور منشورة مثلها لرؤساء قبله وبعده ] ، وهو يقرأ قصة من أكثر قصص الأطفال شهرة ، للأطفال الصغار فى إحدى مدارس الروضة .. إنه تقليد معتاد فى أمريكا . لكن لماذا يقوم به رئيس الجمهورية ؟ .. لأن هناك إرادة سياسية قوية لنشر عادة القراءة بين الأطفال ، ولكى تكون هناك قدوة لها أهميتها وتأثيرها ، فإنهم يختارون رئيس الولايات المتحدة نفسه ليقدم هذه القدوة لكل أسرة ولكل معلم .
وقد تدهشين لو قلت لكِ إن عبد الناصر كان يفعل نفس الشىء .
** عبد الناصر كان يفعل نفس الشىء فى مصر !! كيف ؟
* عبد الناصر كان شديد الاحتفاء بالثقافة والفنون ، مثلاً فى عام 1960 ، اقترح عبد الناصر إقامة مسابقة لكتابة المسرحيات والروايات التى تحكى للجيل الجديد بطولات الشعب المصرى من خلال الفن ، وقام بتنفيذ المبادرة المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية ، فأقام مسابقة تقدم لها حوالى مائتين من كتاب المسرح والرواية ، وفى تلك المسابقة فازت بالمركز الأول المسرحية التى كتبتها حول انتصار أهل المنصورة على الجيش الفرنسى وأسر ملكهم لويس التاسع فى دار ابن لقمان بالمنصورة ، وعنوانها " أبطال بلدنا " ، فقرر عبد الناصر أن يُقام حفل توزيع الجوائز فى مدينة المنصورة موقع الأحداث ، وأن يقوم بنفسه بتسليم الجوائز للفائزين .
وكان مقررًا أن يُقام الحفل فى قاعة المكتبة المركزية للمحافظة ، لكن عبد الناصر وجد نصف مليون مواطن فى انتظاره بالميدان المتسع الذى تطل عليه المكتبة ، احتفالاً بزيارته لمدينتهم المنصورة ، فما كان منه إلا أنه أمر بنقل الميكروفونات ومراسم الاحتفال لشرفة تطل على ذلك الميدان ، وهو أكبر ميادين مدينة المنصورة .
وقبل أن يقترب من عشرات مكبرات الصوت التى ستنقل خطابه إلى كافة أرجاء العالم العربى ، وقبل أن يحيى الجماهير ، قال " نحن هنا من أجل الأدب والثقافة والمسرحيات الفائزة ، لذا يجب أن تكون الكلمة الأولى ليعقوب الشارونى صاحب الجائزة الأولى ( كان عمرى وقتها 29 عامًا ) ، وقدمنى عليه لألقى كلمتى ، تقديرًا لدور الأدب والثقافة .
كانت مفاجأة مذهلة بالنسبة لى ، غيرت مجرى حياتى ، حتى إننى بعد أن ألقيت كلمتى، قررت أن أستقيل من عملى فى السلك القضائى كنائب بهيئة قضايا الدولة ، وأترك العمل القضائى نهائيًّا ، وأتفرغ لكتابة الأدب وقصص الأطفال ، بعد هذا التكريم العلنى من الزعيم الكبير ، لدور الأدب والفن والثقافة فى بناء الشعب والمواطن، وبعد هذه الرسالة القوية التى أرسلها لتأكيد هذا الدور .
* دور مهم للأعمال الأدبية ، وللأفلام السينمائية المأخوذة عنها ، فى تنمية عادة القراءة :
وأذكر هنا مثالاً آخر ، قامت به مجموعة روايات " هارى بوتر " ، والأفلام السينمائية المأخوذة عنها .
فلعل من أهم أسباب إقبال المراهقات بوجه خاص على قراءة روايات هذه السلسلة ، ما تميزت به بطلة هذه الروايات من تقديم العون لزميليها ، معتمدة فى ذلك على اللجوء إلى المكتبة والقراءة فى الكتب.
فكلما واجهت الأبطال الثلاثة الرئيسيين ، مشكلة ، فإنها هى التى تعود إلى المكتبة تبحث فيها، إلى أن تنجح فى العثور على الحل أو التفسير أو التوجيه .
وبهذا أصبحت الكُتب والمكتبة بطلاً رابعًا دائمًا لأبطال الروايات ، عن طريق استخدام البطلة الفتاة قدراتها المتميزة فى هذا المجال .
ولابد أن نلاحظ الأثر النفسى للقرّاء ، عندما يعثر الأبطال على حل لما يواجههم من مشكلات خطرة ، عن طريق اللجوء إلى المكتبة والكُتب . إن هذا يؤكّد فى وجدان القارئ ( والمشاهد للأفلام المأخوذة عن الروايات ) أهمية القراءة للتقدم والنجاح فى الحياة والتغلّب على المشكلات.
* كتب من قماش :
- ويمكن أن نذكر مثالاً آخر لدور الإعلام فى التنبيه إلى حلول مُيَسَّرَة لمواجهة غلاء أثمان الكتب، أو لعدم وجود نوعيات معينة من الكتب المناسبة لصغار الأطفال .
فعندما زارت القاهرة ، خبيرةُ ثقافة الأطفالِ العالميةُ " آن بلوفكسى " ، فى السنوات الأولى من  القرن (21) ، ذكرت أنهم فى جمهوريةِ " مالى " بإفريقيا ، يُقدِّمونَ برنامجًا أسبوعيًّا فى التليفزيون ، مُوجَّهًا إلى الآباءِ والأمهاتِ ، يُبيِّنونَ فيه كيف يصنعونَ لُعَبًا أو كُتبًا أو وسائلَ تعليميةً بوسائلَ بسيطةٍ جدًّا، وذاتِ فائدةٍ كبيرةٍ لأطفالِهم .
ومن أهمِّ ما تعلَّمَهُ الآباءُ والأمهاتُ من هذا البرنامجِ ، طريقةُ صنعِ كتبٍ لصغار الأطفال من القماشِ، تبيعُها الأسرُ المُنتِجةُ إلى المؤسساتِ التعليميةِ ورياضِ الأطفالِ . ["الأسر المنتجة " تستفيد من برنامج " القروض متناهية الصغر " ، الذى توفره الحكومات للأسر الفقيرة ، للمساهمة فى الانتاج ، ولرفع مستوى دخل الأسرة] .
قد يكونُ الكتابُ من صفحةٍ أو من عشرِ صفحاتٍ ، رسومُهُ عبارةٌ عن أشكالٍ من القماشِ ، تتمُّ حياكَتــُها فوقَ الخـَلْفِيَّةِ ، مثل فنِّ " الخيامية " فى مصرَ ، مع كلمة واحدة فوق كل صفحة .



هكذا أصبحَتِ الكُتبُ القماشُ صناعةً منزليةً رائجةً ، تضيفُ دخلاً معقولاً للأسرةِ .. وفى نفسِ الوقتِ تقدِّمُ للمؤسساتِ التعليميةِ والتربويةِ حاجتــَها من هذه الكتب التعليميةِ، الناجحةِ جدًّا مع صغارِ الأطفالِ ، لقدرتهم على التعامل معها بحاسة اللمس بجوار النظر ، بالإضافة إلى جاذبية خامة القماش واستجابتها للعب الأطفال ، من طى و " كرمشة " ، ثم استعادتها لشكلها المعتاد .

* الخاتمة :
وفى الخاتمة ، من المهم التأكيد على أننا لسنا فى حاجة لأن نعلِّم الأطفال "كيف يقرءون " ، لكننا فى حاجة إلى أن نوقظ فيهم " الرغبة فى القراءة " . علينا أن نعلم الأطفال كيف يحبون الكتب ، وكيف يرغبون فى الاستمتاع بما فيها من وسائل تخاطب الحواس ، ومن حكايات وأشكال وملمس وألوان وأصوات وأضواء وحركة .
وفى كل مرة نشترك فى الاستمتاع بكتاب مع الطفل ، فنحن نرسل رسالة ممتعة إلى ذهنه تربطه بالكتاب .
وإذا وجدنا طفلاً يتلقى عقله رسائل غير ممتعة مرتبطة بالقراءة عند التحاقه بالمدرسة ، فذلك لأنه لم يتلقَّ رسائل ممتعة فى طفولته مرتبطة بالقراءة .
إن إحدى القدرات الأساسية التى يتمتع بها صغار الأطفال ، هى القدرة على التقليد.. وكلما شاركنا أطفالنا فى الاستمتاع بما نقدمه لهم من كتب ، فإننا نقدم لهم القدوة من خلال ما يسمعون ويشاهدون .
وبعض الآباء والأمهات يظنون أن صغار الأطفال مبرمجون ليستخدموا اللغة بطريقة آليَّة عند عمر معين ، ثم تنتابهم الدهشة عندما يكتشفون الكم الكبير من الكلمات والعبارات التى تعلمها طفلهم من مشاهدة وسماع إعلانات التليفزيون .
لهذا علينا أن نتعلم من الطريقة التى يتعلم بها الأطفال من إعلانات التليفزيون :
- فعلينا أن نقدم الكتب لأطفالنا فى سن مبكرة جدًّا ، وهى السن التى تسيطر عليهم فيها الرغبة فى تقليد كل ما يشاهدون أو يسمعون.
- كما يجب أن نتأكد أن ما نقدمه لهم يمتعهم ويجذب انتباههم بدرجة كافية ، فى نفس الوقت الذى يثير فيه خيالهم ، ويخاطب كل حواسهم [ كما تفعل اللعبة ] .
- ولنبدأ بتقديم الكتب لأوقات قصيرة تناسب قدرتهم البسيطة على التركيز والمتابعة، وبالتدريج يمكن أن نطيل لحظات المشاركة للاستمتاع بالكتب .
- كذلك لابد أن تتضافر جهود المجتمع كله ، مع أجهزة النشر والإعلام والتريبة والثقافة ، ليس فقط لتوفير الكتب والمكتبات للأطفال ، بل أيضًا لتنبيه الأسرة والراشدين إلى دورهم الأساسى فى تكوين عادة القراءة المنتجة المفيدة لدى الطفل .



- لكن لنحذر أن ندفع الطفل فى مرحلة ما قبل المدرسة نحو تعلُّم القراءة ، بل لنجعل جهودنا محصورة ، فى هذه الفترة ، فى تنمية علاقة حب بين الطفل والكتاب ، بدون أن نخرج عن نطاق المتعة البريئة واللعب المسلى .


أهم المراجع

- دون تابسِكوت : " جيل الإنترنت .. كيف يغير جيل الإنترنت عالمنا " - طبعة أولى ( 2009 ) -                     ترجمة : كلمات عربية للترجمة والنشر ( 2012 ) .
- برو جودوين : " كتب الأطفال - دراستها وفهمها " SAGE للنشر لندن ( 2008 ) - ترجمة : عائشة حمدى - نشر : مجموعة النيل العربية ( 2011 ) .
- فالنتنا إيفشيفا : " الثورة التكنولوجية والأدب " - ترجمة عبد الحميد سليم - الهيئة المصرية العامة للكتاب ( 2006 ) . 
- د . شاكر عبد الحميد : " عصر الصورة " - سلسلة " عالم المعرفة " - المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب - الكويت ( 2005 ) . 
- د . ماريا ألبانو : " القصة المصرية الحديثة للأطفال " - ترجمة من الإيطالية - الهيئة المصرية العامة للكتاب ( 2009 ) . 
- كامل كيلانى : " مجموعة مؤلفاته للأطفال " .
- يعقوب الشارونى : " تنمية عادة القراءة عند الأطفال " - سلسلة " اقرأ " - دار المعارف -                       القاهرة مصر - طبعة 4 ( 2005 ) .
-                            : " القراءة مع طفلك " - سلسلة " اقرأ " - دار المعارف - القاهرة مصر - ( 2012 ) .
-                            : " قصص وروايات الأطفال فن وثقافة " - سلسلة " اقرأ " - دار المعارف -                       القاهرة مصر - ( 2012 ) .
-                               : " 100 يوم حول العالم " - سلسلة " اقرأ " - دار المعارف - القاهرة مصر - ( 2017 ).
- هذا بالإضافة إلى ما أشرنا إليه من مراجع فى نص الكتاب .













ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق